مقاطعة المعارضة البحرينية لانتخابات العام 2002
الحلقة الأولى، ضمن ملف: الوفاق.. من المشاركة إلى المقاطعة
حوار مع جواد فيروز – عضو في البرلمان البحريني سابقا.
أجرى الحوار عباس بوصفوان.
يتناول هذا الملف، في أربع حلقات متتالية، العناوين التالية:
الحلقة الأولى: ملابسات مقاطعة الوفاق والجمعيّات المعارضة للانتخابات النيابية التي تمّت في عام 2002.
الحلقة الثانية: الأسباب التي دعت المعارضة والوفاق للمشاركة في الانتخابات النيابية في العام 200٦ وكيفية إدارة الوفاق للحملات الانتخابية.
الحلقة الثالثة: معوقات العمل النيابيّ بين 2006 و2010، وكيف كانت العلاقة بين جمعية الوفاق والكتل النيابيّة الأخرى وبين مؤسسات الدولة المختلفة.
الحلقة الرابعة: الوضع الراهن والأسباب التي دعت الوفاق إلى الاستقالة من البرلمان في ذروة ثورة 2011، ولماذا قاطعت الوفاق الانتخابات النيابية المتتالية التي تمت في 2002 و2014، والمرتقبة في العام الحالي 2018.
وهنا الحلقة الأولى: مقاطعة المعارضة البحرينية لانتخابات العام 2002
- قبل الحديث حول ملابسات مقاطعة الوفاق للانتخابات خلال عام 2002 بسبب الجدل الدائر حول الدستور، كيف تنظر الوفاق للانتخابات ومشروع البرلمان؟
- لمعرفة وجهة نظر جمعية الوفاق البحرينيّة في الانتخابات ضمن مشروعها السّياسيّ، لابد من الحديث عن الحقوق المدنيّة والسّياسيّة في منظور السّلطة والمعارضة، وكيفيّة ممارسة كل طرف لهذا المفهوم، بالإضافة إلى تسليط الضّوء على الحقبة الزّمنيّة التي عشناها منذ فترة تسعينيّات القرن العشرين حتى وقتنا الرّاهن، ومنها حالة الصراع مع السّلطة لانتزاع الحقوق المدنية والسّياسيّة، ومن ثمّ التّوافق على تدوين تلك الحقوق فيما سمّي بميثاق العمل الوطنيّ وما عبر عنه في تلك الفترة بالمشروع الإصلاحيّ ثمّ الدخول في مرحلة المقاطعة من حيث عدم التوافق على التنفيذ وبعدها تغيير الموقف إلى المشاركة، وصولاً للمشاركة في الحراك الشّعبيّ الذي حدث في البحرين، ولا يزال مستمراً حتى اليوم، لا سيّما ونحن نقترب من الانتخابات النيابيّة في البحرين، ولكوني جزء من تلك المواقف التي اتخذتها جمعيةالوفاق في تلك الفترة أعتبر نفسي شاهداً على ذلك العصر.
- ما هو هذا المشروع السّياسيّ لدى جمعية الوفاق؟
- انطلاقاً من مفهوم الدّولة ترى جمعيةالوفاق ضرورة وجود كيان سياسي يستطيع المواطنون أن يعبّروا من خلاله عن إرادتهم السّياسيّة، وفي إطار الدستور الذي تمّ الاتفاق عليه عام 1973 كان هناك إصرار شّديد من قبل المواطنين على ممارسة الحقوق المدنيّة والسّياسيّة، ولذلك أدرج ذلك المضمون في دستور البحرين الذي كتب عام 1973، كما أنّ المضامين ذاته أدرجت في دستور 2002، حيث كان هناك سعي حثيث في ضمان الحقوق المدنيّة والسّياسيّة، بالإضافة إلى وجود ضمانات دستوريّة مؤكّدة في بنود واضحة فحواها أنّ ممارسة الحقوق السّياسيّة والمدنيّة مثبتة ومسلّم بها، من هذا المنطلق كانت هناك مساعٍ من خلال التنظير لتحصين هذه الحقوق من خلال البنود الصوريّة ومن ثمّ التشريعات المحليّة على هذا الأساس.
عام 1975 حدث انقلاب نتج عنه حل المجلس الوطنيّ ومن ثمّ تجميد كل الحقوق السيّاسيّة، ومع هذا الانقلاب كانت البداية الأساسية في المطالبة بتلك الحقوق وعلى مستوى شعبيّ كبير، من خلال ما عرف بانتفاضة الكرامة في التسعينيّات القرن العشرين، وجرت احتجاجات شعبية كبيرة على ذلك الانقلاب بقيادة المعارضة السّياسيّة، فلم يسع الحكومة إلّا أن تقابلها باعتقال رموز المعارضة ومن ثمّ الزّج بهم في السّجون والمنافي وما أشبه بالإضافة إلى بعد حل المجلس الوطنيّ.
- ما هي ملابسات المقاطعة لانتخابات المجلس النيابي عام 2002؟
- أستطيع أن أؤكد هنا على نقطة جوهريّة وهي أن المعارضة اعتقدت بأنها يمكن أن تحقق مطالبها العامة من خلال المشاركة في إدارة السّلطة وتغيير مفهوم إدارة الدّولة من إدارة العائلة إلى الشّراكة الحقيقية وتفعيل الرّقابة والحد من الفساد وتحقيق العدالة في توزيع الثّروة الوطنية والتكافؤ في الفرص والحد من التمييز وإعطاء المواطن جميع الحقوق الخدميّة والاجتماعية والسياسية وغيرها من خلال هذا النوع من التفعيل وبمعنى آخر تفعيل الحياة النيابية لتكون مدخلا أساسيا لتغيير الكثير من التوازن بين الأسرة الحاكمة والمواطنين، وقد حضرت عدداً من الاجتماعات مع شخصيات بارزة في المعارضة خلال التسعينيات وكان التأكيد على هذا المفهوم، بالإضافة إلى أسباب المطالبة بتفعيل دستور 1973 والبحث في أسباب المطالبة بالحياة البرلمانيّة، حتى أنّ البعض كان يقول أن هذا الأمر هو إلّا تمهيد إلى المطالبة بأن لا يكون منصب رئيس الوزراء حكراً على أفراد الأسرة الحاكمة، بل يكون بالتوافق أو بالإرادة الشعبية وصولا لمرحلة لاحقة وهي الأغلبية البرلمانية. والخلاصة فإنّ الفكرة الأساسية بالنسبة للمعارضة أن البرلمان محل للمشاركة السياسية ومحل للتشريع والمشاركة في إدارة الدولة ومحل لتطوير العملية السياسية وصولاً إلى تشكيلة يكون فيها رئيس الوزراء منتخبا.
- طوال التسعينات، بعد أن سعت المعارضة ودفعت الأثمان حتى وافق النظام الحاكم على الانتخابات، جاءت جمعية الوفاق في ٢٠٠٢ لتقاطع الانتخابات؟
- كي نعرف ما حدث في 2002 علينا أن نعرف ما حدث في 2001 فمن خلال كل المفاوضات التي حصلت في 2001 كنّا بحاجة لصيغة تعاقدية لكي تنقلنا من المرحلة السابقة لمرحلة جديدة، تنقلنا من الدولة المستبدة المتحكمة في كل السلطات إلى دولة يوجد بها فصل ما بين السلطات إضافة إلى تفعيل الحياة النيابية، وهذه الوعود كانت من خلال حاجتنا إلى صيغة توافقية وهنا انبثقت فكرة الميثاق (العمل الوطني) وعلى إثره كان توافق مبدئي من خلال اللقاءات التي حصلت، على أن يقوم الديوان بصياغة وثيقة تكون على شكل رؤى يتحول مضمونها لصيغ قانونية ودستورية من خلال مراجعات وتشاور مع المختصين في الفقه الدستوري، ومن ثم ينظر في كيفية تعديل الدستور، وهذا التوافق الذي حصل، وفي مرحلة التّدوين والإعلان عن الميثاق وجدنا بأن المضمون حسب ما تم التوافق عليه ولكن كانت هناك تعابير أو صياغات تثير الشكوك.
- هل كانت المعارضة طرفاً في صياغة الميثاق؟
- المعارضة كانت طرفاً في التّمهيد لصياغة الميثاق من خلال اعطاء رؤاها العامة في هذه المسألة، وهي التمسك بدستور 1973 وأن البنية الأساسية للمواد الثابتة تكون حاضرة ومنها عدم المساس بمواد دستور 1973 بالإضافة للتأكيد على إعادة الحياة البرلمانية من خلال صيغة توافقية واضحة، والتأكيد على المواطنة وحقوق المواطنة، بالإضافة إلى وجود التوازن بين صلاحيات الأسرة الحاكمة، وأن تكون البنود العامة موضع توافق عام في إطار الإجراءات وليس في إطار التدوين، الاختلاف الأساسي الذي برز هو في صياغة المواد الجوهرية في الميثاق، كان في فيما يتعلّق بالسلطة التشريعية وموضوع المجلسين والنص الذي أدّى لكثير من النقاشات في كون صلاحيات مجلس الشورى هي نفس صلاحيات مجلس النواب المنتخب أم لا، وكان هناك إشكال حول توسيع صلاحيات الملك، ومع كلّ ذلك طرح أمرٌ إيجابيّ وهو موضوع الملكية الدستورية على غرار الممالك العريقة المنصوص عليها بكل وضوح في استشرافاتالمستقبل في الميثاق، هذا الأمر أعطى نوعاً من الاطمئنان وأن الميثاق تحول من خلال الاقرار من هيئة أو مجلس معين من قبل الملك إلى الاستفتاء الشعبي الذي تم اقراره في الفترة الأخيرة، وبعد ذلك وجدنا كثير من التصريحات الرسمية من قبل الشخصيات البارزة في الأسرة الحاكمة ومنهم عميد الأسرة الحاكمة الشيخ عبد الله بن خالد بأن المجلس المعين سيكون استشاري إضافة لكثير من الوعود التي أطلقها ولي العهد، هذا أعطى اطمئناناً بأن يكون التصويت على الميثاق حدث تاريخي غير مسبوق وأكد على كثير من الثوابت التي طالبت بها المعارضة في المضامين العامة الموجودة في الميثاق وكان ذلك اليوم هو يوم وطني مشهود في تاريخ البحرين.
- جاء التعديل الدستوري خلاف توقعات المعارضة.. فأين أخطأت المعارضة في إدارتها للتفاوض حول الميثاق؟
- دعني أشير إلى أنّ النوايا كانت مبيّتةمن قبل السلطة، بأن تعطي انطباعاً معيناً، ولكن في الخفاء كان العمل يجري بوتيرة أسرع، ومن ذلك قيام السطلة بزيادة حالة الفرح والاستقبال الوطني الكبير والاستمرار المستطرد في الاحتفالات الكبيرة فيما يتعلق بالميثاق وكان العمل يجري في أول يوم لدى الديوان من خلال التحضير إلى دستور مخالف تماما للأسس الأساسية في الميثاق.
- الدولة تقول: إنّ الميثاق لم يتضمن تصريحاً واضحاً حول كون الصلاحيات التشريعية من اختصاص المجلس المنتخب وإن التصريحات الصحفية التي صدرت من ولي العهد أو من الملك أو من رئيس لجنة اعداد الميثاق وهو وزير العدل والشؤون الإسلامية عبد الله بن خالد آل خليفة لا يعتدّ بها قانوناً وإن المواد التي صوت عليه الناس هي تلك التي في الميثاق والتي تحمل عدة أوجه ولا تنص صراحة على أن المجلس النيابي يحتكر الصلاحيات التشريعية والرقابية … فما هو تعليقكم؟
- هناك قراءتين لهذا النص الموجود في قضية باب السلطة التشريعية وكل طرف يسعى لتقوية رؤيته ولذلك كان الأمر يتطلب توضيح رسمي في هذا الصّدد، المعارضة شكّكت في هذا النص وهذه الصياغة والتجأت إلى جهات عليا وجرى لقاء طارئ بينها وبين والملك، كونه المسؤول الأول عن صياغة الميثاق وهو رئيس اللجنة العليا للميثاق، فعندما نأتي لموضوع الحقوق المدنية والسياسية إذا سلبنا هذا المفهوم الحقيقي فإنّ الإرادة الشعبية في إطار السلطة التشريعية تكون ناقصة أو مصادرة أو بشراكة ملزمة، إذن فقدنا أصل الموضوع، الصراع كان حول المطالبة بالحقوق المدنية والسياسية وإذا سلمنا بالنص الذي أرادت السلطة فرضه فلن نحقق شيئاً، الهدف الأساسي بأن تملك الحكومة السلطة التنفيذية ويفسح المجال لأن تكون السلطة التشريعية بيد الشعب، وهنا كان الموقف هو المقاطعة.
- هناك سنة واحدة بين الميثاق والدستور… ما الذي تم في ذلك العام؟
- كثرت مؤسّسات المجتمع المدني رغم أن الحقوق كانت منتقصة، وصعّدت السلطة من خلال انشغال الناس بالتنافس في كثرة تلك المؤسسات سواء في الجانب الحقوقي أو الجانب السياسي وكان ذلك الأمر مقصوداً من قبل السلطة فأصبح النشطاء السياسيون بدل أن يتواصلوا مع السلطة لتفعيل الميثاق من خلال بنود دستورية ضامنة لتلك الحقوق والتوافقات، انشغلوا بوضعهم الداخلي ودخلوا في المناكفاتبين بعضهم البعض، في إطار التنافس السياسي ومن هو القادر يستطيع أن يهيأ نفسه مسبقا للسيطرة على الشارع في الانتخابات القادمة، وهنا حدث تزعزع في الثقة بين الأطراف السياسية للمعارضة التي كانت متوافقة لدرجة كبيرة في التسعينيات ومنها التيارات الدينية والتيارات العلمانية وحدث نوع من التوجس بين الأطياف: هل أن الإسلامين إذا سيطروا على المجلس القادم من خلال الانتخابات والسلطة التشريعية يريدون أن يفرضوا مرئياتهم الدينية وبذلك يحدّون من بعض الحريّات؟ أم أنّهم يُقصون غيرهم ويريدون أن يهيمنوا بالكامل على مجريات الأمور فيقطفون ثمرة النضالات السابقة، السلطة هنا سعت لتوسع هذا المدرك وشغلت الناس بتشكيل الأحزاب وبالتالي برزت تشكيلة رسمية للوفاق وتشكيلة رسمية لجمعية العمل الديموقراطي وعد، والجمعيات الأخرى إضافة لمسألة المجتمع المدني.
- هل كان هناك تواصل في تلك الفترة بين المعارضة والنظام؟
- كان هناك تواصل شكلي وليس تواصل حقيقيّ وكانت هناك أمور برتوكوليهفقط لإسراع تأسيس تلك الكيانات، بمعنى آخر، أنّ النظام في البداية كان متردداً من أن يرخص تنظيماً سياسياً إلى تيّارات دينيّة لاسيّما جمعية الوفاق خشية أن تكون لهم أغلبية شعبية ومن ثم تكون لهم مشاكسات مع السلطة لذلك كان هناك تلكؤ، وعلى سبيل المثال تم عقد الاجتماع التأسيسي الأول في يونيو 2001 وتم تقديم المرئيات للسطلة من قبل الوفاق في غضون شهر أو أقل، ولكن كان هناك تعطيل متعمد بأن لا يتم اعطاء ترخيص لجمعية الوفاق بالرغم من أن التيارات السياسية الأخرى حصلت على التراخيص في وقت مبكر، وكان هناك مؤشر يشي بعدم اعطاء الوفاق ترخيصا بذرائع واهية ومنها أن هناك بعد ديني في التأسيس أو أنّ الأعضاء جميعهم ينتمون إلى مذهب محدد.
كان هناك جدل كبير وسط تيّار الوفاق حول الحاجة لتأسيس مؤسسة سياسية تمثل تياراً من خلاله يمكن خوض غمار المعترك السياسي، كما برزت وجهة نظر مغايرة بتشكيل تيّار عام، تحت مسمّى أصحاب المبادرة بحيث يقتصر دوره على توجيه الشارع دون أطر حزبيّة أو تسلسل هرمي وما أشبه ذلك، وبعد مخاض وصلنا لضرورة وجود هذا الكيان، إلّا أن الأستاذ عبد الوهاب كان له رأيٌ مغاير تماماً، ولكنه رضخ فيما بعد لرأي الأغلبية بأن يكون هذا الكيان مسجلاً في هذا الإطار، وكان يرى أن ذلك يحجم الدور على اعتبار أنه سيبقى في إطار رسمي وليس في إطار شعبيّ، وبعد أن حصل التوافق وجرى التأسيس تلمسنا بأن هناك تأخير متعمد من قبل السطلة في منحنا الترخيص لتلك المؤسسة، وبعد التواصل تبين أن الوزارة المعنية هي وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وكان الوزير في ذلك الحين هو عبد النبي الشعلة، فطلبنا لقاءً معه وجرى ذلك اللقاء وكنت أحد المجتمعين به وكان عددنا 3، الوزير ألمح بكل وضوح بأن السلطة التنفيذية وهي الحكومة تضطر لجمع بعض الملفات وتجمد بعضها لأنها لا ترى مصلحة في تحريكها لأنها لا تستطيع أن تقدم قانوناً يبرر موقفها ولكن لديها الصلاحية في أن تؤخر ونحن في مرحلة الدراسة التي يشوبها التخوف والهواجس المتعددة وتريد السلطة الحصول على ضمانات بأن هذه المؤسسة لن تكون في إطار ديني أو مذهبي وإنما هي في إطار وطني، وقال لنا لديكم فرصة لمراجعة الأمر مجددا، هذا المؤشر كان بالنسبة لنا سلبياً وخلصنا إلى أن هذا التأخير متعمد وكان ذلك جزء من اللعبة السياسية لكي تنشغل الوفاق أكثر وأكثر في بيتها الداخلي وتنسى بمن يسعى في الخفاء إلى تغيير جذري في بنية نظامها من خلال اصدار دستور جديد، وهذا الأمر امتد إلى شهر سبتمبر، على أن يكون هناك إعلان لدستور جديد تزامناً مع الذكرى الأولى للميثاق في 14 فبراير 2002 ولكي يضعوا الوفاق أمام الأمر الواقع من خلال التمهيد لمشاركتهم في الحياة السياسية في الانتخابات النيابية القادمة، وفي نوفمبر2001 تم الترخيص للوفاق كحزب سياسي أو جمعية سياسية، وهنا كانت الفرحة كبيرة جدا وفي 2002 وفي الذكرى الأولى للتصويت على ميثاق العمل الوطني أعلن الملك تأسيس مملكة البحرين وإصدار دستور 2002 وبدى ذلك مفاجئاً للمعارضة والوفاق وهي لا تعرف ما الذي يجري بالضبط وأعلنت حينها المقاطعة للانتخابات.
في يوم 14 فبراير 2002 تم ابلاغ الجميع بهذا الحدث وكان هناك جمع غفير للاحتفال بالذكرى السنوية الأولى للميثاق وتم تكليف المرحوم الأستاذ إبراهيم حسين شقيق الأستاذ عبد الوهاب حسين بأن يرأس اللجنة التي تقوم بالإعداد للاحتفال الكبير عن طريق جمعية الوفاق بالتنسيق مع عدد من الجمعيات الأخرى، ووجدنا أن هذا الحفل يتطلب مكانا كبيراً جداً وتم اختيار الصالة الرياضية للنادي الأهلي وكانت الأمور مهيأة لما قبل الظهر وفي حوالي الساعة الواحدة ظهراً أي قبل 6 ساعات من موعد الحفل وصلنا خبر بأن هناك اعلان لدستور جديد وهذا الدستور سيتم الاعلان بمنأى عن التصويت والتشاور، فسادت بلبلة كبيرة، وصار الكل يتساءل: هل نمضي في الاحتفال بذكرى الميثاق أم نلغي الاحتفال أم نقوم بمسيرة احتجاجيّة؟؟ تباينت وجهات النظر وتم الاتفاق على إقامة الحفل مع تحويله لمهرجان خطابيّ للتعليق على هذه الخطوة، بنفس المتحدثين، وفسحنا المجال للشخصيات البارزة للتعليق على الحدث، كان الحضور مهيباً جداً، حتى أن الصالة لم تستوعب الحضور، وتزامن وقت الاحتفال مع نشر صحيفة الأيام ملحقا خاصا بمضمون الدستور الجديد، وهنا طلب أغلب المتحدثين تأجيل كلمته لكي يطلع على بنود الدستور الجديد ثم يعقب عليه، كانت المشاعر حينها جيّاشة وكان الوضع مهيئاً لخروج مسيرة احتجاجيّة لا سيما وأن موقع النادي كان موقعا حساساً وقريباً من السفارة الأمريكية وكانت هناك حالة من الغضب لأن الجماهير شعرت بأنها خذلت وخدعت.
الكلمة البارزة كانت للأستاذ عبد الوهاب حسين والشيخ علي سلمان، الأستاذ عبد الوهاب طالب بالهدوء والتحرك السلمي وبيّن بأن هذا الموقف ستكون له تبعات سلبية، وهدأ الجماهير، أما الشيخ علي سلمان فقد كانت كلمته واضحة ومختصرة وأكد على أنه سيقوم بممارسة دوره كرجل دين لارتدائه زي علماء الدين ومن ثم سوف يواجه أي شخص يصادر حقوق الشعب حتى ولو كان الملك، كما أن رئيس جمعية الإصلاح المحامي عبد الله الهاشم كانت له كلمة وكانت هناك كلمة للناشطة منيرة فخرو، في ذلك الحفل تحول التفاؤل إلى تشاؤم ودخلنا في حالة من عدم الثقة مجدداً، وبدا الاعتراض على خطوة النظام في تقديمه دستوراً من طرف واحد، واختارت الوفاق مقاطعة الانتخابات في أكتوبر 2002.
المشاركة في الانتخابات النيابية التي تمت في مايو 2002، كان هناك جدل داخل الوفاق حيث كان الأستاذ عبد الوهاب حسين مع المقاطعة بينما الشيخ علي سلمان كان مع المشاركة، أما “وعد” فقد اختارت المقاطعة بينما اختار المنبر التقدمي المشاركة.
على مدى 5 أشهر من فبراير 2002 إلى ما قبل مايو 2002 كان هناك نقاش محموم وجدل كبير وتفاوت ما بين وجهات النظر داخل كل الجمعيات السّياسيّة المعارضة كالوفاق والمنبر التّقدمي والعمل الإسلامي وكذلك وعد والتجمع القومي، وكان الجدل حول المشاركة أو عدمها، وحول كيفية اتخاذ القرار لأن آلية اتخاذ القرار في تلك الجمعيات بدأت تكون واضحة ومن بينهم جمعية الوفاق التي برزت لدى قادتها وجهتي نظر، فكان الأغلبية يؤيّدون المقاطعة بزعامة الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسين مشيمع وكثير من الشخصيات، بينما تزعم المشاركة الشيخ علي سلمان وهذا التباين تم حسمه بأن لا يتخذ الرأي النهائيّ في إدارة جمعية الوفاق، مع أنّ النظام الأساسي للوفاق في ذلك الوقت كان يعطي الصلاحية في اتخاذ القرارات للإدارة، إذ لم يكن قد تشكل مجلس شورى ولا شورى الوفاق ولا الجمعيّة العموميّة، فإدارة الوفاق كانت مشكلة من 11 عضوً وأنا كنت أحد أولئك الأعضاء، وتم التوافق بأن هذا الأمر من الصعب أن يحسمه أعضاء الوفاق، بسبب كون تيار الوفاق عريض ولا يمكن أن يقتصر الأمر على أعضائها، لذلك تم الاتفاق على عقد اجتماع موسع لأكبر عدد ممكن من النخب السياسية المنتمية للتيار ويتم فيه تقديم ورقتين، الأولى تعرض مبررات المقاطعة وأسبابها، والثانية تقدم مبررات وأسباب المشاركة، وتم اختيار نادي السنابس لهذا التجمع وتم دعوة حوالي 200 شخصية سياسية وهناك شخصيات أخرى حضرت بنفسها وكانت تَرى أنّ عليها أن تقول كلمتها، وفي هذا التجمع تم حسم الموضوع وعرض الأمر للتصويت وكانت النتيجة أن صوت 73 أو 76 في المئة من الحاضرين للمقاطعة، وتم تبني المقاطعة، أما موضوع المشاركة في الانتخابات البلدية فقد كانت مسألة محسومة لدى كل الجمعيات السياسة المعارضة بما فيها الوفاق على اعتبار أنها جمعيات خدمية والانخراط في خدمة الناس أمر مسلّم به.
- ما كان موقفك… مع المقاطعة أم مع المشاركة؟
- كنت من المتحمسين لموضوع المقاطعة ورأيت فيها فرصة مواتية يمكن من خلالها تغيير الموازين من خلال المقاطعة وقلت دعونا نجرب المقاطعة والأيام قادمة ودعونا نحرك الشارع مجددا ونتبنى مشروعاً للضغط من خلال الشارع ولكن في إطار سلمي منظم وبعد ذلك نقيّم الأمر.
- هل أفضى التواصل مع النظام إلى شيء؟ وهل وعدكم النظام بشيء؟
- أثبتت الوفاق نجاحها الباهر من خلال إدارتها للعملية الانتخابية في الانتخابات البلدية حيث أحرزت 3 مقاعد من 5 لترأس المحافظات الخمس في ذلك الوقت وهذا كان مؤشر بأن الوفاق لديها مخزون كبير من إدارة الحملات الانتخابية ولديها القدرة على اقناع الشارع للذهاب إلى صناديق الاقتراع وكُلفتُ برآسةالحملات الانتخابية للوفاق في الانتخابات البلدية وحققنا فوز باهر من خلال زيادة نسبة المصوتين إلى أعضاء الوفاق مع وجود ظرف حرج جدا وهو حالة الاحباط التي تسبب النظام بنشرها ولكن استطعنا أن نقنع الشارع بالدخول في الانتخابات البلدية مع أنه يريد أن المجتمع كان ينحو صوب مقاطعة الانتخابات البلدية، كما استطعنا أن نوصل للمجالس البلدية شخصيات كفوءة مع الأخذ بعين الاعتبار بعدم التضحية بالشخصيات السّياسية البارزة لأن العمل البلدي يتطلب نوع من المحاكاة مع الناس وتم اختياري بأن أكون مع الأعضاء المشاركين في المحافظة الشمالية ومن ثم حصلت على 63 في المئة من نسبة الناخبين مع وجود 13 منافسا وكانت تلك الدائرة من ضمن الدوائر الحرجة وأصبحتُ لاحقاً نائباً في المحافظة الشمالية على مدى 4 سنوات وكان لي دور آخر في جمعية الوفاق على مستوى التنظيم الداخلي وبناء الهيكل التنظيمي للجمعية ولاحقاً إدارة ملف ما سمّي بالمؤتمر الدستوري الذي على إثره تم تشكيل هيئة لإدارة التحرك الشعبي الضاغط على السلطة للجوء إلى التوافق الوطني من خلال ميثاق العمل الوطني ومن ثم التوافق على التعديلات الدستورية الجوهرية مما يؤدي إلى ضمان تطبيق مبادئ الميثاق الأساسية ومن ثم تم تبني كثير من الفعاليات الشعبية في إطار مسيرات ضخمة وغير مسبوقة في تاريخ البحرين بمعدل مسيرة كل شهرين، واستطعنا أن نجوب كل محافظات البحرين، المحافظة الوسطى والشمالية والمحرق والعاصمة وكانت المسألة منظمة بشكل كبير جدا بحيث لم تحدث أي مواجهات، وأول مسيرة كانت في سترة، وحينها سعت السلطة بكل قوة لمنعها عن طريق محاصرة المنطقة تماما وهددت المشاركين، وأنا استدعيت كوني المسؤول الأول عن تنظيم المسيرة استدعيت في مركز شرطة النبي صالح والتقيت مع المسلّم وقال لي بأن خروج المسيرة أمر غير مسموح به وغير مرخص له وسوف يتم مواجهته ولكن نحن قلنا بأن هذا الأمر يصعب التحكم به لأن الجمهور سوف يكون متواجدا بقوة وتواجد الجماهير في وقت مبكر في منطقة سترة وكان الزخم الجماهيري كبير.
- كيف تقيم تلك المرحلة؟
- استطاعت الجمعيات السياسية تنظيم نفسها وأثبتت أنها رقما صعباً وأنها تناغم الشارع في تطلعاتها لأن الأغلبية كانت مع المقاطعة، وأثبتت بأنها ديمقراطية والجمعيات رضخت لإرادة الشارع في القبول بالمقاطعة، الجمعيات لم تنجح في لي ذراع السلطة، ولا في القبول بمطالبها في الرجوع إلى تفعيل الميثاق لأن السلطة كانت مدعومة اقليما من دول الخليج وبريطانيا وأمريكا، ولو عاد بي الزمان لكان الخيار هو نفسه، المقاطعة لأنها الخيار السليم، كل الأدوات الضاغطة تم ممارستها ومنها التواصل مع السلك الدبلوماسي العلاقات الدولية ممارسة الحراك الشعبي الكبير والغير مسبوق.