Bahrain Centre for Studies in London

موقع البحرين في الاستيراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط

Attachments:
Download this file (Bahrain’s position in the U.S. strategy in the Middle East-Arabic.pdf)Bahrain’s position in the U.S. strategy in the Middle East-Arabic[موقع البحرين في الاستيراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط]804 Kb

  

 

1. تمهيد

عندما تحرك شعب البحرين مطالبا بحقوقه السياسية بدءا من حقوق المواطنة الصحيحة، جوبه برفض من النظام الحاكم؛ وهو نظام ملكي استبدادي يقوم على قواعد السلطة المطلقة (الملطفة) بشكليات لا تغير الجوهر.

ولم يكتف الملك في المواجهة بما لديه من قوات مسلحة نظمها تحت تسمية "قوة دفاع البحرين"، بل استعان بقوات خليجية كانت نظمت تحت تسمية "قوات درع الجزيرة"، فاستقدمها إلى ساحات الاحتجاج الشعبي؛ لتتصدى للمدنيين العزل، وخلافا لما تصرفت به أمريكا حيال حالات الاحتجاج أوالحراك الشعبي في دول أخرى كليبيا مثلا،حيث استصدرت من مجلس الأمن قرارا أجاز التدخل العسكري الأجنبي لحماية المدنيين، فاستعملته أمريكا"ذريعة" لتدخل الناتو؛ما أدىإلىإسقاط الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وقتله، فإنها في الحالة البحرينية لزمت الصمت في البداية ما أوحى بموافقتها على القمع العسكري للاحتجاج السلمي المدني، كما أنها سكتت عن تدخل القوات الخليجية ومعظمها سعودي، لا بل شجعتها!

وفي الأونة الأخيرة سُجِّلت مواقف أمريكية خجولة تحث ملك البحرين على إجراء بعض الإصلاحات التي قد تخفف من الاحتقان الشعبي، مع استمرارها  في دعمه رغم واقع الحكم الاستبدادي الذي يمارسه النظام، وقد أثار موقف أمريكا حيال البحرين الأسئلة عن أسباب تمسكها بهذا النظام رغم تعارضه الأكيد مع ما تدعيه أمريكا من حرصها على نشر الديمقراطية وإرساء قواعد حقوق الأنسان.

في هذه الدراسة سنبحث في استراتيجية أمريكا في المنطقة وموقع البحرين فيها، دراسة نقارب من خلالها تحديد سبب اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط أولاً، لنقف بعدها على استراتيجية أمريكا المعتمدة الأن في المنطقة، ثم ننتهي إلى تحديد موقع البحرين في هذه الاستراتيجية، مع محاولة لإلقاء الضوء على  المقاربة الأفضل لشعب البحرين لتحقيق مطالبه في ظل المعطيات القائمة راهناً.

 


2. أهمية الشرق الأوسط في العين الأمريكية

 

منذ أن دخلت مسرح التأثير العالمي المباشر في الحرب العالمية الثانية، طمحتأمريكافي توسيع فضائها الاستراتيجي، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في العام 1945، وأُنشئت منظمة الأمم المتحدة على أنقاض "عصبة الأمم"؛ من أجل منع الحروب وتحقيق الأمن والسلام الدوليين،فإن النظام العالمي الذي أرسيت قواعده آنذاك، جاء بمنظومة لحماية مصالح المنتصرين،وفي طليعتهم أمريكا التي اعتمدت سياسة ومسلكا يتيح لها تحقيق طموحها دون الوقوع في سلبيات الاستعمار القديم.

وانطلاقا من تلك النزعة اهتمت أمريكا بالشرق الأوسط لما يمثله أو يوفره لها من مكاسب دعما لمشروعها الكوني، فالمنطقة تتوسط العالم القديم وفيها الممرات الإجبارية للمواصلات والتنقل بين أنحاء العالم، ثم أنها تختزن في أعماقها مصادر الطاقة (النفط و الغاز) التي لم يتم التوصل حتى الأنإلى البديل الناجع عنها. وقد بات راسخا في الفكر الاستراتيجي العام أن من يمتلك السيطرة على هذه المنطقة يتحكم بسهولة في القرار العالمي.

 وتأسيساً على ذلك، وضعت أمريكا المنطقة في أعلى درجات اهتمامها، واعتمدت من الخطط والاستراتيجيات ما يمكّنها من ذلك بشكل آمن وموثوق،ولكنها لم تتجمد عند استراتيجية واحدة للعمل، بل كانت تكيف سلوكها وتراجعه وفقاً للمتغيرات، مع ثبات في الأهداف،وهذا أمر منطقي؛لأن الاستراتيجية تتغير وفقا لتغير المعطيات والعناصر التي تبنى عليها.

نقول ذلك مع التذكير بأن الاستراتيجية -بشكل عام-  تعتمد من أجل تأمين مصالح حيوية تتخذها الجهة المعنية أهدافاً أساسية كبرى لها، وتعمل على تحقيقها انطلاقا من الوسائل والإمكانات المتاحة لها أو التي تستطيع أن تتصرف بها أو توفرها، مع الأخذ بعين الاعتبار البيئة التي ستعمل فيها بما تقدمه من تسهيلات أو تفرزه من عقبات وعوائق.

وانطلاقا من ذلك، يتم وضع الخطة/ الخطط التي تمكنها من تحقيق المصالح/الأهداف باستعمال الوسائل المتاحة في ظرفها وبيئتها، أي باختصار تفهم الاستراتيجية بأنها التخطيط لاستعمال المتاح من الامكانات لتحقيق المرغوب به من المصالح والأهداف مع احترام ما تشكله البيئة القائمة من ظروف.

وعليه، تكون البداية في تلمس استراتيجية ما ماثلة في تحديد المصالح/الأهداف، ثم إحصاء القدرات والإمكانات المتاحة -ذاتية كانت أو مكتسبة-وصولاً إلى تحديد العقبات والصعوبات أو المخاطر التي تمنع أو تعيق تحقيق المطلوب. 

وعلى هذا الأساس، ينبغي على الباحث في استراتيجية أمريكا في منطقة الشرق الأوسط أن يقف أولاً عند الاستراتيجية الشاملة لأمريكا بشكل عام،ثم يبحث عن مصالح أمريكافي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وصولاً إلى تحديد العوائق التي قد تعترض التنفيذ،أي وبدقة أكثر تحديد الخصم أو العدو الذي ستواجهه أمريكا في سعيها لتحقيق ما تريد في المنطقة. 

 


 

3.المصالح الاستراتيجية الأمريكية

          قد لا يكون يسيرا القطع بحصرية المصالح الأمريكية،وخصوصا أن أمريكا تعتمد في تعيينها أساليب متعددة منها الأسلوب المباشر والتحديد الصريح، كما أنها لا تتلكأ عن اعتماد التورية والتعمية على أهدافها وفقا لطبيعة الهدف، لكننا نستطيع أن نحصي من المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ما يلي:

1) المصالح المعينة بشكل مباشر،وهي أربعة كما حددها الرئيس باراك أوباما صراحة:

- ضمان تدفق النفط إلى الغرب.

-  ضمان بقاء إسرائيل و أمنها.

- منع امتلاك أحد من دول المنطقة سلاح الدمار الشامل.

           -  محاربة الإرهاب بالمفهوم الأمريكي. (1)            

2) المصالح/ الأهداف المضمرة وتتجسد في:

-        منع تشكل جبهات أو قوى أو محاور إقليمية تواجه الولايات المتحدة وتعرقل نشاطها.

-         منع قيام الدول/الدول الإقليمية القوية المستقلة.

-         منع الاستقرار الذي يوفر النهوض والتقدم الوطني أو القومي أو الإقليمي.

-        الحد من النهوض الصيني.

-         منع توسيع الفضاء الاستراتيجي لكل من الصين و روسيا في منطقة الشرق الأوسط.

3) أما المصالح المقنعة أو المخفية فتتركز بشكل أساسي في منع شعوب المنطقة من امتلاك قرارها وممارسة حق تقرير المصير والسيادة، كما إنها تهدف إلى منعها من استغلال ثرواتها الطبيعية أو التحكم بها، والعمل على إفشاء ثقافة الإلحاق وعدم الثقة بالنفس.

وانطلقت أمريكا لتحقيق هذه الأهداف معتمدة أولا على قدراتها الذاتية المتمثلة في اقتصاد قوي وصل إلىمرتبة الاقتصاد الأقوى في العالم، وقدرات عسكرية هائلة جعلت معظم الباحثيين العسكريين والاستراتيجيين يصنفونها في المرتبة الأولى في العالم، ثم راكمت هذه القدرات على مستويين:الأول مستوى الأحلاف العسكرية، فأنشأت -بشكل قوي ومتماسك- الحلف الأطلسي، وحاولت أكثر من مرة إنشاء أحلاف أخرى كالحلف المركزي أو حلف بغداد في أواخر الخمسينات. وفضلا عن ذلك، فقد اتجهت إلى الاتكاء على المنظمات والهيئات الدولية كالأمم المتحدة، وخصوصا مجلس الأمن الدولي والبنك الدولي ووكالة  الطاقة الدولية و سواها.

____________________________________  

1  حددها اوباما في العام 2011 في خطابه بمناسبة دعم حركات الديمقراطية في العالم العربي

 


4. الاستراتيجية الأمريكية القائمة ومستلزماتها

 

 في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية تقلبت أمريكا ومعها الأحلاف التي تسيطر على قرارها في اعتماد استراتيجات عدة،فبدأت في الخمسينات مع"استراتيجية الردع والاحتواء"، وهي ما عملت به طيلة فترة "الحرب الباردة" بينها وبين الاتحاد السوفييتي، وهو ما أدىإلى تفكيك الأخيرةفي العام 1989، وبعدها انقلبت فورا إلى "استراتيجية القوة الصلبة"، وترجمتها حروباًو فتحَ جبهات قتال في كل من الخليج وأفغانستان والعراق، كما ساهمت حليفتها إسرائيل-وتنفيذا لأوامرها- في جزء منها، فقد شنت حربها على المقاومة في لبنان في العام 2006، وهي الحرب التي خرجت منها بفشل أكد هزيمتها التي كانت تجرعتها في العام 2000 بخروجها من الجنوب اللبناني،فراكمت عليها هزيمة جديدة بدلا من أن تمحو أثار الأولى!

وعطفت هذه الهزيمة على الإخفاق الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، ما حمل أمريكاإلى التحول إلى "استراتيجية القوة الناعمة"، وهي التي طبقتها بشكل مباشر في إيران، لكن سرعان ما تبين لها أنها"استراتيجية عاجزة" عن تحقيق الأهداف في مواجهة خصم عقائدي كـ "الخصم الإيراني"؛لأنها تتطلب نَفَساً طويلاً وصبراً،ويخشى معها انفلات أَزِمَّة الأمور من يديها،ونتيجة ذلك استجابت أمريكا لأراء المفكرين الاستراتيجيين لديها، واعتمدت منذ العام 2010 "استراتيجية إدارة الأزمات".

وقد كرس الخيار الأمريكي الجديد في المفهوم الاستراتيجي العام للحلف الأطلسي الذي اعتمد في تشرين الثاني 2010 ليعمل به في العقد المقبل حتى العام 2020، وفي هذا المفهوم أكدت أمريكا والحلف الأطلسي على ثوابت أساسية تعنينا في هذا المقام هي:

1) أهمية منطقة الشرق الأوسط للأمن والاقتصاد الغربي وخصوصا لجهة أمن النفط وأمنإسرائيل.

 

2)التخلي عن استراتيجية القوة الصلبة، وإقفال الجبهات المشتعلة، وسحب الجيوش المقاتلة من العراق و أفعانستان في موعد أقصاه العام 2014.

 

3)إدارة الأزمات التي تظهر في العالم عامة وفي الشرق الأوسط خصوصا بشكل يؤدي إلى احتوائها، والسير بها باتجاه تحقيق المصالح الغربية.

 

4) التمسك بخيار الردع النووي بوصفه أداة ردع ناجعة تمنع تهديد المصالح الغربية بشكل جدي.

 

5     ) التشدد في سياسة حرمان خصومها من امتلاك سلاح الدمار الشامل وخصوصا النووي منه. 

إذن، غيرت أمريكا استراتيجتها مؤخراً بعد إخفاقها باعتماد استراتيجيتين متتاليتين، لكنها لم تغير شيئا من أهدافها الاستراتيجية الأساسية الكبرى وبالتحديد ما يتعلق بالنفط والسيطرة عليه، وإسرائيل وأمنها، والحؤول دون تحول منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة يملك القرار فيها أحد سواها،أو يشاركها في القرار طرف من خارجها، أو حتى من داخلها، وتحقيقاً لهذه الأهداف رأت أن الوجود العسكري المباشر في منطقة الشرق الأوسط، عند منابع النفط، والممسك بالممرات المائية، والحائل دون انهيار الوضع العسكري والأمني لإسرائيل، هو ضرورة، بل شرط لابد منه، لإحداث الطمأنينة والثقة بمستقبل يناسبها في المنطقة، وقد بات هذا الوجود ذا أهمية أكبر بعد التخلي عن استراتيجة القوة الصلبة؛ لأن وظيفته تحولت إلى وظيفة ردع، وهي الوظيفة التي تستلزم الوجود القريب المكثف الذي يحدث في نفس العدو الرهبة فيرتدع عن المواجهة أو الاحتكاك.

وارتكازا على هذه الضرورة الاستراتيجية، تجد أمريكا نفسها ملزمة بالتمسك بالقواعد العسكرية الملائمة في جغرافيتها لتأمين حماية مصالحها التي حددت كما سبق، لا بل تكثيفها وتوسيع انتشارها لبناء الستار/ الدرع الرادع وعلى وجهين؛ الدرع الناري والقبضة القتالية الموجهة باستمرار لـ "العدو" الذي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، ولكن من يهدد هذه المصالح؟

 


5. مصادر تهديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط

عندما انهار الاتحاد السوفييتي في العام 1989، انساق العالم في الركب الأمريكي،القطب العالمي الأوحد آنذاك، ولم يبق أحد خارج دائرة النفوذ والسيطرة أو التبعية الأمريكية في الشرق الأوسط كله،متمسكاً بحقه في الاستقلال والسيادة الذاتية إلا قوى تصدرتها إيران(الجمهورية الإسلامية) التي عملت  بمبدأ "لا شرقية ولا غربية"، ورأت فيإسرائيل"غدة سرطانية واجبة الاقتلاع"، وعمقت تحالفها الاستراتيجي مع سوريا التي تمسكت بحقوقها القومية والوطنية في فلسطين والأرض العربية المحتلة من قبل إسرائيل، وهو تمسك قادها إلىأن تحتضن مع إيران حركاتالمقاومة ضد إسرائيل في لبنان وفلسطين، وقد جاء في طليعتها كل من حزب الله، وحركتا حماس والجهاد الإسلامي، وقد تشكل من المكونات المذكورة أعلاه  محور أطلق عليه تسمية "محور المقاومة و الممانعة".

ومن اللافت أن المحور المتشكل هذا أُرْسِي عقائديا على أمرين "الإسلام الجهادي الحركي" الذي تعمل به كل من إيران وحركات المقاومةالإسلامية، و"الفكر القومي العربي" و"اليساري" الذي تعتمده سوريا وفصائل مقاومة فلسطينية تعمل بالتنسيق معها، وكان هذا المحور في تشكله تحديا لأمريكا التي ترفض وجود مثل هذه الأحلافأوإقامة الجبهات التي لا تسير بإملائها، كما ذكرنا.

و رغم كل ما بذلت أمريكا من جهود وما مارسته من ضغوط، وما نفذته من انتشار عسكري في منطقة الخليج إثر "الحرب/ التمثيلية" التي شنتها تحت اسم "عاصفة الصحراء" لتحرير الكويت والتي انتهت بدحر صدام حسين، وانتشار عسكري أمريكي مباشر في الكويت، مكانه على مشارف السواحل الإيرانية، فإن محور المقاومة المذكور استمر في تمسكه بمواقفه التي اعتبرتها أمريكا تهديدا لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فكان أن قررت مواجهة هؤلاء بالعمل على تفكيك حلفهم، والقضاء على قدراتهم جماعة وفرادى لمنع استفحال خطرهم على مصالحها.

وعلى ضوء ذلك فقد بات عدوا في القاموس السياسي–العسكري الأمريكي كل من:

1) حزب الله في لبنان، وهو التنظيم الذي قاتل إسرائيل لاخراجها من لبنان وتحرير الجنوب، فاتهمته أمريكا بأنه حركة إرهابية، ووضعت النظم والخطط لمحاربته والتضييق عليه.

2)حركات المقاومة الفلسطينية وخصوصاالإسلامية منها كحماس والجهاد الإسلاميالتي تهدد الأمن الإسرائيلي في المناطق المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة إلى ما يمكن أن يتسرب منها إلىالأراضي المحتلة في العام 1948.

3)سوريا، وهي الحاضن المباشر لحركات المقاومة التي ذكرت، والرافضة للتنازل لإسرائيل كما فعلت كل من مصر والأردن، ما يعرقل تصفية القضية الفلسطينية، كما تشتهي أمريكا وإسرائيل، ويبقى مصير إسرائيل تحت علامة إستفهام جدية، طالما أن القضية لم تحل.

4)إيران، وهي الطرف الأخطر على المصالح الأمريكية المعلنة، نظرا لمجاهرتها برفض وجود إسرائيل ودعمها لحركات المقاومة، ولامتلاكها القوة العسكرية التي تمكنها من تهديد الملاحة في الخليج، وعبر مضيق هرمز(الممر الأهم للنفط إلىالغرب)، فضلاً عن قدراتها النارية التي تهدد منابع النفط ذاتها، كما أنها تملك تأثيرا مهما في قرار الأوبيك (منظمة الدول المصدرة للنفط) باعتبارها دولة منتجة ومصدرة له.

5) بالإضافة إلى القوى الإقليمية المباشرة التي ذكرنا أعلاه، يبقى في الذهن الأمريكي قائما أطراف من خارج المنطقة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، ودون أن نخوض هنا في التفاصيل نكتفي بأن نذكر بكل من الصين التي تحتاج إلى نفط الشرق الأوسط في عملية نهوضها الاقتصادي التي باتت تهدد جديا الاقتصاد الغربي وتقدمه، كما نذكر روسيا التي استعادت يقظتها وبدأت تتلمس طريق العودة إلى المسرح الدولي؛لتلعب دور قوة من القوى العظمى، وهو الدور الذي افتقدته منذ عقدين من الزمان إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. ويبقى لهاتين الدولتين مصلحة في نسج علاقة وتنسيق معتبر مع القوى التي تناهض أمريكا في منطقة الشرق الأوسط، وتأتي إيران في طليعتها.

 

 


6. الخطر الإيراني في العين الغربية على المصالح الأمريكية ومستلزمات المواجهة

على ضوء خارطة الأطراف الذين ترى فيهم أمريكا تهديدا لمصلحتها في الشرق الأوسط، بدت إيران دولة تمتلك من الجغرافية السياسية والموقع الاستراتيجي، ما جعلها بالنظر الأمريكي خصماً قوياً يهدد مصالحها جدياً لأنها:

-        تشغل الشاطئ الشمالي الشرقي من الخليج وشاطئ مضيق هرمز باب مرور 40% من الصادرات النفطية العالمية.

-        أرست حكمها على نظام إسلامي، يعمل بمنطق الإسلام الحركي الجهادي، على أساس المذهب الإسلامي الإثني عشري (الشيعي) الذي ينشد السيادة والاستقلالية ويرفض التبعية والإلحاق.

-        تمتلك قوة عسكرية تستطيع أن تؤثر في الملاحة في الخليج وعبر مضيق هرمز.

-        ذات قدرات دفاعية تحول دون إسقاطها بالتدخل الخارجي، كما أنها قادرة على إلحاق الأذى الجسيم بإسرائيل عبر ما تمتلكه من طاقة نارية صاروخية.

-        تتمركز في 3 جزر تتحكم من جهة الشرق بحركة المرور في مضيق هرمز.

-        ذات امتداد استراتيجي إلى شاطئ المتوسط عبر حلفائها ما يمكنها من أن تكون على تماس مباشر مع حدود فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل.

ومن أجل ذلك؛ أدرجت إيران على رأس القائمة الأمريكية السوداء باعتبارها الطرف الأخطر؛لأنها بما تملك تشكل –برأي أمريكا- تهديدا لأكثر من مصلحة أو هدف استراتيجي أمريكي، فهي دولة نفطية أولاً، وتؤثر على سوق النفط، وترفض وجود إسرائيل، وتتحكم إذا امتلكت القوة بالملاحة في الخليج وفي مضيق هرمز، وانخرطت في حلف استراتيجي إقليمي ينشد الحق والاستقلالية، كما أنها –بالعين الأمريكية- لديها طموح سياسي يتعدى إقليمها، وأنها تسعى لتوسيع فضائها الاستراتيجي عبر تكوين جبهة إقليمية متماسكة تتمسك باستقلالية القرار والسيادة على الأرض والثروة، وتعمل من أجلشرق أوسط لأهله، خلافاً للسياسة الأمريكية التي تجهد لإقامة "الشرق الأوسط الجديد" المبني من دول واهنة ضعيفة تقوم على أساس ديني أو قومي أوإثني، خدمة لمصالح إسرائيل والغرب.

وإضافة إلى ما ذكر، فإن إيران تسعى لامتلاك مصادر القوة بكل وجوهها العسكرية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية، فضلا عن العقائدية الدينية (الإسلام الجهادي)، وهي قوة تستند على قدرات ذاتية وعلى تحالفات خارجية، وإذا عطفنا كل ذلك على احتضانها ودعمها لحركات المقاومة، وإرسائها لـ "محور المقاومة والممانعة"  للنهج الأمريكي التسلطي في المنطقة، لخلصنا إلى القول بأن أمريكا ترى في إيران"الدولة الأخطر في العالم على مصالحها"، وبهذا نفهم كيف أنها اعتبرتها رأس "محور الشر" على حد تعبير بوش الابن (الرئيس الأمريكي  السابق)، يعني الشر على المصالح الأمريكية (وهو ما يعني الخير لشعوب المنطقة).

ومع هذ الاستنتاج باتت أمريكا متأكدة من أن بقاء النظام الإيراني الحالي سيعيق عملها وسياستها في المنطقة، وهي لا تستطيع أن تنسى أن العالم برمته انقاد لها إلا إيران ومحورها، ثم أن هذا المحور تسبب بإخفاقها في إقامة النظام العالمي الأحادي القطبية ما أرغمهاعلى التراجع، والاضطرار لبدء  القبول بعالم متعدد الأقطاب يرفض حتى الثنائية القطبية التي سقطت مع سقوط الاتحاد السوفييتي.

ومع هذا التصور، أدركت أمريكاأن الخيار العسكري لترويض إيرانأو تغيير نظامها على الطريقة الأفغانية أو العراقية أو الليبية "أمر مستحيل"؛ نظرا للظروف الموضوعية والذاتية لكلا الطرفين، كما أنها تذكر أنها جربت القوة الناعمة وحاولت أن تتغلغل في الداخل الإيراني وتنشر الفوضى وتؤلب العالم على إيران من باب الادعاء الكاذب بأنها "لا تحترم قواعد الديمقراطية وتتنكر لحقوق الإنسان"،أوأنها تسعى إلى القنبلة الذرية، لكن مسعاها خاب، وشكل الصمود الإيراني خيبة أمل عميقة لأمريكا،وهو ما حملها -كما ذكرنا- على التحول إلى "استراتيجية إدارة الأزمات " التي تفرض في أعمالها نوعين من السلوكيات:

- امتلاك القوة الردعية لمنع الخصم من المبادرة بالمواجهة.

- امتلاك القدرة السياسية والعسكرية القريبة الجاهزة للتدخل الظرفي السريع لتوفير الضغط، ومنح القوى أو الأطراف، المستعملة أمريكيا في أزمة ما، المعنويات التي تمكنها من متابعة الحراك والعمل بالإملاء الأمريكيفي مواجهة خصوم الغرب.

وعليه، رأت أمريكاأن الأسلوب الأفضل لتنفيذ هذه الاستراتيجية يقوم على انتشار عسكري بري وبحري قرب منابع النفط وامتلاك السيطرة على المعابر/ الممرات المائية من تلك المنابع إلى الغرب، وهي مضائق هرمز، وباب المندب، وجبل طارق،إضافة إلى قناة السويس، ثمدعم نظام "حراس المصالح الغربية" وهو الحكام  الضعفاء الذين يستندون أصلاً إلى الحماية الأمريكية للاستمرار، ويتولون قمع شعوبهم نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكيةلمنع تشكل حالات ونوازع الاستقلال والسيادة الوطنية.

وبهذا المنطق، لجأت أمريكاإلى تعزيز وضع القوى الإقليمية التي تعمل بإمرتها، لتشكل منهم جبهة تضعها في مواجهة إيران، فتؤمِّن لها تحقيق أهداف عدة؛ منها تحويل وجهة الصراع من صهيوني–عربي وإسلامي، إلى صراع عربي- فارسي، أو صراع سني– شيعي،ما يؤدي إلى راحة إسرائيل، وهي وظيفة تضاف إلىوظائف نظام "حراس المصالح الغربية" الذي أرسته بريطانيا في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية بإقامة الدول والإمارات والمشايخ في منابع النفط حتى تبقى ممسكة بالطاقة عبر دول واهنة ضعيفة، وقد استطاعت أمريكاأن تُنشأ وتتعهد "مجلس التعاون الخليجي"، وأن تحمله على الخوف من إيران والارتماء بصورة أكثرفي الحضن الأمريكي، وفتح أراضيه لنشر القواعد العسكرية الغربية التي بلغت حتى العام  2012  ثلاث عشرة قاعدة في الدول العربية القائمة على شاطئ الخليج في مقابل إيران.

 


 

7. أهمية البحرين في الاستراتيجية الأمريكية

البحرين مجموعة من الجزر في الخليج تواجه في موقعها كلا من إيران وقطر والمملكة العربية السعودية التي ترتبط معها بجسر طويل يمكنهامن الوصول إليهابالسيارات والمركبات المدولبة، ويتكون معظم شعبها من العنصر العربي وبعضه يرجع إلىأصول إيرانية، لكنهم جميعاً مسلمون، ثلاثة أرباعهم من الشيعة والربع الآخر من السنة.

ثروات البحرين الطبيعية محدودة، وتعتبر الدولة -في اقتصادها- الأضعف بين دول الخليج كلها، وقد عهدت بريطانيا في حكم البحرين إلىأسرة آل خليفة(أسرة من المسلمين السنة ذات ميول وهابية حاضرا)، وجعل حاكمها نفسه ملكاً وحول البلاد إلى مملكة تعتمد نظام الحكم المطلق، وقد مارس التمييز بين المواطنيين على أساس مذهبي، فأبعد الشيعة بصورة كلية عن مفاصل الدولة ومراكزها الأساسية، لكنه مع هذا لم يعدل أيضا مع باقي الشعب،أي حتى مع السنة أنفسهم.

انضمت البحرين إلى مجلس التعاون الخليجي، وشاركت بشكل محدود في تشكيل "قوات درع الجزيرة".

انطلاقاً مما تقدم وجدت أمريكا في البحرين كياناً ملائماً لاستراتيجيتها، ويقدم لها الكثير من المزايا العسكرية والسياسية التي تسهل عملها في منطقة الخليج خصوصا، وفي الشرق الأوسط عامة؛ من أجل ذلك أحاطتها بعناية بالغة بعد أن وجدت فيها المنطقة الملائمة لها من حيث كونها:

1) جزر توفر لمن يتمركز فيها مزايا عسكرية مهمة، تتعلق بالحركة البحرية في الخليج وحماية شاطئه الجنوبي الغربي؛ ومن أجل ذلك سارعت أمريكا، وعبر عملية الانتشار العسكري في المنطقة تلك،إلى اعتماد البحرين قاعدة عسكرية تقيم فيها قيادة الأسطول الأمريكي الخامس الموكل بمهمة السيطرة على الخليج، ومنه على مضيق هرمز وبحر العرب فالمحيط الهندي.

2) جزر تقابل الشاطئ الإيراني، وتوفر لمن يتمركز فيها قدرات إضافية لمراقبة هذا الشاطئ وإقامة قواعد الإنذار المبكر ضد أي تحرك إيراني في اتجاه الشاطئ الجنوبي، حيث دول النفط العربي. وقد استغلت أمريكا هذا الموقع لإقامة قواعد الرادار والتنصت والتجسس في المنطقة، خاصة ضد إيران(خصمها الرئيس و الأخطر في المنطقة).

3) منطقة تشكل مع قطر قواعد متقدمة في عمق الخليج للدفاع عن دول التعاون الخليجي ضد "الخطر الإيراني" المزعوم.

4) دولة ذات أكثرية شعبية من المسلمين الشيعة الذين لبعضهم جذور إيرانية، يخشى معها –في حال إقامة الحكم الديمقراطي على أساس الأكثرية الشعبية- أن تقيم علاقات استراتيجية وبنيوية مع إيران، وهنا ستنتقل البحرين من واقعها الحاضر بوصفها جزءا من منظومة تستعملها أمريكا ضد إيران، إلى قاعدة إيرانية تستعملها إيران ضد المنظومة الخليجية المؤطرة تحت اسم "مجلس التعاون الخليجي" بزعامة سعودية سنية وهابية.

ومن أجل ذلك ولقطع الطريق على مثل هذا الاحتمال، سارعت المملكة العربية السعودية، في الأونة الأخيرة وبعد الحركة الاحتجاجية التي تشهدها البحرين حاضرا، سارعت إلى طرح مشروع الاتحاد لدول الخليج عامة، ومع البحرين خاصة؛لأن في الاتحاد هذا تعطيل لمفاعيل العامل الشيعي الأكثري في البحرين؛ وتذويب له  ضمن الأكثرية السنية في السعودية، ومجلس التعاون الخليجي، (فشل الطرح حتى الآن).

لقد وعت أمريكا هذه الأهمية الاستراتيجية للبحرين، وكانأوباما صريحا في ذلك إذ قال وبوضوح كلي: "إن البحرين حليف طويل المدى بالنسبة لنا، ونحن سنعمل على حماية أمنها، ونحن نعلم أن إيرانتعمل على إستغلال الفوضى هناك، ونعرف أن الحكومة البحرينية لديها حق شرعي في حماية النظام"، ولهذا كان الموقف الأمريكي المشجع لملك البحرين –الذي يعتبر عملياً احد الموظفين لدى الادارة الأمريكية و مخابراتها–؛ من أجل التصدي للحركة الاحتجاجية الشعبية المطالبة بحقوق المواطن وتحقيق المساواة في المواطنية بين أبناء الشعب الواحد.

 كذلك كان التغاضي الأمريكي، لا بل جاء الضوء الاخضر الأمريكي للمملكة العربية السعودية من أجل دعم ملك البحرين في إرسال" قوات درع الجزيرة" لقمع الشعب المنتفض سلميا من أجل حقوقه.

 لكن ملك البحرين فشل في مبتغاه رغم القمع الذي مارسه بقواته الذاتية، ثم مدعوما من السعودية، ورغم السكوت التام للجامعة العربية عما يجري في البحرين، واعتبار العرب –وبذهنية مذهبية واضحة-أن ما يدور هناك هو حركة  طائفية تغذيها إيران ولا تمت إلى الثورات العربية بصلة، ثم بطلان زيف تلك الادعاءات، وزيف الوعود التي يطلقها ملك البحرين، كل ذلك بات يشكل مصدر إحراج و قلق لأمريكا ما حملها اليوم إلى التفكير بمستقبل البحرين وموقعه في استراتيجتها، وهنا نذكر بأن النهج البراغماتي للسياسة الأمريكيةيقوم على قاعدة ثبات المصالح  وعدم التمسك بالأشخاص والأطر والنظم.

 

 


8. المخاوف الأمريكية من الحالة البحرينية

أ‌.        وضع حراك البحرين المطلبي أمريكا بين خيارين لا يخلو أي منهما من صعوبات ومحاذ

1) الأول: استمرار دعم الملك وإبقائه في الوضع القائم، وذلك عبر استمرار عمليات القمع والحؤول دون أي تدخل خارجي لحل الأزمة القائمة بينه وبين شعبه، وهنا ستضطر أمريكا للاستمرار في تغطية سلوك حاكم مستبد، وإذا استمرت فئات الشعب في رفضها واستمرت بحراكها المطلبي فإن النتيجة ستكون فقدان الاستقرار وتدهور الحالة العامة، ما ينعكس سلباً على وظيفة البحرين في الاستراتيجية الأمريكية التي اعتمدتها مقرا عسكريا لقيادة أسطولها الخامس، ونقطة دفاع متقدمة بوجه إيران.

2) الثاني: إفساح المجال أمام الحراك الشعبي لتحقيق الإصلاحات التي يطالب بها، ما يعني إقامة حكومة الأكثرية الشعبية الموالية لإيران–حسب الزعمالأمريكي-، وهنا ستفقد أمريكا الكثير من المكتسبات التي تتمتع بها اليوم وسيجد حلفاؤها في الخليج أنفسهم أمام تهديد إيراني مباشر يفاقم المخاطر التي شكلتها إيران–برأيهم– عبر تمركزها وانتشارها العسكري المباشر في جزر "أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى" مقابل شاطئ الإمارات العربية، وعلى المدخل الشمالي الغربي لمضيق هرمز، لا بل وأكثر من ذلك قد يشكل الأمر أول طعنة في جسم مجلس التعاوني الخليجي المتعثر.

ب. واخذا بالاعتبار لهذه المخاطر فقد خرجت أصوات في أمريكا تطرح المشكلة وتقارب الموضوع بما يرى أصحابها أنه يحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة عامة، وفي البحرين خاصة. فبعد أن أعطتأمريكا الضوء الأخضر للسعودية بالتدخل العسكري في البحرين لحماية الملك خشية أن يؤدي انهياره إلى تغيير بنيوي وسياسي وديموغرافي يصب في مصلحة إيران، عادت وبعد ما يقارب السنة على هذا الموقف، وحثت ملك البحرين على إجراءإصلاحات معقولة، وإجراء حوار مع المعارضة للوصول إلىحل يرضي جميع الأطراف بحد معقول. وفي مقاربتها للوضع العربي، خلصت "خلية الدراسات والبحث الاستراتيجي" الأمريكيالتي شكلت في الولايات المتحدة للبحث بانعكاسات ما أسمي "الربيع العربي" على السياسة الأمريكية، خلصت في تقرير وضعته للقول:إن المراهنة الدائمة على استمرار منظومة حكام الخليج هو رهان محفوف بالمخاطر وإن حظوظ نجاحه متدنية، لأن المنطقة دخلت في حراك لا يمكن توقع توقفه مع استمرار الأنظمة الاستبدادية التي تحتضنها أمريكا تحت أي مسمى كان، وباتت الولايت المتحدة اليوم تخشى جديا انهيار تلك الأنظمة، كما أنها تخشى تداعيات الانهيار على وجودها العسكري وقواعدها المنتشرة في المنطقة، وتاليا تهديد منابع النفط، ما سيفتح المجال أمامإيران لتوسيع فضائها الاستراتيجي في الخليج. ويرى خبراء أمريكيون أن على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في سياستها القائمة حاليا على التمسك والاتكال على حكام مستبدين، والتوجه إلى القوى ذات القواعد الشعبية الحقيقة لحماية مصالحها على حد قول نيكولاس بورنز في محاضرته في هارفرد في ندوة الخبراء الاستراتيجيين الأمريكيين عن الشرق الأوسط. وقد تبلور اتجاه أمريكي عام بعد ما يزيد عن سنة و نصف، من الحراك الشعبي العربي يقوم على القول أن أمريكا مضطرة لدعم الحركات الإصلاحية والتخلي تباعا عن أنظمة الحكم الاستبدادية إذا ما رغبت في حماية مصالحها في الشرق الأوسط.

 


9. حدود السلوك الأمريكي المستقبلي في البحرين وضوابطه

تأسيساً على ما تقدم، فإننا نرى أن أمريكا لن تتقبل بسهولة فكرة تحول البحرين وانتقالها إلى المعسكر المناهض لها ولسياستها، كما أنها ليست مضطرة للتمسك بملك البحرين إذا وجدت أنه سيتحول إلى عبء عليها وعلى مصالحها، وخصوصا أنه كما هو ثابت في السلوك الأمريكي وكما ذكرنا آنفا، فإن أمريكا تتمسك بمصالحها و لا تتمسك بالأدوات إذا عجزت تلك الأدوات عن تأمين المصالح الأمريكية. وعلى هذا الأساس، ونظراً للتحولات القائمة في المنطقة، وعلى الصعيد العالمي العام، فإننا نرى أن أمريكاستستمر في النظر إلى البحرين كركن من أركان تنفيذ استراتيجيتها في الشرق الأوسط؛ باعتباره القاعدة العسكرية البحرية المتقدمة في الخليج، دون أن يعني هذا التمسك المطلق بملكها ونظامه القائم، بل يعني التحكم بأي تغيير وتطور داخلي بما يبقي البحرين في فلكها الاستراتيجي، وهي لا تستطيع التراجع عن ذلك بل سيزداد تمسكها بهذه الدولة أكثر في ظل القوة المتعاظمة لإيران في المنطقة، وفي ظل الاتجاه الذي يسلكه العراق اليوم في تقاربه مع إيران، والظهور العلني للدور الروسي في الأزمة السورية. وقد يتبلور هذا السلوك بشكل غير مباشر في تشجيع السعودية على حماية الملك ونظامه ومنع أي تغيير استراتيجي لموقع البحرين في مرحلة أولى، وفي حال العجز عن تحقيق الاستقرار، فإن أمريكاقد تسعى إلى حل للأزمة البحرينية بطريقةتفصل الإصلاح الداخلي عن الوظيفة الاستراتيجية الداخلية بحيث:

-        تبقي البحرين استراتيجيا في القبضة الأمريكية،والحؤول دون تحولها إلى جزء من الفضاء الاستراتيجي الإيراني أو نجمة الهلال الشيعي الذي تخوف أمريكامنه، وتحذر من قيامه، وتثير هواجس الخليج السني الوهابي من إرسائه بزعامة إيرانية، امتدادا إلى لبنان عبر سوريا والعراق (وهو محور المقاومة و الممانعة).

-         تسمح بقدر من الإصلاحات الداخلية بشكل لا يؤثر على تلك الوظيفة ويمنع تبلور حكم الأكثرية الشعبية المخشي منها، سواء في ذلك بقي الملك أو استبدل بحاكم من سنخه ومواصفاته من حيث التبعية لأمريكا وحراسة مصالحها.


 

الخلاصة

10. وفي الخلاصة نؤكد أن للبحرين أهمية خاصة في الاستراتيجية الأمريكية بجميع أشكالها المتعاقبة، وصولاً إلى الاستراتيجية الحاضرة "استراتيجية إدارة الأزمات"، وهيأهمية مستمدة من حاجة أمريكا للنفط وأمن منفذه الرئيس في مضيق هرمز، كما أنها تحتاجها للانتشار العسكري في الخليج لحمايته بوصفه بحيرة لمصالحها وسدا بوجه خصومها وأعدائها، وخصوصا لمواجهة إيران التي رفضت الانصياع للإملاءات الأمريكية بشكل هدد مصالحها جديا كما تدعي، لكن هذه الأهمية لا تعني أن أمريكا بوارد الاستمرار إلىما لا نهاية في دعم الملك المستبد، بل ستكون كما نعتقد منفتحة على أي حل يعطي للشعب قدرا من حقوقه ويمنع التغيير الاستراتيجي لموقع البحرين في خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة؛ ولذلك نرى أن فرص شعب البحرين في تحقيق العدالة والمساواة كما يطالب اليوم، هي فرص مرتفعة الحظوظ إذا ما استمر الحراك الشعبي على وتيرته السلمية دون أن يقع في فخ العمل المسلح.

  

  

 

FaLang translation system by Faboba