- مرتكزات المشروع التغييري في البحرين
- 1.محاولة للتهدئة وإنهاء الحراك
- 2.المد الثوري يفرض اجندته.. وتحطم حواجز الخوف
- 3.ماذا يريد الاصلاحيون؟
- 4.تيار التغيير الشامل
- 5.مرتكزات دعاة التغيير الشامل
بين الحل السياسي والحل المبدئي الشامل يحتدم النقاش بين من يعنيهم امر البحرين، خصوصا منذ اندلاع الثورة الحالية في 14 فبراير 2011. ومع ان مريدي كل من الفريقين يعملون بقدر من التوافق والتعاون الذي يتوسع احيانا ويضيق اخرى، الا ان السجال الفكري لا يغيب عن الساحة، خصوصا حين يتظاهر النظام بالرغبة في ما يسميه “الحوار”، او يتصل احد وكلائه بطرف في المعارضة السياسية
1.محاولة للتهدئة وإنهاء الحراك
منذ الاسبوع الاول لانطلاقها اطلقت دعوات “الحوار” من قبل ولي العهد في الحكم بالبحرين .تلك الدعوة انطلقت في اجواء مختلفة تماما، فقد كان الشعب سيد الموقف تماما، وكانت العائلة الحاكمة محاصرة في قصورها. كما كانت اجواء الربيع العربي تفوح بعطر التغيير الديمقراطي وتنضح بالامل في نفوس الكثيرين. يومها كانت تلك المبادرة تعبيرا عن رغبة في وضع حد للثورة ومحاولة لكسر شوكتها. واتضح بعد الجلسة الاولى امور عديدة:
أولاً: انها لم تكن جادة اطلاقا، بل محاولة لتهدئة الوضع وانهاء الحراك الشعبي.
ثانياً انها طرحت لفحص نوايا المعارضة السياسية، وما اذا كانت قد تأثرت بالحراك الشعبي الذي كان يتصاعد يوميا، ولم تؤثر فيه سياسات القمع والقتل التي واجه النظام المواطنين بها في الايام الاولى.
ثالثاً: انها اقنعت المعارضة السياسية بان ولي العهد كان ضعيفا، وانه لا يملك القرار، بل كان يتظاهر بانه “الوجه الوديع” لنظام شرس لا يرعوي عن القتل والمواجهة القاسية.
رابعاً: ان المعارضة السياسية كانت هي الاخرى محاصرة بالسقف المرتفع للثورة التي خرجت عن المألوف في الاشكال الاحتجاجية وتجاوز دوائر الخوف
خامساً: انها كانت تهرول للتوصل لحل سياسي يرضي قطاعا واسعا من الجماهير، ولا يكسر الاطر الخليجية التي وضعتها العائلات الحاكمة ودعمتها القوى الغربية خصوصا بريطانيا.
سادساً: ان البحث عن الحل السياسي جاء متأخرا وضعيفا ومحاصرا بالتهديدات الخارجية خصوصا من “الشقيقة الكبرى”، وان المحاور عن النظام كان الطرف الاضعف في دائرة القرار، وبالتالي لم يكن هناك اي ضمان بان اي اتفاق يتم التوصل اليه سيجد طريقه للتنفيذ.
2.المد الثوري يفرض اجندته.. وتحطم حواجز الخوف
كان ما يسمى “مبادرة ولي العهد” وبنودها السبعة، بداية لقدر من التصدع في جبهة المعارضة. هذا التصدع اخذ في التوسع تدريجيا، خصوصا بعد ان ظهرت ملامح اتجاهين مختلفين ليس في السقوف السياسية فحسب، بل في النهج الحركي ودوائر التحرك ومدى المواجهة مع العائلة الحاكمة. بمعنى انه في الوقت الذي كان التوجه الثوري يتجاوز الاعراف في تصديه للحكم العائلي، التزمت المعارضة السياسية المتمثلة اساسا ببضع جمعيات سياسية تتصدرها جمعية الوفاق الوطني الاسلامية، بما ألزمت به نفسها حين قبلت بتسجيل نفسها ضمن المشروع الرسمي الذي طرحه حاكم البلاد قبل عشرة اعوام من ذلك الوقت. فهذه الجمعيات ملزمة بكل بان لا تخرج عن الاطر والقوانين التي فرضها مجلس الوزراء على الوزارات والمؤسسات الرسمية، والتي تحول دون التحرك الحر الذي يتحدى شرعية الحكم او يسعى لتغييره.
الجمعيات السياسية وجدت نفسها مرتهنة لتلك القوانين والانظمة، وفضلت عدم مواجهة العائلة الحاكمة في هذه الدوائر. وفي المقابل كان المد الثوري يتصاعد يوميا ويفرض اجندة اوسع مدى مما تسعى الجمعيات السياسية لتحقيقه او ما يسمح لها النظام بالتحرك من اجله. وباسلوب ملخص: فان الثورة المتصاعدة كانت تسعى لخلق واقع جديد ضمن اطر جديدة غير مسبوقة، منها ما يلي:
اولاً: ان الثورة جاءت لتلغي الحواجز والحدود والقيود التي فرضها الحكم العائلي على البلاد وقام بتقنينها عبر الدستور الذي فرضه على البلاد في 2002، فهي تتحرك خارج نطاق “المسوح”، وتبيح لنفسها الممنوعات السياسية، وما اكثرها.
ثانياً: ان الحراك الشعبي عمد من اليوم الاول لالغاء ما يسمى “هيبة الدولة” التي نظر اليها انها تسلطية تمارس التعسف والاستبداد وتصادر الحقوق الطبيعية للمواطنين. وتعمد هذا الحراك استهداف “الدولة” في أشد مفاصلها ايلاما. فالدولة التي لا تحترم مواطنيها وحقوقهم لا هيبة لها، ويجب كسر تلك الهيبة بازدرائها وتحدي رموزها ومخالفة اوامرها التعسفية. فلا هيبة للدولة اذا فقد المواطن أمنه وحقوقه وانسانيته.
ثالثاً: ان ما حدث في الاسبوع الاول بعد انطلاق الثورة قفز بالواقع السياسي الى مستويات غير مسبوقة، فقد تحطمت حواجز الخوف تماما. ومن اسباب ذلك ان النظام استخدم اهم ما لديه من اسلحة، فاعتادها الثوار وتطبعوا عليها. فحين لجأ لاستخدام القوة خصوصا الرصاص الحي لقتل المتظاهرين في اليومين الاولين (14 و 15 فبراير) فانه استنفذ قوته الرادعة، فلم يعد التهديد بالقتل مرعبا للثوار، فاصبحوا يتحدون النظام بعد ان اخترقوا خط دفاعه الاول، واستسهلوا الموت ولم يعبأوا بالقمع الذي تمارسه قواته.
رابعاً: ان ثقافة جديدة فرضت نفسها على الجماهير وانتشرت بفضل العقل الجمعي الذي عم الساحة. فبينما كانت هناك ثقافة بثتها الجمعيات السياسية بإقرار الدستور عمليا، وذلك بتسجيل نفسها وفق بنوده، والمشاركة في الانتخابات “البرلمانية” وفق نصوصه، ظهرت ثقافة جديدة بضرورة احداث تغيير سياسي جوهري في هوية الدولة وايديولوجيتها ونظام حكمها. وانعكست تلك الثقافة في المساحة التي تتسع بشكل مضطرد بين الشعب البحراني الاصلي (بشيعته وسنته) والعائلة الحاكمة التي تحكم بالحديد والنار، وتستمد شرعيتها من سيطرتها بالقوة المادية فحسب.
خامساً: او الثورة عمقت الشعور الوطني لدى غالبية المواطنين الاصليين. بدأ ذلك بادراك خطر مشروع النظام المؤسس على تغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد، وتعمق بظهور مصاديق لذلك تمثلت بالتجنيس تارة والتمييز اخرى، وتبني المشروع الطائفي الذي يشطر المجتمع وفق خطوط الانتماء المذهبي ثالثة، وتشويه تاريخ البلاد بالغاء كل ما سبق احتلال العائلة للبلاد في 1783، وتبني سياسات اعلامية تستهدف السكان الاصليين الذين عرفوا تاريخيا باسم “البحارنة”. ساهمت الثورة في بث وعي شعبي بان بقاء الشعب يتطلب الحفاظ على هويته التاريخية والدينية والثقافية والتصدي لما تفرضه العائلة الحاكمة، ورفض العودة الى ما قبل الثورة او التعايش ضمن منظومة سياسية تهيمن عليها تلك العائلة.
سادساً: تعمقت ثقافة المواجهة والتصدي والتضحية من اجل الوطن والحق والحرية والدين. فاختلط الحس الوطني بالواجب الديني، وتمازج الذوق الثقافي المعاصر مع التراث الذي يعود لقرون مضت والذي ساهم الأجداد في بلورته، سواء على مستوى العلم والتأليف والانتماء لآل بيت رسول الله، ام على صعيد الحرف المرتبطة بالحياة ومستلزماتها كالغوص والفن والزراعة وركوب البحر. فالشاب البحراني اليوم يشعر باختلاف كبير مع المستوطنين الذين جاءت بهم العائلة الحاكمة لتستبدل بهم السكان الاصليين. ويوما بعد آخر شعر الشاب البحراني بضرورة الصمود في مواجهة ما يسعى “الخوالد” لفرضه على البلاد من تشطير طائفي وتنازل عن السيادة للاجنبي، واستدعاء القوات الخارجية لمواجهة السكان الاصليين. لقد تحولت المعركة السياسية الى حرب ابادة تشنها العائلة الحاكمة ضد السكان الاصليين، بعد ان ايقنت ان ثورة 14 فبراير شكلت نقطة تحول على كافة صعدان العلاقة بين الطرفين. ويوما بعد آخر ادرك الطرفان استحالة التعايش معا. فالعائلة الحاكمة اكتشفت ان شعب البحرين الذي دخل في صراع معها منذ تسعين عاما لن يتصالح معها يوما، وبالتالي فعليها ان تضعف وجوده السياسي الى حد يعادل الابادة. فعمدت للاساليب التي ذكرت اعلاه وفي مقدمتها التجنيس السياسي. اما الشعب فقد ادرك ايضا ان مقولة اصلاح النظام السياسي في ظل الحكم العائلي مستحيل، ولا يمكن اقامة نظام ديمقراطي في البلد ما دام آل خليفة حكاما. وعليه فاما ان يستسلم لما يريدونه، ويصمت على سياساتهم التي ستؤدي الى اضعاف وجوده تماما، او لملمة شمله وحزم امره والسعي لاسقاط نظام الحكم العائلي. وجاءت الثورة لتبلور مشروع التغيير بشكل غير مسبوق. فما جرى في الاعوام الثلاثة الماضية من استهداف للشعب اظهر عمق عداء العائلة الحاكمة لشعب البحرين. والواضح ان قطاعا واسعا من هذا الشعب حسم امره وقرر خوض معركة الوجود الى النهاية، وانه لا جدوى من التعويل على اصلاح نظام يستعصى على التغيير والاصلاح.
3.ماذا يريد الاصلاحيون؟
منذ ان فرض الحاكم الحالي على البلاد دستوره في العام 2002 حدث شرخ كبير في الموقف الشعبي، وتبلور تياران: احدهما سعى للتعايش مع الحاكم ودستوره وفق مقولات عديدة من بينها: استنقاذ ما يمكن، او “خذ وطالب” او “تقليل الضرر”. وتقوم هذه المقولات على قناعة بعدم امكان الحصول على اكثر مما هو متاح، وان النظام مدعوم من قوى اقليمية ودولية، وان من العبث الاستمرار في تقديم التضحيات بدون طائل يرتجى. وتتأسس هذه المقولات كذلك على الحسابات السياسية والمادية التي تظهر التفوق المادي لنظام الحكم في مقابل المعارضة والقوى الشعبية. هذه المقولات تمت ترجمتها بمواقف عديدة. اولها الاعتراف الضمني بالدستور الذي فرضه الحاكم مع الاستمرار في انتقاده ورفع شعار تغييره. ثانيا: بناء على ذلك هرعت المجموعات السياسية ذات الايديولوجيات المتباينة لتسجيل نفسها رسميا كجمعيات سياسية، وفقا لما تريده العائلة الحاكمة التي اشترطت ذلك. وهنا حدث لغط كبير وضجة غير قليلة، فتأسس الخلاف المستقبلي آنذاك. ولما حان وقت انتخابات البرلمان الذي ينظم الدستور شؤونه، حدث الانشقاق في صف التيار الاسلامي الشيعي الذي كان ممثلا آنذاك بجمعية الوفاق الوطني الاسلامية، بين مؤيدين للمشاركة في تلك الانتخابات ومعارضين لها.
يعتقد اصحاب التيار الاصلاحي ان من غير المنطقي الاستمرار في الموقف الذي يعارض من خارج النظام السياسي، وان باالامكان تحقيق بعض الانجازات والاصلاحات من داخله، وان أقل ما يمكن تحقيقه من المشاركة الانتخابية تقليل الضرر، وان المشاركة تتيح للكوادر الاسلامية التدرب واكتساب الخبرات في العمل السياسي والدبلوماسي. كما ان المشاركة والحصول على اكبر كتلة نيابية يفتح الابواب للتواصل مع العالم من خلال المؤسسات الدبلوماسية والزيارات الميدانية. يعتقد المحسوبون على تيار الاصلاح السياسي ان التغيير الكبير صعب سواء من داخل النظام ام من خارجه، ولكن العمل من الداخل سيوفر فرصة لشيء من الاصلاح الذي قد يكون صغيرا او كبيرا. كما يرى اصحاب التيار ان الاوضاع المحلية والاقليمية ليست لصالح التغيير الجوهري في النظام السياسي، وان النظام يمتلك اوراقا اكثر واقوى من المعارضة. كما يرون ان غالبية الشعب لا تريد الدخول في متاهات النضال السياسي الذي تواصل عقودا، وان من الافضل السعي لتطوير المستويات المعيشية واكتساب خبرات تؤدي تدريجيا لتطوير مستوى التمثيل السياسي للمواطنين الشيعة.
4.تيار التغيير الشامل
تبلور هذا التيار بعد حدوث التصدع في جسد الوفاق في 2006، بعد ان اتضح ان الجمعية تتجه نحو المشاركة في الانتخابات النيابية. قرار الجمعية هذا كان مختلفا عن قرار المقاطعة الذي اتخذته في 2002 بمقاطعة تلك الانتخابات. وشيئا فشيئا تبلورت ملامح التيار من خلال فعاليات رموزه خصوصا الاستاذين عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع والدكتور عبد الجليل السنكيس. وتواصل عمل هذا التيار بشكل اقلق النظام كثيرا. وفي صيف العام 2010 ارتكب النظام خطأ قد يؤدي الى سقوطه لاحقا. فقد شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف ذلك التيار شملت قياداته ونشطائه الميدانيين، وعاملتهم بوحشية غير مسبوقة. وضمن حملات الاعتقال التي استمرت شهرين تقريبا تم اختطاف اكثر من سبعين ناشطا لفترات تتراوح بين يوم وخمسة ايام تعرض كل منهم خلالها لابشع اصناف التعذيب. هذه الحملة خلقت اجواء من السخط الشعبي الذي تفجر غضبا بعد اقل من ستة شهور. ولولا تلك الحملة الشعواء ضد الشعب لما نجحت الدعوة للثورة.
منذ ان اطلق شباب الثورة شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” و اصبح شعارهم اليومي المفضل “شعارنا الى الابد، يسقط حمد، يسقط حمد” اصبح واضحا ان البلاد دخلت مرحلة جديدة في تاريخها، ستكون حاسمة. فاما ان يفنى الشعب او يسقط نظام الحكم. صحيح ان النظام قام باجراءات كثيرة في السنوات الاخيرة لحماية نفسه وضمان بقائه، خصوصا مشروع التغيير السكاني، الا ان اشكالات وجوده اقوى كثيرا من محاولات الحفاظ عليه. ولذلك تبلور الموقف المطالب بتغيير النظام السياسي او اسقاط النظام. ومع تواصل القمع السلطوي تتعمق القناعة بضرورة التغيير وحتميته. فما المرتكزات التي ينطلق منها دعاة التغيير الشامل؟
5.مرتكزات دعاة التغيير الشامل
ويمكن رصد بعض مرتكزات دعاة التغيير الشامل في ما يلي:
اولاً: ان اكثر من تسعين عاما من النضال الوطني ضد النظام أكدت قدرة الشعب على مواصلة الكفاح، وفشل الحكم وداعميهم في كسر شوكة الشعب. وبالتالي فالاستمرار في النضال وعدم التراجع ضرورة للاجهاز على النظام.
ثانياً: ان معاناة الشعب في السنوات الاخيرة وطريقة تعامل النظام معه اظهرت بما لا يدع مجالا للشك عداءه العميق للبحرانيين. فالتعذيب الذي مارسه بحق العلماء والرموز والشباب والنساء والاطفال بلغ مستويات غير مسبوقة من الوحشية والسادية، واستقدامه قوات الاحتلال السعودية كشف حقيقة نواياه واستعداداه لارتكاب ابشع الجرائم بحق الوطن والشعب. كما ان هدمه المساجد وهتكه الحرمات والاعراض وقتل النفوس واستخدام الغازات الكيماوية، كل ذلك اصبح مانعا يحول دون التعايش مع النظام، مهما كلفت مناكفتهم والتصدي لعدوانهم.
ثالثاً: ان تجربة المشاركة ضمن اطر النظام اثبتت عدم قدرتها على تحقيق اي تغيير يذكر. كانت المرة الاولى التي اعترف البحرانيون بالحكم في دستور 1973. فقبل ذلك كان البريطانيون يحكمون البلاد عمليا ما بين 1820 و 1971، اي 150 عاما، ولم يكن افراد النظام حكاما الا بمعنى الوكلاء للبريطانيين. وحين ألغى الحاكم الحالي تلك الوثيقة واستبدلها بدستوره الذي فرضه على الشعب في 2002. دعاة اسقاط النظام يرون ضرورة حرمان العائلة الحاكمة من الشرعية الشعبية وعدم تمكينهم من الحكم مرة اخرى. فمهما كانت المبررات، فان كلام الامام زين العابدين لاحد اصحابه “فما أقل ما اعطوك في قدر ما اخذوا منك، وما ايسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك” سيظل ملزما للمؤمنين الذين آلوا على انفسهم ان لا يقاروا على كظة ظالم.
رابعاً: ان حرمان العائلة الحاكمة من الشرعية الشعبية بمقاطعة نظامهم ضرورة لاسقاطهم مستقبلا. اما التصالح معهم تحت اي سقف فلن يوفر للشعب مطالبه الاساسية التي تتمثل اساسا في الاجابة على سؤالين: من يحكم البحرين؟ وكيف؟ وبالتالي فسيظل تيار التغيير مصرا على مقاطعة الحكم على غرار ما حدث مع نظام صدام حسين طوال 35 عاما. فقد كانت تلك المقاطعة ضرورة لاسقاطه عندما توفرت الظروف. اما التصالح معه فهو تمديد لتأشيرة الاقامة التي يحتاجها للبقاء في الحكم.
خامساً: ان القطيعة الكاملة بين الشعب والعائلة الحاكمة تعني، اذا استمرت، تعميق ثقافة التحرر وتؤدي بالتدريج لاقناع حلفائها بعدم الجدوى من دعمها ما دامت مرفوضة تماما من قبل الشعب الذي تحكمه. وقد اثبتت تجربة المشاركة في الانتخابات قبل الثورة انها كانت بمثابة شريان الحياة للنظام الحاكم، فقد ظهر للعالم بانه مقبول من الشعب وان لديه شعبية دستورية، وانه يمارس الديمقراطية من خلال الانتخابات، وانه ليس من حق احد معارضته خارج نصوص دستور 2002، الامر الذي اوصل المعارضة في تلك الفترة الى ادنى مستوياتها. ولم تؤد المشاركة الى نتائج تذكر، بل عجز المشاركون عن استجواب مسؤول واحد عن التعذيب، او اطلاق سراح المئات الذين اعتقلوا في صيف 2010، ولم يستطيعوا وقف التجنيس السياسي الذي هو خطوة متقدمة على طريق ابادة الشعب الاصلي، ولم يوقفوا التمييز. وكل ما يمكن ان يدعيه المشاركون انهم ربما ساهموا في تحقيق تحسين طفيف في القضايا المعاشية. وهذه ليست مهمة السياسيين، بل مسؤولية النقابات والاتحادات العمالية. وقد استفاد النظام كثيرا من تلك التجربة التي اظهرته نظاما شرعيا مستندا الى دستور يسمح بالمشاركة والمحاسبة الظاهرية. كانت تجربة مرة في نظر الشعب الذي انفجر غيظا في ربيع 2011.
سادساً: ان سقوط الانظمة لا يحدث بطريقة واحدة، بل ما اكثر الطرق التي تؤدي لسقوط الديكتاتوريات، وما اكثر العوامل المحلية او الاقليمية او الدولية التي تتضافر لتطيح برؤوس الاستبداد. والبحرين ليست حالة شاذة. وبقطع كافة خطوط التواصل مع العائلة الحاكمة، وسد الطرق امام اية محاولة لامدادهم بحبل يطيل حياة نظامهم، ستصبح مهمة التغيير اسهل كثيرا، خصوصا في ضوء التغيرات الاقليمية المتوقعة. ومن لا يعتقد بحتمية حدوث هذه التطورات فانه لا يقرأ الواقع ولا ينظر بتفحص الى ما حوله. فمن كان يعتقد ان مجلس التعاون الخليجي سينقسم على نفسه علنا مرتين في غضون شهرين؟ الاولى في “حوار المنامة” حين رفضت سلطنة عمان مشروع الاتحاد الخليجي التي تسعى السعودية لفرضه على المنطقة، والثانية حين سحبت ثلاث عائلات خليجية سفراءها من الدوحة احتجاجا على السياسات القطرية خصوصا دعم الدوحة للاخوان المسلمين واصرارها على تشغيل قناة الجزيرة. هذه التطورات تحدث بدون توقف، فاذا استمر الحراك الشعبي البحراني ضد العائلة الحاكمة ، مع وجود قطيعة كاملة لدى ابناء الشعب، فستتوفر ظروف التغيير يوما. فالصراعات الاقليمية والمحلية ليست مستبعدة، بل متوقعة خصوصا في ظل غياب انظمة برلمانية تمارس الشعوب دورها من خلال نوابها فيها. ان التناقضات التي تعيشها دول المنطقة كفيلة بخلق الظروف المؤاتية للتغيير يوما. لان البديل هو التخلي عن مشروع التغيير والاعتماد على الحوار مع عصابة متحكمة بكل شيء. فان ذلك لن يحقق شيئا ولن يؤدي الى تغيير حقيقي.
سابعاً: ان اي تغيير سياسي اقل من اسقاط الحكم العائلي، حسب ما تطرح الجمعيات السياسية، يجب ان يسحب اسباب القوة التي توفر للعائلة الحاكمة القدرة على قمع الشعب دائما. وهناك قطاعات خمسة يجب تحريرها من ايدي العائلة الحاكمة ، وهي الجيش والامن والشرطة و القضاء والاعلام. فهذه القطاعات يجب ان تكون بايدي الشعب، وليس بايدي العائلة الحاكمة التي اساءت استخدامها وحولت وظائفها من توجهاتها الوطنية ودورها الشعبي الى وسائل بايدي رموز العائلة الحاكمة تتيح لها قمع المواطنين. هذا، يعني ان اي اتفاق مستقبلي مع هذه العائلة سيستمر طالما ضمن مصالح العائلة، فاذا شعرت بان مصالحها تضررت فستستعمل القطاعات الخمسة المذكورة لضرب الشعب والغاء الاتفاقات من طرف واحد. وهذا ما حدث في 1975 حين رأى النظام الحاكم ان استمرار العمل بمواد الدستور وتفعيل المجلس الوطني سيضر بمصالحهم على المدى البعيد. وبجرة قلم واحدة اصدر الحاكم السابق، بتوجيه من اخيه رئيس الوزراء، قرارا بتعليق العمل بمواد الدستور وحل المجلس الوطني، وادخال الشعب في الحقبة السوداء التي تواصلت عقودا.
ثامناً: ان اسقاط النظام اصبح شعارا وطنيا، رفعه الثوار واستمروا عليه ويصرون على تحقيقه. وهذا يمثل تغيرا في الثقافة الشعبية التي كانت تخشى التعرض للعائلة الحاكمة ورموزها. اما اليوم فالمطالبة باسقاط النظام وشعار “يسقط حمد” اصبحا عنوانا للتحرك الشعبي الذي لا يتوقف ابدا، ليلا ونهارا. وبرغم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب من شهداء وسجناء ومطاردين فالواضح ان المعاناة المتصاعدة تعمق القناعة الشعبية باسقاط النظام. والمشروع الاسقاطي منسجم تماما مع الشعار الشعبي، ولا يتضارب مع تطلعات الشارع الذي لم يزده النضال الا وعيا وثباتا وايمانا بحتمية النصر.
تاسعاً: ان اصحاب مشروع اسقاط النظام يعتقدون ان التخلص من الحكم الفاسد ضرورة دينية وانسانية، وان من غير الممكن اقامة العدل في ظل حكم قبلي يقوم على مبدأ الاستخلاف ويعتقد ان الحكم حق وتشريف وتفويض إلهي يخول صاحبه العمل كما يشاء. هؤلاء لا يعتقدون ان علاقة شعب البحرين بالعائلة الحاكمة “أزلية” وليست من الثوابت الوطنية، ولا تنسجم مع روح العصر والتطور التي تقتضي الشراكة السياسية وتقوم على مباديء التعددية والرقابة والمحاسبة. وعليه يرون ان اسقاط النظام، بالاضافة لكونه مسؤولية كبرى، فانه ممكن جدا سواء وفقا للقوانين المادية التي تمنع استمرار الحكم الظالم (الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم) ام من منظور الحتمية الدينية التي لا تطلب من المؤمنين بها الا الصبر والتقوى (بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا، يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين”، ام من زاوية التطورات الاقليمية التي شهدت صعود قوى كان اهلها مظلومين وسقوط حكام مارسوا الظلم بدون حدود وامتلكوا اموال قارون “فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم الا قليلا، وكنا نحن الوارثين”. ان ايمان الاسقاطيين ينطلق من العمل المتواصل على الصعدان الميدانية والسياسية والتربوية والتحليل السياسي الذي يشير الى سقوط بعض القوى الاقليمية التي فشلت في تطوير نفسها وتصر على ابقاء نظامها السياسي متخلفا (وفي مقدمتها السعودية). وقبل كل شيء وبعده فانهم يبذلون جهدهم ويستعدون وفق الاستطاعة “واعدوا لهم ما استطعتم”، ويتركون الباقي للمدد الغيبي الموعود.