- انعكاس الأزمة السورية على الملف البحريني
- اولا . الارتباط بين الساحة السورية والبحرينية
- الدفع والترويج لطائفية الصراع في كل من البحرين و سورية
- الاستنتاج
- انعكاس الصمود السوري على البحرين
- فرضية التوافق في سورية من أجل تسوية تحفظ الجميع
- فرضية عدم تمكن النظام السوري من متابعة مواجهة العدوان عليه
راهن النظام الملكي في البحرين على احتضان خليجي ودعم غربي لموقفه وموقعه، وأمعن في التسويف والمماطلة والقمع لاجهاض الحركة المطلبية التي اطلقها الشعب البحريني، بالتزامن مع ما شهدته الساحات العربية من تحركات شعبية انطلقت مطلع العام 2011 من أجل الحرية والعدالة والمساواة بين أفراد االشعب واحترام حقوق المواطنة والانسان التي سلبتها انظمة حكم امتهنت القمع والاقصاء والتمييز والاستئثار بخيرات البلاد مع التبعية للخارج.
لكن الحراك الشعبي العربي لم يكن واحدا في طبيعته وارتباطاته وآلية عمله الساحات التي شهدت موجات شعبية مطلبية، إذ رغم القاسم المشترك بين هذه التحركات، فإنها تباعدت في طبيعتها ومساراتها ما أدى الى اختلاف في توصيفها، وخلافاً لما أطلقه الغرب عليها من تسمية “الربيع العربي”، فان ساحات هذا البلد أو ذاك خلت من الازهار الواعدة بالثمار وانقلبت إلى ميادين قتال ومواجهة تحفل بالنار والرماد وتفوح منها رائحة الدم الى الحد الذي يتيح وصف المشهد بأنه حريق وليس ربيعا.
نقول حريق رغم أن بعض الساحات شهدت ولا زالت تشهد وعيا شعبيا عالي السقف يحول دون انتقال النار المؤثرة والعميقة إلى ساحاته ويبقي التحرك سلميا حضاريا كما هو الحال في البحرين حتى الآن، حيث يجهد النظام الملكي خاصة بعد ان استقدم قوات درع الجزيرة ــــ المشكلة بمعظمها من قوات سعودية قيادة وعناصر ــــ يجهد في استفزاز الجموع الشعبية التي تملأ الشوارع والساحات في معرض ممارستها حقها المشروع بالتظاهر والمطالبة بحقوقها بالمواطنة التامة، استفزاز يعول النظام عليه لاستدراج الشعب إلى دائرة العنف وتصوير الصراع انه طائفي باملاءات خارجية، من أجل ان يبيح لنفسه تصعيد القمع واللجوء الى أسلحة جديدة يزجها في المواجهة تتعدى الغازات السامة والرصاص المطاطي وقذائف الشوزن التي استعملها حتى الآن من غير مبرر أمني أو عملاني.
لكن الشعب البحريني وبقيادته الحكيمة الرصينة البعيدة النظر لم يقع في فخ النظام وحافظ على سلمية التحرك رغم كل فنون الاستفزاز والعدوان والافراط في القمع واالتعذيب. و مع هذا المشهد الداخلي المتشكل من شعب يتحرك سلميا، ومن سلطة أصمت أذانها وفتحت فوهات سلاح قمعها، يطرح السؤال متى تتوقف المأساة الشعبية؟ وكيف؟
قد يكون البحث عن اجابة للاسئلة المطروحة ممكنا بمراجعة الظروف وموازين القوى وامكانات الاطراف المتحركة والمتواجهة على الساحة البحرينية ــــ وهذا هو المنطق العادي السليم ــــ لكن الواقع القائم اقليميا ودوليا، ينبئ بأمر اخر، حيث أن البحرين رغم مساحتها المحدودة وحجم الشعب الذي لا يتجاوز المليون نسمة، تمتلك من الخصائص والمزايا ذات المضمون الاستراتيجي والتأثير في حركة المنطقة وحاجات اللاعبين على المسرح الاقليمي والدولي إليها، ما يجعل وضعها شأنا اقليميا دوليا يتعدى كثيرا الوجه المحلي والوطني الداخلي للمواجهة بين الشعب والنظام. خاصة و ان نتائج المواجهة بين الطرفين ستؤثر ــــ أو هكذا يعتقد ــــ في مصالح اولئك اللاعبين لهذا السبب فان البحث في مسار المواجهة في البحرين يفرض البحث في البيئة الاقليمة الراهنة معطوفة على البيئة الدولية المتشكلة ، وهنا ندخل ومن الباب العريض الى الساحة السورية والأزمة القائمة فيها حيث تدور اليوم مواجهة دولية بين محورين أساسيين، لكل منهما مصالح تتأثر وتؤثر بما يجري على الساحة البحرينية ايضاً.
في هذه الورقة سنحاول البحث في الارتباط القائم بين ما يجري في سورية وما يدور في البحرين، لنخلص الى تحديد انعكاس نتائج المواجهة في سورية على الصراع في البحرين، مع الوقوف عند السبل المتاحة للشعب البحريني لتفعيل ايجابيات المواجهة وتضييق سلبياتها على المطالب الشعبية التي خرج الناس من أجلها.
اولا . الارتباط بين الساحة السورية والبحرينية
في تحليل لواقع الميدانين السوري والبحريني يمكن التوصل إلى تحديد التشابه والاشتراك إلى حد بعيد في مسألة القوى المشاركة أو المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالصراع، كما وفي التوصيف المذهبي الذي يحاول فريق دولي واقليمي معين اطلاقه على الصراع في كل من الساحتين.
القوى المعنية بالمواجهة على الساحتين السورية والبحرينية
بعد نيف و30 شهرا على انطلاق الحراك الشعبي العربي في موجته الاولى[1]، وبعد شهر من التحرك المصري ضد حكم الإخوان المسلمين في الموجة الثانية، بات من الممكن أن نرى عبر مراجعة متأنية لخريطة القوى المتصارعة على المنطقة اشتراك وتداخل بين المعنيين بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالحالة البحرينية، والمتابعين أو المشاركين في المواجهة القائمة على الأرض السورية وفقا للتالي:
القوى التي تدعم ملك البحرين و المعارضة السورية معاً
وهي القوى التي تعمل على تثبيت الملك في عرشه وتمنع المس به وبنظامه، مشكلة جبهة اقليمية دولية تظهر هي ذاتها على الساحة السورية لتشجيع ما يسمى المعارضة السورية وتدعم المناهضين للنظام السوري والعمل على تقديم المساعدة والعون بكل ما هو ممكن ومتاح من أجل إسقاط هذا النظام أو في الحد الادنى تعطيل موقعه الاستراتيجي لفصم التماسك القائم عبره على صعيد محور المقاومة.
إن ما يحرك هذه القوى في دعم الملك المستبد في االبحرين ودعم “المعارضة السورية ” في الآن ذاته ليس مسألة الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ــــ كما تدعي تلك القوى الخارجية في تبرير مساعدتها للمعارضة السورية ــــ بل هي مصالح ذاتية لا علاقة لها بمصالح الشعب السوري هنا كما إنها لا تبدي أي اهتمام بحقوق الشعب البحريني هناك. و يندرج في خريطة تلك القوى (وان بدرجات متفاوتة) ــــ اي دعم الملكية المطلقة في البحرين ومناهضة النظام العلماني في سورية ــــ كل من القوى التالية:
- مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية، حيث يرى أعضاء هذا المجلس أن مسالة البحرين واستمرار نظامها الملكي بكامل صلاحياته المطلقة شأنا داخليا لكل منهم ــــ خاصة السعودية [2] ــــ لما له من تأثير على الوضع والنظام فيها، بينما ترى ان استمرار النظام القائم في سورية متزامنا مع المتغيرات الاقليمية خاصة في العراق وما ولبنان بات يشكل تهديدا جديا للنفوذ السعودي اقليميا وعربياً كما وعلة صعيد الفضاء الاستراتيجي، وخطرا حتى على أنظمة الحكم الوراثية القائمة في تلك الدول. وهنا نسجل تقدم دور السعودية مؤخرا في الحالة السورية بعد تراجع قطري وتركي، وبهذا باتت السعودية رأس الحربة ضد النظام في سورية وضد الشعب في البحرين.
- القوى الأطلسية وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية (وتدخل إسرائيل هنا ايضاً) وهي قوى تجهد لإحداث تغيير في سورية يؤمن انفكاكا سورياً عن محور المقاومة أو يعطل دورها فيه، وفي الآن ذاته ترفض أي تغيير جوهري في البحرين يقود البلاد نحو الاستقلال الفعلي والديمقراطية الحقيقية حيث يرسى حكم الشعب الرافض للتبعية لأن ذلك يقود إلى الحد من الوظيفة الاستراتيجية للبحرين التي تؤديها حالياً لصالح الغرب خاصة أميركا حيث تتمركز قيادة الأسطول الأميركي الخامس العامل في الخليج مع ما يلزمها من منصات المراقبة والتجسس التي تغطي كامل المنطقة وبصورة خاصة إيران.
- أما تركيا وهي من كانت انخرطت بكليتها في العدوان على سورية باعتبار حكومتها ــــ حكومة العدالة و التنمية ــــ تنتمي إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الساعي لاقامة “هلال حكم الاخوان” من تونس إلى سورية، مرورا بكل من ليبيا ومصر والأردن، فإن اهتمامها بالحالة البحرينية لا يصل إلى مستوى ما سبق ولكنها تراقب ما يحصل في البحرين وتهتم به دون أن يكون لها تدخل مباشر أكثر من دعم معنوي لملك البحرين.
القوى التي تدعم مطالب الشعب البحريني
وهي دول ومنظمات وهيئات دولية وقفت الى جانب الشعب البحريني وأيدت مطالبه باعتبارها مطالب حق و حرية، ومسعى لإقامة عدالة اجتماعية وإرساء مفاهيم المواطنية التامة وعلى درجة واحدة. وقد رأت هذه القوى ذاتها أن ما يجري على سورية إنما هو عدوان خارجي لا محل فيه لمصالح الشعب السوري الذي لا زال بأغلبيته يؤيد الرئيس بشار الاسد، لذا وجد هؤلاء انفسهم إيضا الى جانب النظام القائم في سورية باعتباره نظام يقاوم اسرائيل ويرفض التبعية والارتهان للغرب ويعمل على صيانة استقلال سورية وحفظ سيادتها أي بصيغة أخرى يعمل لمصلحة الشعب السوري وحقوقه الوطنية من جهة ويقدم الدعم لحركات المقاومة ضد اسرائيل. و يندرج تحت هذا العنوان كل من:
- إيران التي تظهر اهتماما ودعما معنويا واعلاميا للشعب البحريني دون ان تتخطى ذلك حتى الآن باعتبار أن الحراك الشعبي البحريني بقي سلميا ولكن دورها في الحالة السورية ذهب الى أبعد من ذلك، لانها تعتبر أن سورية تتعرض لعدوان خارجي يستهدف المقاومة ومحورها وبالتالي ترى نفسها في سورية في موقع الدفاع عن النفس وعن محور المقاومة.
- حزب الله في لبنان الذي يظهر اهتمامه بالبحرين على الصعيد المعنوي والاعلامي كما ويدعم التحركات التي تقوم بها هيئات ومنظمات حقوق الانسان دعما للشعب البحريني وتخفيفا لمعانته التي يسببها القمع السلطوي. لكن دور الحزب هذا في سورية تخطى هذا الحد من التأييد والدعم للنظام وصولا إلى العمل الميداني تحت عنوان الدفاع عن المقاومة و خطوط امدادها.
- العراق الذي له خصوصية معينة كونه لازال تحت وطأة الإرهاب الذي خلفه الاحتلال ومع هذا فإنه يبدي ميلا مقيدا لدعم الحراك الشعبي البحريني مترافقا مع الدعوة للحوار بين السلطة و الشعب تحقيقا للمطالب الشعبية لكنه لا يتخذ مواقف تثير الملك وإن كانت مواقفه في عمقها تفسر على أنها مرجحة لمواقف الشعب. أما موقفه في سورية فيبدو أكثر وضوحا في معارضته للعمل الإرهابي الذي يدور على الارض السورية خاصة وأنه متضرر جدا من التنظيمات الارهابية تلك خاصة تنظيم القاعدة و جبهة النصرة وما يلحق بهما ويتفرع عنهما من تنظيمات تعمل لارساء “دولة إسلامية في شمال سورية” بعد أن أعلنت ما يسمى “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”.
- القوى الشعبية الديمقراطية العربية والإسلامية وبعض هيئات حقوق الانسان الدولية وتتمثل أهمية هذه القوى بالنسبة للبحرين في أنها تقدم المنبر الإعلامي لتسليط االضوء على جرائم السلطة والمساعدة في تكوين رأي عام خارجي لنصرة الحراك الشعبي البحريني. ولكنها في الحالة السورية تلعب دورا محدودا حتى الأن بسبب عدم الاتفاق الدولي على توصيف ما يحصل فيها أهو ثورة او معارضة أو عدوان خارجي وبسبب تقدم صوت الرصاص ونيران الميدان على اي اعتبار اخر.
- يبقى أن نذكر أن قوى دولية تبدي اهتماما عاليا بالوضع السوري ما جعلها تنتظم في جبهة دولية لمنع العدوان الأجنبي على سورية من تحقيق أغراضه كما والحؤول دون تكرار الحالة الليبية والهجوم الغربي الأطلسي عليها، بينما لا تبدي الاهتمام ذاته بالشأن البحرين رغم أن بعضها يبدي تعاطفا ظاهرا مع المطالب الشعبية البحرينية، وتتمنى أن يصل هذا الشعب إلى شيء من حقوقه وتأتي في طليعة هذه القوى كل من روسيا والصين و إلى حد ما من تبقى من دول البريكس.
الدفع والترويج لطائفية الصراع في كل من البحرين و سورية
في نظرة سريعة على خريطة القوى المعنية بالصراع في سورية، و المهتمة بالشأن البحريني في الآن ذاته نصل إلى رسم صورة أخرى للخريطة تضاف إلى الصورة االسياسية السابقة الذكر وهنا نجد أن اللون المذهبي الغالب للقوى المؤيدة لملك البحرين والداعمة لمناهضي النظام السوري هي من المسلمين السنة المدعومين من الغرب الأطلسي، بينما نجد الوجه الغالب للفئة المعاكسة هي من المسلمين الشيعة، و هذا ما استغله الفريق المحتضن لملك البحرين والمناهض للنظام السوري ليطلق على الصراع في كلا البلدين صفة الصراع بين السنة والشيعة وهو ما يناقض حقيقة الواقع.
فالمدافعون عن سورية هم أساسا من السوريين و بأكثرية سنية وفقا للتركيب الديمغرافي للشعب السوري (65% هم من السنة أما العلويون والشيعة فانهم لا يتجاوزون ال 13%) و أن الدعم الذي تتلقاه سورية من إيران وحزب الله ليس هو الدعم الخارجي الوحيد حيث أن دور روسيا والصين ليس بالأمر السطحي و الهامشي، و الكل يعلم أن هذا التدخل والذي ترجم بداية في مجلس الامن بعد 6 أشهر على اندلاع الاحداث في سورية في العام 2011 أدى الى التحضير إلى ولادة نظام عالمي جديد يضع حدا للحلم الاميركي باقامة أحادية قطبية في العالم. ورغم هذه الحقائق فان مكونات الاسلام السياسي غير الشيعي (الحركات الوهابية والاخوان المسلمون) تصر على وصف الصراع في سورية بأنه طائفي وأنه “ثورة السنة” ضد حكم الأقلية العلوية المحتضنة من الشيعة في إيران ولبنان بصورة خاصة ومن شيعة الدول الأخرى في المنطقة بصورة عامة.
أما في البحرين فإن الصورة معكوسة حيث أن الشعب بغاليبته من المسلمين الشيعة (أكثر من 65%)، وبما ان ما حدث في البحرين كان هبة شعبية عارمة ــــ وهي تستجيب لمنطق الثورات الشعبية ــــ فانه من الطبيعي ان تكون الغالبية المعارضة والمنخرطة في الثورة من المسلمين الشيعة ولكن هذا لا يعني أن السنة البحرينيين هم خارج الحركة الاحتجاجية المستمرة منذ 14 فبراير 2011 لكن نسبتهم فيها لا تتناسب مع نسبتهم من مجموع الشعب البحريني والسبب في ذلك عائد الى وجود شرائح محظية ترى في إقامة العدالة والمساواة بين المواطنيين، تأثيراً على مصالحهم و تراجعاً لحجم امتيازاتهم في الدولة بعد أن باتوا ينظرون إلى هذه الامتيازات على أنها حقوق مكتسبة رغم مخالفتها لقواعد العدالة و المساواة في المواطنية.
اننا نرى أن التحرك في البحرين ليس ثورة شيعة ضد السنة على قاعدة نزاع مذهبي، بل ثورة مواطن مظلوم انتقصت حقوقه بالمواطنية ضد حاكم استبد به وسلبه هذه الحقوق وأقام نظام تمييز على أساس طائفي من أجل حماية ملكه، كما يجب الالتفات أيضا الى أن ملك البحرين لا يعتمد في حكمه شرائع الإسلام على مذهب أهل السنة بل يقيم نظام حكمه الشخصي الاستبدادي المبني على خليط من القواعد الوضعية، والحكم بالهوى، مع اعتماد قواعد من الاسلام في حدود ما لا يتعارض مع نمط حكمه الفردي المطلق ثم يتحصن بالفكر الوهابي من اجل حماية عرشه.
اما سورية فانها تعمل بنظام حكم علماني يحترم الدين ويلتزم قاعدة المساواة بين المواطنيين من غير تمييز على أي اساس عرقي أو ديني أو مذهبي خلافا لما هو الحال في البحرين حيث أرسي النظام على مواطنة الدرجتين: الدرجة الاولى وهي المحظية وتتكون من دائرة ضيقة من أهل السنة ولها كل الحقوق والدرجة الثانية وفيها الشيعة ومعهم من تبقى من أهل السنة وهي الفئة المحرومة المضطهدة وهي التي خرجت في حراكها ضد النظام الملكي مطالبة بالعدالة، و لم تخرج منتفضة على اأهل السنة و مذهبهم.
رغم كل ما تقدم من حقائق يؤكدها الواقع فإن الفريق المحتضن لملك البحرين والمناهض للنظام السوري يصر على أن الصراع في هاتين الدولتين إنما هو صراع سني شيعي، ثم يضيف بعضهم توصيفا آخر ليسموه بأنه صراع عربي فارسي توجد في طليعته اقليميا السعودية عن أهل السنة وإيران عن الشيعة. ورغم اننا لا نوافق على هذا التوصيف لأنه تزوير للحقيقة لكن نرى أنه لا بد من التعامل معه لفهم كيفية تصرف الاخر حيال هذه المسائل.
الاستنتاج
بعد هذا العرض نستطيع أن نقف على الارتباط بين ما يجري في سورية وما يجري في البحرين من زاوية المعنيين المهتمين بالشأنين رغم التفاوت في درجة الاهتمام بين هذه الساحة وتلك، ومستوى واسلوب الوسائل المستعملة للتدخل والاستعداد لتلقي الاثار وانعكاس النتائج في الاولى على الاخرى. حيث إننا نجد ان الساحتين يعصف بهما صراع تصر قوى معنية على وصفه بـ:
- – الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، ما يذكر بالخطة الأميركية التي تبلورت بعد الصفقة الشهيرة مع الاخوان المسلمين والتي فيها صراع الهلالين: السني و الشيعي.
- – الصراع الاقليمي الدولي بين محورين غربي بقيادة أميركية مع قاعدة اقليمية، واقليمي بقيادة ايران في البحرين وتنضم روسيا إليها لتتصدر المشهد في الملف السوري.
و بما ان المعركة الاساس هي الان في سورية، فيكون منطقيا القول بان ما ستنتهي إليه الازمة السورية سيؤثر في البحرين بشكل أو بآخر ويرسم مسار الأحداث فيها بشكل يمكن معه القول وببساطة حتى تعرف ما سيكون البحرين عليه يجب ان تراقب ما يحصل في المنطقة كلها حيث تشتعل بنار الحريق العربي بصورة عامة، ثم ما تؤول اليه المواجهة في سورية بصورة خاصة أو ما تتخذه الاحداث في مسارها من وجهة في الميدان والسياسة على حد سواء طالما أن المكونات الخارجية للصراع هنا وهناك هم أنفسهم.
ثانيا كيف ستنعكس نتائج المواجهة في سورية على البحرين
انطلاقا من قناعتنا بأن ما ستصل إليه الازمة في سورية سيرتد على البحرين سلبا أو إيجابا، فإننا نبحث في فرضيات أساسية ثلاثة يمكن أن نواجهها في سورية: الأولى تتمثل في تمكن سورية وحلفائها من الصمود الدفاعي ومنع العدوان من تحقيق أهدافه، والثانية اقتناع القوى المتصارعة بصعوبة الحسم الميداني والقبول بتسوية سياسية، أما الثالثة فتتمثل بتمكن الهجوم الغربي- الاقليمي من تحقيق أهدافه ومنع النظام من الاستمرار ، دون ان نسقط احتمال عدم تمكن أي من الفريقين من حسم الصراع ورفضهما كلهم أو بعضهم الحل السياسي مع ما يقوده الرفض إلى بقاء الساحة عرضة للكر والفر لسنوات عدة وهذا هو السيناريو الاسوأ على الاطلاق.
في مواجهة هذه الفرضيات نبحث في مصير الوضع في البحرين ومسار ثورتها على ضوء الفرضيات الثلاث الاولى أما الرابعة فإننا وعلى خطورتها نتجاوز مناقشتها الآن ومعها تكون مصلحة البحرين – رغم صعوبة ذلك – فصل مسألته عن المسألة السورية بأي طريق أو سبيل من السبل.
انعكاس الصمود السوري على البحرين
انطلاقا من الصورة المتشكلة في الميدان الآن، فإن فرضية استمرار سورية الدولة في الصمود ومنع العدوان عليها من تحقيق اهدافه، تبدو هي الفرضية الأوفر حظوظا. ونذكر بأن الأعمال العسكرية التي تفوم بها الجماعات االمسلحة من الداخل أو ممن دخلوا إلى الميدان السوري من أربع رياح الأرض تحت شعار الجهاد والنصرة، ان هذه الاعمال على فظاعتها لم تستطع ان تسقط الدولة، بل إن من كان يتعاطف منذ سنتين مع ما أسمي ثورة في البدء بدأ بالانفكاك عنها بعد أن تبين له مدى وحشية وتخلف تلك الجماعات المسلحة من جهة، و مدى خطورة البعد الخارجي في كل الحراك حتى ان معظم السوريين استيقظوا على واقع راوا فيه إن ما يجري على بلادهم ليس إلا عدواناً خارجياً لتطويعها ولا ناقة لهم ولاجمل في الأمر، بل إنهم- اذا نجحت ما تسمى ثورة- سيدخلون في نظام فئوي كنظام الإخوان المسلمين الذي أسقطه الشعب المصري، أو كنظام عائلي وراثي كأنظمة الوهابيين في الخليج الذين مسحوا الهوية الوطنية للبلدان التي حكموها ليطبعوها بالعنوان العائلي كما هو الحال مثلا في السعودية. من أجل ذلك نرى أن الحركات المسلحة باتت مرفوضة من أغلبية الشعب السوري وأنها لا تملك حظوظا يعول عليها في إسقاط النظام أو تحقيق أهداف العدوان.
والآن وبعد تقلب العدوان على سورية منذ سنتين ونصف في مراحل عدة، وفشلها تباعا، نلاحظ أن أميركا وقبل إعلان يأسها من تحقيق ما تريد، ومع تطوع بعض الأطراف في السعودية بتولي الأمر وتحقيق الخرق المطلوب، نرى أن الحرب في سورية دخلت مرحلة جديدة يمكن تسميتها بـ “المرحلة السعودية”، ترافق ذلك مع تقزيم لدور قطر وتحجيم لدور تركيا، وانشغال مصري بعد إسقاط حكم الإخوان فيها، أي يصيغة أخرى نرى أن تيار الإخوان المسلمين إلى انحسار وانشعال بالذات ولن يجد فسحة من الوقت أو قدر من الجهد ليبذله في البحرين انتقاما لخسارته أو اشغالا لها، بينما سيتقدم مكانه تيار الوهابية السعودية التي تولت الملف السوري تحت قيادة اميركية. ما يعني ان السعودية الآن هي اللاعب العربي الاقليمي الرئيسي في البحرين وفي سورية على حد سواء. أي أن السعودية باتت اليوم في مقدمة المشهد الهجومي ضد النظام في سورية وضد الشعب في البحرين. وتواجه بصورة أو بأخرى أيضا الاطراف الدوليين الذين يدعمون هذين الطرفين أيضا.
ومن جهة أخرى ومع فرضية صمود النظام السوري وفشل السعودية في مسعاها وسقوط المرحلة السعودية كما سقطت المراحل الأخرى من العدوان على سورية، فإن هذا الفشل سيرتد سلبياً على السعودية ذاتها و ينفجر نزاعاً في داخلها بين التيارات والأجنحة يترافق مع ارباك واضطراب يفرض عليها تراجعا اقليميا وسيكون دورها في البحرين أول ما سيناله هذا التراجع، الأمر الذي سيستفيد منه الشعب البحريني الثائر وسيتمكن من الضغط أكثر على الملك الذي لن يجد مفرا من الاستجابة الى جزء كبير من المطالب الشعبية.
نقول جزء من المطالب ولا نقول كل المطالب لأننا هنا لا يمكن ان ننسى الدور الأميركي والخطوط الحمر التي تضعها اميركا في التغيير، لجهة الاحتفاظ بالإطار البحريني العام الذي يحفظ لها مصالحها الاستراتيجية في الخليج، وهنا نعتقد بان الخسارة ستترجم في البحرين حلاً على النمط القطري، مع تجديد للنظام الملكي بقيادة ولي العهد الذي ينطلق برعاية أميركية للاستجابة إلى جزء من المطالب الشعبية بما يهدئ الشارع بعد ان يشعر رجال الحركة المطلبية البحرينية بالانتصار المرحلي على طريق الحرية و المساواة ودولة القانون.
وأخيرا ينبغي أن لا نغفل مع الانتصار السوري احتمال ردة فعل سعودية غير محسوبة في حال الفشل في سورية، حيث إن المملكة سترى نفسها معزولة، وقد قدت أوراقها الاقليمية، إذ إنها بعد خسارتها في العراق لم تحصل شيئا في سورية كما ان امتلاك ورقة لبنان غير متيسر لها كما تشتهي، لذلك قد تتجه لاتخاذ موقف متشدد اكثر في البحرين تمنع فيه الملك من القيام بأي قدر من الاصلاحات استجابة للشعب وهنا سيجد الشعب المتمرد على الظلم نفسه ملزما بمزيد من التحرك والمواجهة من أجل كسر هذا القرار. مواجهة لا يمكن لأميركا أن تبقى بعيدة عن التدخل فيها من أجل استعادة الاستقرار إلى البحرين تكون هي بحاجة اليه من أجل مصالحها. ونرى أن السعودية لن تتمكن من منع التغيير في حد معقول لأنها لن تكون هي الوحيدة في ساحة التأثير وسيكون عليها ان تنتظر تدخلات خارجية لا تريحها خاصة بعد الخسارة و الهزيمة المتوقعة في سورية.
فرضية التوافق في سورية من أجل تسوية تحفظ الجميع
لا يمكن استبعاد هذه الفرضية رغم ان الظروف المتشكلة حاليا والمرتسمة في الأفق تقود إلى جعلها فرضية متدنية الحظوظ. أما الوصول إليها فيكون بعد تشكل القناعة لدى المعتدي على سورية أن انتصاره أمر مستبعد، وأن مصلحته تكون في تفاهم يحفظ له بعض مصالحه خوفا من انهيار كل شيء فيما لو تحققت الفرضية الاولى بانتصار سورية.
أما آليه تحقق الفرضية هذه فانها تكون بتفعيل الدعوة الى مؤتمر جنيف 2 حول سورية ومشاركة القوى الفاعلة من كلا الجبهتين في هذا المؤتمر وسيكون حضور ومشاركة بشكل وبآخر لكل من إيران والسعودية فضلا عن القوى الدولية الأساسية التي شاركت في جنيف 1. ونعتقد ان نجاح التسوية في جنيف لن تكون محصورة في اطار سورية بل انها ستشمل الأماكن الساخنة في المنطقة كلها وفي طليعتها البحرين.
أما التسوية البحرينية هنا فستكون برأينا نوع من توازن بين مطالب المعارضة ومصالح النظام الملكي، وستكون حصة المعارضة متناسبة إلى حد بعيد مع وضعها وقوتها وتماسكها أثناء مفاوضات التسوية لجهة استمرار الحركة الاحتجاجية وتجسيدها بالحضور في الساحات والشوارع، مع الالتزام المستمر بسلمية الثورة، هذه السلمية التي باتت تفجر غيظ النظام وغضبه ما دفعه إلى الإمعان في التلفيق لاتهام المعارضة بأعمال ارهابية عبر تصنيع المتفجرات و السيارات المفخخة [3]من أجل اختلاق الذرائع للارتقاء في سلم الافراط في العنف ضد المعارضة بعد أن لمس ان الغازات السامة والاعتقال والتعذيب لا يحل المشكلة مع صبر المعارضة و قوة تحملها.
فرضية عدم تمكن النظام السوري من متابعة مواجهة العدوان عليه
رغم ان هذه الفرضية تعتبر متدنية الحظوظ جدا برأينا، لكن يبقى من المفيد مناقشتها للوقوف على ما تقود إليه من نتائج وانعكاس على البحرين، وفي هذا الإطار نرى أن عجز النظام السوري عن الاستمرار في المواجهة لا يعني انتصار جبهة لعدوان وامكانية إقامة النظام البديل الذي تريد ، بمعنى تحقق ما يمكن تسميته اجتياحا أميركيا للمنطقة بشكل يستفيد منه من التحق بأميركا في عدوانها لتحقيق مصالحه في سورية وخارجها. لكن ما نرجح وقوعه في حال تحقق هذه الفرضية هو العجز عن إقامة النظام السوري المركزي البديل ودفع سورية نحو التشتت مع انتشار الفوضى في المنطقة والتي لن تكون السعودية بمنأى عنها.
أما انعكاس هذه الفرضية على البحرين فقد تكون إيجابية إلى حد ما لسبيين: الأول عائد إلى ان إيران التي ترى ان مصالحها تفرض عليها التدخل في أي بقعة يتاح لها ذلك وعندها ستجد نفسها ملزمة بالدفع في البحرين نحو مخرج يحقق قدرا من مطالب المعارضة ويحول دون سحقها أو خسارتها لتحركها، والثاني سيكون مرتبطا بأميركا التي ستخشى من الفوضى ان تعم الخليج أيضا أسوة بما يحيط بها ولن تكون السعودية في موقع من القوة يدفع الفوضى المستشرية في المنطقة عن أراضيها، لذلك يعتقد هنا أن تبادر الحكومة في البحرين وبايعاز أميركي إلى الاستجابة بشكل محدود لبعض المطالب الشعبية التي لا تمس في موقع الملك وصلاحياته ولكنها تضيق الهوة بين السلطة والمواطنيين المنتفضين وبشكل يؤدي في حال قبول المعارضة بهذه الترضية، إلى هدوء يجنب البحرين فوضى المنطقة.
$18. الخلاصة
نرى أن أفضل ما يحقق مصلحة البحرين وحركة الشعب المطلبية فيه يكمن في فصل ما يجري في البحرين عما يدور حولها ومنع قيام أي ارتباط بأي ساحة أو ميدان من ساحات المنطقة، لكن هذا الأمر لا يعدو كونه تمني غير واقعي وغير قابل للتطبيق. لذلك لا يكون مفرا من التأكيد على أن احداث العالم العربي في الدول التي شهدت حراكا شعبيا، أظهرت ترابطاً بينها بشكل ظاهري خاصة لجهة الاهداف المعلنة وهي رفض الانظمة الاستبدادية القائمة على سلب حقوق المواطن مع الاقصاء والتهميش، لكن التجانس أو التباين بين بعض التحركات يشتد أو يقوى بين هذه الفئة أو تلك، ففي حين نجد ترابطا وثيقا بين ما جرى في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية باعتباره يعني الإخوان المسلمين كتنظيم عالمي عقد صفقة مع الغرب من أجل سلطة للأخوان وهيمنة لأميركا وأمن لإسرائيل، نجد أن الترابط قائم بين ما يجري في سورية وما يجري في البحرين من باب القوى الخارجية المعنية في كل من البلدين، وتأتي هنا أميركا والسعودية وإيران وحزب الله في طليعة تلك القوى بحيث ان انتصار هنا يكون من الطبيعي ان يؤثر هناك، أما تطويرا للنصر وتراكما له أو تشددا وانتقاما من أجل اجراء التعادل فيكون فريق منتصر هنا وفريق يرد عليه بالانتصار هناك. ويبقى تصرف المعارضة البحرينية وسلوكها خلال الفترة التي تفصلنا عن انتهاء المواجهات في سورية – و هي فترة ليست بالقصيرة والتي قد تمتد لفترة اقلها ستة اشهر الى سنة من الآن – سلوك ينبغي ان يركز على أمرين: استمرار التحرك المطلبي الشعبي العلني أولاً، و المحافظة على سلمية التحرك ثانيا. ومع هذين الأمرين نعتقد بأن هذه الحركة ستحقق الجزء الكبير من أهدافها رغم الربط القسري بما يجري في سورية، أما حل أزمة البحرين قبل الأزمة السورية فإنه في الواقع المتشكل اليوم يبقى أمنية صعبة المنال.
[1] ) نعتبر ان التحرك العربي انطلق في موجة جديدة بدأت في مصر في 30 \6\2013 ، و أدت الى اسقاط حكم الاخوان المسلمين فيها وهناك دول تتحضر لتتلقى موجة التحرك الثانية.
[2] ) راجع دراستنا حول التدخل السعودي في البحرين . قدمت في مؤتمر عقد في بيروت في اذار 2013 .
[3] ) كما فعل في شهر تموز 2013 حين وضع سيارة وفجرت في منطقة قريبا من مسجد لاهل السنة واتهم المعارضة بها رغم ان المعارضة نفت وادانت هذا الاسلوب من العمل واعلنت تمسكها الدائم بالعمل السلمي والامتناع عن العنف.