- موقف القوى السياسية الأردنية من انتفاضة البحرين :قراءة في موقف جماعة الإخوان المسلمين و القوى الشبابية والحزبية
- الموقف الرسمي
- موقف القوى قبل الربيع العربي
- موقف القوى بعد الربيع العربي
- موقف الحراك الشبابي
- موقف الإخوان المسلمون
- موقف الأحزاب القومية
- موقف الأحزاب اليسارية
- موقف النقابات المهنية
- موقف المثقفين والكتاب
- موقف السلطة التشريعية
- الخلاصة
- هوامش
موقف البرلمان الأردني كان منسجما مع موقف الحكومة، ولا غرابة في ذلك؛ إذا ما أخذنا بما صرح به أكثر من مسؤول رسمي أردني أن الإنتخابات البرلمانية الأردنية عام 2007، و2010، كانت مزورة(1).
بالنسبة للأحزاب السياسية، كانت جميعها عموما، في البداية مؤيدة وداعمة لحراك الشعب البحريني، منسجمة بذلك مع موقفها تجاه كل حراكات الربيع العربي، لكن لاحقا بدأت المواقف تختلف وتتمايز، خاصة بعد وصول الإخوان المسلمين إلى ما وصلوا إليه، في مصر وتونس، واندلاع الأحداث في سورية، فقد غيرت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن موقفها، واستدارت مائة وثمانين درجة، وانحازت إلى التحالف الإخواني مع البترودولارالخليجي، المدعوم تركيا وغربيا، فيما بقيت الأحزاب القومية واليسارية، وحراك الشارع الذي يعبر عن الربيع الأردني مناصرا لحراك الشارع البحريني.
الموقف الرسمي
تميزت العلاقات الرسمية بين الأردن والبحرين، تاريخيا، بأنها قوية، وفوق العادة، وأكثر تميزا من علاقات الأردن ببقية الدول الخليجية. وعليه، كان موقف الأردن منذ بداية الأحداث في البحرين، واضحا، منحازا إلى جانب الحكم في المنامة، فبعد أسبوع واحد فقط من بدء الأحداث في البحرين (14 فبراير 2011) دعت الحكومة الأردنية المعارضة البحرينية “إلى الحوار مع الحكومة وإلى التجاوب الإيجابي مع مبادرة العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة “(2).
اللافت في دعوة الحكومة التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، تأكيده “رفض الاردن المطلق لأي تدخل أجنبي في شؤون البحرين الداخلية”. لما في هذا الموقف من معايير مزدوجة في التعامل مع الثورات العربية، أثارت حفيظة وانتقاد سياسيين وكتاب، ففي الوقت الذي وصلت حماسة الأردن الرسمي للثورة الليبية إلى حد المشاركة العسكرية، كان الموقف الرسمي تجاه الأحداث في البحرين على النقيض من ذلك. موقف الأردن الرسمي من أحداث البحرين، جاء منسجما مع طبيعة علاقاته المتميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي بنيت على أساس استفادة تلك الدول من خبرات الأردن البشرية والمهنية عامة، وقدراته العسكرية والأمنية خاصة.
كما أن الموقف الأردني المنحاز لخيارات النظام البحريني على حساب الحراك الشعبي، كان انطلاقا من إدراك الأردن،أن منظومة مجلس التعاون الخليجي التي تفكر في تطوير صيغتها إلى إتحاد؛ لمواجهة الأنواء التي تضرب في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، لن تسمح بسقوط أي من أعضائه في براثم الربيع العربي، وهي بالتالي لن تسمح بسقوط النظام في البحرين،لاعتبارات تتعلق باحتمالات انتقال عدوى الديمقراطية إليها إضافة إلى توازن القوى في المنطقة.
الموقف الشعبي من أحداث البحرين، كان مغايرا للموقف الرسمي، فقد استنكر الشارع الأردني الموقف الرسمي من الحراك البحريني، كما أنه استنكر ما تردد عن المشاركة الرسمية في قمع الحراك البحريني، خاصة بعد ما تناقلت وسائل إعلام محلية وعربية، مشاركة قوات الدرك الأردنية في قمع التظاهرات هناك، وإصابة البعض منهم في تلك المواجهات.
فقد تحدث موقع (خبر جو) الإخباري الأردني عن “حالة استياء شديد وتوتر،من قبل أهالي دركيين أردنيين،عادوا مصابين من البحرين،لدى توافدهم على مطارماركا العسكري؛لاستقبال أبنائهم”(3). وتحدثت بعد ذلك صحيفة (القبس الكويتية) عن”إصابة ثلاثة أردنيين،من قوات الدرك، أثناء مشاركتهم في قمع المتظاهرين البحرينيين”. تلى ذلك ما نشره موقع (مرآة البحرين)(4) عن “مشاركة ثلاثة آلاف عنصر من الدرك الأردني مع قوات درع الجزيرة في قمع الحراك البحريني”(5).
تلقى الشارع الأردني تلك الأنباء،على أنها حقيقة لا يرقى إليها الشك؛ لما هو معروف من أن البنية العسكرية والأمنية البحرينية،اعتمدت في الأساس على الكفاءات الأردنية، تدريبا، والعنصر البشري، تجنيدا. سارعت الحكومة الأردنية الى نفي مشاركة الأردن عسكريا في قمع الحراك البحريني، كما نفت الأنباء التي تحدثت عن قبوله عرضا ماليا مقابل مشاركة قواته الأمنية في قمع الحراك البحريني. النفي الحكومي الأول جاء على لسان الناطق الرسمي باسمها طاهر العدوان الذي أكد لوسائل أعلام أردنية أن الأردن لم يرسل قوات الى مملكة البحرين(6).
كما نفى الدكتور محمد الحلايقه رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب الأردني (نائب رئيس وزراء سابق) في تصريح للصحفيين الإدعاء بوجود قوات اردنية في البحرين. وقال “إن ادعاء الدعم الاردني للبحرين بقوات عسكرية لا يقوم على أي دليل”(7).
وعلى الصعيد العسكري نفى مدير المديرية العامة لقوات الدرك اللواء توفيق طوالبة أي مشاركة لقوات الدرك الأردني في أحداث البحرين(8).
لم يجد النفي الرسمي الأردني نفعا لسببين؛ أولهما: أن تواتر أنباء مشاركة قوات الدرك الأردنية في قمع حراك البحرين،جاءت في الوقت الذي أعلن فيه عن مشروع انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، وقد ذهبت غالبية التحليلات التي نشرتها الصحافة العربية والعالمية، حينها، إلى أن ضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي،يهدف الى الإستفادة من خبراته الأمنية، وقدراته العسكرية؛لمواجهة المخاطر الداخلية والخارجية ،التي تتعرض لها بعض دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة البحرين والسعودية. مما حدا بوزير خارجية البحرين (الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة) إلى نفي ذلك، وقال: “لا أهداف عسكرية وراء انضمام الأردن إلى التعاون الخليجي وأنه ليس لضم الأردن والمغرب الى مجلس التعاون لدول الخليج العربية أية أهداف عسكرية لمواجهة التدخل الإيراني فى دول مجلس التعاون”(9).
ثاني الأسباب -التي حالت دون تصديق الشارع الأردني للنفي الرسمي-: ما تكشف عن مشاركة الأردن في المجهود الحربي الأمريكي في أفغانستان، على أثر مقتل ضابط أمني كبير، ومن العائلة الحاكمة، في تفجير (خوست) الذي نفذه طبيب أردني،في مجموعة من كبار ضباط المخابرات الأميركية،في قاعدة خوست بأفغانستان، مع أن الحكومة الأردنية،كانت تدعي قبل ذلك أن مشاركة قواتها في أفغانستان، تقتصر غلى تقديم المساعدات الإنسانية،والعمل الإغاثي. (لمزيد من التفاصيل حول المشاركة الإدرنية في آفغانستان أنظر:(10) ) ومما زاد من ترجيح شكوك الشارع الأردني، في مشاركة قوات بلاده في المجهود الأمني البحريني؛ لقمع الحراك، ما نشرته صحيفة (الإندبندت البريطانية) من “إنهاء عقود عمل تسعين ضابطا أردنيا، يعملون في قوات الأمن البحرينية؛ بسبب دورهم في معاملة المتظاهرين، وطلب منهم العودة للأردن”(11).
السلطات الأردنية لأسباب مفهومة، لم تعلق على هذا الخبر، لكن الجانب الأردني الرسمي -على الأقل- يعتقد أن القرار البحريني بالاستغناء عن الضباط الأردنيين،قد يبدو محاولة (لإبعاد شهود محتملين) عن مجريات محاكمات، وقضايا تشهدها المنامة حاليا، وقد تشهد المزيد منها مستقبلا، وهي قضايا يرفعها ضحايا القمع الرسمي البحريني، ويطالبون فيها بتعويضات مالية. لكن في مربع القرار الاستراتيجي في عمان،ثمة مشاعر سلبية تشكلت، لكنها مكبوتة؛لأسباب سياسية، وخوفا من أن يستغلها حراك الشارع الأردني(الرافض عمليا لوجود قوات،وخبرات أردنية في دولة البحرين، تشارك في قمع الشعب هناك).
موقف القوى قبل الربيع العربي
كان ثمة إجماع في المجتمع الأردني بكل قواه، على مساندة كل قوى المقاومة والتغيير العربية، والإسلامية، وحتى العالمية، والقلة ممن لهم موقف مغاير، كانوا يطرحونه على استحياء، وبمواربة، ولم يكن معيار اتخاذ الموقف من الأحزاب والحركات والحراكات، يقاس بمعايير إقليمية، طائفية، أو جهوية، كان المعيار الوحيد المعتمد في تحديد الموقف، العداء لإسرائيل، والمشاريع الأمريكية والغربية، فكلما كان الحراك معاديا للمشاريع الغربية،والإسرائيلية، كان أكثر قبولا وتأييدا، والمعادلة تتناسب طرديا في ذلك.
لم يكن للعامل الطائفي أي أثر، في تحديد الموقف من أي حراك، أو حدث عربي، أو إسلامي، حتى إبان الحرب العراقية الإيرانية (التي كانت تصور على أنها حرب بين دولة يحكمها آيات الله، وأخرى تدافع عن حدود العالم السني). بيد أن الطابع القومي طغى على تلك الحرب؛لذلك فهي لم تخلق شرخا في المجتمع الأردني، لا أفقيا،ولا عموديا في الموقف منها، وقد أسهم تعاطف الناس مع من خلعوا الشاه، صاحب الصورة النمطية الكريهة في أذهان الأردنيين، في عدم خلق الخنادق الطائفية،لا من قبل القوى الإسلامية، ولا الحزبية اليسارية والقومية.
بيد أن احتلال العراق، وغزوه من قبل القوات الأميركية والحليفة لها عام 2003م، وقدوم حلفائهم العراقيين “شيعة وكرد” على ظهر الدبابات الأميركية، وبمباركة إيرانية- كما يعتقد الشارع الأردني- خلق ردة فعل عند هذا الشارع السني بالكامل، سوى بضع عائلات مهاجرة من الجوار، تقطن في الشمال. وبات الموقف تجاه أية حركة،أو حزب،أو حراك خارجي، يتأثر قياسه بتلك المعايير الطائفية الطارئة،على أدوات القياس السياسي. وفي الواقع، فإن إيران تطل برأسها عند الحديث عن حراك البحرين، كما سيبدو في السياق أدناه، رغم إن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي ترأسها البروفيسور شريف بسيوني نفت وجود علاقة بين المطالب الشعبية وإيران الشيعية(12).
ونجد إن خلطا للأوراق شاب موقف القوى والأحزاب السياسية الأردنية تجاه الآخرين، فمثلا رغم أن حزب الله يجاهر في إيمانه بولاية الفقيه، كانت شعبيته تكتسح الآفاق، وفي حرب تموز عام 2006، جابت التظاهرات شوارع عمان ؛تأييدا له، مع أن موقفه المعلن من المسألة العراقية، قد يوصف بأنه يحابي جماعات عنف شيعية مسؤولة في نظر الأردنيين عن مجازر أرتكبت بحق سنة العراق، ذلك ؛لأن العدو المقابل لحزب الله هو إسرائيل.
كما أن الموقف من الانتفاضة في سوريا، أحدث شرخا عموديا في المجتمع الأردني، الإسلاميون في خندق “الثورة السنية”، واليساريون والقوميون في خندق النظام “العلوي”، مما انعكس سلبا على مسار الربيع الأردني. والموقف من الحراك البحريني، شكل هو الآخر شرخا، يقترب حينا، ويبتعد أحايين، عن الموقف المتخذ من الحراك السوري.
موقف القوى بعد الربيع العربي
منذ انبلاج فجر الربيع العربي، أعلنت كل القوى السياسية الأردنية، دون استثناء، وقوفها الى جانب المنتفضين في أقطار الوطن العربي، من تونس إلى الشام. لكن مع مرور الوقت، بدأت تلك المواقف تتباعد حينا، وتتقارب أحايين أخرى، من الحراكات الشعبية في تلك الدول، فقد خفتت حماسة الإندفاعة العاطفية؛ لتحل محلها الحسابات السياسية، والمؤثرات الطارئة على خارطة التحالفات الجديدة، خاصة التحالف الديني بثوبه الإخواني، مع البترودولار الخليجي، وما قابله من اصطفاف ما يعرف بقوى الممانعة تقليديا (سورية، إيران، حزب الله، وبعض الفصائل الفلسطينية) مع قوى دخلت على خط هذا التحالف، بحكم موقفها التاريخي من التحالف الديني الخليجي، مثل: القوميين واليساريين.
ولا بد من تفكيك التشابك،والتداخل في مواقف تلك القوى تجاه ما يحدث في المنطقة، ليكون مفهوما مواقف تلك القوى من الأحداث في البحرين.
موقف الحراك الشبابي
أثارت أنباء مشاركة الدرك الأردني في قمع الحراك البحريني، حراكا نشطا في الشارع الأردني، خاصة في صفوف المعارضة، التي انتقدت التواجد الأمني لقوات الدرك الأردنية، باعتباره خطوة لا تتوافق مع المواقف الوطنية للأردن.
الحراك الشبابي، حديث التشكل والولادة، وهوالذي يقود أنشطة الربيع الأردني، في إطار تحالف يضم كل الفعاليات الشبابية المستقلة والحزبية، أعلن في بيان له عبر شبكات التواصل الإجتماعي عن اعتصام؛لرفض التدخل الأردني ضد الانتفاضة في البحرين في الأول من أيلول عام 2011، بمشاركة القوى الإسلامية، القومية، واليسارية.
دعوة الإعتصام كانت تحت شعار “تضامنا مع الثورة الشعبية في البحرين ورفضا للتدخل الأردني ضد الثورة البحرينية”. لرفع الصوت تعبيرا عن رفض اقحام جهاز الدرك الأردني والجيش الأردني، في معارك ليست من أولويات الأردن، كما يحصل في البحرين وافغانستان وليبيا. وللتعبير عن التضامن المطلق مع الشعب البحريني في مطالبه المشروعة، ورفضا للقمع الممارس بحقه، ورفض “الاحتلال السعودي للشعب البحريني”(13). مهدي السعافين الناشط السياسي من الحملة الاردنية للتغيير (جايين)، وهي إحدى المكونات الرئيسة للحراك الشبابي الأردني، بيّن أن مشاركة “الحملة” في الاعتصام جاءت لإيصال عدة رسائل، منها أن “الدعاية التي تستخدم ضد ثورة البحرين عبر وسائل الإعلام عن أنها ثورة ذات طابع طائفي غير صحيحة، وكل الثورات الشعبية العربية ذات مطالب واضحة، وهي الحرية والعدالة الاجتماعية”. وعن هذا الموضوع يقول “نحن نرفض إلصاق تهم بالثورات العربية، وما يجري في البحرين واضح ولا يحتاج إلى تفسير. القضية هي قمع ثورة شعبية من قبل قوات درع الجزيرة،وبمشاركة قوات من الدرك الأردني، ونحن نرفض ما يتعرّض له شعب البحرين الشقيق “(14).
حركة جايين شددت في بيان لها على وقوفها الى جانب الحراك البحريني، رافضة تحديد الموقف من الحراكات على أسس طائفية، موضحة أنها كما تضامنت مع الثورة السورية،حتى تحقيقها مطالبها الشعبية الحقيقية، تتضامن أيضا مع الثورة البحرينية، والمنطق الذي يبيح دعم الثورة السورية؛لأنها من الاغلبية السنة، ويرفض دعم الثورة في البحرين؛لانها من الاغلبية الشيعة، منطق مرفوض ومن يتبناه شخص عنصري،ولا يستحق أن يرفع شعار الاصلاح في الاردن؛ بل وتجب محاربته أيضا.
بيد أن قوات الأمن الأردنية،منعت المتظاهرين من الوصول إلى السفارة البحرينية في عمان،واغلقت جميع المداخل التي تؤدي إلى السفارة. لم يكتف الحراك الشبابي الأردني،بمحاولة الإعتصام أمام السفارة البحرينية في العاصمة الأردنية (عمّان)؛ للتعبير عن مساندته للحراك الشعبي في البحرين، فقد دعا إلى الاعتصام أمام القنصلية السعودية في عمان،في الحادي عشر من شهر أيلول 2011، بالتزامن مع جلسة مجلس التعاون الخليجي،الخاصة بالنظر في انضمام الأردن للمجلس.
وقال الناشطون عبر صفحة دشنوها على (الفيس بوك): إنهم يرفضون ما يحدث من تنسيق أمني أردني سعودي، وتدخلات في الثورات العربية، بشكل ثنائي وقمعي مدبر،للنيل من إرادة الشعوب. وأن اختيارهم موعد الاعتصام،بالتزامن مع جلسة التعاون الخليجي، تهدف الى إيصال رسالة واضحة مفادها: “لسنا بندقية مأجورة لفتات نفط الخليج أو أيا كان”(15).
وكان الناشطون قد بدأوا حملة،أطلقوا عليها اسم “ليست حربنا” لرفض “التدخل” الاردني العسكري في البحرين وليبيا واليمن. رافضين أن يصبح الشعب الأردني عبيدا ومرزقة عند أحد، معلنين إنحيازهم إلى حرية الشعوب. اختيار الناشطون عنوانا لحملتهم “ليست حربنا”،كان القصد منها التذكير بالموقف الشعبي المشابه، الذي دشن سابقا صفحة،على شبكات التواصل الإجتماعي بعنوان “ليست حربنا”؛ ردا على ما تكشف من مساهمة الحكومة الأردنية،في المجهود الحربي الأطلسي في أفغانستان.
موقف الإخوان المسلمون
في بداية انطلاق الربيع العربي، كان موقف جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي حزب (جبهة العمل الإسلامي)، مؤيدا وداعما لكل حراكات الربيع العربي، دون استثناء.
وفي ما يخص الحالة البحرينية، أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي بيانا على موقعه الإلكتروني(16)، طالب فيه الحكومة بتوضيح حقيقة ما ورد في وسائل الإعلام العربية،ومواقع الانترنت “عن مشاركة قوات الدرك الاردنية في قمع الشعب البحريني الأعزل”. وحقيقة وجود ما يزيد عن خمسمائة فرد من قوات الدرك الأردنية في البحرين؛ للمساعدة في حفظ الأمن. واستنكر البيان هذه الأخبار- إن صحت- وإنطلاقا من هذا الموقف،شاركت الحركة الاسلاميه ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، وذراعها السياسي (جبهة العمل الإسلامي) في الاعتصام الذي دعا اليه الحراك الشبابي،أمام السفارة البحرينية في عمان.
لم تحافظ جماعة الإخوان المسلمين على موقفها من أحداث البحرين، فقد طرأ تحول كبير عليه، وحدثت إستدارة حادة بلغ مقدارها 180 درجة، فبعد الموقف ذي السقف العالي من مسألة إحتمالية مشاركة قوات الدرك الأردنية في قمع تظاهرات البحرين، والرافض لأي تدخل أردني في الحراكات العربية بالمطلق، وحراك البحرين تحديدا، نأت جماعة الإخوان المسلمين بنفسها عن الفعاليات الشعبية اللاحقة الخاصة بالتضامن مع شعب البحرين، وتطور موقف الجماعة في ما بعد من أحداث البحرين بإتجاه عكسي، يتناقض تماما مع موقفها السابق، ومع الوقت أخذ موقفها يقترب من الموقف الرسمي، الى أن توجت الجماعة موقفها من أحداث البحرين ببيان المراقب العام للجماعة همام سعيد(17) الذي تضمن روحا يمكن وصفها بالطائفية لم تكن معهودة في خطابهم السياسي وبياناتهم السابقة، ذلك أن همام سعيد أشار للمرة الأولى في تاريخ الجماعة الى موقف معادي لإيران “الشيعية” رافضا تمددها على حساب “أهل السنة في البلاد الاسلامية”، ولم يكتف بذلك؛ بل قال صراحة: أن جماعة الإخوان المسلمين” لا يرضون أن تنشر إيران مذهب الشيعة في الدول السنية، ولا يرضون لإيران أن تناصر حكماً طائفياً في بلاد المسمين كما هو الحال في سوريا والبحرين”.
قبل الحديث عن العوامل المؤثرة في الموقف المستجد، لجماعة الإخوان المسلمين من أحداث البحرين، لا بد من الإشارة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وبقية الأقطار العربية، تتسم مواقفها من الأحداث السياسية بمكيافيلية عالية، فهي تتلون وفق مصالحها، فبعد أن كان إخوان الأردن في الأمس القريب الحليف الأقوى لإيران، وحليفه اللبناني حزب الله، بات الآن الموقف مغايرا تماما، وهو ديدن الإخوان المسلمين في كل ساحات تواجدهم(18).
فـ “الأخوان” بدء من نشأتهم في مكتب شركة قناة السويس في مصر، مرورا بموقفهم من المقاومة الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي، وليس إنتهاء بموقفهم من أحداث سورية، كانت مواقفهم تتسم بالبراغماتية؛ بل أن موقفهم من أحداث سورية والبحرين، وبالتالي موقفهم من إيران، وحزب الله، بات موقفا تحكمه المصالح، والتحالفات السياسية، وليست المباديء، ولن أزيد في هذا المقام على ما سبق أن قلته في ورقتي سابقة الذكر، من أن “الإخوان المسلمين في سورية لجؤوا إلى المنافي بعد أحداث مدينة حماة، ورضوا بالغربة غريما؛ عوضا عن خصومة النظام، بعد أن استفاقوا فجأة من غيبوبتهم، التي شددوا خلالها من ضغطهم على النظام هناك، في أشد أوقات المواجهة السورية للمخططات الاميركية، والإسرائيلية في لبنان، خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، مع أنهم لم يتحركوا طوال فترة هدوء الجولان، وعاد الإخوان الى سياسة المهادنة مع النظام حين قرر الرئيس الراحل حافظ الأسد الانضمام لحلف حفر الباطن، عشية غزو العراق للكويت، حينها فقط هدأ الضغط الاخواني على دمشق، ثم عاد “إخوان” سورية الى ديدنهم في الضغط على النظام السوري، بعد انهيار المصالحة، إن لم نقل المصلحة، بين دمشق وواشنطن.
اخوان العراق ليسوا بأفضل حال من أشقائهم السوريين، فقد شاركوا مع العملية السياسية المدعومة إيرانيا وأمريكيا، وصاروا أعضاء في حكومة “عميلة” عينها المندوب السامي الأميركي في العراق حينذاك (بول بريمر). في الوقت الذي أعلن فيه أخوان الأردن ومصر أنهم ضد هذه العملية، في الوقت الذي يبقون فيه على علاقتهم الحميمية، مع نائب الرئيس العراقي (طارق الهاشمي)، ولا ننسى حين ركب إخوان الأردن، موجة الشارع المؤيدة لحزب الله، حين كان عنوانا للمقاومة، وأصبح إخوان الأردن حلفاء للمعارضة اللبنانية، فيما كان ”إخوان” سورية يدعمون حكومة رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة المدعوم سعوديا وغربيا. وإخوان الكويت وقفوا مع بلدهم ضد الغزو العراقي، وهو موقف طبيعي، لكن ما لم يكن طبيعيا وقوف ”إخوان” الأردن دعما للغزو العراقي للكويت، ايضا ركوبا لموجة الشارع، ولا بد هنا من التذكير بما تتواتره الروايات، من استدعاء العاهل الأردني الراحل الملك حسين للسيد كامل الشريف، أحد أقطاب الإخوان في الأردن؛ ليستشيره في موقف الأردن من غزو العراق للكويت، فقال له الشريف: “لا يمكننا أن نسبح عكس تيار الشارع”.
كذلك الحال بالنسبة لإخوان سورية،يناهضون نظام بلدهم، فيما إخوان فلسطين (الحمساويون) يتحالفون عضويا مع النظام السياسي في دمشق. وهنا في الأردن، تناصب الحركة الإسلامية العداء للعلاقة الحسنة بين عمان وواشنطن؛لكنها في المقابل،تراقب عن كثب التصريحات الأميركية حول الأردن؛للتجاوب السياسي معها، والشواهد عديدة. مما يؤكد أن حركة الإخوان المسلمين (حركة براغماتية) تسعى الى السلطة دون أن تتناسى الشارع، “مستخدمة المخزون القيمي الهائل للإسلام في ضمائر الناس لتوظيفه سياسيا” وفق تعبيرالزملاء(اليساريين). لكنها في الحقيقة تبقى حركة سياسية،تسعى إلى السلطة بأي ثمن؛حتى لو تناقضت بين الأمس واليوم في القضية الواحدة، أو تناقضت عبر موقفين متعارضين في ساحتين متجاورتين حول موضوع واحد، والمعيار في كل الأحوال هو السلطة،وركوب موجة الشارع. وعليه نعود لموقف جماعة الإخوان المسلمين من إيران ونسأل: أي المواقف أدعى للتعميم، أهو موقف إخوان سورية والأردن المعادي لإيران حاليا، أم موقف إخوان العراق،الذين انضووا في إطار العملية السياسية،المدعومة من واشنطن وطهران؟. اذا هي سياسة مرسومة مسبقا، تدع لكل فرع إتخاذ الموقف الذي يناسبه، وفقا للمصلحة، بما يرضي جمهوره، دون خسارة سياسية استراتيجية.
وعليه نعود لموقف الإخوان في الأردن من سورية ونسأل: هل موقفهم نابع من إيمانهم في التغييير،تماهيا مع الربيع العربي، أم من روح الإنتقام من نظام أذاق أشقاءهم (إخوان سورية) ما أذاقهم، في ثمانينيات القرن الماضي؟ ولو كان موقفهم مبدئيا،فلم شارك الإخوان في الوفد الحزبي الأردني المناصر لسورية، بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، وهادنوا الحكم في سورية،حين هادنه إخوان سورية، قبيل الربيع العربي. ونعود لموقف الإخوان من حزب الله اللبناني، كيف كانوا في الأمس القريب يعتبرونه حزبا مقاوما، وحليفا قويا، وفي عشية وضحاها أصبح اسمه”حزب اللات، أوحزب الشيطان” وفق تفوهات بعض قادتهم.
ونعود، وهوالأهم، لموقف الإخوان من الساحة الأردنية: كيف أصبحوا بقدرة قادر الحزب المعارض الأكبر، وهم (أي الإخوان) قد تربوا في أحضان النظام الملكي، وهل نسينا أين كان موقعهم في منتصف الخمسينيات، حين كان شباب الإخوان يحملون الهراوات الى جانب رجال الأمن!؛لقمع المتظاهرين من أحزاب المعارضة القومية واليسارية، وهم اليوم يقودون المعارضة والشارع، ويحاولون التأثير على توجيه بوصلتها، وفق مصالحهم، وتحالفاتهم المستجدة.
أما بالنسبة للعوامل الدولية،والإقليمية،والمحلية،التي أثرت في موقف الإخوان المسلمين(المستجدة)من أحداث البحرين، فلا يمكن فصلها عن تطور مجمل مواقف القوى الإقليمية والدولية، من مجمل حركة الربيع العربي، والتحالفات الناشئة بين قوى،كانت قبل وقت قصيرفي خنادق متقابلة، فتحالف دول الخليج مع القوى الإسلامية في البلاد العربية، وخاصة الإخوان المسلمين، والسلفية التقليدية، وبغطاء تركي غربي!غير في كثير من مواقف جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت حتى وقت قريب في تحالف مع المشروع الإسلامي الإيراني، الحاضن للمقاومات العربية، من أمثال حزب الله اللبناني، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
كان لتصاعد الأحداث في سورية، وسرعة عسكرة الثورة هناك، الأثر الأكبر في تسريع عمليات الفرزالجديدة عربيا، وأردنيا بالضرورة؛ بسبب ما أحدثته وتحدثه الثورة السورية من إثارة للمخاوف القديمة المتجددة، من تشكل”هلال شيعي”بقيادة إيران،يعبرإلى لبنان،عبر العراق،وسورية،وخشية تمدد هذا الهلال؛ليشمل البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية ذات الكثافة السكانية للطائفة الشيعية، فالأحداث المتصاعدة في السعودية والبحرين، والاجراءات الأمنية اللافتة في دولة الإمارات، تشيرإلى أن القيادات الخليجية،تنظر بخطورة بالغة إلى الأحداث في ساحاتها، وهي تخشى اتساعها، كما تخشى أهدافها؛لذلك هي تستخدم وسائل القمع المتعددة؛لإجهاض الاحتجاجات قبل انتشارها،وتعمقها،لدرجة استحالة السيطرة عليها، خاصة بعد أن باتت المنطقة الشرقية في السعودية ملتهبة،وسقط (قتلى وجرحى) على أيدي قوات الأمن،وأجهزة المخابرات،التي تراقب عن كثب التطورات بدقة، وهذا بالضرورة يحرج الدول الغربية، ولن تتمكن إلى ما لا نهاية من التغطية على أعمال التنكيل التي يتعرض لها المواطنون في السعودية والبحرين، رغم خطورة وأهمية المنطقة التي تشهد اشتعالا قد يتطور،ويتسع، مما قد يؤثر سلبا على المصالح الامريكية(الضخمة)في منطقة الخليج.
حكام الدول الخليجية لم يتوقفواعن تدارس كل الاحتمالات، وخطورة التحديات القادمة، مما دفعهم الى طرح امكانية الإعلان عن “اتحاد خليجي” وهي صيغة أقوى من “التعاون الخليجي” ، تكون مهمتها التصدي لاية محاولة لزعزعة الاستقرار، والمشاركة معا في قمع أية احتجاجات، حفاظا على أنظمتهم؛لذلك يعتقد-على نطاق واسع-أن هروب أنظمة الخليج،والتدخل في ساحات خارجية-كما هو حاصل في سوريا ومصر- سببه الأوضاع القلقة،التي تعيشها دول هذه الانظمة، وفي محاولة للفت الانظار عن سخونة هذه الاوضاع في بلدانهم؛عبرتصعيد الحرب على سوريا ومحاولة إثارة الفوضى وإشعال الفتن في مصر؛حتى تتصدى هذه الأنظمة بقوة للمحتجين عندها، دون التفات وسائل الإعلام لذلك؛بسبب انشغالها عنهم في تغطيتها البؤرالأكثراشتعالا في سورية ومصر.
من هنا يمكن فهم الإنعطافة الحادة في موقف الإخوان المسلمين في الأردن، كونهم يتبعون في النهاية مرجعية واحدة (المرشد العام للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين).
موقف الإخوان المسلمين،الذي يقترب من “الثورة” في سورية، معاديا النظام “العلوي” هناك، يبتعد في ذات الوقت من “الثورة” في البحرين، ويقترب من نظامها “السني”. هو تعبير عن شكل التحالف الجديد الناشيء بين جماعة الإخوان المسلمين، ودول الخليج العربية، التي ستكون ساحة المعركة المتوقعة على إيران، مما يتطلب حشد تأييد شعوب دول الخليج لتلك الحرب المتوقعة، والتجييش الطائفي هو الطريق الأقصر لتحقيق ذلك، من خلال إشاعة مفهوم مواجهة المد الشيعي، لتبرير الاصطفاف الخليجي مستقبلا ضد إيران. ولجربقية الدول العربية غير الخليجية الى الحلف المزمع بناءه ضد إيران.
ولا تمانع الولايات المتحدة، وبتحالف مع دول الخليج، أن يحصد (الإخوان) نتاج الربيع العربي، ليحكموا بدل الأنظمة التي انهارت في كل من تونس (حزب النهضة)، ومصر (الإخوان المسلمين) اليمن ( حزب التجمع للإصلاح) وفي سورية (الإخوان المسلمون) إذا ما سقط النظام، فقد استبق إخوان سورية الوضع هناك بإعلانهم عن وثيقتهم السياسية؛بهدف تطمين القوى السياسية السورية في الداخل، والقوى الخارجية، أن هدفهم سيكون الدولة المدنية.
إخوان الأردن لهم مصلحة كبيرة في تمكن إخوان سورية من السيطرة على الحكم هناك؛لما فيه من تقوية معنوية، ومادية؛لسعيهم للإستحواذ على الأوضاع في الأردن في أول انتخابات نيابية قد تجري، ولا يمكن لإخوان الأردن أن يكونوا الى جانب إخوان سورية المعادين لإيران، ويكونوا في ذات الوقت إلى جانب الحراك البحريني المحسوب على “إيران الشيعية”.
موقف الأحزاب القومية
بالمجمل، فإن الأحزاب القومية في الأردن، تقف إلى جانب الحراك البحريني، لكن ثمة فوارق بالمواقف بين تلك الأحزاب:
- حزب البعث العربي الاشتراكي: لا يمكن تحليل موقف حزب البعث العربي الاشتراكي (وهو أكبر الأحزاب القومية في الأردن)، بمعزل عن علاقته التاريخية بشقيقه حزب البعث في العراق، فموقفه تجاه أحداث البحرين، لا يختلف عن موقفه تجاه أي حراك عربي آخر، ولكن. هذه الـ (لكن) تنحصر في المحاذير من التدخل الخارجي، فحزب البعث مع حراك الشعب البحريني انطلاقا من إيمانه بحقه في الحرية والديمقراطية، لكن في إطار الحفاظ على عروبة البحرين، وضد أي تدخل إيراني في الشأن الداخلي للبحرين، وقد شارك حزب البعث في كل الفعاليات المناصرة للحراك البحريني، ووقع مع بقية أحزاب المعارضة على البيانات التي صدرت عن تنسيقة أحزاب المعارضة.
- حزب البعث التقدمي: لا يمكن أيضا تحليل موقف هذا الحزب بمعزل عن علاقة الحزب بشقيقه حزب البعث في سورية، فهو مؤيد بالمطلق للحراك في البحرين، دون أية تحفظات، ودون “لكن”، انسجاما مع بقية أحزاب المعارضة الأردنية.
- الحركة القومية الديمقراطية: شاركت الحركة القومية الديمقراطية، التي كانت في بدايات تأسيسها تتخذ من الكتاب الأخضر نبراسا لهديها القومي، كانت منسجمة في موقفها من الحراك البحريني مع بقية أحزاب المعارضة الأردنية، ووقعت مع تنسيقيتها كل البيانات الصادرة عنها.
موقف الأحزاب اليسارية
معظم الأحزاب اليسارية في الأردن، هي امتداد للفصائل الفلسطينية، وانبثقت عنها، فحزب الوحدة الشعبية الأردني، كان يعمل أعضاؤه في الأردن سابقا في إطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أسسها جورج حبش، وحزب الشعب الديمقراطي، كان أعضاؤه ناشطون في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي أسسها نايف حواتمة. هذان الحزبان الى جانب الحزب الشيوعي الأردني، يمثلون أكبر أحزاب تيار اليسار في الأردن، كل هذه الأحزاب لها موقف مؤيد للحراك البحريني، وتشارك في الفعاليات الشعبية المناصرة له، وتوقع جميعها على البيانات الصادرة عن تنسيقية أحزاب المعارضة. وقد أصدرت الأحزاب اليسارية بيانات منفصلة توضح فيها موقفها المؤيد للحراك في البحرين.
كما واضبت اللجنة التنسيقية العليا لأحزاب المعارضة الأردنية التي تضم أكبر أحزاب المعارضة في المملكة الأردنية الهاشمية ذات التوجه اليساري والقومي والإسلامي وهي: حزب الوحدة الشعبية (وحدة)، جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون)، الشيوعي الأردني، الشعب الديمقراطي (حشد)، حزب البعث العربي الاشتراكي (المحسوب على الجناح العراقي)، حزب البعث التقدمي (المحسوب على الجناح السوري)، والحركة القومية للديمقراطية، كلها واضبت على إصدار البيانات المؤيدة للحراكات العربية، ومن ضمنها حراك البحرين.
البيانات الأولى كانت توقع عليها جماعة الإخوان المسلمين أسوة ببقية الأحزاب، لكن بعد تباعد المواقف بين الإسلاميين وبقية الأحزاب من الأحداث في البحرين وسورية، حصل شرخ في اللجنة التنسيقية، انعكس أيضا، على التنسيق بينها حتى في إدارة الحراك الأردني، وباتت المعارضة الأردنية في خندقين، الإسلاميون ضد حراك البحرين ومع الحراك السوري بشدة، وأحزاب المعارضة الأخرى اليسارية والقومية، مع حراك البحرين، وضد الحراك في سورية.
ومع ذلك فقد عبرت البيانات الصادرة عن لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة عن الجوامع المشتركة لأحزاب المعارضة الأردنية تجاه الحراكات العربية بشكل عام، وحراك البحرين بشكل خاص. وتتلخص في:
- إدانة مشاركة الأردن في التدخل العسكري الغربي للاطاحة بدكتاتورية الزعيم الليبي معمر القذافي.
- إدانة مشاركة القوات الأردنية في قمع الحراك الشعبي البحريني من منطلق النأي بالجيش الأردني عن مثل هذه المشاركات، لان الأصل أن العدو الرئيسي للأردن هو العدو الإسرائيلي.
- التحذير من العودة إلى مربع المحاور،مما يبعد الأردن عن بعده القومي العربي ،ويبعد تطلعات وآمال الشعب الأردني ،الذي هو بطبيعته قومي وحدوي عروبي، على دعمه لأمال وتطلعات الشعوب العربية بالحرية ،والديمقراطية. ولم يصدر مؤخرا شيء لافت عن الأحزاب الأردنية في ما يخص البحرين؛ ربما بسبب ما يعتقد أنه ميل الأحداث هناك الى الهدوء النسبي، واشتعال الأحداث في سورية(الأكثر تأثيرا في الوضع الأردني)، سوى بيان صدر عن الحزب الشيوعي الأردني، بمناسبة اجتماع اللجنة المركزية الدوري، أعاد فيه الحزب الشيوعي تأكيده على موقفه السابق من الأحداث في البحرين(19).
موقف النقابات المهنية
تعتبر النقابات المهنية الأردنية، الساحة الخلفية للأحزاب السياسية الأردنية، والمعارضة منها تحديدا، حتى أنها في زمن الأحكام العرفية،التي أعلن عن إنهائها بداية عام 1990م، كانت النقابات تقوم مقام الأحزاب في الدعوة للمهرجانات والاعتصامات والمسيرات، وكان ينظر اليها على أنها قلعة من قلاع الحرية في الأردن.
في زمن الأحكام العرفية (1957 ـ 1990)، كانت غالبية مجالس إدارات النقابات بيد القوى القومية واليسارية، لكن بعد عام1990، اختلفت موازين القوى لصالح الإسلاميين، مما يجعل من شبه المستحيل أن تتفق كل النقابات على موقف واحد، خاصة تجاه القضايا الخارجية، وأحداث البحرين واحدة منها، فالنقابات التي يتحكم فيها الإسلاميون من مثل نقابة المهندسين والصيادلة والمحامين، فموقفها يتبع موقف جماعة الإخوان المسلمين، أما نقابة الأطباء والمحاسبين القانونيين والزراعيين، فموقفها يتبع موقف الأحزاب القومية واليسارية.
موقف المثقفين والكتاب
نظرا لصعوبة إجماع المثقفين والكتاب والأدباء، الذين تتنازعهم أكثر من جهة تنظيمية، من رابطة للكتاب يهيمن على إدارتها القوميون واليساريون، وإتحاد الكتاب، الذي يهيمن على إدارته التيار الأقرب لنظام الحكم، والجمعيات الأهلية المشتتة في ولاء إداراتها بين مختلف القوى والتيارات السياسية، تنادت مجموعة من الكتاب والمثقفين للتوقيع على مذكرة(19) يطالبون فيها الجامعة العربية بإلغاء اختيار المنامة عاصمة للثقافة العربية عام 2012 كون شعبها “يئن تحت وطأة السلاح، ومسيلات الدموع،والغازات السامة،والتمييز العرقي،وتعرَّض المئات من البحرينيين للتهديدات،والمضايقات،والتعذيب ،والاعتقال التعسفي،والسجن وفقدان وظائفهم”.
ونتيجة استمرار اضطهاد الكتاب والمثقفين في البحرين على أيدي السلطات، وفق المذكرة، حثّ الموقعون عليها الدكتور نبيل العربي (الأمين العام للجامعة العربية) العمل من أجل إلغاء اختيارالمنامة عاصمة للثفافة العربية لعام 2012؛لأن الحريات وانتهاك الحقوق يتناقضان تماما مع معايير اختيار العواصم الثقافية.
موقف السلطة التشريعية
لم يعد خافيا أن الإنتخابات البرلمانية في الأردن عامي 2007، و2010م، كانت مزورة، وفق اعترافات مسؤولين حكوميين،كانوا في مواقع المسؤولية في تلك الفترة، مما يعني أن موقف البرلمان الأردني تجاه مختلف القضايا، بالضرورة هو انعكاس لموقف السلطة التنفيذية، كونه لا يعبر بصدق عن تمثيل الشعب الأردني بكل أطيافه، في هذا الإطار يمكن فهم بيان مجلس النواب الأردني الخاص بأحداث البحرين(20) الذي “دعا الشعب البحريني الى التجاوب مع مبادرة ملك البحرين”. وتماهيا مع موقف الحكومة، رفض بيان مجلس النواب أي تدخل غير مشروع في الشؤون الداخلية للدول الاخرى عامة،ومملكة البحرين خاصة.
الخلاصة
يلاحظ مما سبق، أن مواقف القوى السياسية الأردنية تجاه أحداث البحرين، تحكمها محددات خارجية، على حساب المبادئ،والمواقف الموضوعية، ففي الوقت الذي يجد “إخوان” الأردن (أكبر أحزاب المعارضة) في الوصول إلى قانون انتخابات جديد يضمن لهم تمثيلا معتبرا، يعبر عن حضورهم في الشارع، وفي الوقت الذي يسيّرون فيه كل جمعة، منذ أكثر من عام، تظاهرات تندد بالفساد وتطالب بمحاسبة المفسدين، وتطالب بقوانين تضمن وصول حكومات منتخبة ممثلة للشعب إلى دفة الحكم، تنكر ذلك على الشعب البحريني، وتضع نفسها في الخندق الحكومي المؤيد للحكم في البحرين، في ذات الوقت الذي تتخندق فيه إلى جانب الحراك السوري في مواجهة نظام الحكم “العلوي”، متخذة بذلك للمرة الأولى في تاريخها الحديث، موقفا سياسيا مبنيا على خلفيات طائفية، واضعة نفسها في خندق التحالف الخليجي التركي الغربي.
الأحزاب القومية واليسارية، هي الأخرى تتناقض في موقفها من الحراكات العربية، فهي في الوقت الذي تناصر فيه حراك البحرين، فهي تقف ضد الحراك السوري، لكن موقف الأحزاب اليسارية والقومية هنا، ليس مبنيا على خلفية طائفية، بل سياسية له علاقة بالتخندق مع قوى “الممانعة” في مواجهة محور دول “الاعتدال”، ومع ذلك فإنه في النهاية،قد يبدو مع الدكتاتورية في سوريا.
انقسام مواقف أحزاب المعارضة من أحداث البحرين وسورية، أثر سلبا على مجالات التنسيق للنهوض بالحراك الأردني، مما أبطأ حركته، ولم يعد ضاغطا بما فيه الكفاية؛لتحقيق إصلاحات سريعة في الأردن.
هوامش
1 – صحيفة الغد، الخصاونة: الاحتقان السياسي في الأردن مرده تزوير الانتخابات ومفتاح الإصلاح إجراؤها ، 2012/2/21بنزاهة، http://alghad.com/index.php/article/532168.html 2- موقع “عين نيوز” الاردن يدعو المعارضة البحرينية إلى الحوار مع الحكومة، 22/2/2011 http://ainnews.info/64667.html 3- موقع خبر جو دفعة درك أردنية جديدة تصل من البحرين، وسخط بين الأهالي بسبب إصابات أبنائهم، ، 2011/3/10 news/15505.html-http://khabarjo.net/jordan 4- موقع مرآة البحرين مصادر أردنية: 3 آلاف درك أردني في البحرين بلباس الجيش السعودي )، 2011/5/19(http://bahrainmirror.com/article.php?id=911&cid=73&st 5- وهج نيوز، طاهر العدوان:لآ قوات (درك اردنية ) الى البحرين، 15/3/ 2011 http://whajnews.com/jordan_news/8166.html 6- صحيفة الديوان، الحلايقه ينفي وجود لقوات الدرك في البحرين وضابط بحريني يؤكد للديوان : 500 دركي اردني على الاقل هناك، 9/3/2011، www.addiwannews.com/more.asp?ThisID=27013&ThisCat=0://ttp 7- وطن، الطوالبة : لا وجود لقوات الدرك الأردنية في البحرين، 30/9/2011 http://www.watnnews.net/NewsDetails.aspx?PageID=9&NewsID=33431 8- صحيفة الشرق الأوسط، وزير الخارجية البحريني: لا أهداف عسكرية لضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون، 19/5/2011 http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=622331&issueno=1186،0 9- الجزيرة نت، ويكيليكس: الأردن يقاتل بأفغانستان ، -b977-a400-0979-http://www.aljazeera.net/news/pages/997713c5 2011/2/10a2f7816651f1 10- سرايا نيوز، الغاء عقود اردنيين في الشرطة البحرينية، 27/9/2011 article/view/id/92846-http://www.sarayanews.com/object 11- الوسط، «تقصّي الحقائق» توصي بلجنة «حكومية – أهلية» لتنفيذ توصياتها 24 /11/2011 http://www.alwasatnews.com/3365/news/read/610390/1.html 12- وكالة ديرتنا الإخبارية، رفضاً للتدخل الاردني المناهض للثورة البحرينية دعوة للاعتصام امام السفارة البحرينية، 1/9/2011 http://deeretnanews.com/index.php?option=com_content&task=view&id=55058&Itemid=422 13- الأخبار، تظاهرات أردنيّة ضدّ الملك… البحريني، 6/9/2011 http://www.al-akhbar.com/node/20530 14 – المستقبل، الأمن العام” يحذر من “الاعتصام” أمام السفارات ، 12/9/2011 http://www.almustaqbal-a.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA.htm يرحب بإشهار الجبهة الوطنية للإصلاح، ” العمل الإسلامي“ موقع حزب جبهة العمل الإسلامي، -152011/5/22 http://www.jabha.info/post/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%8a%d8%b1%d8%ad%d8%a8-%d8%a8%d8%a5%d8%b4%d9%87%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a8%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84 16- موقع جماعة الإخوان المسلمين، المراقب العام: تغيرت علاقتنا بإيران بعد دعمها للنظام السوري : ، 2011/5/22http://www.ikhwanjo.com/#310284 17 – فؤاد حسين، “مستقبل الحركات الإسلامية”، ورقة عمل مقدمة لورشة عقدها مركز الدراسات السياسية في الجامعة الأردنية، 18/2/2012. 18 – الموقع الإلكتروني للحزب الشيوعي الأردني، بيان اللجنة المركزية للحزب، ( 16 كانون الثاني 2012( http://www.jocp.org/index.php?option=com_content&task=view&id=2565&Itemid=81 19 – صحيفة الدستور الأردنية، مثقفون أردنيون يطالبون بالغاء اختيار «المنامة عاصمة للثقافة العربية 2012» 5/12/2011 http: 20 – المدينة الإخبارية، مجلس النواب يرفض أي تدخل بفي شؤون البحرين، 19/3/ 2011 http://www.almadenahnews.com/newss/news.php?id=77810