- البحرين والإمبريالية البريطانية
- مقدمة
- دَور بريطانيا في تقوية الوُجود الخليفي
- البحرين غنيمة حرب
- الوضع قبل الحرب العالمية الأولى
- الوضع بعد الحرب العالمية الثانية
- الحماية الأميركية إلى جانب البريطانية
- الهوامش
لقد برهن تواجد الملك حمد في عشاء احتفال اليوبيل الماسي للملكة اليزابيث الذي عُقِدَ في قلعة وندسور في الربيع الفائت لهذا العام 2012 مدى عُمق الروابط بين الدوائر الحاكِمة في بريطانيا و البحرين، فقد تمّت زيارة حمد على الرغم من عمليات القتل، و التعذيب و الفصل من العمل و عمليات القمع التي مورست بحق الشعب البحريني المطالب بالديمقراطية و حق تقرير المصير.
مقدمة
لقد برهن تواجد الملك حمد في عشاء احتفال اليوبيل الماسي للملكة اليزابيث الذي عُقِدَ في قلعة وندسور في الربيع الفائت لهذا العام 2012 مدى عُمق الروابط بين الدوائر الحاكِمة في بريطانيا و البحرين، فقد تمّت زيارة حمد على الرغم من عمليات القتل، و التعذيب و الفصل من العمل و عمليات القمع التي مورست بحق الشعب البحريني المطالب بالديمقراطية و حق تقرير المصير.
و كانت بريطانيا القوة الرئيسية في تشكيل البحرين الحديثة و تركيبها، و الدفاع عن حُكم آل خليفة فيها، و دعمها المتواصل للنظام يعني أنه يجب أن تقبل و تتحمل مسؤولية كبيرة حيال مشاكل المملكة الحالية.
هذا البحث سَيَنظُر في سِجِل الحُكم البريطاني في البحرين، و الكيفية التي تمَّ فيها خَلق المُقاومة الشعبية التي صَدَحَت أصدائها في الحركة الديمُقراطية السَّائدة اليوم.
بريطانيا كانت موجودة في الخليج منذ القرن السادس عشر، و في القرن التالي قامَت سفنها البحرية بطرد الإستعماريِّين السَّابقين من البُرتغاليِّين، و نصّبت نفسها بمثابة القوّة الأوروبية التجارية و البحرية المُهيمِنة في تلك المياه1، و في بداية القرن التاسع عشر ظَهَرَ هُنالك قَلَق على طُرُق تجارتها الحيوية مع الهند، و دَقَّ ناقوس الخطر إزاء حملة نابليون على مصر و قوّة أساطيل العَرَب المحليِّين، فحفّز ذلك بريطانيا لفرض سَيطرتها المباشرة2.
و قد ظهرت إدعاءات بأن هذه الأساطيل العربية عبارة عن قراصنة، و لكن في الواقع كانت تلك الأساطيل تعمل على إبعاد المُتَطَفِلِين البريطانيين، فَشَنَّت بريطانيا حَمَلَات مختلفة لهزيمة الحُكَّام العرب المحليِّين و أساطِيلهم، وبعد إثبات قوّتها العسكرية توصَّلت بريطانيا إلى التفاهم مع هؤلاء الحُكَّام، و كان أول هؤلاء الحُكَّام الذين وجَّهَتْ بريطانيا اهتمامها نحوهم هُم آل خليفة حُكَّام البحرين.
دَور بريطانيا في تقوية الوُجود الخليفي
كان آل خليفة قد سَيطروا على البحرين في عام 1782 عندما قادوا قوّات من قبائل العُتوب، و قاموا بِطَرد القوّات الفارسية من الجزيرة، و تَزَامَنَ غزوهم مع تزايد الاهتمام البريطاني في الخليج، و كانت شركة الهِند الشرقية قد أَنشَئَت مصانع (مخازن التجارة) في البصرة و بوشهر و بندر عباس، فضلاً عن الرغبة بالحفاظ على المَمَرِ المَائي من “القراصنة” الذين سَبَّبوا قلقاً عند البريطانيِّين خاصة مع وجود التجّار الفرنسيِّين و الهولنديِّين و التوسُّع الروسي في القوقاز حتى الشمال من حدود بلاد فارس، و في عام 1798 وقّعت بريطانيا معاهدات مع حُكّام مَسْقَط، و بعد ثلاث سنوات مع حُكّام بلاد فارس3.
في يونيو 1816 تلقَّى الملازم ويليام بروس المُقيم في شركة الهند الشرقية (الوكيل) في ميناء بوشهر الفارسي، رسالة من الشيخ عبد الله آل خليفة يسأل فيها عَمَّا إذا كانَ صحيحاً أن البريطانيِّينكانوا قد تحالفوا مع حاكِم مَسْقَط لمُهاجمة البحرين، فأبحَرَ بروس على مِتن سفينة بحرية للمملكة و عَقَدَ مُعاهدة صَداقة مع آل خليفة بموجبها استطاعَت السُفن البحرينية أن تتعامل مع موانئ الشركة الهندية و العكس، و كذلك تم السّماح لها بالإقامة في البحرين بدون أية قيود4.
في تقريره إلى مقر الشركة في مومباي أشاد بروس بمزايا ميناء البحرين، و قال أن بريطانيا يجب أن تستقر هناك و تلعب دور المفتِّش على “بلاد فارس و تركيا و الدول العربية”5، و في عام 1820 طالبت بريطانيا آل خليفة بالتوقيع على اتفاقية عدم تداول السّلع التي استولى عليها القراصنة في البحرين.
في عام 1861 أرسلت بريطانيا قوّة بحرية إلى البحرين، و احتجزت اثنين من المراكب الشِّراعية، و فَرَضَت معاهدة دائمة “للسلام و الصداقة” مع آل خليفة بموجبها يكون لدى المُقيم السياسي البريطاني المسؤولية لتسوية أية خلافات حول التجارة و الحِفاظ على الأمن في المَمَرَّات المائية في البحرين، و بموجبها أيضاً يتم مُعاملة المُقيمين البريطانيِّين على أنهم ذَوُو أولوية.6
لقد وَعَدَ آل خليفة بإنهاء القرصَنَة في مُقابل الحُصول على الحِماية البريطانية، و بحُلول ذلك الوقت كان آل خليفة يُشَجِّعُونَ على تطوير نظام المَحَاكِم الدينية المنفصلة للسكّان السُّنة و الشِّيعَة كُلٌّ على حِدَة، حيث المحاكم الشيعيِّة لم تكُن تَتَلَقَ أي تمويل من قِبَلِ الدولة، و في حالة أي نزاع بين أفراد من الطائفتين يُنصّب قاضٍ من الطّائفة السُّنية لحل هذا النِّزاع.
البحرين غنيمة حرب
يقول اسحاق نقّاش: “إن غزو آل خليفة للبحرين حَوّل البُنية الطبقية في الجُزُر إلى درجة أفضل بقليل من العبودية، و لأن البحرين لم تخضع لآل خليفة بسهولة، اعتبرت العائلة الحاكمة وفق تفسيرها لـ“الشريعة الإسلامية” جميع المُمتلكات في الجُزُر كغنائم حرب، و صادرت مُعظَم الأراضي الزراعية و قامت بتأجيرها مرّة أخرى على البحرينيِّين الشيعة، و بحلول القرن الـ20 أصبحت العائلة الحاكمة أكبر مَالِك للأراضي و مزارع النَّخيل في تاريخ البحرين، و تستحوذ على ما يصل إلى 80 في المئة من الأراضي الزراعية”7.
وإذا نحّينا جانباً ما يُبَرِّر هذا “القانون الإسلامي” المفترض للأسرة الحاكمة من الاستيلاء على الأراضي المملوكة و التي كانت تلقَ رَوَاجاً كبيراً، و انتزاع الإيجارات من المؤجّرين الذين كانوا يتلقونها من المستأجرين، إلى جانب ذلك كان السكّان الشيعة خاضِعِين لضَريبة الرأس “الرقبة”، و المياه و زراعة التُمُور، و ضرائب الأسماك8.
في عام 1867 و بعد سيطرة آل خليفة على ميناء الزُبارة قامت الأخيرة ثائِرة، و التي كانت مُلكيتها مُتنازع عليها مع دولة قطر، فطلب الشيخ محمد آل خليفة من المُقيم البريطاني في الخليج الكولونيل لويس بيلي المساعدة في استعادة السيطرة على الميناء، و طلب أيضا مساعدةً من إيران، و قبل أن يستجيب إحداهما حشّد الشيخ محمّد قوّة كافية للسيطرة على المدينة، و لكن في خطوة تهدُفُ إلى فصل نفسه عن بريطانيا من أجل التحالف مع إيران، اعترضت بريطانيا على اتصالات الشيخ محمد معهم، و ظهر بيلي أمام البحرين مع اُسطول بحري و حَاصَرَ و قَصَفَ العاصِمة و حَرَقَ اُسطول الشيخ، و عندما استسلم الشيخ، طرد بيلي الشيخ من منصبه و نصّب شقيقه الشيخ علي9.
وكان تغيِّير النِّظام جرّاء نزوةً من البريطانيِّين دائماً شيئاً مُحتملاً، ففي عام 1869 وصَلَ اُسطول بريطاني وسَمَح لأنصار عيسى بن علي آل خليفة بالسّيطرة لتنصيب قائدهم باعتباره “شيخ”10، و في عام 1890 طالبت بريطانيا بتولِّي المسؤولية القانونية عن الرَّقابة القضائية لرعاياها، بدلاً عن قِيام السلطات المحلية بذلك، و اعتبر المقيم السياسي في البحرين أن الرقابة القضائية ليست حصراً على المُقيمين البريطانيِّين فقط و لكن أيضاً على المَحَاكِم الوطنية، و كذلك طريقة تطبيق القانون.
بعد ذلك بعامَين وقّع الشيخ و الوكيل البريطاني في بوشهر “اتفاقية الحماية المَانعة” التي تَنُص على أن آل خليفة لا يملكون الحق في الدخول في أي اتفاق أو حتى التواصل مع أي دولة أخرى غير الحكومة البريطانية، و غير مسموح لوكلاء الدول الأخرى بالدخول للبحرين من دون إذن بريطانيا11، و حينها كانت البحرين رسمياً جُزءاً من الإمبراطوريّة العُثمانية، و لكن في عام 1892 أرسلت الحكومة البريطانية مُذَكَّرَةً إلى السُلُطَات في القِسْطِنْطِينِيَة [اسطنبول] قائلة: حقيقة أن البحرين تحت حِماية صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا… و أي تدخل من قبل السُلُطَات العُثمانية مع السكّان الأصليِّين لهذه الجزيرة غير مقبول12، و رَفَضَ العُثمانيُّون سَحبَ دَعواهُم من البحرين، و لكنَّهم أكّدوا لبريطانيا أنَهُم لن يفرضوا ذلك.
“اتفاقية الحماية” التي تمّ التوقيع عليها من قِبَل الشيخ عيسى، تضمّنَت التالي:
1. أنا لن أدخل في أي اتفاق أو مراسلات مع أي دولة أخرى غير الحكومة البريطانية بأي شكل من الأشكال.
2. أنا لن أوافق على إقامة أي وكيل تابع لحكومة أخرى في البحرين من دون موافقة الحكومة البريطانية.
3. إنني لن أتنازل بأي شكل من الأشكال أو أبيع أو أرهن أو أعطي للإحتلال أي جزء من أراضي بلدي حفاظاً على الحكومة البريطانية13.
و كان هذا الإتفاق نموذجاً للمعاهدات مع سبعة حُكّام آخرين على طول السّاحل العربي للخليج، فريد هاليداي يُشير إلى أن :”الوكلاء الرئيسيِّين في السياسة البريطانية هم المسئولون الاستعماريون الذين أُرسلوا إلى الخليج و تحت ظل النظام الهندي اتخذوا اسم “المُقيمين السياسيِّين و هم تابعون للوكلاء السياسيّين، و حتى عام 1947 كان الوكيل مُقيماً في بوشهر في الجانب الإيراني، و انتقل بعد ذلك إلى البحرين و بَقيَ هُناك حتى عام 1971 14.
في عام 1895 اندلعت حركة تمرّد ضد الشيخ، و ساعد الوكيل البريطاني في الخليج بإخمادها تاركاً خسائر فادحة، و حاولت القوّات العُثمانية بعدها أن تسترجعَ الجزيرة و لكنَّها هُزِمَت من قِبَلِ البريطانيِّين15، دقيقة واحدة في العام 1899 أوضحت موقف البحرين من قِبَل وزارة الخارجية في الحُكومة البريطانيَّة في الهِند المسؤولة عن شؤون الخليج، قائلة: من الناحية السياسية لدينا مَحميّة بالفعل، شعوب مختلفة قد تُعطي مَعاني مُختلفة للكلمة، و لكن كل المعاني يكون فيها عُنصُراً واحداً مُشتركاً، و هي أن أي دولة مَحمية لا تمتلك حرية التصرّف في الشؤون الخارجية، إلّا من خلال موافقة الدولة الحامية16.
الوضع قبل الحرب العالمية الأولى
في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى عزّزت بريطانيا موقفها في منطقة الخليج بشكل عام و في البحرين بشكل خاصعندما حاولت الدولة العثمانية إعادة تعزيز وجودها في المنطقة17، و جَرَت مفاوضات في عام 1915 بعد وصول السفن الحربية البريطانية و المسؤولين فيها، بعدها قام الشيخ عبدالله نجل الشيخ عيسى بزيارة إلى لندن، للتوصّل إلى اتفاق مع آل خليفة، طالبوا فيها بالمساواة مع الحُكّام الآخرين في الخليج، و الحق في تعيين رئيس المجلس (البرلمان الشكلي) بدون أي تدخل بريطاني، و الحق في التعامل المباشر مع لندن و تملّك ميناء الزُبَارة القَطَري -و الذي تم الإعتراف به لصالح قطر في عام 2001 من قبل محكمة العدل الدولية-، و في المقابل مَنَحَت سُلطَةً أكبر إلى المُقيم السياسي بعد إصدار مرسوم بريطاني في المجلس.
بعد عامَين وافقت السُلُطَاتِ البريطانية في لندن و دلهي على أن المُقيم السياسي سيكون المسؤول عن حكومة الهِند ما لم تكن الشؤون لها انعكاسات دولية، إذ حينها ستتدخل وزارة الخارجية البريطانية في لندن، و رَفَضَت بريطانيا مَطَالِب الشيخ عيسى و بدأت تنظر إليه و ابنه عبدالله على أنهم يشكلون تهديداً لموقعها مؤكدة -بمزيد من النفاق- مصلحة العائلة الخاصة، و عدم إشراك المواطنين البحرينيين في صنع القرار.
مثال لكيفية نظر بريطانيا إلى حاكم آل خليفة الشيخ عيسى بن علي أتى من المُقيم -حينذاك- الرائد ديكسون، الذي جادَلَ في مارس عام 1920: إنّ من شأن وجود سفينة حربية في ميناء البحرين أن يفعل الكثير من أجل الحفاظ على مكانتنا بين مجموعة تناسَت وجود الإمبراطورية البريطانية، و لها طَمع في البحرين، شخصياً أعرف أيضاً أن عملي سيتم بسهولة إلى حدٍ كبير إذا كان الشيخ عيسى مُستيقِظاً أحياناً ليرى سفينة حربية راسية في مينائه18.
بعد مفاوضات جَرَت مع الشيخ عبدالله بن عيسى تمَّ الإتفاق على أن يتم تشكيل المجلس البلدي مع تنصيبه -ـ اي عبد الله -ـ رئيساً على أربعة من المُعيَنين بواسطته، و أربعة أجانب يُعَيَّنون بواسطة ديكسون، و شهدت الجلسة الأولى عِدَّة مُظاهرات غاضبة19، قرّرت بريطانيا أنها تُريد عَزل الشيخ عيسى و لا تريد للشيخ عبد الله أن ينجح، و كانت مستعدة عندما تُتَاح لها الفُرصة أن تعترف بمظالم السُكّان الشيعة لاستخدامها ضِدَّ الشّيخ، و في ديسمبر 1921 وصل وكيل جديد (الرائد ديلي)، الذي حصل على انتداب و كان خطابه ينص على: “… أنّ المجتمع الشيعي في حالةٍ من الإذلال الكبير و عُرضَةً لِمَذَابِحَ جَمَاعيّة فهُم ليس لديهم مأوى و شهادة أحدهم ليست مقبولة، ممتلكاتهم عرضة للنهب، و أنفسهم عُرضَةً لسوء المُعامَلة في أي لحظة20، وذُكر أن ديلي أعطى ملجأً إلى رجل كان والده قد قُتل.
المَد المُتَصَاعِد للقومية العربية كان يعني انتقاداً لدور بريطانيا في البحرين، و هُنا تعرّضت مراكز الشُرطة للهجوم، و خوفاً من هذا التطوّر رَجَعَ الشيخ إلى ديلي للحُصُول على المَشورة و النّصيحة، في فبراير تم إنقاذ أحد القرويِّين الشيعة من قِبَل أصدقائه و عائلته من الإعتقال، إنفجر الغضب إلى جانب إغلاق المحلات التجارية في المنامة، و توقّفت الأسواق عن العمل، و في مواجهة ذلك وافق الشيخ حَمَدْ على قَبول وفد قدّمَ شَكَاوَاه، و التي كانت: قيام مَحاكِم قانونية عادلة، و وَضَعَ حَد لرَعي مواشي الشيخ في مزارع القرويِّين، و وَضَعَ حد للعمل القسري، و وضع حَد لعُجُول و مأكولات الشيخ التي كان يتم تسمينها عند الخبّازين في حين كان العدل يركض موليّاً هارِباً مِنَ السِّجن، وافق الشِّيخ حَمَد و لكن كانَ هناكَ شَكٌ كبير أنه لن يفعل شيئاً حِيَالَ ذلك21.
بعد الاضطرابات في الجزيرة في عام 1923 و التي تعرّض فيها التجار الفُرس (الإيرانيِّين) للهجوم، و مع تزايد القلق في لندن على حكم الشيخ عيسى، وَصَلَ المُقيم السياسي البريطاني الكولونيل نوكس مع اثنتين من السفن الحربية، و طالب الشيخ عيسى بن علي بالتنازل عن العرش، إلا إنه رفض، لكن نوكس أعلن تنازل الشيخ عيسى عن العرش ببساطة، و أعلن تنصيب الشيخ حمد بن عيسى حاكماً، أقرّ نوكس بعض الإصلاحات التي ورد فيها أنَّ الوكيل السياسي سيكون مسؤولاً عن الشؤون السياسية و الإدارية، فضلاً عن الشؤون القضائية لجميع الأجانب، و سيتم كذلك إنشاء دائرة جمارك لتنهي السّيطرة الشخصية من قِبَل آل خليفة على الجمارك و إيراداتها، إذ لم يُعَد بعدها ممكناً للعائلة المالكة أخذ ما يريدون من رعاياها بكل بساطة، و لم يكن هناك الحق في تكوين الجمعيّات إلا بموافقة الوكيل السياسي و الأمير حَمد، و أخيرا، ينبغي على السُّنة و الشيعة على حدٍ سَوَاء دفع الضرائب، في حين اعترفت بريطانيا بأن لم تكن هناك مساواة بينالسُّنة و الشيعة و أنَّ البحرين كانت ترزح تحت الهمينة السنية22.
و صَرَّحت بريطانيا: “استقرَّت الأوضاع في البحرين تحت حكم الشيخ حمد، و لكن تم الحكم بشكل كبير عن طريق الوكيل السياسي”23، وفي 10 أغسطس 1925 ظهر الإعلان التالي في العمود الشخصي للتايمز: “شاب مُهذّب، يتراوح عمره بين 22/28 سنة، مدرسة عامة و/أو تعليم جامعي، مطلوب للخدمة في دولة شرقية، مع راتب جيِّد و آفاق مناسبة، و يجب أن يكون لائِقاً بدنيّاً و ذو سُمعةً طَيِّبة، و الكفاءة في اللُّغات مفضلة”24.
شاب متخرّج من جامعة أكسفورد و المسؤول الإداري السابق في خدمة الاستعمار البريطاني تشارلز بلجريف، لبّى الطلب و وجد نفسه يجري مقابلات مع وكيل بريطانيا في البحرين، و أرادَ الشيخ مسؤولاً إنجليزياً ليكونَ مُستشاره الشخصي، فَحَصَلَ بلجريف على المنصب و أدار شؤون البلاد بشكل رسمي من سنة 1926 حتى 1957، و كان هو رسمياً بمثابة مُستشار مالي لكنه في الوقت نفسه كان يدير النظام القضائي و تولّى تعيِّين الشرطة من البلوش، و العُمانيِّين و اليمنيِّين و العراقيِّين25.
في نفس الوقت تقريباً حدثت واقعة أخرى كانت من شأنها أن تحدث تحوّلاً في البحرين، كانت حينها شركات النفط البريطانية غير متمكنة من العثور على النفط بمعدّل كبير في شبه الجزيرة العربية، و ركّزت بدلاً من ذلك على حقولهم في العراق و إيران، و لكن في عام 1929 قامت شركة نفط البحرين (بابكو)، و هي شركة مملوكة بالكامل لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا و لكنها مُسجّلة في كندا من أجل الحُصُول على مدار الفيتو البريطاني على الشركات الأمريكية من دخول البحرين، بتوقيع حقوق البلاد من النفط بموافقة من آل خليفة، و بعد ثلاث سنوات من ذلك بدأت صادرات النفط و إيراداته في التدفُّق على خزائن العائلة المالكة26، و تمتّع بلجريف بعلاقات وطيدة مع رجال النفط الأميركيين، كما فعل في وقت لاحق مع البحرية الامريكية27.
ضَرَبَ الكَسَادِ العَظيم في 1930 البحرين بقوة و تأثَّر صَيْدَ اللُّؤلؤ التقليدي سَلبَاً عقب ارتفاع الصّادرات اليابانية من اللّؤلؤ الإصطِناعي، و لكن تم تعويض ذلك من خلال تطوير حقول النفط في البلاد، إذ ذهب بعض من 40-50 في المئة من عائدات الدولة إلى العائلة المالكة من خلال اللاّئحة المدنية، في حين حصل الشيخ حمد على ثُلث جميع عائدات النّفط، أصبَحَ لدى آل خليفة حينها قوّة اقتصادية أكبر من التُجّار في البِلاد28، و في عام 1938 شَهِدَت البحرين إضراباً على المُعَامَلة التفضيليّة المَمْنُوحة لعُمّال النّفط الأجانب و اتَحَدَ البحرينيّون السُّنة و الشِّيعة مَعَاً لأوَّلَ مَرَّة.
“… إن المطالب التي أثيرت كانت من أجل السيطرة المحلية على التعليم، و الحق في تنظيم النقابات العُمّالية، و الإستعاضة عن الوكيل السياسي البريطاني و طُرِدَ العُمَّال الأجانب من شركة نفط البحرين”29، تم بعدها نفي ثلاثة من قادة الإضراب، و عندما هَدَّدَ الطُلَّاب و العامِلون في قطاع النّفط بالإضراب العام دعماً لحركة المجلس في نوفمبر تشرين الثاني عام 1938، عَمَدَ النِّظام إلى توقيف بعض الإصلاحيِّين البارزين و قام بترحيلهم إلى الهند، و خلال الحرب العالمية الثانية قامت السُلُطَات الفيدرالية الأمريكية بتمويل بناء مُصفَاة متقدِّمة لوقود الطَّائِرات و ثلاث محطّات لبناء حاويات العَبَّارَات و السُّفُن و خزّانَات النّفط، و بعد ذلك تم تسليمهم إلى شركة النفط بابكو، كل هذا يعني أنَّ البحرين أصبَحَت مَوطِنَاً لتنامي أفراد الطَّبَقَة العامِلة الذين تم توظيفهم من الجُزُر، و كان ذلك يساعدها بسرعة لممارسة نفوذها”30.
تزايدت أهمية البحرين بالنسبة لبريطانيا و بعد أن ساءت علاقاتها مع إيران بعد أن تولّى السلطة رضا شاه من سُلَالة بَهلوي الجديدة إثر انقلاب عام 1923، و قد حَاوَلَ الشَّاه الجديد الحَدْ من النُّفوذ البريطاني في إيران، على سبيل المثال مَنَعَ الخطوط الجوية الملكية من التَحليق فوقَ البلاد و مَنَح ذلك لشركة لوفتهانزا الألمانية، و ما كان لبريطانيا إلّا أن تسحب قوّاتها المتبقية، و تركَ قواعِدَها البحرية في هنجام و باسيدو، و في قضية رفعتها إلى عُصبَة الأمم زادت حصّتها من عائِدات شركة النفط الإنجلوفارسية من 16 إلى 21 في المئة، على الرغم من قبولها بتمديد التأجير لحقول النفط للبلاد حتى عام 1961.
الشَّاه أيضاً وَضَعَ طلباً رسمياً لإلحاق البحرين بحكومته، و ادِّعاء طهران بانتظام أن السُلُطَات البريطانية لم تقدِّم الحماية الكافية للسُكَّان الشيعة في البحرين، ظهرت هناك اقتراحات في لندن على ضرورة جعل البحرين محميّةً بريطانية لكن حكومة الهِند اعترضت على أي تغيِّير في الوضع الرَّاهن في منطقة الخليج و التي يمكن أن تستفيد منها إيران، و لذلك فإنَّ الموقف الرسمي أعلن أنَّ: “الإمارة هي دولة عربية مُستقِلَّة تحت حماية حكومة صاحب الجلالة، و لكنها ليست محمية بريطانية”31، و في عام 1934 اشترت بريطانيا أرضاً في البحرين لإنشاء قاعِدَةً جويةً و بحرية، و في العام التالي أصبحت تلك الأرض القاعدة البحرية الملكية الرئيسية في الخليج32، و بجانب ذلك بدأت العُنصرية من قبل المسؤولين البريطانيِّين في الظهور، و تَجَلَّت عندما قال الوكيل البريطاني في البحرين، عشية الحرب العالمية الثانية، “نحن بالتأكيد لا نريد إدارة أراضيها و شعبها المثير للاشمئزاز”33.
الوضع بعد الحرب العالمية الثانية
في نهاية الحرب العالمية الثانية سَادَ موجة كبيرة من التفاؤل بسبب مَدِّ القومية العربية التي يَرمُزُ إليها جمال عبد الناصر في مصر و الكِفاح الجزائري من أجل الإستقلال، و ظَهَرَت المُعارضة للحُكم البريطاني و آل خليفة على خلفية استقلال الهند سابقاً، و الإطاحة بالنظام الملكي المصري في عام 1953، و بعد ذلك الإذلال للإمبراطورية البريطانية مع فشل الغزو الأنجلو- الفرنسي-الإسرائيلي في مصر في عام 1956، كانت البحرين غير مُتأثِّرة، و كان هَدَفُها الوَحيد الوَاضِح هُوَ التَخَلُّص من تشارلز بلجريف.
كما يُشير إسحاق نقّاش، حيثُ يقول: “بحلول أواخر عقد 1940، الشيعة و كذلك السُّنَة، وصلوا لخلاصة أن بلجريف رَمزٌ للإستعمار في البحرين، و بين السُكّان المحليِّين كان يُعرف ببساطة بمنصبهِ كـ “مستشار”، و قد رَبَطَ البحرينيون بلجريف بآل خليفة باعتبارهم مَصدَرَ فقرهم و مُعَانَاتِهم”34، و كَانَ من ضِمن أسباب الإحتجاجات دعم بريطانيا و الولايات المتحدة لإسرائيل.
وفي مايو 1948 زارت حاملة الطائرات الأمريكية و مرافقوها البحرين ودُعِيَ ضُبَّاطُها إلى عَشَاء فَخم مع الشيخ سلمان و بلجريف، و ذلك بعد يوم من اعتراف واشنطن بدولة اسرائيل، 15 دعوة فقط من ضمن 60 للبحرينيِّين البارزين قد قُبلت و الباقي قدّموا سياسات الولايات المتحدة سبباً لرفضهم تلبية الدعوة35.
اندلعت الثورة مرة أخرى في عام 1953 و عام 1954، و بلغت ذروتها في إضرابٍ عام في شهر يوليو عام 1954، و كان الحافز الأولي ظهور تحرُّكات للتغلُّب على الإنقسام الطائفي بعد حدوث اشتباكات بين السنة و الشيعة، و في رَدٍ مباشر على دعوات عبد الناصر من القاهرة للوُحدة العربية إلتَقَى القَوميون الشِّيعة و السُنة في أكتوبر 1954 في مسجد الخميس، في اجتماع هو الأوّل من نوعه في الجزيرة و كتبوا وثيقة من المطالب ضدَّ الحُكم البريطاني.
نَظَّمَ المُصلحون من السُنَّة و الشيعة على حَدٍ سَوَاء اللّجنة التنفيذية العُليا لهيئة الإتحاد الوطني (HEC) للمُطالبة بمزيد من الحُكم الشعبي الوطني و قيام مجلس تشريعي و الحق في تشكيل نقابات عمالية و إنشاء المحاكِم المُختَصّة، و قادَت المُفاوضات التي طال أمَدُها بين الشيخ و اللجنة التنفيذية العُليا إلى اعتراف الشيخ باللجنة التي تمثِّل الوحدة الوطنية، في مُقابل إسقاط اللجنة العُليا مطالبتها بمجلس وطني، و كان رد فعل النَّاشطين في النقابات العُمالية هو تشكيل جبهة التحرير الوطني البحرينية، من أجل الضغط لإجراء تغييرات أكثر جذرية في البُنية السياسية في البلاد، و في عام 1954 انتَخَبَ العُمَّال المُضرِبون حِزباً سياسياً خاصاً بهم، و هي اللجنة التنفيذية العُليا التي ضَغَطَت من أجل الديمقراطية البرلمانية36.
بعد ذلك بعامَين، قامَ المَلِك حسين مَلِك الأردن بتسريح السير جون كلوب رئيس الجامعة البريطانية العربية و قائد الجيش العربي المدرب و المسلّح و ذلك بفعل الضغوط القومية العربية، و الذي كان يُنْظَرْ إليه على أنه رَمزٌ للنفوذ البريطاني في الشرق الأوسط، فركّزَت المعارضة البحرينية على المُطالبة بإخراج بلجريف37.
و كانت جبهة التحرير الوطني البحرينية و التي هي حالياً تحتَّ مُسمّى (جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي) في صِلبِ الإضطرابات المُتزايدة، و التي كانت حينذاك مُرتبطةً بالحزب الإيراني (الشيوعي) “توده”، و الذي تأسَّسَ في حَدِّ ذاتهِ من قِبَلِ البحرينيِّين الذين يعيشون في إيران، و في مارس 1956 كانت قد شُلّت حركة الجزيرة بفعل الإحتجاجات الطُلَّابية و إضراب عُمَّال شركة بابكو، و قَتَلَت القوَّات البريطانية عشرة مُتظاهرين و سَجَنَت الكثير منهم، و تمَّ أيضاً نفي قادة مِثل عبد الرحمن الباكر، و عبد العزيز الشَمْلان و عبد علي العليوات، إلى سانت هيلانا في جنوب المحيط الأطلسي، حيث قضى نابليون أيّامَه الاخيرة38، و لكنَّ القمع لم يُخمِد الإضطرابات التي كانت مُتأجِّجَة بفعل صُمُود مصر أمام المحاولة البريطانية و الفرنسية لاحتلال قناة السويس إلى جانب اسرائيل، ففي ديسمبر توقَّف سَلوين لويد وزير الخارجية البريطاني في البحرين و هو في طريقه للقاهرة، و هَتَفَ عَشَرَاتِ الآلاف من المُتَظَاهِرين: “سلوين عُد إلى بلادك”، و قطعَ الطريق من المطار إلى المنامة و رُجِمَت سيَّارته من قِبَلِ المُحتَجِّين الذين طالبوا بإخراج بلجريف، فاضطر الوزير البريطاني حينها للوصول إلى العاصمة في قارب عبر البحر39.
بعد أيام قليلة من إلقاء الحجارة على سيارة سلوين لويد، قادَت اللجنة التنفيذية العُليا للإضراب احتجاجاً سَقَط على إثرِهِ خمسة قتلى من المُتظاهرين40، كذلك عَقَدَ رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدن جلسة مناقشة في داونينغ ستريت بشأن مناقشة الوضع في البحرين و الخليج، و قد كان مُتحفِّزا لصالِح التدخُّلِ العَسكري و صَرَّح نيابةً عن الشيخ قائلا: “نمتلك جميع الموارد، يجب علينا اتخاذ التدابير اللّازمة و الضرورية لجعلها مُتاحة”41.
و فيما يتعلق ببلجريف ذكر أيضا: “لا يُمكِننا أن نقبل بإخراج مستشار بريطاني آخر رفيع المستوى لحاكم عربي في المستقبل المنظور”42، و كانَ زُملاؤُه أقل حِرصَاً على التدخُّل العسكري مع قول سلوين لويد لإيدن في كلماتٍ كانت قد تُطبِق على عملية السويس في المستقبل، و ذكر أيضاًعلى ما يلي: “إنَّ من شأن تلك العملية التأثير على أصدقائنا و خاصَّة الأميركيِّين، و العملية ستكون هديَّةً دَعائية للمصريين و غيرهم من أعدائنا”43.
سلوين لويد قال أنَّ بلجريف كان عليه أن يخرج لأنه كان قد أصبح رمزاً لكل ما هو خاطئ في البحرين، و أرادَ الشيخ سلمان من بلجريف أن يقول ذلك و لكنَّه -أي مستشاره- لم يظهر أي علامة تَدُل على الخروج، و انتهت جلسة مناقشات لندن في نهاية المَطَاف في اغسطس مع إعلان تقاعُد بلجريف عن العمل، و بحلول ذلك الوقت فقد احتلّت الأحداث في السويس الأضواء، و كانت هيئة الإتحاد الوطني المعارضة قد دخلت في مفاوضات مع الحكومة، و تَلَا ذلك سَلَام نسبي و لكن أخبار غزو السويس أشعل الفتيل مرة ً أخرى44.
اجتاحتِ البَحرين مَوجَةُ احتجاجاتٍ في 3 نوفمبر 1956 ضِدَّ الهجمة الامبريالية، صاحبها إضرام النَّار في الشركات الأجنبية، ففرّ حُكَّام آل خليفة من العاصمة المنامة، و لجأوا مؤقتاً لقرية الرفاع الغربي حيث سُمح فقط للعوائل العربية السنية التي خدم أفرادها كحُرَّاس شخصيين للعائلة المالكة بالعيش فيها، و وَضَعَ آل خليفة و بريطانيا في نهاية المطاف حَدَاً للثورة، و أعلنت الأحكام العُرفية و حظرت الإضرابات، و لكن كِلاهُما كانَ على بيِّنَةٍ من تصاعد موجة القومية العربية على أية حال45.
وردّ الشيخ سلمان على ذلك من خلال اعتقال قيادات الحركة في اللجنة التنفيذية العُليا (هيئة الاتحاد الوطني)، و اتُهموا بالتآمُر على قتله و بلجريف، و حوكموا من قبل محكمة مكوّنة من بلجريف و ثلاثة من أفراد العائلة المالكة و التي قرّرت ترحيل ثلاثة منهم إلى ساينت هيلانا، و أعلنت بعدها حالة الطوارئ و عادت البحرين إلى حكم آل خليفة مُجدداً46.
غادر بلجريف البحرين رسمياً في عام 1957 بسبب سوء حالته الصحية و حَلَّ محله “مستشار” بريطاني آخر، و مع حلول عام 1958 سيطر أعضاء عائلة آل خليفة على 14 منصباً من أصل 60 من المناصب المهمة في الحكومة بجانب المسؤولين البريطانيين الذين سيطروا على 23 منصباً أيضاً، و بحلول عام 1965 ارتفعت حصّة عائلة آل خليفة إلى 25 منصباً من أصل 63، و استندت الشرطة و جهاز المخابرات على الأجانب، إذ في عام 1959202 شرطي من أصل 739 كانوا بحرينيين في حين كان 127 منهم من شمال اليمن، 61 من عُمان و نفس العدد من جنوب اليمن، و كان 17 من أصل 29 ضابطاً هم من الضُبَّاط البريطانيين: “إن مدراء إدارة المباحث الجنائية (C.I.D)، كانوا 3 من القبارصة معروفين في البحرين بـ”بن، و بوب و غرين” كانوا مكروهين بشكل خاص، و الإثنان السابقان تقاعدا من الخدمة بعد أن اُصيبا بجروح خطيرة في انفجار قنبلة زُرِعت في سيارة بوب في عام 1966″47.
كانت الإطاحة بالحُكم الملكي المدعوم من بريطانيا في العراق في عام 1958 ضربة رأس موجعة لوضع بريطانيا في الخليج، فتوجَّه سلوين لويد على الفور إلى واشنطن حيث تم الاتفاق على أن يتم منح الكويت استقلالها بهدف تهدئة الحركات القومية هناك، و لكن بريطانيا كانت ما تزال مصرة على الحفاظ على سيطرتها في باقي دول الخليج، و أرسل سلوين لويد برقية إلى لندن قائلا: “يجب مهما تكن التكاليف و تحت أي ظرف من الظروف إبقاء هذه الحقول النفطية تحت سيطرة الغرب”48، و جاءت الإحتجاجات الأولى بعد عام 1956 في عام 1962 عندما أضربَ مُعَلِّمو المدارس الثانوية و كانوا بعدها قد تعرَّضوا للإعتقال الجماعي، و في عام 1963 أخذت النساء في التظاهر للمرة الأولى للإحتفال بالوحدة بين مصر وسوريا والعراق، و في عام 1965 اندلعت الإضطرابات مرة أخرى مع الإضراب احتجاجاً على تسريح العُمَّال في بابكو، و طَالَبَ المُضرِبون ليس فقط بإعادة المفصولين بل في الحق في تنظيم النقابات العُمَّالية، و إطلاق سراح السُّجَنَاء السياسيِّين و وَضع حَدٍ لحالة الطوارئ و مضايقة الشرطة للمتظاهرين، و احتشدَ الطُلَّاب في مسيرة مؤيدة لتلك الحركة الإحتجاجية.
و شَهِدَ مارس 1965 انتفاضة واسعة النطاق ضد سيطرة بريطانيا على البحرين بعد إقالة عُمَّال النفط، و بدأت المُظاهرات بطُلَّاب المدارس الثانوية الذين تعرَّضوا للهجوم من قبل قوات الأمن مِمَّا أدّى إلى انتفاضةٍ شعبيةٍ واسعة تحت شعار ” فليسقُطِ الإستعمار”. و استمرت الإنتفاضة لمُدَّةَ شهرٍ تقريباً تم خلالها قتل 6 بحرينيين و جَرح و سَجن العديد من الآخرين خلال الإحتجاجات التي طالبوا فيها: بإعادة المفصولين، و الحق في تكوين النقابات العمالية و حرية التجمع و اطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، و إزالة جميع العاملين البريطانيين و الأجانب و رفع حالة الطوارئ المعمول بها منذ عام 1956.49 ، و شُكّلت جبهة من القوى التقدمية بما في ذلك الشيوعيون و البعثيون50، فريد هاليداي يشير إلى تحوّل رئيسي إلّا و هو أنَّ: “التُجَّار الذين عملوا في حركة 1954-1956 لم يشاركوا في هذه الحركة، و كان الطابع الطبقي للمعارضة قد تغيَّر …” 51.
مدينة المحرق، و التي لُقّبت بِبُور سَعيد تكريماً للمقاومة في المدينة المصرية ضِدَ البريطانيين في العامين السابقين، كانت قد تحرّرَت لعدة أيّام، و قَذَفَت طائرات الهوليكوبتر البريطانية الغاز المسيل للدموع على البلدة52، و أثناء كل ذلك زارَ الأمير فيليب و صرّح لدى وصوله قائلاً: “آمل أني لم أقطع حرباً”53.
و بدأت الشرطة و قوّات الأمن بكسر الحركة و سَجن و نفي زعمائها54، و على الرغم من أن الإنتفاضة قد قُمِعَت فهي قد تركت خلفها إرثاً ثورياً غنياً، و في عام 1966 جنّد الوكيل البريطاني ضابطاً استعمارياً سابقاً من كينيا اسمه أيان هندرسون الذي كان متورطاً في عمليات مكافحة التمرُّد و العِصيان خِلال ثورة (الماو ماو) لإنشاء جهاز الدولة للمخابرات، و الذي “تحول إلى أداة فعَّالة و قمعية لآل خليفة”55، و بقي هندرسون في منصبه حتى عام 1998، و بقت القوّات البريطانية في محلها و في مايو 1966 أشارت مجلة الإيكونومست إلى أنّه: “لو لم تكن القوَّات هناك ربما قد تمَّ إسقاط الحكومة حتى لو كانَ مؤقتاً فقط”56.
الحماية الأميركية إلى جانب البريطانية
في عام 1967 أعلنت حكومة هارولد ويلسون في لندن أنها سوف تسحب جميع القوات البريطانية من شرق السويس، و كان البريطانيون ينسحبون أيضاً من القاعدة البحرية بمنطقة الجفير في البحرين، في حين كان هناك قلق من الطموحات الإيرانية و العراقية للسيطرة على منطقة الخليج لذا تدخلت الولايات المتحدة، وفي عام 1970 تم الإتفاق و التوصُّل مع الشيخ لتولِّي القاعدة البحرية في الجفير، حينها قال المفاوض الأمريكي :”و كان حضرة صاحب السمو واضحاً جداً في أن البحرين ترغب باستمرار الوجود الاميركي”57.
أصبح آل خليفة آنذاك تحت “حماية” الولايات المتحدة و لكن بريطانيا واصَلت تشغيل قوات الأمن من خِلال أشخاصها المعينين، و في العقود التي أعقبت الحرب حتى الإنسحاب البريطاني في عام 1971، أجَّرت بريطانيا المرافق البحرية في البحرين إلى الولايات المتحدة، و بعد عام 1971 وافقت الولايات المتحدة على دفع مبلغ 4 ملايين دولار في السنة في مُقابل الحُصول على حقوق القاعدة العسكرية، لكن البحرين انسحبت من هذه الصفقة في عام 1973 احتجاجاً على دعم أميركا لإسرائيل في حربها في ذلك العام مع الدول العربية المجاورة، بعد ذلك و في عام 1977 و بعد مفاوضات مطوّلة، لم تَتَلَقَ الولايات المتحدة سوى مرافق محدودة و أصبحت البحرين حينها قاعدة أمريكية رئيسية خلال حرب الخليج 1990-1991 عندما اعتمد 20000 عسكري أمريكي البحرين مقراً لهم، كونها المنطلق للعملية الجوية ضِدَّ العراق خلال عملية عاصفة الصحراء، و في عام 1995 أصبحت البحرين مَوطِنَاً للأسطول الأمريكي الخامس للقيادة الإقليمية الأمريكية للمنطقة، بالإضافة إلى دفع إيجار القاعدة العسكرية بدأت الولايات المتحدة بصفقات كُبرى لبيع الأسلحة لمن تعتبرها الآن حليفاً رئيسياً58.
في عام 1972 سمح الشيخ بانتخابات لإنشاء المجلس الوطني، و في نهاية المطاف انتُخِبَ 27000 من الذكور 30 عضواً لذلك، و انقسمت الجبهة الوطنية القديمة تحت مسمّى آخر إلى كتلة شعبية، و حزباً دينياً قائماً على الشيعة القرويين59.
اجتمع المجلس في دورتين في ديسمبر 1973 و يوليو 1974 ، و لكن بسبب معارضتها لقانون أمن الدولة الجديد الذي اقترحه (الأمير الراحل) الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، و الذي سيمنحه كامل الصلاحية في اعتقال أي شخص يُهدِّد الأمن القومي في نظره، و حينها قابل الشيخ تلك المعارضة من قبل المجلس الوطني بتعليق الدستور و الحُكم المباشر من خلال قانون أمن الدولة، و لم يجتمع المجلس الوطني بعدها و لو لمرّة واحدة60.
سُجِن الآلاف و أُبقيَ الإعلام تحت تضييقٍ شديد، و من دون الدعم البريطاني تحوَّل آل خليفة للسعودية للحصول على المُساعدة و الخبرة في مجال الرقابة الداخلية، تُوّج ذلك في عام 2011 عندما قامت القوات السعودية بعبور الجسر الفاصل للمساعدة في قمع الإنتفاضة التي كانت جزءاً لا يَتَجَزَّأ من هذا الربيع العربي.
و وجود كبير للشرطة من السكوتلانديارد جون ييتس، كمستشار حالي للملك حمد و مُتَمَسِكَاً بالتقليد الذي وضعه بلجريف و هندرسون فإنَّه يُشَكِّلُ إرثاً حياً و مُستَمِراً للإمبريالية البريطانية61، و هو التقليد الذي لا ينبغي التمسك به في القرن 21 من قبل المَلكة، و رئيس الوزراء ديفيد كاميرون و البنوك و الشركات البريطانية الذين يحصلون على مدخول منتظم من البحرين.
الهوامش:
1. هوشنك اميراحمدي، الجزر الصغيرة، و السياسة الكبيرة: الطنب و أبو موسى في الخليج الفارسي، بلجريف، 1996، صفحة 4
2. فرهنك مهر، الإرث الاستعماري: النزاع على جزر أبو موسى، و الطنب الكبرى و الصغرى، الجامعة الأمريكية للصحافة 1997، صفحة 41-42
3. حسن علي رضي، القضاء و التحكيم في البحرين: دراسة تاريخية و تحليلية، أبريل 2003، صفحة 10
4. حسن علي رضي، القضاء و التحكيم في البحرين: دراسة تاريخية و تحليلية، أبريل 2003، صفحة 12
5. جيمس أونلي، الحدود العربية من الحكم البريطاني: التجار و الحُكَّام و البريطانيون في الخليج في القرن التاسع عشر، مطبعة جامعة أكسفورد 2007، صفحة 50-51
6. ميشيل ل. بورجس، حدود الخطاب في محكمة العدل الدولية: خلافات رسم الخرائط في النزاعات الحدودية العربية، أبريل 2009، صفحة 152، و حسن علي رضي، القضاء و التحكيم في البحرين: دراسة تاريخية و تحليلية، أبريل 2003، صفحة 13
7. إسحاق نقَّاش، من أجل الوصول إلى السلطة: الشيعة في العالم العربي المعاصر، مطبعة جامعة برينستون، 2007، صفحة 59
8. إسحاق نقَّاش، من أجل الوصول إلى السلطة: الشيعة في العالم العربي المعاصر، مطبعة جامعة برينستون، 2007، صفحة 57
9. بيروز مجتهد زاده، الأمن و الإقليمية في الخليج الفارسي: الجغرافيا البحرية السياسية، روتليدج، 1999، صفحة 128
10. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الاميرالات و البحَّارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية، و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 13
11. ميشيل ل. بورجس، حدود الخطاب في محكمة العدل الدولية: خلافات رسم الخرائط في النزاعات الحدودية العربية، أبريل 2009، صفحة 152
12. جوكان جيتينسايا، الإدارة العثمانية للعراق 1890-1908، روتليدج، 2006، صفحة 137
13. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 429
14. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 430
15. بيروز مجتهد زاده، الأمن و الاقليمية في الخليج الفارسي: الجغرافيا البحرية السياسية، روتليدج، 1999، صفحة 130
16. بريتون كوبر بوش، بريطانيا و الخليج الفارسي 1894-1914، مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1967، صفحة 139
17. بريتون كوبر بوش، بريطانيا و الخليج الفارسي 1894-1914، مطبعة جامعة كاليفورنيا، 1967، صفحة 144-146
18. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ و الإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 4-5
19. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ والإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 29
20. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ والإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 33
21. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ والإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 35-36
22. حسن علي رضي، القضاء والتحكيم في البحرين: دراسة تاريخية وتحليلية، بريل، 2003، صفحة 41-42
23. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ و الإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 5
24. حياة، 17 نوفمبر 1952
25. إسحاق نقَّاش، من أجل الوصول إلى السلطة: الشيعة في العالم العربي المعاصر، مطبعة جامعة برينستون، 2007، صفحة 62
26. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الأميرالات و البحَّارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية، و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 16
27. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الأميرالات و البحَّارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 16
28. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ و الإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 6
29. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 443
30. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الأميرالات و البحارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية، و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 17-19
31. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ و الإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 6-7
32. مهدي عبد الله التاجر، البحرين، 1920-1945: بريطانيا و الشيخ و الإدارة، روتليدج، 1987، صفحة 7
33. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 3
34. إسحاق نقّاش، من أجل الوصول إلى السلطة: الشيعة في العالم العربي المعاصر، مطبعة جامعة برينستون، 2007، صفحة 64
35. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الأميرالات و البحَّارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 23
36. فريد لوسون، البحرين المعاصر، في بيتر جيلكوسكي، و جورج لينكزوسكي و روبرت جيه برانجر (المحرّرين)، الإيديولوجيا و السلطة في الشرق الأوسط: دراسات في الشرف من جورج لينكزوسكي، مطبعة جامعة ديوك، 1988، صفحة 124
37. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 9
38. مرحمة حسن مرحمة، أصوات: مختارات من الشعر المشروح البحريني المعاصر، ترافورد للنشر، 2009، صفحة 18-19
39. مرحمة حسن مرحمة، أصوات: مختارات من الشعر المشروح البحريني المعاصر، ترافورد للنشر، 2009، صفحة 18-19 و فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 445
40. ديفيد كومينز، دول الخليج: التاريخ الحديث، آي بي توريس، 2012، صفحة 145
41. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 10
42. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 10
43. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 11
44. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 445
45. سيمون سميث، النهضة و السقوط البريطاني في الخليج: الكويت و البحرين و قطر و الإمارات المتصالحة، روتليدج، 2004، 1950-1971، صفحة 13
46. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 445
47. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 445-446
48. حاييم جوردون، العودة الى حرب يونيو 1967، جرينوود، 1999، صفحة 17
49. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 446
50. فريد لوسون، البحرين المعاصر، في بيتر جيلكوسكي، و جورج لينكزوسكي و روبرت جيه برانجر (المحررين)، الإيديولوجيا و السلطة في الشرق الأوسط: دراسات في الشرف من جورج لينكزوسكي ، مطبعة جامعة ديوك، 1988، صفحة 125 و فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 446
51. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 446
52. ميريام جويس، حكم الشيوخ و حكومة صاحبة الجلالة، 1960-1969، روتليدج، 2003، صفحة 65
53. ميريام جويس، حكم الشيوخ و حكومة صاحبة الجلالة، 1960-1969، روتليدج، 2003، صفحة 66
54. فريد لوسون، البحرين المعاصر، في بيتر جيلكوسكي، و جورج لينكزوسكي و روبرت جيه برانجر (المحرّرين)، الإيديولوجيا و السلطة في الشرق الأوسط: دراسات في الشرف من جورج لينكزوسكي، مطبعة جامعة ديوك ، 1988، صفحة 125 و فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 446
55. ليون كارل براون، الدبلوماسية في الشرق الأوسط: العلاقات الدولية في موازين القوى الإقليمية و الدولية، آي بي تورس، 2004، صفحة 50
56. فريد هاليداي، الجزيرة من دون سلاطين، البطريق، 1974، صفحة 447
57. ديفيد فرانك وينكلر، الأمراء، الأميرالات و البحّارة في الصحراء: البحرين، البحرية الأمريكية و الخليج العربي، مطبعة معهد البحرية، 2007، صفحة 52
58. لُبنى علي آل خليفة، الإستثمار الأجنبي المباشر في البحرين، الناشرين العالميين، 2004، صفحة 113-114
59. غراهام فوللر، وريند رحيم، الشيعة العرب: المسلمون المنسييون، بلجريف، 2001، صفحة 125
60. لورنس لوير، السياسة الشيعية عبر- الوطنية: الشبكات الدينية و السياسية في منطقة الخليج، مطبعة جامعة كولومبيا، 2009، صفحة 156-157
61. http://www.bbc.co.uk/blogs/adamcurtis/2012/05/if_you_take_my_advice_-_id_rep.html الدخول تاريخ 29 مايو