د. حسن سعيد
باحث بحريني
مقدمة
أمريكا في خطاب قاسم: نظرة أولية
أمريكا الداعمة للنظم المستبدة أوالديمقراطيات “الطيعة”:
أمريكا والحوار مع الإسلاميين/المعارضة:
بين الإصلاح الأمريكي والإصلاح الذي تفرضه الشعوب
خاتمة
مقدمة:
ما هو موقف الشيخ عيسى أحمد قاسم من السياسات الأمريكية في المنطقة؟ وما هو موقفه من سياسة الدعم الأمريكي للحكومات المستبدة؟ والسؤال الأكثر إثارة: ما موقفه من حوار المعارضة الإسلامية – جمعية الوفاق البحرينية نموذجا – مع المسئولين الأمريكيين؟ تحاول هذه الورقة تقديم بعض الأجوبة لهذه الأسئلة مع التركيز على موضوع الحوار مع الأمريكيين من قبل الإسلاميين الذين يمثلون التكتلات المعارضة الأساسية في الكثير من الدول العربية والإسلامية وفي البحرين تحديدا. اعتمدت هذه الورقة على مصدرين أساسيين هما كتاب (أضواء على الفكر السياسي الإسلامي) وموقع (المقاوم للثقافة والإعلام). الكتاب (المؤلف من جزئين) والصادر عن المجلس الإسلامي العلمائي في البحرين يضم مجموعة كبيرة من خطابات الشيخ عيسى أحمد قاسم ولكنها مرتبة بشكل موضوعات متعددة يجمعها عنوان كبير هو الفكر السياسي الإسلامي. أما موقع المقاوم للثقافة والإعلام فهو يعتبر أرشيف إليكتروني يحتوي على الكثير من خطابات الشيخ قاسم وبياناته. تسعى هذه الورقة للتعرف على بعض ملامح رؤية الشيخ عيسى قاسم بخصوص التعاطي مع الأمريكيين وخصوصا من قبل الإسلاميين الذين يمثل قاسم المرجعية السياسية الأساسية بالنسبة لهم في البحرين. تأتي أهمية مثل هذه الموضوعات في أنها تحاول الإضاءة على الخلفية السياسية والدينية للتعاطي مع الأمريكيين خصوصا مع ما للسياسات الأمريكية من نظرة سلبية على الصعيد المحلي في البحرين أو على الصعيد العربي والإسلامي العام.
أمريكا في خطاب قاسم: نظرة أولية
يقدم خطاب الشيخ عيسى أحمد قاسم، في مجمله، صورة قاتمة للأهداف والأدوار الأمريكية. وسواء تم ذكرها بشكل مباشر أم ضمن عناوين أكثر اتساعا كالغرب أو الاستكبار العالمي، فإن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تبدو إحدى المحاور الأساسية في الكثير من خطابات الشيخ قاسم وذلك، كما يبدو، لمحورية الدور الأمريكي في الكثير من الملفات المتعلقة بالإسلام والمنطقة في الفترة الراهنة. من هذه الملفات، على سبيل المثال، ملف القضية الفلسطينية والعلاقة مع إيران والدور الأمريكي في أفغانستان والعراق بالإضافة لملفات الإرهاب والغزو الثقافي والصراع مع الإسلام. في كل هذه الملفات، وما شابهها، يقدم خطاب الشيخ قاسم رؤية ناقدة للرؤية الأمريكية ومحذرة منها وداعية لمواجهتها. ينطلق الشيخ قاسم في رؤيته السلبية للسياسات الأمريكية، كما يتبدى من مجموعة من خطاباته، من خلفية إسلامية ترى في التصدي لهذه السياسات ضرورة لحفظ الإسلام والدول الإسلامية والمنطقة من دور سلبي أمريكي. وفق خطاب الشيخ عيسى قاسم، فإن الموقف من الإسلام هو معيار طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. يقول: “فالقضية ليست أمريكا ولا روسيا ولا إيران …… بل القضية من أناب إلى الله ومن عادى الله، فيوم أن تكون أمريكا الأكثر هدى فلابد أن تكون متابعتنا لها في هداها ويوم أن تكون روسيا هي الأهدى فعلينا أن نكون متابعبن لها في هداها برغم المسافات والتاريخ المرير وبرغم كل شيء”. (الحديث القرآني الرمضاني – 24 رمضان 1435هـ / 22 يوليو 2014م – موقع المقاوم). يتبدى هنا أن الدور السلبي الأمريكي تجاه الإسلام هو المنطلق الأساسي للرؤية السلبية للسياسات الأمريكية في خطاب الشيخ قاسم.
أمريكا الداعمة للنظم المستبدة أوالديمقراطيات “الطيعة”:
من أبرز ما ينتقده خطاب الشيخ قاسم في السياسة الأمريكية هو دعمها للحكومات المستبدة في المنطقة أو مساندتها لقيام ديمقراطيات “طيعة” تحافظ على مصالحها في المنطقة، على حساب مصالح الشعوب، تحت شعار نشر الديمقراطية. فأمريكا تهب “لإنقاذ أي حكومة تستجيب لتقديم [مصالحها] على مصالح الأمة والشعوب وتحضر بمالها ورجالها وسلاحها وخبرائها وخططها لنصرة الحكومة الموالية” ولا يؤثر في هذا الدعم كون الحكومة “بعيدة كل البعد عما يتشدق به الغرب من الديمقراطية” (ج 2، ص 287). بالإضافة لدعم الحكومات المستبدة، فإن السياسة الأمريكية توفر الدعم للديمقراطيات الطيعة أيضا. حسب قاسم، فإن السياسة الأمريكية، وللحفاظ على مصالحها في المنطقة، قد تلجأ للعمل على استغلال شعار نشر الديمقراطية لخلق بدائل “طيعة” قد تستفيد منها مستقبلا حين لا تكون الحكومات المستبدة قادرة على حفظ مصالحها. أضف إلى ذلك، فإن أمريكا من خلال هذه البدائل المشكلة من “الطموحين للمناصب والذين تغريهم الدنيا” تقوم بتهديد “كل الحكومات القائمة بالفعل لتستمر في إعطاء التنازلات وتقدم كل عزيز على الأمة في سبيل البقاء”. (ج 2، ص 296-297) فالبديل الذي تسعى له الولايات المتحدة الأمريكية عوضا عن الأنظمة المستبدة، إن فشلت في تأمين مصالحها، هو البديل الديمقراطي “الطيع” الذي يؤمن بحضارتها ويؤمن مصالحها. يقول الشيخ قاسم: “أمريكا إنما تريد ديمقراطية مصنوعة على عينها تؤمن بحضارتها وطرحها وتوجهها ورموزها وأخلاقيتها، وتؤمن مصالحها وموقعها في البلاد الإسلامية” (ج1، ص 399).
أمريكا والحوار مع الإسلاميين/المعارضة:
يرى الشيخ قاسم بأن أمريكا قد تصل إلى مرحلة من المراحل التي تجد فيها من الضرورة لحفظ مصالحها فتح حوار مع الإسلاميين/المعارضين وهو الأمر الذي لا يرفضه قاسم ولكنه يقرنه بمجموعة من الشروط. ما يجمع الطرفان، الإسلامي والأمريكي، كما يبدو من خطاب الشيخ، أن الإسلامي لا يرفض أسلوب الحوار وأن الأمريكي قد يلجأ للواقعية في بحثه عن مصالحه. فالإسلاميون، حسب ما يرى الشيخ، “لا يرفضون الحوار أسلوبا لإحقاق الحق والمصير إلى العدل في العلاقات الإنسانية وتبادل المصالح المادية بين مختلف بلدان العالم، ولا يعادون شعوبا أخرى بكاملها، ولا يريدون سوءا بالآخر، ولكنهم يرفضون العدوان الأجنبي ويقاومونه”. أما الأمريكي، أو الغربي بشكل عام، فإنه قد يلجأ لفتح باب الحوار مع الإسلاميين بعد أن تصبح العلاقة مع الأنظمة “مكلفة له جدا، أو لا تحمل ضمانات مستقبلية كافية للحفاظ على مكاسبه الهائلة، وإن كان لا يتوقع من العلاقة الثانية بقدر ما كانت تقدمه له علاقته السابقة مع ما تفرض عليه العلاقة الجديدة من شروط كان متحررا منها”. من أبرز ما يشترطه الشيخ في أي حوار من قبل الإسلاميين مع الأمريكيين وغيرهم هو أن لا يكون مطلوبا من الإسلاميين “بيع الدين والأهل والأوطان، والتنازل عن الهوية والانتماء ولو في مقابلة الشراكة في الحكم أو حتى في الاستقلال به تماما في أي بلد من البلدان، فإن هذا إنما يعني سد باب الحوار تماما”. كما أن على الإسلاميين أن لا “ينسوا القيمة العالية لحضارتهم الإسلامية، أو يتخلوا عن الإخلاص لها والوفاء بشروط الانتماء في ظل أي ظرف من الظروف وتحت لغة الوعد والوعيد والإغراء والتهديد”. أضف إلى ذلك، فإن على الإسلاميين أخذ الحيطة والحذر “في الحوار مع الأوروبيين والأمريكيين ابتداء واستمرارا، ومن التحسب لمختلف الاحتمالات وراء الرغبة التي قد يبديها أولئك في الانفتاح على الطرف الإسلامي وتدشين الحوار معه، والاحتراس من الالتفافات في طريق الحوار وفخاخه المنصوبة”. (ج 2، ص 298-299).
بالإضافة إلى ما سبق، يقدم الشيخ قاسم في بعض خطاباته بعض النقاط التي يمكن أن تدعم فكرة الحوار بين الإسلاميين أو المعارضة السياسية مع الأمريكيين. ففي حديثه عن المعارضة ووسائلها في تحقيق أهدافها يذكر أن “”توصيل المعارضة صوتها إلى شعوب العالم وأحراره من أجل أن تتفهم الحق وتقف معه وتناصره وتنكر على السالبين له أمر معقول ومقبول ومطلوب” (ج 2، ص 300). أضف إلى ذلك، فإن ما يشجع سعي المعارضة لإيصال صوتها لشعوب العالم هو عدم خلو أمريكا والغرب، رغم الاختلاف مع الخط العام لسياساتهم، “من أصوات تحترم قيمة العدل وإنسانية الإنسان” (ج 2، ص 213). كما تتبدى أهمية التواصل في كونه يأتي لمواجهة الطرح الذي تقدمه الأنظمة للاعتذار عن القيام بالإصلاحات تحت شعار “خطر تسلق الإسلاميين والإرهابيين إلى مواقع القرار والسلطة” (ج 2، ص 217).
بين الإصلاح الأمريكي والإصلاح الذي تفرضه الشعوب
يقدم خطاب الشيخ قاسم نموذجان للإصلاح والديمقراطية: إصلاح تفرضه أمريكا وإصلاح تفرضه إرادة الشعوب الأمر الذي يجعل أي حوار بين الممثلين للرؤيتن حوارا مليئا بالتحديات. يقول قاسم: “لا أهلا ولا سهلا بإصلاح تفرضه أمريكا، ولا رجاء ولا أمل في إصلاح يتبرع به النظام الرسمي العربي، وسيبقى الأمر مرهونا بإرادة الشعوب” (ج 2، ص 219). بعد استثناء إصلاح الأنظمة الرسمية حيث “لا رجاء ولا أمل” فيه، يرفض قاسم الإصلاح الأمريكي الذي “من شأنه أن يؤزم الأمور، ويأسر الأمة، ويخلق مواجهات خطيرة” (ج 2، ص 218) ولكنه يبقى مراهنا على الإصلاح النابع من إرادة الشعوب. في السياق نفسه، يدعو قاسم الشعوب الإسلامية إلى الترحيب بالديمقراطية إذ “ليس أمام الشعوب الإسلامية من ناحية عملية إلا أن ترحب بديمقراطية تعطيها الخيار الحر” إلا أنه في ذات الوقت يحذر من “الديمقراطية المشروطة بالنمط الغربي وبقيمومة أمريكية أو أوروبية” (ج 1، ص 282). هذا التمييز الواضح في خطاب قاسم بين الإصلاح الأمريكي والإصلاح الذي يأتي بإرادة الشعوب يقدم الحوار بين المعارضة السياسية والأمريكيين في صورة حوار ملئ بالتحديات وليس مجرد حوار شكلي في قضايا متفق على مجمل تفاصيلها. اللافت في مثل هذه الحوارات، كما يفهم من بعض خطابات الشيخ، أن الطرف الإسلامي، المتهم أحيانا في إيمانه بالديمقراطية وحدودها، يبدو هو الأكثر حرصا في تثبيت الديمقراطية من الطرف الأمريكي الساعي لديمقراطية لا تنال من مصالحه في المنطقة.
خاتمة:
رغم الخطاب الناقد للسياسات الأمريكية في المنطقة، لا يغلق الشيخ قاسم الباب كليا في وجه أي حوار بين الأمريكيين والإسلاميين/ المعارضين وذلك وفق قراءة تمايز بين الحوارات فلا ترفض أصل الحوار ولكنها لا تقبل بأي حوار أيضا. فأمريكا قد تدعم حكومة مستبدة وقد تسعى لتأسيس ديمقراطية “طيعة” وقد تضطر لحوار معارضة تمثل صوت وإرادة الشعب. والساعون للديمقراطية من الشعب قد يسعون لها رغبة في المناصب وطلبا للدنيا وقد يكونون على النقيض من ذلك تماما. والديمقراطية قد تأتي على أساس إصلاح أمريكي وقد تأتي وفق ما تفرضه إرادة الشعوب. وسط هذه التمايزات، يقدم خطاب الشيخ قاسم رؤيته القائمة على مجموعة من الأسس منها:
- أن السياسات الأمريكية في المنطقة هي سياسات، في مجملها، معادية.
- أنها سياسات داعمة للحكومات المستبدة والديمقراطيات “الطيعة”.
- أن أمريكا قد تضطر للحوار مع الإسلاميين/المعارضين الممثلين لإرادة شعوبهم لحفظ مصالحها.
- أن تكون أي معارضة متحاورة مع الأمريكيين ملتزمة بهويتها ورافضة للتنازل عن الإرادة الشعبية وشديدة الحذر.
- أن يكون الهدف هو الإصلاح الذي يأتي متناسقا مع الإرادة الشعبية وليس الإصلاح الذي تفرضه أمريكا.
المصادر:
قاسم، الشيخ عيسى أحمد، أضواء على الفكر السياسي الإسلامي، جمع وإعداد الشيخ سعيد المادح، الجزآن الأول والثاني، المجلس الإسلامي العلمائي، بيروت: دار المحجة البيضاء، 2014.
قاسم، الشيخ عيسى أحمد، إضاءات قرآنية في رحاب سورة لقمان، الحلقة السابعة، الحديث القرآني الرمضاني – 24 رمضان 1435هـ / 22 يوليو 2014م – موقع المقاوم للثقافة والإعلام.