باحث بحريني
ورقة قدمت في مؤتمر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين: “الآثار الاقتصادية والاجتماعية للضرائب”، ٢٧ – ٢٨ مارس ٢٠١٨.
تمهيد:
لابد من التأكد بأن الدول الطبيعية وغير المعاقة في العالم لابد لها أن تفرض ضرائب، بشرط وجود قواعد أساسية أهمها:
- لا ضريبة بدون تمثيل.
- مبدأ العدالة بوصلة السياسات الضريبية.
- ضرورة وجود الشفافية.
إن الدول التي لا تفرض ضرائب هي الدول الريعية أو الغنائمية التي تعيش على غنائم الحروب أو الموارد الطبيعية الناضبة بطبيعتها، وهي دول وجدت لفترات محدودة عبر التاريخ. وفي عصرنا الراهن الدول النفطية الخليجية في فترات ارتفاع أسعار المورد الاقتصادي الريعي الأساسي للدخل القومي ـ أي النفط.
ويشير الأستاذ إبراهيم شريف السيد في ورقته التي استعرضها في ندوة “نحو نظام ضريبي ديمقراطي وعادل” التي أقيمت بجمعية التجمع القومي الديمقراطي في 20 نوفمبر 2017م، بأن دول مجلس التعاون ومنها البحرين بدأت في تنفيذ سياسات ضريبية بسبب تسجيل عجوزات كبيرة في ميزانياتها وتنامي الدين العام بسرعة بالغة، فقد بلغ الدين العام في البحرين ما يقارب 10 مليار دينار في نهاية العام 2016م، وتراجع في العملة الأجنبية، وعجز إكتواري في صناديق التقاعد في حدود 10.4 مليار دينار في العام 2016م، وحسب موازنة الدولة للعامين 2017 ـ 2018م فإن كلفة الفوائد سترتفع إلى 553 مليون دينار في 2018م، في حين كانت 269 ملون دينار عام 2015، أي إنها ستزداد بمعدل سنوي يقارب 100 مليون دينار، أي ستلتهم 25% من إيرادات الدولة.
الضرائب ليست كافية لحل أزمة الدين العام:
ويواصل الأستاذ إبراهيم شريف رؤيته حيث يؤكد بأن الضرائب غير كافية لحل أزمة الدين العام والعجز المالي، والأمر يحتاج إلى شفافية، خاصة في الشؤون المالية، فقبل أن تطالب الحكومة المواطن بسداد فواتيرها عليها أن تعطيه كشفاً كاملاً بحساباتها، ما هي الأموال التي حصلت عليها ومن أي مصدر وكيف صرفتها. ولماذا ارتفع الدين العام أكثر مما هو لازم لتمويل العجوزات السنوية في الميزانية؟؟ مثلاً: من حق المواطن أن يعرف عن الإجابة على أسباب القفزة الكبيرة في العجز والدين العام ليطمئن إن أمواله الضريبية في أيدٍ أمينة.
الضرائب في البحرين:[1]
- أقر مجلسي النواب والشورى الضريبة الانتقالية (على السجائر والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة) في نوفمبر العام الماضي، ومن المتوقع أن تبلغ حصيلتها 58 مليون دينار في 2018، وترتفع إلى 66 مليون في عام 2022م.
- الرسوم الجمركية، وهي من أقدم الضرائب في البحرين والعالم، والحساب الختامي لعام 2016م يظهر بأن 133 مليون دينار كان إيرادات الجمارك، أي أكثر من نصف الرسوم والضرائب الحكومية التي بلغ مجموعها 237 مليون دينار.
- ضريبة المعاش: على شكل اشتراكات نظام التأمين الاجتماعي، يدفعها العامل البحريني ورب العمل، فضلاً عن 3% إصابات عمل العمالة المهاجرة، ومجموع هذه الضرائب السنوي يساوي 436 مليون دينار على شكل اشتراكات التأمين الاجتماعي إضافة إلى عشرات الملايين من الدنانير من اشتراكات التأمين ضد التعطل.
- ضرائب العمالة المهاجرة والتي تحصل عليها هيئة سوق العمل وتتوزع إيراداتها على الهيئة وصندوق العمل والحكومة والتي بلغت حصتها 18.5 مليون دينار في العام 2016م.
- ضريبة تحصل عليها البلديات تبلغ أكثر من 80 مليون دينار.
- ضريبة صغيرة على الوقود تبلغ 4.6 مليون دينار.
- رسوم قادمة لا تشملها القوانين منها ضرائب ورسوم وزارة التجارة التي سترتفع إلى 34 مليون دينار في عام 2018 في حين كانت 10 مليون فقط في العام 2014م.
- رسوم أخرى ندفعها مقابل خدمات أو رخص تقدمها الدولة.
شروط الضريبة “الجيدة”:
يؤكد المفكر الاقتصادي آدم سميث في كتابه “ثروة الأمم” أن الضرائب الجيدة” يجب أن تستوفي أربعة معايير.
- أن تكون مناسبة مع الدخل أو القدرة على الدفع.
- أن تكون معروفة بدل أن تكون عشوائية.
- أن تدفع في أوقات وبطرق ملائمة لدافع الضراب.
- أن تكون رخيصة من حيث كلفة إدارتها وجبايتها.
إن الانتقال من اقتصاد ريعي (المرض الهولندي)[2] إلى الاقتصاد المستقبلي (العلاج النرويجي)[3] يتطلب بالضرورة اعتماد الدولة على الضرائب كأحد الإيرادات للدخل القومي وبدلاً عن ثروة النفط التي تولد إيرادات مالية ضخمة دون جهد إنتاجي يذكر.
مقومات لا بد من وجودها:
بيد أن النظام الضريبي مغر ويسيل لعاب بعض من المسؤولين الخليجيين، خاصة مع العجوزات والديون العامة الكبيرة في الموازنات، ولذلك فإن تطبيق النظام الضريبي في ظل الوضع الراهن اقتصادياً، واستمرار هيمنة الاقتصاد الريعي لن يحقق هذا النظام أهدافه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المنشودة، وبالتالي أعتقد بأن النظام الضريبي الشامل لا يمكن تطبيقه مرحلياً ولا أن يترافق مع الإصلاحات الاقتصادية المؤدية للوصول إلى الاقتصاد المستقبلي الإنتاجي. بل يجب التريث في تطبيقه إلى حين تستكمل الهياكل السياسية والقانونية والاقتصادية الضرورية لتطبيق النظام الضريبي، حيث إن غياب المؤسسات التشريعية والرقابية كاملة الصلاحيات، وغياب الآليات التنفيذية المعتمدة على التشريعات واضحة بشأن الضرائب وأجهزة متابعة ورقابة حديثة ومتطورة، وعدم انتقال الدول فعلياً الاعتماد على إيرادات من مصادر اقتصادية غير نفطية بشكل شبه كامل، وبالتالي اعتماد الدولة على الإنتاج بدل اعتماد الناس والقطاع الخاص على ريع النفط المسيطر عليه من الدولة الريعية، إن كل هذه المتطلبات يجب بالضرورة توفيرها أولاً لتحقيق النظام الضريبي لنجاحة كما في الدول المتقدمة الديمقراطية.
إن فلسفة نظام الضرائب تقوم على مجموعة من المبادئ والقواعد، وأهمها المساواة والعدالة، أي مساهمة الجميع ـ دون استثناء أو تمييز ـ في تحمل النفقات العامة بحسب مقدرتهم النسبية، وفكرة العدالة تقتضي إعفاء أصحاب الدخول المنخفضة من أداء الضريبة بالنسبة لحد الكفاف، أي الحد الأدنى اللازم للمعيشة، وكذلك ضرورة مراعاة الأعباء العائلية بما يتناسب ومستوى المعيشة في المجتمع[4].
ولنؤكد مرة أخرى أن النظام الضريبي مرتبط بمشاركة شعبية ديمقراطية، حيث “لا ضريبة بدون تمثيل” والتمثيل يجب أن يكون حقيقياً وليس شكلياً، ويترافق معه نظام رقابي شفاف، ومحاسبة جادة، ومعرفة لمآلات إيرادات الضرائب وإلى أين تتجه وكيف؟ كما أن الهدف الإنساني من الضريبة هو إعادة توزيع الثروة العامة، ومثلما أوضحنا فإن الاقتصاد الريعي واستمراره يتعارض بل ويعرقل نجاح النظام الضريبي، لأن من يمتلك ثروة النفط ليس من مصلحته دفع الضرائب.
إن معدل الضريبة يعكس بشكل مباشر حجم دولة الرفاه والسياسات التوزيعية للدخل، ولذلك فالملاحظ أن الدول الإسكندنافية ودول شمال القارة الأوروبية بشكل عام ترتفع فيها الضرائب وتكون دولة الرفاه في أفضل حالاتها[5].
الجدول رقم (1)
معدل الضرائب كنسبة من الناتج المحلي
الرقم | الدولة | النسبة |
1 | الدنمارك | 48% |
2 | النرويج | 42.9% |
3 | ألمانيا | 37.3% |
4 | بريطانيا | 34.3% |
5 | اليونان | 30.0% |
6 | الولايات المتحدة | 24.1% |
7 | المكسيك | 17.4% |
في العقود الأخيرة من القرن العشرين كانت الضرائب ترتفع في أغلب العالم الصناعي، خاصة بعد استحداث ضريبة القيمة المضاف في الستينات والسبعينات، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت بخفض فعلي للضرائب على أرباح الشركات بينما زادت الضرائب على معاشات الأفراد (لتغطية نفقات التقاعد والتأمين الصحي للكبار)، وفي أوروبا تستخدم الضرائب بفعالية أكبر لإعادة توزيع الثروة وتخفيض اللامساواة، لذلك فإن تركز الثروة في الولايات المتحدة عند شريحة 1% الأعلى دخلاً تعادل ضعف إلى ثلاثة أضعاف المعدل في الدول الأوروبية. والنتيجة هي أن دخل الفئات المتوسطة والفقيرة في الولايات المتحدة لم يتغير خلال العقود التي تفجرت فيها ينابيع الثروة للأغنياء من جراء العولمة والتقدم التكنولوجي وارتفاع الإنتاجية، رغم إن دولاً صناعية أخرى تشكو من نفس الظاهرة الأمريكية في انخفاض دخل الطبقات الدنيا والمتوسطة ـ إلا أن هذه الدول ـ بعكس الولايات المتحدة لديها شبكات أمان اجتماعي أفضل تساهم في إعادة توزيع الثروة. وهذه التحويلات تساهم في انخفاض عدد من يستمرون تحت خط الفقر، ففي السويد مثلاً من تحت خط الفقر 1.8% من السكان فقط مقابل 10.9% في أمريكا[6].
الضرائب تفتح باب جهنم:
رغم ضرورات وجود الضرائب في أي اقتصاد إنتاجي ريعي، إلا أن نظام الضرائب لن يقف فقط عند ضريبة محددة، بل هذا النظام وبما أنه قد تم فتح الأبواب له في دول مجلس التعاون الخليجي، فمن الطبيعي أن ترتفع الأصوات إما لرفض مثل هذا النظام الضريبي، أو المطالبة بتطبيق أنواع أخرى من الضرائب، سواء ضرائب الدخل أو على رأس المال أو على الثروات أو غيرها. ولذلك فمن المفيد دراسة كافة الاحتمالات القادمة في هذا البند الجديد من بنود السياسة المالية.
فعلى سبيل المثال هناك كثرة من المختصين في مجال الضرائب والسياسة المالية يطالبون بتعزيز سياسة ضريبية لا تؤثر على الفقراء، كتنويع مصادر عوائد الضريبة بدلاً من الاعتماد على ضريبة مفردة غير مباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة. وزيادة تحصيل ضريبة الدخل الشخصية من الأثرياء، واستهداف الاستهلاك المترافق مع رفع الضرائب على هذه السلع، وتحصيل الضرائب على رؤوس الأموال، بل البعض يطالب بضرائب على معاملات الصرف الأجنبية والتي تلعب دوراً في تقليل المضاربات بحيث يكون معدلها منخفض جداً (حوالي 0.1% أو أقل) كي لا يؤثر على المعاملات الحقيقية كدفعات الاستيراد والتصدير والحوالات من العاملين في الخارج.
ولقد أشار كتاب “رأس المال في القرن الحادي والعشرين” المشهور والذي استعرض بيانات واحصاءات ضخمه، وأكد فيه المؤلف (توماس بيكيتي) بأن الاعتماد على ضريبة رأس المال والثروة في العالم كفيلة بالحصول على إيرادات ضريبية كبيرة دون الإضرار بالطبقات الاجتماعية الفقيرة ومحدودة الدخل.
وإذا ما طبقنا معادلة (توماس بيكيتي) في البحرين وذلك عند تقدير حجم أرباح القطاع الخاص والأفراد، وبافتراض أن رأس المال المتراكم يساوي حوالي (6) مرات حجم الاقتصاد البالغ 12 مليار دينار، ثم ضرب الحاصل في 5% كعائد متوسط على رأس المال في العالم، وذلك حسب نتائج (بيكيتي)، ولذلك فالناتج سيكون 3.600 مليون دينار، وبافتراض معدل الضرائب يبلغ 10% فإن بإمكان الدولة تحصيل 360 مليون دينار من ضرائب الأرباح، وهذا الرقم ضعف ما يمكن تحصيله من ضريبة القيمة المضافة.
الضرائب وقيود اتفاقيات التجارة العالمية:
إننا كدول نامية صاعدة من الطبيعي أن تبحث عن موارد جديدة ـ حتى وإن كانت مالية كالضرائب وليست اقتصادية ـ لزيادة مواردها العامة. غير أن سياسات الاقتصاد الكلي والتجارة الدولية المفتوحة في وقتنا الراهن، وانخراط دول المجلس في اتفاقيات تجارية دولية، وانضمامها لمنظمة التجارة العالمية. كل ذلك أدت وستؤدي إلى تخفيض عوائد الضريبة العامة بالنسبة للدخل القومي. فعلى سبيل المثال تمنح العديد من الدول ـ ومنها دول مجلس التعاون ـ حوافز للمستثمرين الأجانب على هيئة إعفاءات ضريبية ودعم ظاهري أو باطني، من أجل جذب رأس المال الأجنبي للاقتصاد، وعندما تكون هناك مطالبة بتحقيق حوافز شبيهة للمستثمرين المحليين، تجبر الدولة على خفض الضرائب على الأرباح المحلية أيضاً، وفي كلتا الحالتين ستكون النتيجة خفض عوائد الضريبة. وقد أدى تحرير التجارة إلى تقليص كبير في رسوم الاستيراد، وعلى ضرائب التصدير، وهذا يعني تخفيض كبير للضريبة غير المباشرة، وهنا أيضاً يصعب زيادة الضريبة المحلية بسبب ضرورة المماثلة.
(رغم أن الرئيس الأمريكي (ترامب / وفي قلعة الرأسمالية الليبرالية قد أعلن فرض رسوم على الحديد والصلب الأوروبي بنسبة تتراوح بين 15 إلى 25%).
ولذلك يعتقد “جاياني غوش” بروفيسور مركز الدراسات الاقتصادية والتخطيط في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة جواهر لال نهرو، بأن أمام كل هذه القيود تحولت الدول إلى نظام ضريبة القيمة المضافة بسبب تخفيض وإلغاء للعديد من الضرائب غير المباشرة مما خفض عوائد الضريبة[7]. وبالمقابل يرى البروفسور غوش إن تخفيض النفقات الحكومية كجزء من الإجراءات المالية التصحيحة يجعل نمو النتائج أكثر بطئاً والذي بدوره يؤثر سلباً على جمع الضريبة.
كما تلعب العولمة والتجارة الدولية والانفتاح على تدفق رؤوس الأموال، وتفادي هروب رؤوس الأموال، تأثيرات في تقديم تنازلات ضريبية كبيرة للمستثمرين الأجانب والمحليين، وقد فاقم ذلك وجود ملاجئ عالمية من الضريبة، والمرونة المسموحة من خلال معاهدات إزدواجية الضريبة، وثغرات أخرى في النظام الضريبي والتي تسمح بطريقة فعالة التهرب من الضرائب بشكل واسع[8].
الضرائب في دول مجلس التعاون:
أمام العجوزات الكبيرة في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي، والآفاق المستقبلية لأسعار النفط والتي تشير التحليلات إنها من غير المرجح أن تعود إلى أي مستوى قريب لمعدلاتها ما بين 2010 ـ 2014م، فإن دول المجلس ـ وعلى المدى القصير ـ ستعتمد بنسبة كبيرة لتغطية العجز على الاقتراض أو طرح السندات، وأيضاً من خلال السحب من صناديق الثروات السيادية والأجيال القادمة، بل حتى من صناديق التقاعد والتعطل عن العمل، وسحب من احتياطات النقد الأجنبي الموجودة لدى المصرف المركزي، وقد أكدت كثرة من الدراسات إن هذه الأدوات لن تستمر طويلاً وستستنفذ على مدار سنوات قليلة.
لذلك فإن جميع دول المجلس بدأت تلتزم بشروط النقد الدولي والبنك الدولي التي تطلب “العمل على وضع الموازنات العامة على أسس مستدامة أكثر على المدى البعيد، وأن تشمل على زيادات ضريبية كبيرة، وأيضاً إصلاح الدعم! وتقليص النفقات وتجميدها فيما يتعلق بالتوظيف والأجور في القطاع العام”.
(مع ملاحظة مهمة بأن معظم شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي نفذتها الدول قد دمرت اقتصاد هذه الدول).
ومن المقرر فعلاً تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في جميع دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2018م، وتفترض تقديرات صندوق النقد الدولي بأن هذه الضريبة يمكنها أن تجمع ما يصل إلى 1.5 ـ 2% من إجمالي الناتج المحلي في كافة أرجاء المنطقة. ومن خلال الاستخدام واسع النطاق للرسوم المفروضة على بعض المنتجات المحددة (مثل التبغ والكحول والمشروبات الغازية) يمكن تحقيق مكاسب صغيرة مع أعباء إدارية أقل[9]. وفي كلتا الحالتين يرى أكسفورد إيكونميك بأنهما تشكلان بداية لمعالجة العجز المالي، ولكن ليس “دون مقابل” فمع زيادة نفقات الحياة، قد ترتفع هذه التدابير من الطلب على الأجور وبالتالي تقويض تنافسية الشركات ـ تأملوا التحليل المنحاز للرأسمال ولا يراعي المواطنين ـ علاوة على ذلك أن يؤثر بوضوح على إنفاق المستهلكين، وبالتحديد في الاقتصادات ذات المداخيل المنخفضة (أو التي يتوزع فيها الدخل بشكل متفاوت كثيراً)[10].
(ملاحظة: يختلف البروفسور غوش مع تقديرات صندوق النقد الدولي حول ضريبة القيمة المضافة، حيث يرى أن تحول العديد م الدول من أنظمة ضريبة المبيعات إلى ضريبة القيمة المضافة، عادة ما يكون الهدف منه ليس فقط ضريبة القيمة المضافة، بل ضريبة على الاستهلاك، وإن هذه الضريبة التي تفرض على جميع مراحل الإنتاج أو البيع مع وجود آليات تسمح للشركات بتعويض هذه الضريبة التي يدفعونها على مشترياتهم من البضائع والخدمات، هي ضريبة لها سلبيات عديدة. فالحجج المؤيدة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة تتمثل في إنهاء تقود إلى تجانس أكبر وليس لها أثر تشويهي، فإن البروفسورغوش يرى عكس ذلك، حيث يعتبر ضريبة القيمة المضافة تنازلية ـ وليست تصاعدية حسب دخل الفرد ـ ولذلك فإنها ترفع من قيمة البضائع التي يستهلكها الفقراء، ويستشهد بدراسة لصندوق النقد الدولي التي وجدت إن ضريبة القيمة المضافة في الدول المتدنية الدخل عوضت أقل من 30% من العوائد المفقودة من إلغاء الضرائب التجارية. وحسب المعلن نظرياً بأن ضريبة القيمة المضافة هي أساساً ضريبة لإنهاء كل أنواع الضرائب الأخرى المتعلقة بالسلع، كضرائب الإنتاج والإدخال والضرائب على السلع الكمالية، ولذلك هو لا يعتقد بأن عوائد ضريبة القيمة المضافة ستعوض عوائد الضرائب التجارية الأخرى.
ويستعرض البروفسور غوش مشاكل ضريبة القيمة المضافة، ومنها تلك المنتشرة في الدول التي لديها قطاع غير رسمي (القطاع غير المنظم اقتصادياً) أو سوق سوداء. فضريبة القيمة المضافة أساساً ضريبة على القطاع الرسمي المنظم، ولا يمكن أن تغطي النشاطات غير الرسمية، مثل الزراعة الصغيرة ـ المؤسسات المنزلية ـ صغار الباعة ـ تجارة المفرد ـ، مقدمي الخدمات، ولذلك وبطريقة سلبية يمكن لضريبة القيمة المضافة أن تعيق التنمية بتشجيع مثل هذه النشاطات للبقاء ضمن فئة القطاع غير المنظم بدلاً من الدخول في القطاع الرسمي، وكإنعكاس لذلك قد تتجه الحكومة نحو زيادة نسبة الضريبة على القطاع الرسمي. ولذلك فضريبة القيمة المضافة لها تأثير تشويهي للدول التي فيها قطاع غير رسمي كبير لأنها تخلق حوافز ضد الانتقال إلى النشاطات الاقتصادية الرسمية والمسجلة. بالمقابل من المستحيل على الدول أن تفرض هذه الضريبة على كل السلع والخدمات، وحتى في حالة فرضها جزئياً على بعض السلع والخدمات، فإنها تتطلب قدرات إدارية كبيرة، ولها نسبياً تكاليف عالية للتحصيل، كما أن مرتجعات عوائد ضريبة القيمة المضافة معقدة ومكلفة، ولذلك فإن عملية التحول من أنواع الضرائب الأخرى إلى ضريبة القيمة المضافة تؤدي إلى تقليص عوائد الضريبة للدول النامية الصغيرة والمنفتحة خصوصاً[11].
من واقع تبيان الضرائب الموجودة في دول مجلس التعاون، يرى تقرير أكسفورد إيكونيمك بأن هناك مجال واسع للتدابير الضريبية الأخرى، غير ضريبة القيمة المضافة ـ والتي ستساهم في سد الفجوة المالية.
الجدول رقم (2)
الضرائب المطبقة وغير المطبقة في دول المجلس
الرقم | الدولة | ضريبة الدخل الشخصي | ضريبة القيمة المضافة
* |
الميراث | الأرباح المالية الشخصية | العقارات والثروات | رسوم الدمغات | ضريبة الأرباح | الضمان الاجتماعي | التوزيعات والفوائد | خصوم الامتياز | الأرباح المالية التجارية |
1 | الإمارات | Ä | 2018 | Ä | Ä | Ä | Ä | Ä | √ | Ä | Ä | Ä |
2 | البحرين | Ä | 2018 | Ä | Ä | Ä | 5 | Ä | √ | Ä | Ä | Ä |
3 | السعودية | Ä | 2018 | Ä | √ | Ä | Ä | √ | √ | √ | 5 | 5 |
4 | عمان | Ä | 2018 | Ä | Ä | Ä | Ä | √ | √ | Ä | 5 | 5 |
5 | قطر | Ä | 2018 | Ä | Ä | Ä | Ä | √ | √ | √ | √ | √ |
6 | الكويت | Ä | 2018 | Ä | Ä | Ä | Ä | 5 | √ | Ä | Ä | 5 |
المصدر: أكسفورد إيكونميك ـ مصدر سابق
Ä ليس هناك ضرائب حالياً.
√ ضرائب تطبق بشكل انتقائي على أساس جنسية الفرد / الشركة.
5ضرائب تطبق على العمالة/ الشركات بغض النظر عن الجنسية.
* 5% نسبة مشتركة لدول مجلس التعاون ستطبق من 2018م كضريبة القيمة المضافة.
ملاحظة: نظرياً تطبيق ضريبة القيمة المضافة تعني عدم تطبيق أي نوع من الضرائب التجارية الأخرى، ومنها ضريبة الأرباح التجارية، ولذلك فهل ستلتزم دول المجلس بذلك!!)
ويرى التقرير بأن هناك خياراً آخر يمثل في التطبيق واسع النطاق للضرائب على الأرباح أو الشركات، حيث أن بيئة الأعمال منظمة بدرجة عالية في العديد من اقتصادات دول المجلس، وهذا تعني أن الأرباح المحققة في بعض القطاعات أعلى مما هي عليه في اقتصادات مماثلة، لذلك يعتبر فرض هذا النوع من الضرائب بشكل موسع بمثابة مصدر واضح لمزيد من الإيرادات الحكومية، إلا أنه فرضها على القطاعات ذات التنافسية العالية من شأنه أن يعيق قدرة الشركات على استخدام أرباحها المستبقاة أو غير الموزعة للاستثمار، وكذلك التنويع الاقتصادي، وهناك أيضاً تحديات لوجستية قد تنشأ من تطبيق ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الأرباح ـ فكلاهما يتطلب من الشركات الاستثمار بشكل كبير في أنظمة الحسابات والإدارة المالية للتعامل مع الإجراءات الضريبية التي قد تتسم بالتعقيد نوعاً ما. وسيمثل ذلك عبئاً ثقيلاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ليكون أمراً حاسماً لأي جهود ناجحة للتنويع الاقتصادي في المنطقة.[12]
ويتفق التقرير بما وردت من تأكيدات في العديد من الدراسات بأن النظام الضريبي لا يمكن تطبيقه إذا لم تقرر دول مجلس التعا الخليجي الانتقال الجدي لتنويع مصادر الدخل القومي، حيث يخلص التقرير “بأنه من المهم للحكومات أن تتأكد من أن سياساتها الضريبية هي جزء من الاستراتيجيات الشاملة للتنويع الاقتصادي … وإلا فإن قلة فقط من السياسات الضريبية تعتبر خالية من العواقب الاقتصادية واسعة النطاق”.
إن التحول الاقتصادي المنشود يحتضن شبكات معقدة من العلاقات بحكم التاريخ الطويل من الاعتماد على الإيرادات النفطية (الاقتصاد الريعي)، وهيمنة العمالة الوافدة على أسواق العمل، وإذا كان “المرض الهولندي” لم يطفح بشكل واضح في اقتصادات دول المجلس بسبب هذه الهيمنة للعمالة الوافدة والتي أدت إلى تدني الأجور، وهو ميزة لا توجد في اقتصاديات صناعية ولكنها مصابة “بالمرض الهولندي” التي ميزتها ارتفاع تكلفة الأجور، فإن هذا التحول المنشود بما فيه الخيار الاستراتيجي لتقليص نسبه العمالة الوافدة وزيادة توظيف العمالة المواطنة، ومع تطبيق النظام الضريبي وارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم، فإن الضغط سيستمر لزيادة الأجور والرواتب، وهو الأمر الذي سيبرز ميزة “المرض الهولندي” التي كانت مخفية في دول المجلس. ولذلك فالعلاجات تحتاج إلى تحليلات معمقة لتأثير وتأثر أي سياسة أو آلية على الآخر سلباً أو إيجاباً.
وأخيراً فإن الدراسات والإحصاءات العالمية تكشف بأن الضريبة التصاعدية على الدخل والثروة هي التي أدت إلى انخفاض الفجوة بين الأكثر ثراءً والأقل فقراً وبالتالي تقليص اللامساواة بين طبقات المجتمع وتحول المثلث السكاني إلى شكل معين، حيث تقترب مستويات الدخل بين الطبقات الثرية والمتوسطة والفقيرة.
27 مارس 2018م
[1] ورقة الأستاذ إبراهيم شريف السيد المشار إليها أعلاه.
[2] المرض الهولندي: بعض أعراض المرض الهولندي في الاقتصاد غير موجودة في الدول النفطية الخليجية حيث أن سعر عملاتها ثابت مقابل الدولار في خمس دول ومقابل سلة عملات في الكويت، ولذلك لم يرتفع سعر العملات رغم تضاعف أسعار النفط في السبعينات القرن الماضي وبالمقابل تم الحد من تضاعف كلفة العمالة المحلية وذلك بفتح الباب على مصراعيه لاستقدام العمالة المهاجرة الأجنبية، الأمر الذي أبقى متوسط الأجور منخفضاً. وهذا عكس ما حدث في هولندا أبان اعتمادها الرئيسي على النفط، حيث تأثرت تنافسية الصناعات التصديرية والزراعة لديها بسبب ارتفاع قيمة العملة وكلفة العمالة.
[3] العلاج النرويجي: التجربة النرويجية تعتبر نموذجاً رائداً، حيث أبعدت مورد النفط عن الناتج الإجمالي للدولة، وتم تحويل إيرادات النفط إلى الصندوق السيادي الذي يعتبر أضخم الصناديق السيادية في العام.
[4] تركي كاظم عبيس: مدخل الضريبة وعلاقاتها بالقانون، الكلية الزراعية ـ جامعة بابل، العراق، دراسة منشورة في موقع غوغل.
[5] إبراهيم شريف السيد ورضي الموسوي: اللامساواة في الدخل والثروة وغياب العدالة الاجتماعية في العالم والوطن العربي، ورقة بحثية قدمت لمنتدى عبدالرحمن النعيمي الفكري ـ الدورة الخامسة، بيروت، ديسمبر 2017م.
[6] المصدر السابق.
[7] جاياني غوش: سياسات الاقتصاد الكلي والتجارة، تقرير مفصل صادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة، 2017م..
[8] جاياني غوش: المصدر السابق.
[9] اكسفورد إيكونيمك (Oxford Economics) تقرير معهد ICAEW ـ رؤى اقتصادية ـ الشرق الأوسط ـ تقرير فصلي ـ الربع الأخير 2016.icaew.com/economicinsight
[10] اكسفورد إيكونيمك : المصدر السابق.
[11] جاياني غوش: المصدر السابق.
[12] أكسفورد إيكونيمك ـ مصدر السابق.