مركز البحرين للدراسات
الديمقراطية نظام سياسي قائم على مشاركة الشعب للسلطة في الحكم عن طريق انتخاب ممثلين له يقدمون برامج انتخابية، ويمارسون دورهم في الرقابة والتشريع على ضوء الدستور.
والديموقراطية لها مقومات مهمة حتى تتحقق المشاركة الشعبية على أحسن تمثيل، ومن أهم مقومات الديموقراطية:
1. دستور نافذ الصلاحية ويحقق الاتزان في الحقوق والواجبات بين السلطات الثلاث والشعب.
2. تمثيل نيابي لكل مكونات الشعب.
3. انتخاب حر لمكونات الشعب على أساس برامج المرشحين التي يفترض أن تكون في مصلحة نهضة البلد والمواطن وتطوير الخدمات والتعليم.
4. فصل السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية.
5. وجود معايير ضبط للترشيح أهمها معيار الكفاءة لا الانتماء العصبوي ولا الولاء للسلطة.
6. قدرة البرلمان على ممارسة دوره الرقابي والتشريعي بشكل دستوري يحقق الهدف من وجود مجلس تشريعي رقابي ممثلا للشعب الذي يعتبر شريكا في السلطة.
7. الجميع (السلطات الثلاث، الشعب، النظام) متساوون أمام القانون.
هذه أهم مقومات الديموقراطية، وبجلّها يمكن تسمية النظام السياسي بالنظام الديموقراطي الذي يحقق نسبة مشاركة عالية في صفوف مكونات المجتمع بكافة انتماءاته، ويمكن الشعب من المشاركة الحقيقية في السلطة، فيصبح واقعا مصدرا للسلطات.
وفي الديمقراطيات الناشئة هناك مبدأ ديمقراطي آخر يشبه مبدأ المشاركة في الشكل خاصة في الانتخابات وصناديق الاقتراع، لكنه يختلف معه في الأهداف التي يراد الوصول إليها، هذا المبدأ يسمى مبدأ المغالبة، وهو مبدأ يتحقق بطريقة الاقتراع والتمثيل الشعبي، لكنه يعتمد على غلبة الأغلبية العددية في الانتخابات دون وجود برنامج انتخابي يكون هو المؤهل لها وليس التحشيد العددي فقط، فتستخدم الديموقراطية وسيلة للوصول إلى مراكز السلطة، وتبدأ بتنفيذ أجندتها الخاصة بها والتي لا تمثل إلا ذاتها والمتسبسن إليها. المشاركة تحقق الإرادة الشعبية الحقيقية بكافة الأطياف ، وتقدم برامج انتخابية تنهض بالوطن، والخدمات المقدمة للمواطن، وتفعل الدستور بتشريع قوانين لا تخرج عنه، وبممارسة دورها الرقابي ، وتحقيق التنمية المستدامة للدولة وللشعب ، بينما المغالبة هي استبداد أكثرية برأيها حتى لو خالف الدستور مستخدمة صناديق الاقتراع لتمارس استبدادها السياسي المبطن بالديمقراطية.
في البحرين لو رصدنا النظام السياسي القائم مقارنة مع ما تقدم من مقومات النظام السياسي الديموقراطي، نجد أن النظام السياسي قائم على المغالبة وليس على المشاركة.
المشاركة تعني أن ينتخب كل مكونات المجتمع وأطيافه ممثلين عنهم في البرلمان لتكون مظلة الجميع الدستور و القانون، ولا تتدخل سلطة الحكم في توجيه الانتخابات ولا في تشكيل تركيبتها ونتيجتها، وتكون بذلك سلطة الحكم مقيدة بدستور وقانون، ومكلفة من قبل الشعب في مهامها وللشعب الحق في محاسبتها حين التقصير، فهي جزء مشارك في الدولة مكلف بمهام محددة.
بينما في البحرين يتمتع النظام القائم بمميزات خارج الدستور والقانون، ويمتلك سلطة ممتدة دون قيد، تخوله فعل ما يشاء دون أدنى محاسبة أو مراقبة، ورغم وجود انتخابات وبرلمان. إلا أنها صورية تماما، لأنها لا تمثل كل مكونات الشعب، بل هي لا تمثل إلا جزء بسيط من الشعب الذي قامت سلطة الحكم بالتدخل في تشكيله الديموغرافي وصياغته بطريقة تنتج مجلسا يتواءم معها وتسيطر عليه، فجل من ينتخب تم تجنيسه من قبل النظام البحريني في عملية تغيير ديموغرافي واضحة، بعد سحب الجنسية من البحرينيين الأصليين، هذا فضلا عن تغييب مكون يعتبر هو الأغلبية، تغييبه عن الانتخابات لا لسبب إلا لأن هذا المكون طالب بملكية دستورية تحقق الديموقراطية الحقيقية بمقوماتها السابقة الذكر، فتم زج أغلب الرموز في السجون ومحاصرة آخرين وقتل آخرين، وتهجير لبعض آخر.
فالمغالية هنا صناعة سلطة الحكم من خلال تغيير تركيبة المجتمع للدفع بأكثرية تمارس استبدادها بإشراف السلطة مستخدمة الديموقراطية وسيلتها في الوصول إلى البرلمان المعطل سلفا من خلال تقييدات السلطة الحاكمة له.
وفي الدول الديمقراطية تكون السلطة القضائية سلطة مدنية خاضعة لمؤسسات الدولة ودستورها وقوانينها التي شارك الشعب في وضعها، بينما المحاكم في البحرين محاكم عسكرية، رغم استمرار وجود برلمان وانتخابات، القضاء عسكري تتحكم به السلطة والمجلس النيابي ينتخبه بعض البحرينيين وأغلبية غير بحرينية بالأصل، وهذه خلطة سياسية نادرة وتشويه صريح للديموقراطية تستخدم فيه السلطة غلبتها القهرية في توجيه المسار السياسي دون رقيب أو حتى أدنى محاسبة.
والمتابع للمجلس النيابي الموجود لا يمكنه أن يرصد إنجازا يمكن أن يصب في صالح نهضة البحرين والمواطن البحريني.
بل هناك أزمات متتالية منها اقتصادية، ومنها حقوقية حيث تعاني البحرين من أزمة اقتصادية خانقة، ومن انتكاسات في المجال الحقوقي بحق مواطنيها عرضتها لانتقادات مؤسسات ومنظمات حقوقية عالمية، هذا فضلا عن انتكاسة عدم استقلاليتها في قرارها الخارجي والداخلي سياسيا، وتبعيتها للجوار تبعية لا تعكس وجودها كدولة لها سيادتها، بل باتت حتى سيادتها سيادة شكلية.
البحرين لا تعتبر من الدول الديمقراطية القائمة على المشاركة الحقيقية، بل هي تستخدم الديمقراطية كأداة لتلميع صورتها أمام المجتمع الدولي وذر الرماد في عيون من تبقى من البحرينيين لإسكاتهم. وهي ديمقراطية مغالبة، تبسط فيها السلطة نفوذها وتوجه فيها مسار الانتخابات ليتشكل مجلس يأتمر وفق إمرتها ويفعل ما تريده السلطة، وهو مجلس لا يمثل ربع أبناء البحرين ومواطنيها.
وإلا كيف تجتمع ديموقراطية مع محاكم عسكرية وإعدامات لمواطنين دون وجود تحقيقات نزيهة؟
ولذلك تعتبر أي مشاركة في هذه الانتخابات مشاركة خاسرة سياسيا، كون المشارك يحرق وجوده السياسي لعدم تمثيله لمكونات الشعب من جهة، وعدم بسط يده في الرقابة والتشريع من جهة أخرى، بالتالي تكون مشاركته تعني دخوله في قفص السلطة ليحقق مكاسب شخصية لا أكثر ولا أقل.
وتصبح الديمقراطية في البحرين سالبة بانتفاء الموضوع، والمشاركة في هكذا نظام سياسي ينضوي تحت عنوان المغالبة مشاركة يتحول فيها المرشح إلى ورقة سهلة التطويع في يد السلطة، كون وصوله إلى المجلس لا يتم إلا بإذن هذه السلطة في حال انطبقت عليه المواصفات والمعايير السلطوية وأهمها الطاعة وعدم انتقاد النظام.
إضافة إلى قرار النظام البحريني الأخير في منع الجمعيات المعارضة من المشاركة في الانتخابات، وهي مخالفة صريحة لمقومات ومبادئ الديموقراطية، بل هو منهج يؤدي إلى مزيد من الانتكاسات السياسية المتتالية، ويغلق كل الأبواب والنوافذ في وجه كل محاولات الحل التي يمكن أن تخرج البحرين من عنق الزجاجة، وتعيدها إلى سكة قطار الديمقراطية الحقيقية مجددا.