مقدمة
اتخذت الدول المؤثرة في المنطقة على غرار الجمهورية الإسلامية مواقف محددة ازاء التطورات الكبيرة التي تشهدها الدول العربية بدءاً من دول شمال أفريقيا ومرورا بالبلدان الواقعة في الشرق الأوسط. وتسعى الدول المؤثرة إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال استخدام الأدوات والأوراق التي تمتلكها.
فمنذ انطلاق الربيع العربي تبنت الجمهورية الإسلامية وهي واحدة من أكثر دول المنطقة نفوذا حاليا موقفا صريحا تجاه التطورات في الشرق الأوسط. ودعمت إيران الحركات المطالبة بالحرية معتبرة أنها يقظة إسلامية.
ولم تحظ التطورات في الساحة السورية فحسب بدعم إيران. وترى إيران بصراحة أن الولايات المتحدة وحلفاءها ومن ضمنهم حلفاء أميركا التقليديون في المنطقة انحازت للأنظمة العميلة في تونس، وليبيا، ومصر، والأردن، والبحرين خلال الانتفاضات الشعبية التي شهدتها تلك الدول. وتعتقد إيران أن أميركا والدول المتخاصمة مع طهران خاضت معركة ضد النظام السوري بهدف ممارسة الضغوط عليها.
1-الخلافات بين إيران والدول الخليجية
بعد مزاعم الإمارات حول ملكية جزر الطنب الكبرى والطنب الصغرى وأبو موسى، يعتبر ملف البحرين وقضية اليمن مؤخرا من أبرز النقاط الخلافية بين إيران وجيرانها من الجهة الجنوبية للخليج الفارسي. ولكن هذه الخلافات هي جزء بسيط من الخلافات الناشبة بين الدول التقليدية المتنافسة في المنطقة. وبالتزامن مع قيام الثورة الإسلامية أخذت الدول العربية في المنطقة تتهم إيران بمحاولة تصدير الثورة لأنها كانت تخشى من أن الثورة التي تمكنت من الإطاحة بأحد أكثر حلفاء الولايات المتحدة اقتدارا قد تجلب لها مصيرا مشابها لنظام الشاه. كما أن الدول العربية في المنطقة كانت تخشى من اتساع رقعة الحركة المنادية بالتغيير التي بدأت في إيران على أراضيها. وأخذت هذه الدول تتهم إيران بتصدير الثورة من جهة ومن جهة أخرى قامت بقمع معارضيها في الداخل. ومارس النظام العراقي أقسى الإجراءات ضد معارضيه حيث قام بقتل آية الله محمد باقر الصدر وشقيقته، والمئات من مواليه.
وقام العديد من الدول العربية التي اتهمت إيران بتصدير الثورة بمساندة صدام حسين خلال حربه ضد إيران، وقدمت دعما ماليا للعراق، وأقدمت على تزويده بالأسلحة. وساهم احتلال الولايات المتحدة للعراق والربيع العربي في تعميق الخلافات القديمة بين ضفتي الخليج الفارسي. وأضفت السعودية وحلفاؤها طابعا مذهبيا على خلافاتها السياسية مع إيران بهدف تجييش المشاعر العامة للمواطنين العرب، مما أدى إلى تعقيد الأوضاع أكثر فأكثر. كما أن بعض دول المنطقة لم ينظر إلى إيران على أنها دولة منافسة لها فحسب بل اعتبرتها تهديدا أيديولوجيا ومصدر تهديد لمصالحها طويلة الأمد. ولذلك تسعى هذه الدول إلى إضفاء الطابع المذهبي على تنافسها السياسي مع إيران، ما أدى إلى تعقيد التنافس الإقليمي ومشهد التطورات في المنطقة.
2-ملف البحرين والحاجة للتشخيص
قبل التطرق إلى الموقف الإيراني ازاء التطورات البحرينية يجب أن نأخذ بعض الحقائق حول التطورات في البحرين بعين الاعتبار. يمكننا تلخيص أهم أسباب الاضطرابات في البحرين في حكم الأقلية السنية للأكثرية الشيعية، وحرمان الأكثرية من المشاركة في عملية صنع القرار في البلاد، وتغيير التركيبة السكانية لصالح الأقلية السنية، وازدياد الفجوة بين الأثرياء والفقراء، وعدم المساواة في توزيع الثروات.
وتتمثل بوادر الحل للأزمة في البحرين في الاهتمام إلى معرفة الأسباب، وكسب تأييد الأكثرية من الشعب البحريني حيث أن إسقاطات الحكومة البحرينية وحليفتها السعودية من خلال توجيه الاتهامات إلى إيران تهدف إلى التغطية على الحقائق المريرة في البحرين.
ويتميز نظام حكم آل خليفة في البحرين بالتبعية الأمنية والاقتصادية للسعودية، إذ ساهمت العلاقات بين الأسر الحاكمة في السعودية والبحرين في تعميق هذه التبعية وتعزيزها. ويجب الانتباه إلى أن تاريخ الاضطرابات في البحرين يعود إلى ما قبل انطلاق الربيع العربي حيث أن الحكومة قمعت الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في التسعينات.
ربما تسعى السعودية والبحرين إلى إظهار الحراك الشعبي في البحرين على أن له طابعا مختلفا عن الربيع العربي، وأن له علاقة بإيران وذلك من خلال إضفاء صيغة مذهبية عليه.
ويكمن السبب الثاني الذي يحمل السعودية على إبداء أكبر قدر من التحفظ حول الأحداث في البحرين في وشائج القرابة التي تنسج بين العشائر في البحرين والعشائر الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي في محافظتي الأحساء والقطيف السعودية، إذ أن التطورات التي قد تشهدها المناطق الشيعية في احدى الدولتين ستؤثر على نظيرتها في الدولة الأخرى. وبناء على ذلك فإن أسباب التدخل العسكري للسعودية في البحرين تبدو واضحة.
3-الموقف الإيراني
يعتبر ملف البحرين بدون شك من أكثر القضايا تعقيدا للسياسة الخارجية الإيرانية، ما يتطلب إيلاء اهتمام يتميز بالدقة له.
أولا: كانت البحرين تخضع للحكم الإيراني، ونالت استقلالها عن إيران من خلال استفتاء أجرته الأمم المتحدة.
ثانيا: تنتمي غالبية الشعب البحريني إلى الطائفة الشيعية، ويرى نظام آل خليفة أن الشيعة متأثرون بإيران. كما أن البحرين تعتبر من أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي، وأن موقف إيران ازاء التطورات في البحرين سيثير ردود كافة أعضاء مجلس التعاون.
من جهة أخرى فإن المسؤولين السياسيين في إيران يتعرضون لضغوط من قبل الرأي العام بهدف إيلاء الاهتمام للأحداث الجارية في البحرين. ولا تقتصر أهمية البحرين لدى الإيرانيين على السياسات الرسمية الإيرانية فحسب بل إن الرأي العام الإيراني يمارس ضغوطا على الحكومة من أجل اتخاذ مواقف بشأن البحرين. وتكمن أسباب الضغوط الشعبية على الحكومة في صلات القرابة القائمة بين الشعبين الإيراني والبحريني. وباعتقادي فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية اتخذت مواقف محدودة وحتى أقل من الدول الغربية حول البحرين للأسباب المذكورة.
لقد أصدر العديد من الدول الغربية، وحتى حلفاء نظام آل خليفة بيانات تنديد عديدة حول البحرين.
وأصدر مجلس العموم البريطاني، والبرلمان الأوروبي، والكونغرس، ومجلس الشيوخ في الولايات المتحدة قرارات ضد نظام آل خليفة خلال العامين الماضيين. وقام أكثر من مائة منظمة حقوق الانسان بإصدار بيانات تنديد للأحداث المختلفة في البحرين.
لكن لم تصدر الجمهورية الإسلامية سواء على مستوى الأجهزة الحكومية والبرلمان أو المؤسسات غير الحكومية أي بيان أو قرار بشأن الأزمة في البحرين.
وبالرغم من الاتهامات الصادرة من قبل نظام آل خليفة والسعودية ضد إيران فإن موقف إيران حول التطورات في البحرين لم يتجاوز إصدار بيانات من قبل الخارجية الإيرانية، وطرح مطالب المحتجين البحرينيين في الأوساط الدولية. واعتبر التقرير الذي أصدره بسيوني رئيس اللجنة تقصي الحقائق في البحرين بشأن الاضطرابات التي شهدتها البلاد بأن تدخل إيران في التطورات في البحرين عار عن الصحة. ونفى التقرير فعليا المزاعم السعودية والبحرينية حول التدخل الإيراني في شؤون البحرين.
وتميز الموقف الإيراني من التطورات في البحرين بالتفهم حيال هذه القضية الحساسة، وإدراكها لإمكانية استغلال المواقف الإيرانية من قبل بعض الأطراف. ويستند الموقف الإيراني من البحرين على احترام سيادة مملكة البحرين مع تذكير الحكومة البحرينية بتجاهل حق الأكثرية وحرمانها من المشاركة في عملية صنع القرار.
وبالتزامن مع انطلاق الانتفاضة الشعبية في البحرين اتخذت الحكومة الإيرانية حزمة من الإجراءات اهمها:
-قامت وزارة الخارجية الإيرانية باستدعاء سفراء كل من السعودية، والبحرين، وسويسرا وأعربت خلاله عن قلقها الشديد بشأن التواجد العسكري لبعض الدول في البحرين. كما وجهت الخارجية الإيرانية رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو وقتها، وأمين عام جامعة الدول العربية السابق عمروموسى أبدت فيها قلقها حول التواجد العسكري لبعض الدول في البحرين. وندد مختلف المؤسسات والشخصيات الإيرانية بالأوضاع في البحرين. وبذل التلفزيون الحكومي والقنوات التلفزيونية التي تبث من خارج إيران على غرار قنوات العالم، وبرس تي في جهودا حثيثة لتغطية الظروف السائدة في البحرين، ما ترك تأثيرا كبيرا على الرأي العام الإقليمي والعالمي.
-من جهة أخرى بلغ الموقف الإيراني حول البحرين مستوى طلب فيه العاهل البحريني من إيران القيام بدور الوساطة بين الحكومة والمعارضين. لقد كشف وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي عن هذا الطلب الملكي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني في العاصمة الأردنية.
وبالرغم من أن الحكومة البحرينية نفت صحة التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني السابق غير أن الأقوال الصادرة عن صالحي تدل على إقرار المسؤولين في البحرين بعدم تدخل إيران ومناشدتهم لها بالقيام بدور الوساطة بين الحكومة والمعارضين في البحرين.
وقبل التطرق إلى النقاط الخلافية بين إيران والدول العربية يجب الانتباه إلى أن العديد من دول الربيع العربي ستحتاج لسنوات عديدة من أجل استقرار الأوضاع والعودة إلى الحالة المنشودة.
كما أن السعودية أقدمت على الاحتلال العسكري للبحرين بهدف الحفاظ على انسجام النظام السعودي. اذ تشير المواقف الإيرانية والسعودية خلال العامين الأخيرين إلى أن الأمن القومي السعودي مرهون بالاستقرار في البحرين، وأن إيران تعتبر الاستقرار في سوريا جزءا من أمنها القومي. ويمكن القول إن كلا من إيران والسعودية تسعيان من خلال التعامل الخاص لهما في الملف السوري، والبحريني إلى زيادة نسبة الاستقرار والثبات النسبي الداخلي لهما، والحفاظ على مكانتهما في المنطقة. وبالرغم من أن المواقف الإيرانية قبال الشعب البحريني تهدف إلى إحقاق حق الشعب وتقتصر على تقديم الدعم السياسي والمعنوي لهم غير أن السعودية تعتبر تعامل إيران في القضية البحرينية بأنه هجومي.
وتعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية السياسات المعادية التي تعتمدها السعودية ضد سوريا بدءا من دعم المعارضة مرورا بإرسال الأسلحة لهم بأنها تهدد أمنها القومي وهي تدابير هجومية. ولقد تحولت سوريا والبحرين في الحقيقة إلى ساحة مشتركة للمنافسة الاستراتيجية بين إيران والسعودية. ومن هذا المنطلق يمكن تفسير بعض المواقف التي يتخذها المسؤولون حول ربط مستقبل سوريا بقضية البحرين.
وتنعكس حقيقة العلاقات القائمة بين إيران والدول العربية بالتداخل بين مختلف المستويات من المصادر، والقلق من زعزعة الأمن، والتطورات الجيوسياسية. وستؤثر التطورات الأخيرة في البحرين وسوريا بشكل كبير على المستقبل السياسي ومكانة إيران الدولية. ولا تستند اللعبة السياسية المقبلة في منطقة الشرق الأوسط على الأيديولوجيات فحسب، بل إنها ستهدف إلى تثبيت مناطق النفوذ والأدوار.