Bahrain Centre for Studies in London

مستقبل انتفاضة البحرين: الدور السعودي والرهانات الإقليمية والدولية

Attachments:
Download this file (The Future of Bahrain’s Uprising- the Saudi role, plus regional and internationa)The Future of Bahrain’s Uprising-the Saudi role,plus regional and international[مستقبل انتفاضة البحرين: الدور السعودي والرهانات الإقليمية والدولية]1051 Kb

مقدمة

يسود انطباع عام بين المراقبين للأزمة في البحرين بأن هناك جموداً سياسياً يلفّها؛ بالرغم من صخب الشارع وتظاهراته الهادرة، بل وتصاعد حدّة الوضع والصدام بين قوى الأمن والمتظاهرين، مع ما يصحبها من قتل واعتقال وانتهاكات، ما فتئت منظمات حقوق الإنسان الدولية تشير اليها وتندد بها.

فحتى الآن، هناك شكوك كبيرة في تطبيق جميع توصيات تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في أحداث البحرين والتي شكلت في أواخر يونيو 2011 (تقرير بسيوني)، خاصة تلك المتعلقة بالجوانب السياسية والتمييز الطائفي، كما في التوصية رقم 1725 (ر) المتعلقة بإجراء حوار وطني، الذي يفترض أن يفتح كوّة ومخرجاً لحلّ سياسي. إذ لا زال الحكم في البحرين غير محبّذ لحوار هو في واقعه بين طرفي الأزمة (العائلة المالكة والمعارضة الشيعية وعلى رأسها جمعية الوفاق الإسلامية) يبدأ بسقف مطالب عالية ـ بنظر الحكم ـ تقدمت بها المعارضة، مع ما يشار دائماً الى لقاءات مستمرة بين الطرفين بمستويات دنيا لم تفض حتى الآن الى نتيجة (1) .

وما يظهر في السطح، أن لطرفي الصراع السياسي في البحرين أجندته اليومية المختلفة، فالحكومة منشغلة بأمرين أساسيين: الأول: مكافحة حركات الإعتراض في الشارع ومواجهتها بالخشونة المتصاعدة إن تطلّب الأمر؛ والثاني: ترتيب وضع دستوري قانوني ـ في غياب المعارضة عن مجلس النواب وجهاز الدولة كليّة ـ بحيث تستكمل إجراءات وإقرار التشريعات ضمن ما يسمى بـ (التعديلات الدستورية) حسب المواصفات الحكومية، ما يجعل من مسألة التوافق السياسي عبر الحوار الوطني، عديمة الفائدة(2).

أما المعارضة، فمشغولة هي الأخرى بتصريف أعمالها اليومية: تحشيد الشارع، وتضميد الجراح، ومواصلة الضغط الإعلامي والسياسي والحقوقي.

توازن القوى بين المعارضة الشعبية والسلطة في البحرين، أفضى ـ كما هو واضح حتى الآن ـ الى إطالة عمر الأزمة/ الثورة، مع ما يتبعه من زيادة المعاناة الشعبية، كما معاناة العائلة المالكة، في لعبة عضّ أصابع مؤلمة. وما يزيد من عمر الأزمة أن الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي، استطاعتحتى الآن، وعبر سياسة (الضغط المزدوج على المعارضة/ الوفاق والعائلة المالكة) وضع سقف معيّن لآفاق الصراع وأدواته، بحيث صار بالإمكان عدم توقع حدوث مفاجآت من الجانبين. بمعنى آخر: إن سياسة الغرب عامّة، وإن حوت قدراً من التوازن في التعاطي مع أطراف الأزمة البحرينية، إلا أن هدفها كان (منع الإنفجار) أي (تجميد الوضع السياسي الراهن)، وسحب بعض أهم صواعق التفجير منه (تكفلت بذلك لجنة بسيوني)؛ دون أن تحقق تلك السياسة الغاية النهائية (الحل السياسي). ومما يلاحظ أن دعوات الإتحاد الأوروبي وواشنطن للحكومة في البحرين للقبول بالحوار مع المعارضة قد خفّت وتيرتها مؤخراً، وإن لم تتوقف(3).

بهذا المعنى، يمكن القول بأن العائلة المالكة في البحرين، كما المعارضة، تعيشان أزمة انسداد سياسي. فمن جهة أولى، استهلك مسؤولو الحكم ـ ومنذ الشهور الأولى للثورة بين فبراير وأبريل 2011 ـ معظم إن لم يكن كل خيارات الضغط ووسائل القمع لإنهاء الثورة والمعارضة والجمهور الشيعي عامة، عبر تلقينهم درساً قاسياً من العقاب لا تقوم لهم بعدها قائمة (يمكن الرجوع الى تقرير بسيوني لمعرفة حجم وأنواع الإنتهاكات والعقاب الجماعي).هذا من جهة، ومن جهة أخرى: حاولت السلطة إحباط أية مطالب ـ ولو إصلاحية للمعارضة ـ وجعلها تتفاوض من موقع أدنى وتحت ضغط القمع. لكن الشارع، وبنشاط جمعية الوفاق، استطاع ـ وبسرعة مذهلة ـ تضميد جراحه، واستعادة حيويته (الثورية) من جديد. ليس لدى النظام في البحرين مشروعاً سياسياً لحل الأزمة، يعيد صياغة النظام السياسي، ويحقق الإستقرار؛ كما ليس بإمكان وسائله الردعية إلغاء الإحتجاجات والتظاهرات ضدّه؛ ولا إعادة عقارب الساعة من جديد ليعود الى ذات الممارسات العنفية والمنافية لحقوق الإنسان والتي سبق أن مارسها بداية الأزمة.

أما المعارضة، من جهة ثانية، فهي غير قادرة على تغيير الواقع السياسي بقوة الشارع وحده، مقابل قوة النظام ووسائله الردعية والإكراهية؛ خاصة وأنها ـ إما لقناعة لديها؛ أو بسبب ضغط سفراء الدول الغربية ـ لا تميل الى التصعيد في الشارع، بالشكل الذي يؤدّي الى تعديل في الموازين، بحيث يفضي الى ممارسة ضغط هائل على النظام للقبول بالحوار السياسي معها(4).

إذن، لماذا لم يؤدّ الإنسداد السياسي الى مراهنة على حلّ حواري، وما هو أفق حل الأزمة السياسية؟ وعلى ماذا يراهن اللاعبون في المعارضة والعائلة المالكة؟


رهان الوضع الإقليمي والدولي

ابتداءً يمكن القول بأن أزمة البحرين جرى تدويلها وأقلمتها (ان صح التعبير) منذ بدايتها. فمع أن ما يجري في الدول من ثورات لم تعد شأناً داخلياً بحتاً، شأن كل حركات التغيير الكبرى، كونها تؤثر على وضع ومصالح إقليمية وربما دولية، تدفع بالمتضررين منها الى التدخل، مثلما شهدنا ذلك بشكل واضح في الثورتين اليمنية والسورية، حيث كان العامل الدولي والإقليمي فاعلاً في التأثير على مصير الثورة.. إلا أن نسبة التدويل أو الأقلمة متفاوتة، ويعود ذلك في جزء أساس منه إلى سياسات النظام والمعارضة، ومدى رغبتهما في إقحام العامل الخارجي لصالح أحدهما داخلياً؛ ولا يعود ذلك لمجرد رغبة أطراف إقليمية ودولية ترى من مصلحتها التدخل لصالح السلطة أو الشعب.

في البحرين، وجد النظام نفسه محاصراً بأكثرية شعبية ساخطة في مظاهرات هادرة كادت تقتلع جذور النظام في مارس 2011؛ وهو لم يجد لنفسه تبريراً لسخط الجمهور عليه، سوى الزعم بأن هناك تدخلاً ومؤامرة خارجية؛ مانحاً نفسه مساحة من التحرك تبرر له هو الآخر استدعاء تدخل مقابل(5).

أمران سرّعا عملية أقلمة وتدويل القضية البحرينية، جاءتا من قبل النظام نفسه:

1/ تطييف الصراع، أي تحويله من صراع سياسي بين معارضة تطالب بالديمقراطية وبصورة سلمية، الى صراع سنّي شيعي داخلي. وقد تكفلت الآلة الإعلامية البحرينية (التلفزيون على وجه الخصوص) وسياسات الحكومة في العقاب الجماعي للأكثرية الشيعية بافتعال شرخ طائفي شديد الخطورة لم تشهده البحرين في تاريخها. غرض التطييف للمشكل السياسي هو إرجاع الأزمة السياسية الى سياق الطائفة؛ وتوحيد الأقلية السنيّة وراء حكم العائلة المالكة الخليفية، وهو ما حدث بالفعل(6).

2/ استدعاء قوات درع الجزيرة المشتركة والتي تأسست في 10/10/1982 للمشاركة في عمليات قمع داخلية في البحرين. وكانت القوات قد تشكلت في الأساس لمواجهة اي اعتداء خارجي، وليس لقمع حركة احتجاج إصلاحية سلمية داخلية. والنظام في البحرين باستدعائه تلك القوات، أقحم السعودية بصراعاتها الإقليمية في الشأن البحرين، وساهم بشكل مباشر وعميق في توسعة التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن البحريني؛ مع ملاحظة حقيقة أن موقع البحرين الجغرافي، وكونها عضواً في مجلس التعاون الخليجي، ونظراً لوجود قيادة الأسطول الأميركي الخامس على أراضيها، ووجود صراع وتنافس سياسي أشمل بين السعودية وايران؛ وبين الأخيرة مع الغرب واسرائيل.. عوامل إضافية ساعدت على إقحام العامل الخارجي بقوة في الأزمة البحرينية.

من جانبها، فإن المعارضة البحرينية ـ التي لم تلقَ التعاطف العربي، الرسمي والشعبي، اللائق بها كثورة ربيعية ـ وجدت نفسها أمام تعاطف شعبي مصنّف طائفياً، إن في العراق أو إيران، أو شرقي السعودية، أو لبنان أو غيرها. وبالرغم من خطابها الوطني المدهش ـ مقابل الخطاب الطائفي للسلطة ـ إلا أن المعارضة لم تستطع الفكاك من مشكلة الآخر في تصنيفها الطائفي، وتحديد موقفه منها على ذلك الأساس؛ وقد قاد الدعم الإعلامي والسياسي والمعنوي وغيره للمعارضة البحرينية، في أحد جوانبه على الأقل، الى خدمة مخطط الحكومة في الفصل الطائفي وتشويه الثورة.

أيضاً فإن المعارضة ـ الوفاقية بالتحديد ـ فتحت أبواب تواصلها مع واشنطن وعواصم دول الإتحاد الأوروبي. الحقيقة كان هذا حتى قبل اندلاع الثورة في فبراير 2011، حيث لقاءات الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق، مع سفراء تلك العواصم علنية ومنشورة في الصحف المحلية. كما أنها طورت شبكة علاقاتها على المستويين العربي والدولي، وحاولت الإستفادة من منظمات حقوق الإنسان الدولية لخدمة معركتها مع نظام العائلة الخليفية المالكة؛ وهذا ما جعل الأخيرة تشعر بقدر من الشك ـ على الأقل في فترة الأشهر الأولى من الثورة ـ من أن هناك مؤامرة يحيكها الغرب ضدها!

ما يهمّ هنا، هو نتائج إقحام العامل الخارجي على الوضع البحريني، فحتى الآن:

أولاً ـ كان رهان العائلة المالكة في البحرين هو أن يساهم التدخل الخارجي في حسم الأزمة بالعنف وبالغطاء السياسي والمالي الذي يتوفر لها. لم يحدث ذلك حتى الآن. العامل الخارجي أدّى الى تعويم المشكلة (تأجيلها) بدلاً من حلّها.

ثانياً ـ ساهم العامل الخارجي في سرقة القرار السياسي الرسمي بشكل كبير؛ فلم يعد الصراع بين لاعبين محليين، بقدر ما هو صراع إقليمي دولي على البحرين. لقد تمّ تهميش العائلة المالكة وصار قرارها الأساس بيد اللاعبين الإقليميين، وبالذات المملكة العربية السعودية، التي توفر الدعم العسكري والغطاء السياسي والإعلامي والمالي للحكم الخليفي.

ثالثاً ـ أيضاً قوّى التدخل الخارجي سيطرة عناصر التشدد في مؤسسة الحكم، وداخل العائلة المالكة، كما في المعارضة، وقلّص هامش الحلول الوسطية، أو الحلول السياسية، إن كانت ممكنة في الأساس.

رابعاً ـ وهو الأهم،أن أزمة البحرين أضحت جزءً أو مفردة من صراع إقليمي دولي، بحيث لا يمكن أن تقرر العائلة المالكة والمعارضة وحدهما مصير النظام السياسي ووجهته. أزمة البحرين لا تحسم فيما يبدو إلا بعد حسم ملفات إقليمية ودولية عديدة، بما فيها الملف السوري واليمني والنووي الإيراني، ومستقبل الحكم السعودي، ومصير الثورات والثورات المضادة في العالم العربي. بمعنى آخر: مستقبل البحرين مجرد محصّلة لمستقبل أوضاع دول عديدة في منطقة تعيش متغيرات غير اعتيادية منذ سنوات طويلة جلّلت بما سمي ربيع الثورات العربية ولم تتوقف حتى الآن.

ربما لهذا السبب تحديداً، جاء الجمود السياسي في الأزمة البحرينية؛ وكأنه من غير المسموح ـ بالنسبة للاعبين الإقليميين والدوليين ـ أن يحسم الشعب البحريني خياراته في التغيير؛ ولربما من غير المسموح لطرفي الصراع المعارضة والسلطة أن يقدما تنازلات سياسية. وهذا ما يلقي الضوء على رهان المعارضة والحكم الخليفي في البحرين: الجمود والإنتظار، فلعلّ المستقبل يأتي بتغييرات إقليمية: إمّا تحسّن من وضع أحدهما التفاوضي، أو تنهي قوّة الخصم كليّة. والأقرب: أن المستقبل ـ ومن خلال استقراء الأوضاع السياسية في المنطقة حالياً ـ لا يخدم الطموحات والخيارات السياسية للعائلة الحاكمة(7).

 


 الدور السعودي

البحرين شأنٌ سعوديٌّ، بأكثر مما يمكن أن يقال تجاه أي دولة خليجية أخرى، أو أية دولة في شبه الجزيرة العربية (تحديداً اليمن).

السعودية تجد نفسها معنيّة تجاه ما يجري في كل الدول المجاورة لها، خاصة في محيط دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل أخص البحرين. وبالرغم من أن النفوذ السعودي قد بدا عليه التآكل حتى في المحيط الخليجي ـ وليس الإقليمي العربي والإسلامي فحسب ـ كما هو واضح من توتر العلاقات حيناً وبرودها حيناً آخر، بين الرياض والدوحة؛ وبين الرياض وأبو ظبي؛ وحتى بين الرياض من جهة، والكويت ومسقط من جهة أخرى.. فإن هذه الخلافات السياسية والإقتصادية والتنازع على الحدود والتراشق الإعلامي وصدامات حدودية، كلها لا تغيّر من حقيقة أن البحرين (شأنٌ آخر) من وجهة النظر السعودية، تختلف عن باقي دول الخليج.

ويمكن إجمال سبب تراجع النفوذ السعودي في دول الخليج عامّة الى:

1 ـ زيادة الحضور الأمريكي والغربي السياسي والعسكري في دول منطقة الخليج، وقد كان هذا الحضور الذي تكثّف منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية قد جاء على حساب الدور السعودي نفسه.

2 ـ وجود أزمة في السعودية نفسها، عكست نفسها على شكل تدهور في النفوذ السعودي الخارجي عربياً وإسلامياً ودولياً. وقد أدّى انشغال السعودية بمشاكلها الداخلية، بما فيها المشاكل الأمنية، الى شعور دول الخليج الأخرى بعدم قدرة الرياض على توفير الحماية لجيرانها كدولة (شقيقة كبرى)، والى الخشية من أن تنتقل أو تنقل هي مشاكلها الأمنية، وبالذات تلك المرتبطة بالتطرف والعنف الديني، اليها.

3 ـ رغبة وتطلع بعض دول الخليج في لعب دور سياسي مستقلّ بعيداً عن العباءة السعودية، واستياءها المتصاعد من وطأة ما يمكن اعتباره الحاقاً بالسياسة السعودية، خاصة بالنسبة الى دول غنيّة تريد تفعيل موقعها الإقتصادي الى مكانة سياسية، وهذا واضح اليوم بالنسبة لقطر والإمارات، كما كان واضحاً بالأمس بالنسبة الى الكويت في السبعينيات الميلادية الماضية وحتى ما قبل احتلال العراق للكويت عام 1990. هذا الأمر، هو العامل الأساس الذي أدّى الى إفشال مشروع (الإتحاد الخليجي) الذي دعا له العاهل السعودي في ديسمبر 2011، والذي عقدت قمة تشاورية لمناقشته في الرياض في 14/5/2012، لم تحقق سوى الفشل الذريع.

البحرين بين دول الخليج الأخرى مختلفة تماماً، وبدت مطواعة للسعودية أكثر من أي دولة خليجية أخرى. هذا يحتاج الى تفسير.

البحرين جزيرة، والجزر عامّة أكثر تحصيناً في الدفاع عن نفسها؛ والبحرين من جهة أخرى، هي مقرّ قيادة الأسطول البحري الأمريكي الخامس؛ فلماذا هي بحاجة الى حماية سعودية من اعتداء خارجي، في حين أن السعودية نفسها بحاجة الى تلك الحماية (الغربية)؟

نقطتا ضعف نظام الحكم في البحرين، اللتان يمكن للسعودية النفوذ من خلالهما هما:

ـ العامل الديمغرافي، حيث الأكثرية السكانية من الشيعة، سكان البحرين الأصليين، أو ما يعرفون بـ (البحارنة)، والتي لم تنجح العائلة الخليفية المالكة من تغيير نمط علاقتها العدائية تجاهها وتجعلها علاقة طبيعية، عبر تأسيس نظام سياسي تشاركي قادر على الصمود أمام التحديات السياسية. بهذا المعنى، فإن البحرين تشترك مع السعودية في مواجهة ما يمكن اعتباره مشكلة شيعية داخلية (سياسية وطائفية) في آن.

ـ العامل الإقتصادي، حيث تعتبر البحرين الأقل من جهة الموارد المالية بين كل دول الخليج؛ مع أن الدعم السعودي والخليجي العام مكّنها من أن يكون معدّل دخل الفرد فيها ـ في بعض السنوات ـ أكثر من نظيره في السعودية نفسها(8. ما يبدو نجاحاً هنا يحكي قصة مختلفة، حيث فقدت البحرين ـ ولصالح السعودية ـ الكثير من قرارها المستقل سياسياً واقتصادياً، ولعلّ الإنعطافة الأساس جاءت مع إقامة جسر البحرين ـ السعودية عام 1985.

الجسر كان البوابة الأساس للنفوذ الأمني والسياسي والإقتصادي السعودي؛ وجاء ليساهم مع قضايا أخرى في جعل البحرين ملحقاً للسعودية مختلفة في ذلك عن باقي دول الخليج. اليوم. يعتمد الإقتصاد البحريني على السعودية بشكل كبير، فحقل أبو سعفة النفطي المشترك هو تحت السيادة والإدارة السعودية بالكامل، ولا يسمح حتى لأمراء العائلة الخليفية الحاكمة ـ فضلاً عن غيرهم ـ من دخول الحقل؛ ومعظم المؤسسات المالية الأجنبية في البحرين (415 مؤسسة حتى عام 2011) تعتمد في أنشطتها وعملائها على الداخل السعودي. من جهة أخرى، يأتي جسر البحرين بالسوّاح والزائرين السعوديين ويقدم مدخولات تقدّر بنحو 12-15% من ميزانية الدولة(9). هذا اضافة الى تغطية السعودية لمشاريع، وتقديم معونات بين الفينة والأخرى، تدعم الميزانية، أو كما هو الحال الآن حيث الأزمة السياسية مشتدة ، فإن السعودية تقوم بتقديم دعم مالي كبيرلمواجهة المعارضة.

وسائل الدعم هذه للبحرين، يمكن أن تشكل عامل ضغط عليها. وقد لوّحت الرياض ببعضها في سنوات سابقة، حين منعت في 3/11/2009 تصدير (الرمال!) الى المنامة. ولذا لم تكن الأخيرة تقوى على التجاوزات السعودية ولا على مناطحة الأخيرة أو تحمّل نتائج الخلاف معها، حتى مع تجاوز السعودية للحدود في السنوات الأخيرة، وسيطرتها على جزر بحرينية (بينة/ لبينة الصغرى والكبرى) اللتان هما مثار خلاف منذ الخمسينيات الميلادية الماضية، وكانت مدار تفاوض في لندن مرتين عام 1951 و 1954.


 (الثورة) أزمة بحرينية/ سعودية

السعودية كما البحرين أكثر عرضة من بقية دول الخليج للتأثر بمفاعيل الثورة العربية، أو ما أطلق عليه الربيع العربي، لأسباب سياسية وثقافية واقتصادية؛ وعموماً فمواطنو الدولتين هما الأقلّ رفاهية والأكثر عرضة للقمع الأمني والسياسي. والدولتان ـ ومنذ عقود طويلة ـ تمتعتا بتاريخ حافل من حركات الإحتجاج والمعارضة ومحاولات الإنقلاب العسكري، مما لا نجد نظيراً له في دول الخليج الأخرى.

هذا لا يكفي لتفسير: لماذا تكون السعودية معنيّة أكثر من دول الخليج الأخرى، بمجريات الوضع السياسي البحريني؛ وبالخصوص الأزمة التي نشبت بسبب قيام الثورة منذ فبراير 2011، وأنها الأكثر حماساً في مناصرة النظام القائم في مواجهته لها. لأسباب عديدة، يمكن القول بأن السعودية، ليس فقط أكثر تأثيراً في الشأن البحريني بل أنها الأكثر تأثراً بها وتضرراً منها أيضاً.

1/ فمن جهة تعتبر البحرين الأقرب الى المراكز المدنية/ الحضرية ذات الكثافة في السعودية منها الى قطر او غيرها؛ وشعب البحرين هو الأكثر تواصلاً من الناحية الجغرافية والسكانية وغيرها مع الشعب في السعودية بأكثر مما هو الحال مع شعوب دول الخليج الأخرى، ما يعني أن تأثيرات الثورة البحرينية أقرب ما تكون في الجوار السعودي.

2/ يزداد التأثير للثورة على السعودية إذا ما لاحظنا العامل الشيعي على جانبي البلدين، حيث الأكثرية السكانية متجانسة ومتداخلة اجتماعياً ونسبياً وثقافياً، كما أنها تعاني من ذات مشكلات التمييز الطائفي، وللسكان تطلعات متشابهة. يضاف الى ذلك، أن المنطقة الشرقية السعودية هي قلب الأخيرة الإقتصادي حيث حقول انتاج ومعامل تكرير وأرصفة تصدير النفط، ما يجعل الحساسية مضاعفة مما يجري في البحرين.

3/ السعودية ـ وخلاف دول الخليج الأخرى ـ معنية أكثر بصراع النفوذ الإقليمي، كونها لاعباً أساسياً فيه، وطرفاً متأثراً بعمق من ارتداداته؛ ونجاح ثورة البحرين له تأثيرات سلبيّة على مكانة السعودية أكثر من دول الخليج الأخرى.

هذه تمثل الدوافع السعودية للتدخل العسكري والسياسي والأمني المباشر لقمع الثورة في البحرين؛ الى حد يمكن معه القول أن ما يجري في البحرين يعتبر شأناً سعودياً بالمعنى العميق للكلمة؛ وأن مستقبل البحرين والسعودية مترابط بشكل كبير؛ فالتغيير في أحدهما يؤدي الى تغيير جوهري لدى الآخر.

لذات الدوافع تقريباً، لم تكن السعودية مؤيدة لأيّة خطوات إصلاحية سياسية في البحرين؛ والأسباب المذكورة أعلاه مثلت دوافع للنظام في السعودية للضغط على البحرين لإلغاء البرلمان عام 1975. وتاريخياً كانت ال سعود قد تدخلوا في البحرين، وساهموا في إشعال الفتنة السياسية والطائفية عام 1923، وهي أزمة لها بعض التشابه مع ما يجري اليوم، ما أدى يومها الى إزاحة البريطانيين للشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وطرد أشرس مناصريهم الى الضفة الأخرى، حيث السعودية، فكانوا نواة تشكيل مدينة الخبر الحديثة.

السعودية بلد محافظ سياسياً، لا يستطيع أن يتعايش لا مع الثورات ولا مع التغييرات الديمقراطية؛ وكلا الأمرين تنتقل عدواهما الى الداخل السعودي. والسعودية تشعر بأن نظاماً أكثر تحرراً وعدالة في البحرين، ستنعكس آثاره ليس فقط على الأكثرية الشيعية هناك، بل وعلى نظيرتها في السعودية أيضاً ليحفزها للمطالبة بالمثل. عبثاً كان ملك البحرين يحاول إفهام السعوديين بأن وضعه مختلف عن أوضاعهم، وأنه مضطر للقيام ببعض الإصلاحات؛ لكنهم لم يتفهموا ذلك، ويعود جزء من وصول تلك الإصلاحات التي بدأت عام 2000 الى طريق مسدود الى السعودية نفسها. فشل العملية السياسية هو الذي قاد لاحقاً الى تفجر الأحداث في فبراير 2011، والى تدخل السعودية مجدداً ـ ولكن هذه المرة عبر القوة العسكرية ـ تحت مسمى درع الجزيرة.


 آفاق التدخل السعودي في البحرين

لعلّ من سخرية القدر القول بأن واحداً من أهداف التدخل السعودي في البحرين، هو عدم انتقال شرارة الثورة الى المنطقة الشرقية حيث الأكثرية الشيعية القابعة فوق حقول النفط. الذي حدث هو أن ذلك التدخل العسكري عجّل بل فجّر حراكاً سياسياً غير مسبوق في تلك المنطقة، استمر الى هذا الوقت، حيث التظاهرات مستمرة، رغم الرصاص وسقوط الضحايا. كان تأثر الشيعة في المنطقة الشرقية ـ خاصة في القطيف ـ بأحداث البحرين، والعنف الذي استخدمته السلطات هناك ضد السكان، كبيراً شديداً ودفعهم الى الخروج حاملين أعلام البحرين في مظاهراتهم ومطالبين بخروج القوات السعودية من هناك، كواحد من أهم أهداف حراكهم السياسي.

في التقييم العام، لا يبدو أن السعودية ربحت كثيراً من تدخلها العسكري المكشوف في البحرين؛ إذ بدت كدولة عدوة للديمقراطية وحقوق الإنسان ليس لمواطنيها فحسب، وإنما لمواطني دولة ـ أو دول ـ أخرى. وتحملت السعودية ضغوطاً دولية بسبب تدخلها العسكري، وصارت تقدّم كنموذج للدولة التي تحتضن الثورات المضادة في أكثر من بلد عربي (مصر، اليمن، البحرين)(10) . لكن الأهم من كل هذا، هو أن السعودية بتدخلها العسكري لم تفلح في إخماد الثورة، وإن أفلحت ـ حتى الآن ـ في منع نجاحها.

الأمر المهم الآخر، هو أن السعودية، ومعها الأجنحة المتشددة في العائلة الخليفية الحاكمة والتي تعزّز نفوذها بسبب التدخل السعودي، تقف حجر عثرة أمام نجاح أيّ حوار وطني بحريني حقيقي، قد ينتج عنه إعادة هيكلة النظام السياسي، بما يسمح بالمزيد من الحريات والديمقراطية ومشاركة أكبر للأكثرية الشيعية في الحكم.

ليس لدى السعودية حلّ ـ إذن ـ للمشكل البحريني عبر التواجد العسكري، وليست لديها مقاربة واضحة لذلك، ولا مشروعاً محدداً (اللهم إلا محاولة ضم البحرين الفاشلة تحت مسمى الإتحاد الخليجي)، وتبدو أنها غير معنيّة أصلاً بالتوصل الى حل سياسي؛ ولا هي مهتمة أيضاً بفتح حوار مع المعارضة البحرينية للتعرف على وجهة نظر أخرى؛ وكأن السعودية تعمل على أساس أن الأزمة مستمرة، وكل ما يتطلّب منها هو إبقاء وجود عسكري دائم لها في البحرين. ولعلّ تعزيز النفوذ السعودي في البحرين، بما في ذلك التواجد العسكري، يحسب كمكسب للرياض، ولكنه مكسبٌ محدود وقابل للعطب أيضاً.

ذلك أن هناك تشابكاً إقليمياً دولياً عضد الدور السعودي بقدر معيّن، ولكنه قابل للإنقلاب والتغيير. صحيح أن المملكة تغطي اليوم نظام الحكم في البحرين إقتصادياً وسياسياً وأمنيّاً وإعلامياً؛ لكن الصحيح أيضاً هو أن العامل الدولي (الأمريكي الأوروبي تحديداً) يغطّي البحرين أيضاً كما تفعل السعودية؛ بل هو يقوم بتغطية الرياض أيضاً. اي أن ما يجري في البحرين ليس بتغطية سعودية محضة؛ بقدر ما هو تغطية غربية لكلا الدولتين وما يجري فيهما.

هناك اختلاف محدود في رؤيتي السعودية والدول الحليفة الغربية للبحرين، فيما يتعلق بجذور المشكلة وكيفية الخروج منها(11). الغرب يميل الى تحميل النظام في البحرين سبب المشكلة، باعتباره نظاماً مغلقاً سياسياً وتمييزياً ضد الأكثرية، ومثل هكذا أنظمة، لا يمكن لها الإستمرار الى الأبد خلاف رغبة الأكثرية السكانية، أو إبقاء الأخيرة تحت قبضة القمع والعنف. والمخرج بالنسبة للغرب يقوم على بقاء العائلة الحاكمة مع إصلاح في النظام السياسي باتجاه يكون أكثر ديمقراطية، وأن تشارك فيه الأكثرية بنسبة معقولة، بحيث يمكن للعائلة الخليفة إدامة حكمها فترة أطول في المستقبل، ويجنبها الهزّات غير المتوقعة. بمعنى آخر: فإن الغرب يريد من ال خليفة إصلاحاً يحترم حقوق الإنسان، ويتطور نحو الديمقراطية من خلال آليتين: تنفيذ توصيات لجنة بسيوني؛ والحوار مع المعارضة لوضع مبادئ النظام السياسي المستقرّ من وجهة نظر الغرب.

السعودية كان لها منذ البداية رأياً آخر. هي تعتقد ابتداءً بأن الثورات العربية مجرد مؤامرة خارجية؛ وأن الغرب ضالع فيها؛ وقد أبدت استياءً شديداً من واشنطن لأنها سمحت بسقوط حسني مبارك، شبيه بذلك الإستياء حين سقط شاه إيران، وقد انعكس الموقف الرسمي هذا وبشكل واضح على الموقف من الثورة المصرية(12). والسعودية من جهة ثانية رأت أن واشنطن ـ وفي أحسن الفرضيات ـ لم تدر اللعبة كما ينبغي مع خصمها الإقليمي (ايران) ما سمح بسيطرة الأخيرة على القرار العراقي ـ من وجهة نظرها. ولهذا، كان قارّاً في الذهن السعودي، بأن هناك احتمالاً كبيراً لخسارة البحرين، كما حدث مع غيرها، إن تغلّبت وجهة النظر الغربية، وقد أقنعت الرياض العائلة الخليفية الحاكمة بأن الخضوع لضغوط واشنطن ولندن فيما يتعلق بالإصلاحات، سيؤدي في النهاية الى إنهاء حكمها. والحل الذي اقترحته الرياض ـ وهو الذي تمارسه على أرض الواقع مع شعبها أيضاً ـ ممارسة القبضة الأمنية، واستخدامها بشكل مفرط وفي كل الحقول حتى لا تقوم للأكثرية (المشاغبة) قائمة.

وسواء كان تدخل القوات السعودية ـ تحت المسمى الخليجي درع الجزيرة، برضا ال خليفة ـ بعضهم على الأقل ـ أو عدمه، فإن واشنطن لم تشعر بارتياح في مسألة تقديم الحل الأمني على الحل السياسي. ولكن سرعان ما تغيّر الموقف، وأبدت تأييدها له. لاحظنا ذلك من تصريحات وزيرة الخارجية كلينتون، السلبية ثم الإيجابية تجاه ذلك التدخل. لكن ما هو مؤكد اليوم، أن مقاربة العواصم الغربية لحل أزمة البحرين مختلفة عن الرؤية السعودية التي لاتزال سائدة.

ومع أن العواصم الغربية تلحّ على مسألة (الحوار الوطني) بين المعارضة والعائلة الخليفية؛ إلا أنها تدرك جيداً بأن الضغط على آل خليفة غير مجدٍ بدون الضغط على من بيده مفاتيح الشأن، وهم الأمراء في الرياض. لكن الصراع الإقليمي، خاصة مع ايران، ووجود ملفات عديدة لها أولوية (سوريا اليمن ومصر ما بعد مبارك) والحاجة الغربية لكل حلفائها وحضورهم في المعركة، اضافة الى وجود أزمة اقتصادية غربية صعبة، كل هذا يدفع بالغربيين الى تجنّب أية حساسيات مع الطرف السعودي، والإكتفاء بوضع ضوابط للعبة السياسية بين الشارع/ المعارضة البحرينية من جهة، وبين الأمن/ العائلة الخليفية من جهة ثانية.


 

المعارضة البحرينية: غبش الرؤية

الى أي حد كانت المعارضة واعية لاحتمالات ودوافع التدخل السعودي فانعكس ذلك على أدائها ومستقبل حركة شعبها؟

ينبغي التأكيد ابتداءً على حقيقة أن ما يجري في البحرين يحمل كل مواصفات الثورة الشعبية السلميّة، اللهم إلا أن يكون هدفها (ثورياً). فإذا كانت أبسط تعريفات الثورة بأنها عملية تغيير شاملة لكل البنى السياسية والثقافية والإجتماعية والإقتصادية وحتى الفكرية والنفسية؛ فإن ثورة البحرين ـ ومن منظور جمعية الوفاق ـ لا تستهدف (التغيير الشامل) الذي يعني تغيير النظام السياسي ووجوهه برمتهم؛ بل الى تحوّل تدريجي في النظام السياسي باتجاه نظام تشاركي أكثر ديمقراطية ويعبّر عن الديمغرافيا البحرينية وتطلعات الشعب. هدف اسقاط النظام، والذي نادت به حركات اعتنقت عقيدة التغيير الجذري (الوفاء؛ الأحرار؛ حق) يتلاءم تماماً مع توصيف الحراك القائم باعتباره ثورة، وليست (انقلاباً) كما زعم النظام حين اتهمقيادات سياسية معتقلة بالتخطيط لذلك، اللهم إلا أن يكون المعنى: انقلاباً سياسياً وبأدوات سياسية سلميّة. أما الإنقلاب العسكري فله مواصفات أخرى معلومة، يقوم بها الجيش او بعض القطاعات المسلحة.

أيضاً فإن ما يجري في البحرين ليس شغباً، فالشغب تقوم به أقليّة، وعمره قصير؛ مع الإعتراف ابتداءً بأن كل ثورة تحمل في طياتها شغباً، ولا يمكن التحكّم بكل تفاصيل نشاط الجمهور المعترض. وعموماً فالحالة السلميّة في الثورة البحرينية سمة واضحة بأكثر مما وجد في كل الثورات العربية الأخرى، بما فيها تونس ومصر واليمن.

وحين نتحدث عن المعارضة البحرينية هنا، فإننا نخصّ حركة الوفاق بالذات، كونها تمثّل نخبة المجتمع الشيعي البحريني، وهي منخرطة في النشاط السياسي وتفاصيله بأكثر من أي حركة أخرى معارضة. ذلك أن هدف الإصلاح التدريجي يتطلّب أداة سياسية وتشابكاً في العلاقات مع الجهات الفاعلة محلياً ودولياً؛ في حين أن من يحمل هدف إسقاط النظام، وسواء كان في البحرين أو غيرها، لا يميل في الأساس الى الحلول الوسطى، ولا يجد نفسه معنيّاً كثيراً بموضوعات الحوار، وتركيزه الأساس عادة ما يكون على أدواته الخاصة الشعبية التي يطمح من خلالها تحقيق هدفه.

المعارضة بمختلف أطيافها في البحرين، أظهرت ـ ومن خلالها مسلكها ـ أنها لم تعر العامل الإقليمي والدولي الإهتمام الكافي في نشاطها السياسي؛ في حين يمكن القول بأن النظام الحاكم في البحرين، منح ذلك العامل جهداً واهتماماً أكبر، بغض النظر عن المحصّلة التي خرج بها. ويمكن إدراج الملاحظات التالية في هذا المضمار:

1/ لم تعر المعارضة البحرينية بجناحيها الثوري والإصلاحي اهتماماً كافياً بالحلفاء، أحزاباً أو دولاً أو شعوباً أو قوى سياسية ودينية ومجتمعية، بما يعينها في تحقيق هدفها.

2/ اهتمت الوفاق بقدر لا بأس، وفي بعض الأحيان بصورة مبالغ فيها بالموقف الغربي منها، مع ما يمثّل ذلك من ضغوط عليها، ويقلّص حجم الهامش المتاح لها للمناورة. ففي نهاية المطاف؛ لا يريد الغرب تغييراً في نظام الحكم البحريني؛ ولا يرى في المعارضة انها اقرب اليه من العائلة الحاكمة؛ ولا هو يثق بها إلا في حدود ضئيلة، بالنظر للعامل الطائفي المتداخل مع المشترك المذهبي الإيراني والعراقي واللبناني.

3/ كانت تقديرات المعارضة للدور السعودي وما يمكن أن يلعبه في تغيير كفّة الصراع مع العائلة الخليفية، متدنياً. ربما لم تعتقد بأن القوات السعودية ستحطّ في البحرين أو تـأخذ لها مواقع مستدامة فيها. وهي لم تتوقع تغطية سعودية لجهد العائلة الحاكمة بالقدر الذي توضّح، والذي أثر في ميزان القوى الكلّي بصورة واضحة. يكاد يكون العامل السعودي في صالح الحكم الخليفي كليّة؛ والمعارضة لم تفتح قناة حوار مع الرياض؛ في حين أن آل خليفة استخدموا العامل السعودي الى أقصاه، بما في ذلك التحجّج به لعدم تقديم أية تنازلات ولو ضئيلة، مع أن ذلك ليس صحيحاً بالضرورة.

4/ لم تبذل المعارضة البحرينية جهداً على الصعيد الخليجي؛ فكأنّ بداية قد ظهرت مع الكويت وقطر للتوسّط؛ ولكنها انطفأت منذ دخول القوات السعودية، وسدّ الأبواب أمام أيّ جهد خليجي مستقل عن السعودية للمساهمة في التوصل الى حلول للأزمة.

5/ على الصعيد الإسلامي، أيضاً لم نرَ جهداً مقنعاً من الوفاق، اللهم إلا محاولات أوليّة بدأت مع تركيا، والتي انسحبت هي الأخرى لصالح الخيار السعودي الذي سُلّم له بأبوية وبالدور الأساس في البحرين.

6/ ومثل هذا يقال أيضاً بالنسبة لدول الربيع العربي؛ فقد بذلت الوفاق جهداً ليكون لها حضوراً في القاهرة؛ تكلل بزيارة الشيخ علي سلمان في اكتوبر 2011، ولكن النظام الذي راعه هذا التحرّك، استجاب في ردّ فعل سريع، وقام الملك بزيارة في نفس الشهر أي بعد بضعة أيام للقاهرة، وسعى الى تشبيك العلاقات مع الطاقم العسكري، فكان أن أوصدت الأبواب امام المعارضة البحرينية في مصر، ومنع أكثر ناشطيها من دخولها!

7/ أيضاً هناك مبادرات تحرك باتجاه الصين وروسيا كلاعبين دوليين، لم يثمرا حتى الآن شيئاً ملموساً، وقد تكون هناك فرصة الإفادة من ذلك.

وأخيراً، لا بدّ من القول، أن قوّة ايّ طرف في ساحة الصراع على الصعيد الإقليمي، تعود في جانب كبير منها الى قوّتها على الأرض. ومع أن الوفاق وكافة قوى المعارضة أثبتت حضوراً شعبياً مدهشاً على الأرض، من خلال مواصلة الإحتجاجات، والقدرة على التحشيد الهائل للشارع، إلا أن هذا الفعل لازال (تحت سقف المتوقع) من جهة تثميره السياسي كعامل ضغط حقيقي، عدا كونه استمراراً في الثورة. عدم وجود مفاجآت، يجعل المعارضة أقلّ من أن يُخطب ودّها من قبل قوى مؤثرة إقليمياً ودولياً، وأقلّ من أن يستجاب لمطالبها داخلياً من قبل النظام.

بدون حدوث نقلة نوعية في حراك الشارع البحريني، يتضخم الدور الإقليمي على حساب اللاعبين الأساسيين في الشارع.

هذا هو الدرس الذي يمكن الإستفادة منه للخروج بحل للأزمة البحرينية سواء حسب هدف الوفاق، أو حسب المعارضة الأخرى التي تريد إسقاط النظام.

 


 


 الهوامش

1تحدثت أنباء من مصادر مقربة من المعارضة بأنه تمت لقاءات بين ممثليها مع وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، بين شهري فبراير ومارس الماضيين، لكنها لم ترق لمستوى الحوار. وما فتيء المسؤولون في البحرين يعبرون ـ نظرياً ـ عن ترحيبهم بالحوار مع المعارضة، لكن ذلك لم يدفعهم لاتخاذ أية خطوات عملية، أو دعوة المعارضة للحوار المباشر. انظر مثلاً، تصريح وزير العدل خالد بن علي آل خليفة للبي بي سي، برنامج هارد تولك أواخر أبريل 2012. الوسط، 26/4/2012، على الرابط:

http://www.alwasatnews.com/3519/news/read/658541/1.html

وكان ملك البحرين قد دعا ايضاً للحوار والمصالحة الوطنية في 5/4/2012، ولكنه لم يتبع ذلك بأية خطوات عمليّة. وفي 3/5/2012 أبدى استعداده للحوار أثناء اطلاق التعديلات الدستورية، دون أن يظهر أن وراء الدعوة جديّة حقيقية. ومن جانبها فإن جمعية الوفاق ما فتئت تدعو الى الحوار والمصالحة. وعبر الشيخ علي سلمان في لقاء مع اذاعة مونت كارلو في مارس الماضي عن استعداد المعارضة للحوار مع السلطة لإخراج البحرين من أزمتها السياسية شرط أن يتم تحديد إطار واضح له وتعرض نتائجه على الإستفتاء العام. انظر:

http://www.france24.com/ar/20120320-bahrain-opposition-ready-dialog-political-crisis-issues

في 12/5/2012

2أقر ملك البحرين تعديلات دستورية في 3/5/2012، وقال لتلفزيون البحرين أن (بابالحوارمفتوح،والوفاقالوطنيهوهدفهذاالحوار). انظر: بي بي سي عربي، 3/5/2012، على الرابط:

http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2012/05/120503_bahrain_amendments.shtml

في 12/5/2012

3هناك اعتقاد راسخ لدى الدول الغربية، بأن لا مخرج لأزمة البحرين بدون حوار بين المعارضة والعائلة الحاكمة وتقديم الأخيرة لتنازلات قد تكون مؤلمة بالنسبة لها. البديل من وجهة نظر الغرب هو ارتفاع وتيرة العنف والتدخل الخارجي (السعودي/ والإيراني) واستمرار للأزمة لسنوات طويلة دونما حل. لهذا كانت الدعوات الى حوار حقيقي وبناء تتكرر طيلة أشهر الأزمة. في 23/5/2011 دعا وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي الحكومة والمعارضة الى الحوار وبأسرع وقت لحل الأزمة السياسية في البلاد بحيث يخرج باصلاحات تعرض تصورات تعالج بنجاح التحديات التي تواجهها البحرين. وفي 27/10/2011، دعا البرلمان الأوروبي الى حوار جاد وذي مغزى بين الحكومة والمعارضة ومن دون تأخير أو شروط مسبقة. ورأت كاثرين أشتون، وزيرة الشؤون الخارجية الأوروبية في 13/2/2012 بأنه (لا غنى عن المشاركة البناءة لجميع الأطراف في عملية المصالحة الوطنية). وفي 15/3/2012 أوصى البرلمان الأوربي حكومة البحرين بتحقيق (عملية المصالحة الوطنية من خلال حوار شامل وبناء، وهو أمر ضروري لاستقرار الديمقراطية للمجتمع البحريني المتنوع والذي ينبغي أن يكفل الحوار حقوقاً متساوية لكل المواطنين).

وفي 7/1/2012 قالت فيكتوريا نولاند المتحدثةباسموزارةالخارجية: (إنالمفتاحلمستقبلالبحرين،كماظللنانناقشمعالمسئولينهناك،يكمنفيحوارحقيقىبينالبحرينيينمنشأنهأنيشكلأساساللمصالحة،ولبثروحجديدةفيصرحالوحدةالوطنية). وفي 19/2/2012، قال مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون اليمقراطية وحقوق الإنسان مايكل بوسنر: (إنالهدفمناللجنةالمستقلةوتنفيذتوصياتهاهوخلقطريقنحوحوارسياسيحقيقيومصالحةوطنية. نجدددعوتنالجميعالطرافبمافيذلكالحكومةوالجمعياتالسياسيةوغيرهمللمشاركةفيالحواروالتفاوضحيثيكونلجميععناصرالمجتمعصوتحقيقي). وحين التقى الملك بكاميرون، رئيس الوزراء البريطاني في 12/12/2012، دعا الأخير الى تنفيذ توصيات بسيوني ودفع عجلة الإصلاح (بالتحاور مع المعارضة باعتبارها جزءً من هذه العملية). في حين دعا اليستر بيرت، وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، في 22/3/2012 الى إجراء حوار سياسي بين الحكومة والجماعات السياسية. وأثناء زيارته للبحرين، قال بيرت في 3/4/2012 بأنه (يتعين على الحكومة البحرينية مواصلة إحراز تقدم في مجال الحوار السياسي البناء والواقعي).

من جانبها (تعتقد الحكومة الألمانية وبقوة بأن حواراً ذا مغزى بين اللاعبين السياسيين البحرينيين سيقود الى المصالحة الوطنية، وهي تشجع كلاً من الحكومة وجماعات المعارضة للدخول في هكذا حوار)، حسب بيان لوزارة الخارجية الألمانية في 23/12/2012.

4ظهر أن هناك محاولتان للتصعيد في الشارع، لكنهما أُحبطتا من قبل (الوفاق) نفسها وبالتالي لم يتم البناء عليهما. الأولى، حين خطب الشيخ عيسى قاسم يوم الجمعة في 20 يناير 2012 حين اتهم النظام بالإعتداء على الفتيات والنساء، وقال: من وجدتموه يعتدي على عرض فتاة مؤمنة فاسحقوه. هذه الجملة، كانت خارج السياق المتوقع من الشيخ عيسى قاسم، ما أرعب السلطة، ودفع بالسفراء الغربيين في البحرين الى ممارسة ضغط على قيادة الوفاق لسحب الفتيل، وقد فعلت، حيث قدّمت تفسيرات تهدئة للشارع، أهمها بالطبع التفسير الذي قدّمه أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان في 14/2/2014، حيث شرح الأمر أن الأمر صحيح (في حال الإعتداء على المؤمنات، وليس حالة عامة. وهنا يأتي الدفاع ولو أدى الى هلاك المعتدي).

اما الثانية، فكانت ترتبط بالحشد الجماهيري يوم 14 فبراير 2012، في ذكرى انطلاق الثورة البحرينية، حيث خرج أكثر الشعب الى الشوارع، وقد خشي الغربيون كما النظام من تأسيس حالة انعطافية في الثورة، فجرى أيضاً اختزالها واحتواؤها، بجهود أمنية حكومية، وبضغوط من السفراء الغربيين في المنامة على جمعية الوفاق، فاعتبرت التظاهرات مجرد استعراض قوّة للمعارضة ولشعبيتها في الشارع ـ وهو امرٌ لا يحتاج الى إثبات، بدل أن تكون أداة تصعيد حقيقي يغيّر من موازين القوى على الأرض، أو أن تكون نهجاً سياسياً جديداً تسلكه المعارضة يحقق ذلك.

5ملك البحرين قال في 21/3/2011، أي بعد نحو اسبوع من تدخل القوات السعودية، بأن هناك (مؤامرة خارجية) ضد بلده قد أُحبطت! واضاف: (أُعلن هنا فشل هذه المؤامرة المبيتة) وتابع: (جرى الإعداد لهذه المؤامرة منذ عشرين الى ثلاثين عاماً)! في اشارة الى إيران. انظر: بي بي سي عربي، 21/3/20122، على الرابط:

http://www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2011/03/110321_bahrain_king.shtml

في 12/12/2012

ينبغي التذكير هنا الى أن لجنة (بسيوني) التي شكلها الملك لم تثبت هذا التدخل، وقالت: (لا يقيم الدليل الذي قدمته حكومة البحرين للجنة حول تدخل جمهورية ايران الإسلامية في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين أي ربط مدرك أو ملحوظ بين أحداث بعينها حدثت بالبحرين خلال شهري فبراير ومارس 2011 وجمهورية ايران الإسلامية)(التقرير، الفقرة 1584). على الرابط:

http://www.bici.org.bh/BICIreportAR.pdf

6يمكن النظر الى كل ممارسات السلطة البحرينية منذ منتصف مارس 2011 بأنها ذات دوافع سياسية وطائفية؛ بما في ذلك القمع والتعذيب، والطرد من سلك التعليم والوظيفة، والعقوبات الجماعية، والتشهير في الإعلام الرسمي، واعتقال الصحفيين، وهدم المنشآت الدينية، وإتلاف الممتلكات، وغيرها مما وثقه تقرير بسيوني. لكن الأكثر وضوحاً هو الإعلام الرسمي، خاصة التلفزيون الذي دأب على نشر مواد تحريض طائفية ضد الأكثرية السكانية خاصة في برنامج (الراصد). وقد أكد تقرير بسيوني استخدام النظام للغة الطائفية وتأجيج الكراهية في الفقرات: 1629-1630؛ وفي التوصيات دعا تقرير بسيوني الى إصلاح ذلك: انظر الفقرة 1724.

7ذلك أن المملكة العربية السعودية تعيش هي نفسها إرهاصات أزمة التغيير السياسي؛ كما أن ملف سوريا، وإن لم ينته، فإن الرهان على إسقاط النظام هناك، ابتعد أكثر من أي وقت مضى، بسبب الفيتو المزدوج الصيني والروسي في مجلس الأمن في 4 فبراير 2012؛ كما ان الرهان على حرب ضد ايران صار بعيداً، ما يفتح الباب أمام تسوية الملف النووي الإيراني بما لا يخدم مصالح السعودية وحلفائها. زد على ذلك فإن الأزمة اليمنية مازالت مقلقة بأبعادها الثلاثة: القاعدة؛ الحوثيين؛ الحراك الجنوبي الداعي الى الإنفصال، وهي كلها عناصر ضعط على المشروع السعودي ـ الخليجي. وأخيراً، فإن نتائج الإنتخابات الرئاسية المصرية والتي ستبدأ في 23/5/2012، تشير الى احتمالية كبيرة لوصول إسلاميين الى السلطة، إما عبر فوز مرشح الإخوان المسلمين، أو الإخواني السابق، والمستقل الآن، عبدالمنعم أبو الفتوح، ما قد يؤدي الى تغييرات هائلة في الوضع الإقليمي.

8مثلاً، وحسب البنك الدولي، فإن معدل دخل الفرد في السعودية لعام 2010 بلغ 16778 دولاراً؛ وفي البحرين 21097 دولاراً؛ وسلطنة عمان 20332 دولاراً؛ والإمارات 49995 دولاراً؛ والكويت 37451 دولاراً؛ وقطر 81963 دولاراً. أي ان السعودية هي الأدنى بين دول الخليج. انظر: جريدة الرياض 1/4/2011 على الرابط:

http://www.alriyadh.com/2011/04/01/article619197.html

في 12/12/2012

9انظر مثلاً:

http://arabic.arabianbusiness.com/business/travel-hospitality/2009/nov/10/31151/

http://www.alwaqt.com/art.php?aid=203553

في 12/5/2012

10انظر: السعودية تقود ثورة مضادة ضد الربيع العربي، القدس العربي، 27/5/211، نقلا عن نيويورك تايمز. وانظر: توفيق العباد، الثورة السعودية المضادة في البحرين، مجلة الحجاز، العدد 104، يونيو 2011، على الرابط:

http://www.alhejazi.net/seyasah/0110403.htm

في 12/5/2012

وانظر أيضا: محمد قستي، لماذا وكيف وأين؟ السعودية والثورة المضادة، مجلة الحجاز، العدد 104، يونيو 2011، على الرابط:

http://www.alhejazi.net/seyasah/0110401.htm

في 12/5/2012

11حول هذا التمايز في المواقف بين واشنطن والرياض، انظر: فريد أيهم، النفوذان السعودي والأميركي في الأزمة البحرينية، مجلة الحجاز، العدد 103، مايو 2011، على الرابط:

http://www.alhejazi.net/seyasah/0110302.htm

في 12/5/2012

12انظر تغطيات الصحافة المحلية السعودية لحدث الثورة المصرية وتأففها من دور الغرب، خاصة واشنطن. على سبيل المثال: فريد أيهم، الحدث المصري في الصحافة المحلية (صحيفة الجزيرة مثالاً). وفهد الحازمي، مثقفون سعوديون ينددون بالثورة المصرية. ومحمد الأنصاري، الثورة لدى كاتب سعودي يقطر جهلاً. المقالات الثلاثة في مجلة الحجاز، العدد 100، فبراير 2011، على الرابط:

http://alhejazi.net/pdf/AlHejaz_100.pdf

في 12/5/2012

 

FaLang translation system by Faboba