
المجالس البلدية في البحرين بين القتل الرحيم أو الإعدام شنقا
مركز البحرين للدراسات
لم يعد مستبعداً صدور قرار رسمي، من شأنه أن يضع نهاية للصيغة التي تعمل وفقها المجالس البلدية في البحرين، وهي تركيبة متواضعة أصلا لجهة الصلاحيات والإنجاز.
سيناريوهاتٍ عدة تواجه تطبيقات العقد والنصف التي انطلقت في ٢٠٠٢، بينها الإبقاء على الصيغة الحالية، أو تحويل جميع ما تبقى من مجالس بلدية وعددها ثلاثة (كانت خمسة مجالس منتخبة بين ٢٠٠٢ – ٢٠١٠) لأمانات عامة معينة على غرار ما جرى لمجلس بلدي العاصمة في (24 يوليو 2014)، أو دمجها جميعاً في أمانة عامة واحدة أو مجلس بلدي واحد.
وحتى كتابة هذه الورقة، لا يزال الغموض سيد الموقف الرسمي رغم تبقي نحو عام واحد فقط على الموعد الانتخابي في 2018، في ظل أوضاع سياسية قاتمة، ومظاهر لتصفية الأحزاب والحياة السياسية.
ويرتبط الحديث عن التجربة البلدية ومآلاتها بشكل وثيق بما تعيشه البحرين من أزمة سياسية مستمرة منذ 14 فبراير 2011، حين اغتالت السلطة التطلع الشعبي للتغيير مستعينة بالقوات السعودية.
العمل البلدي بعد ١٤ فبراير
ظلت جمعية “الوفاق”، كبرى الجمعيات السياسية في البحرين، وصاحبة التمثيل الشعبي الأوسع، محتفظة بمسمى الكتلة البلدية الأكبر في التجارب الانتخابية الثلاث، 2002 – 2006 – 2010.
لم تغادر مقاعدها البلدية حتى في 2002، العام الذي شهد ولادة أزمة سياسية جديدة في البحرين عنوانها الاحتجاج على استبدال دستور 73 بدستور 2002، والذي تصفه المعارضة بدستور المنحة في اعتراض منها على مضمونه وآلية صدوره دون العودة للشعب، “صاحب السلطات جميعاً”، كما يقول المبدأ الدستوري الثابت[1].
وقتها (٢٠٠٢)، فضلت “الوفاق” المشاركة في الانتخابات البلدية رغم مقاطعتها للانتخابات النيابية. استمرت على هذا النحو في 2006 و2010 (شاركت نيابياً وبلديا)، وصولاً لتظاهرات دوار اللؤلؤة، الموقع الذي أنتج تباعدا بين المعارضة والسلطة بقدر لم تنتجه أزمة 2002 الدستورية.
عقاب البلديين المعارضين
بعد فبراير ٢٠١١، لم تنسحب “الوفاق” من المجالس البلدية كما انسحبت من مجلس النواب، تعبيراً من الجمعية عن الغضب جراء تطور الحدث بصورة دراماتيكية وسقوط ضحايا في صفوف متظاهرين سلميين برصاص الجيش البحريني[2].
بعد شهر كاملٍ على احتشاد عشرات الآلاف في دوار اللؤلؤة، ممن وجدوا موجات الربيع العربي فرصة لإحداث إصلاح سياسي حقيقي في البحرين، تم فض الاعتصام بالقوة من قبل الجيش البحريني مدعوماً بقوات درع الجزيرة. فُضَ الاعتصام وأزيل نصب دوار اللؤلؤة الشهير وتبدل اسمه إلى تقاطع الفاروق، لكن كل ذلك مثل بداية تداعيات لم تتوقف بعد.
طال العنف الرسمي كل نطاقات المجتمع السياسي والمدني، بما في ذلك العمل البلدي، إذ لم تنس ذاكرة السلطة موقف “الوفاق”، ومخاطبتها للأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون عبر عريضة بشأن ما جرى من قتل للمدنيين في دوار اللؤلؤة، فأقدمت الحكومة على إسقاط عضوية 5 من كتلة الوفاق البلدية، في “سابقة عالمية”، على حد تعبير العضو البلدي المقال صادق ربيع[3]، عقابا لهم على مطالبهم بالتغيير.
طال الإسقاط الذي تم في أوج سريان حالة الطوارئ (أبريل 2011)، عضوية بلديين وفاقيين في مجلسي محافظتي المحرق (عضو واحد هو محمد عباس) والوسطى (4 أعضاء هم نائب الرئيس عادل الستري، صادق ربيع، حسين العريبي، وعبدالرضا زهير)، في قرار تلاه استقالة العضو الوفاقي صادق رحمة من بلدي محافظة العاصمة.
العاصمة بلا مجلس بلدي
استمراراً لتداعيات الحملة الأمنية على جمهور فبراير 2011، اتخذت السلطة قراراً بإلغاء مجلس بلدي العاصمة واستبداله بأمانة عامة تعيَّن بمرسوم ملكي، وفي 23 سبتمبر 2014، جاء القرار رقم 35 لسنة 2014 والصادر عن رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، ليزيل من خارطة العمل البلدي، دوائر محافظة العاصمة البلدية، نتيجة تحويل مجلسها المنتخب لأمانة عامة معينة.
ومن بين مجالس بلدية خمسة (تقلصت لثلاثة في ٢٠١٤)، اختارت السلطة مجلس بلدي العاصمة لعقاب البلديين والمواطنين الذي رفعوا شعارات معادية للحكومة.
كان أداء رئيس بلدي العاصمة مجيد ميلادي، المناهض للسلطات، المبرر الشكلي ربما لصدور قرار رسمي حل بموجبه المجلس المنتخب في ٢٠١٠، والمكون من 8 أعضاء.
ترجع السلطة قرارها هذا إلى ما تسميه “الأداء السياسي” لرئيسه مجيد ميلاد. وميلاد قيادي وفاقي بارز، تصدر المشهد السياسي خلال سنوات ما بعد 14 فبراير، واختارته الجمعيات السياسية المعارضة لعضوية وفدها المشارك في حوار التوافق الوطني غير المثمر.
لم ينتهي الأمر بحل المجلس المنتخب واستبداله بأمانة معينة بمرسوم ملكي[4]، فبعيد حل “بلدي العاصمة”، لا بد من انتقام أكبر، لذا وجد رئيسه مجيد ميلاد – الذي قال مرة “سعيد جداً بمقاومتي للظلم” ـ بعد حديث له في ندوة عامة، أمام تهمتين ذات طبيعة سياسية متداولة هما “التحريض على عدم الانقياد إلى القوانين، والتحريض على كراهية نظام الحكم علانية”، وحكمت محكمة عليه في فبراير ٢٠١٦ بالتغييب خلف القضبان عاماً كاملاً، كعشرات من القيادات المعارضة الآخرين[5].
مجالس ٢٠١٤
اختارت المعارضة البقاء على موقف المقاطعة للانتخابات النيابية والبلدية التي جرت في نوفمبر 2014، تعبيراً منها عن استمرار حملها لراية الدعوة لإصلاح سياسي شامل وجذري، وهو ما لم تجده في المبادرات الرسمية المحدودة التي جاءت لإغلاق ملف انتفاضة 14 فبراير، بما في ذلك حوار التوافق الوطني الذي جاء في سياق أمني، وليس ضمن معالجة سياسية.
تعزو قوى المعارضة موقفها إلى “غياب جدوى الانتخابات”، لتغيب تبعاً لذلك وللمرة الأولى عن العمل البلدي، وهو ما ترك تأثيره الجلي على مستوى الحضور البلدي في الدوائر الوفاقية الـ 18.
عزز غياب “الوفاق” والمعارضة عن أجواء العمل البلدي، من ضعف التمثيل الشعبي لبلديي 2014، صاحب ذلك نقمة شعبية متصاعدة وحالة إحباط بسبب ضعف صلاحيات المجالس.
ومع هيمنة مزاج أمني/ أحادي على البلد، شهدت التجربة حالة برود متصاعدة هيمنت على جلسات المجالس البلدية الأسبوعية، والتي ظلت ترفع توصيات يقابلها وزير الأشغال بردٍ واحد في الغالب، يتأرجح بين ثنائية الرفض المباشر أو التأجيل بداعي الدراسة لتنتهي التوصية لمصير الموت.
تعاطٍ حكومي سلبي مع المجالس، رافقه دعم نيابي للحكومة، ليصوب بلديون سهام نقدهم هذه المرة للنواب الذين اعتبروهم سبباً في تدهور العمل البلدي[6]، مع أن النواب أنفسهم بدون صلاحيات، فكيف يلقى عليهم عبئا ليس لهم قبل به؟
سيناريوهات مستقبلية
مع تبقي عام واحد على نهاية الدور الحالي للمجالس البلدية 2014، تبدو المعارضة ميالة لمقاطعة الانتخابات المرتقبة في ٢٠١٨، فيما يهيمن مزاج سلبي على عدد من الأعضاء الحاليين بشأن تجديد الترشح، في ظل تصاعد وتيرة الغضب الشعبي جراء الأداء العام للمجالس البلدية، والأجواء الملبدة بالاحتقان في عموم البلاد.
ولا ببدو قالب أمانة العاصمة المعينة جاهز بعد للتعميم، ليس بسبب فقط شكاوى ضعف صلة أعضائها بالمواطنين من أهالي المحافظة.
ويطرح في بعض الأروقة فكرة لعلاج إشكالية الافتقار للتمثيل الشعبي، مضمونها توزيع أعضاء الأمانة على دوائر المحافظة، ويصعب الاقتناع بأن ذلك يمكن أن يغيّر من حقيقة أن التعيين غير الانتخاب، فيما تجارب التعيين لم تحقق ما يذكر للمواطنين، سواء على صعيد مجلس الشورى أو أمانة العاصمة.
وفي الحديث عن مصير المجالس، تبرز بعض الأصوات القريبة من الحكومة التي تردد أن الحاجة لا تزال قائمة لتقييم فكرة تعيين أمانة العاصمة، فيما تأمل بعض الأطراف استمرار العمل البلدي “التي لا تزال حديثة نسبياً”.
لكن فكرة التغيير من الداخل تكاد تكون قد قتلت في أذهان الكثير من المعارضين. مع ذلك تحضر الأفكار المناوئة لاستمرار المجالس – المنهارة أصلا – بدعوى “غريبة”، مثل التخلص من “الإزعاج ومصروفاتها المالية”.
احتضار المجالس
“التجربة” البلدية تحتضر، بسبب احتكار السلطة للقرار المالي والسياسي، وأيضا بسبب ضعف صلاحيات أعضاء المجالس البلدية، وسلبية وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني في الرد على توصياتهم، تارةً تحت ذريعة الميزانية وأخرى بإخضاع المقترح للدراسة.
إلى جانب ذلك، كان بلديون ووجهاً لوجه مع ضغوطات شعبية، مصحوبين بشكوى من ضعف المكافأة الشهرية وهم يقارنون أنفسهم بما يجنيه أعضاء مجلس النواب (يستلم العضو البلدي 1350 دينار شهرياً (لا يشمل ذلك الرئيس ونائبه)، فيما يستلم العضو النيابي راتباً يصل بالعلاوات إلى 4750 دينار، حتى جاء الصوت الداعي لإلغاء المجالس الهشة الأداء والحضور الشعبي من أعضاء بلديين موالين للسلطة[7].
المآلات والبدائل
الحديث عن مآلات المجالس البلدية لم يعد تخميناً. فإذا لم تلغ الحكومة المجالس، فإنها ستظل شبه ميتة، وقد يأتي موعد الانتخابات في ٢٠١٨ دون أن يصوت الكثيرين، والسبب هو اعتقاد بدأ يترسخ لدى الناس من أن المجالس بلا دور ولم تحقق لنا شيئا. يعبر عن ذلك تساؤل يتكرر، يخاطب من خلاله المواطن، العضو البلدي أو المرشح: “أنت ماذا أنجزت لي لكي أخرج من بيتي في يوم الانتخابات وأمنحك صوتي؟ وما الحاجة لكم والحكومة لا تستمع لكم؟”.
تحدٍ يؤكد خلاصات فبراير ٢٠١١، ويسير بما كان ينظر إليه كتجربة قابلة للتطور إلى مرحلة الكفر الشعبي.
ومع غياب أية تحركات مضادة لاستمرار المجالس البلدية بصيغتها الحالية الضعيفة، يبرز سيناريو عدم التغيير، لتستمر البلديات مكونة من أمانة العاصمة وثلاثة مجالس بلدية منتخبة.
يزاحم ذلك سيناريوهات بينها تحويل المجالس البلدية إلى مجلس واحد، مكون من 40 عضو (30 عضو منتخب، و10 أعضاء معينين)، على أن يكون مبنى البلدية الموجود في المنامة مقراً للمجلس، فيما يكون الإسم بلدية البحرين على غرار بلدية الكويت.
بموازاة ذلك، لم يغب الحديث عن تعميم سيناريو الأمانة العامة بالعاصمة، رغم تواريه، وفي حال وجد هذا السيناريو طريقه، تبدو محافظة المحرق مرتقبة كمحطة ثانية، في ظل استبعاد فكرة التعميم على جميع المحافظات دفعة واحدة، بدعوى ترددها أوساط الحكومة، مفادها الحاجة لنضج تجربة أمانة العاصمة للحكم ومدى حاجتها للتعديل والتطوير!
وفي نظر المعارضين، فإن المخرج من الأوضاع البائسة هو في حل سياسي شامل للبلاد، وإعادة هيكلة المؤسسات الدستورية والتمثيلية ومنحها حقوق سيادية وصلاحيات حقيقية.
أما بشأن إصلاح المجالس البلدية، فلن يتم ذلك إلا بإدخال إصلاحات جذرية، يكون الانتخاب الشعبي عمادها، ومنح هذه المجالس صلاحيات جوهرية لتكون شبه حكومة محلية.
[1] http://www.legalaffairs.gov.bh/102.aspx?cms=iQRpheuphYtJ6pyXUGiNqq6h9qKLgVAb
[2] http://www.alwasatnews.com/news/527797.html
[3] http://bhmirror.myftp.biz/news/7488.html
[4] http://www.alwasatnews.com/news/889939.html
[5] http://www.alayam.com/online/local/560126/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A6%D9%86%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AE%D9%81%D8%B6-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%AD%D8%A8%D8%B3-%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%AF-%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%AF%D9%84%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%B3%D9%86%D8%AA%D9%8A%D9%86.html