د. حسن سعيد
باحث بحريني
تمهيد
عجم البحرين: امتداد تاريخي منذ ما قبل الإسلام
إيران وحماية البحرين من الاعتداءات الخارجية
الخلاصة
المراجع
تمهيد
تربط البحرين بالعجم، سواء أكانوا في البحرين أو إيران، علاقات تاريخية عميقة تمتد لمرحلة ما قبل الإسلام. في تلك الفترة، وبالإضافة لارتباط البحرين بالدولة الساسانية، كانت تعيش على أرض البحرين حينها جالية فارسية أيضا. لذلك، يمكن القول بأن أهل البحرين، أو العرب منهم تحديدا، ارتبطوا بفئتين من العجم: الفئة الأولى هي العجم الذين يعيشون معهم في البحرين والفئة الثانية هي عجم إيران التي تربطهم بها علاقة وثيقة. وفي الوقت الذي يعد فيه عجم البحرين جزءا أساسيا من مكونات شعب البحرين حتى اليوم، مثل عجم إيران في فترات تاريخية مختلفة مصدر حماية للبحرين من الاعتداءات الخارجية. تسعى هذه الورقة لإلقاء الضوء على بعض ما يخص عجم البحرين في فترة ما قبل الإسلام بالإضافة إلى ذكر بعض الحوادث التي ساهمت فيها إيران في حماية البحرين من الاعتداءت الخارجية. تكمن أهمية مثل هذه الموضوعات في أنها تسلط الضوء على جانب تاريخي قد تكون له انعكاساته الحاضرة وخصوصا بعد أحداث فبراير 2011 في البحرين.
عجم البحرين: امتداد تاريخي منذ ما قبل الإسلام
يذكر ياقوت الحموي في الجزء الأول من كتابه “معجم البلدان” أن النبي (ص) أرسل العلاء بن الحضرمي إلى البحرين في السنة الثامنة من الهجرة فتوجه إلى المنذر بن ساوى وإلى سيبخت مرزبان هجر “فأسلما وأسلم معهما جميع العرب هناك وبعض العجم. فأما أهل الأرض من المجوس واليهود والنصارى فإنهم صالحوا العلاء” (الحموي، 1995، ص 348).
يثبت هذا النص أن وجود العجم في البحرين سابق على دخول الإسلام إليها أي منذ ما قبل العام الثامن للهجرة (630 للميلاد تقريبا) كما يثبت أن بعض العجم دخلوا في الإسلام منذ تلك الفترة وبعضهم، حالهم في ذلك حال بعض العرب من اليهود والنصارى، ظل على ديانته السابقة في تلك الفترة. فالبحرين، منذ القدم، كانت تضم العرب إلى جانب العجم وإن كان العرب يمثلون معظم السكان وخصوصا قبيلة عبد القيس التي ارتبطت بالبحرين.
هذا الوجود التاريخي الممتد لعجم البحرين يمكن التعرف على بعض ملامحه من خلال كتاب “البحرين في صدر الإسلام” لعبد الرحمن العاني. يذكر العاني أن البحرين عند دخول الإسلام كانت تسكنها قبائل عربية مثل عبد القيس ” بالاضافة إلى عناصر غير عربية كانت تقطن فيها وأهمهم الفرس” (العاني، 2000، ص 49). كانت البحرين في تلك الفترة تابعة للدولة الساسانية الفارسية ولذلك لم يكن مستغربا أن يكون فيها بعض التواجد الفارسي. يقول العاني “كان في البحرين قبيل الإسلام جالية فارسية وهي تشمل القوات العسكرية التي أوطنها الساسانيون هذه المنطقة لتأمين سيطرتهم على البحرين” (المصدر نفسه، ص 59).
مما يورده العاني أيضاً أن معظم سكان البحرين قبل الإسلام كانوا ينتمون للنصرانية ولكن هناك من كان ينتمي لليهودية وعبادة الأصنام وقد اشتهر عن الفرس في البحرين ارتباطهم بالديانة المجوسية. أما بعد دخول الإسلام للبحرين فقد أسلم معظم السكان ومن ضمن من أسلم الفرس وإن بقي البعض على ديانته السابقة من العرب والعجم حيث أخذت منهم الجزية. ومع الزمن “انقرضت المجوسية في البحرين ولم نعد نسمع عن بيوت النار شيئاً” (ص 72).
هذا الامتداد التاريخي العريق لعجم البحرين ربما يتم التغاضي عنه أو إهماله من خلال التركيز على الهجرات الفارسية المتأخرة للبحرين فقط الأمر الذي لا يوفر قراءة متكاملة ومستوعبة لمراحل تاريخية مهمة من مراحل الوجود الفارسي في البحرين. هناك هجرات فارسية متأخرة إلى البحرين في فترات مختلفة ولأسباب مختلفة ولكن هذه الهجرات لا تتعارض مطلقا مع الامتداد التاريخي الممتد لعجم البحرين. فالهجرة في تاريخ البحرين ظاهرة راسخة وغير مرتبطة بالعجم فقط وإنما تتسع لتشمل العرب أيضا. فالهجرات العربية للبحرين استمرت حتى قرون أو عقود متأخرة ولم يؤثر ذلك في رسوخ الوجود العربي في البحرين. ففي مقابل الهجرات الفارسية للبحرين هناك هجرات عربية أيضا وبما أن هذه الهجرات لا تلغي تاريخية الوجود العربي في البحرين فهي لا تلغي تاريخية الوجود الفارسي كذلك.
ربما من الممكن القول أن دخول الإسلام للبحرين يعتبر نقطة فارقة في علاقة العجم بالبحرين. كان العجم قبل الإسلام يعرفون بارتباطهم السياسي والديني بالدولة الساسانية الفارسية أما بعد دخول البحرين في الإسلام فإن سكان البحرين ومن ضمنهم العجم المسلمين باتوا ينتمون سياسيا ودينيا للإسلام ودولته الفتية. الأهم من ذلك، هو أن الهوية الإسلامية باتت الهوية التي يمكن أن تمثل المظلة التي تتسع للبحريني ذي الأصل العربي والبحريني ذي الأصل الفارسي. يضاف إلى ذلك، أن البحرينيين ونتيجة لقربهم الجغرافي من إيران وارتباطهم السياسي بها في فترات طويلة في ظل الدولة الساسانية فإنهم، على ما يبدو، كانوا قادرين على استيعاب الوجود الفارسي بينهم وخصوصا بعد دخولهم في الإسلام واشتراكهم مع العجم في هوية إسلامية واحدة. تأسيساً على ذلك، قد يكون من الصحيح القول أن دخول الإسلام للبحرين أوجد للبحرينيين من أصول فارسية هوية جديدة بالإضافة إلى الهوية الفارسية القديمة. الهوية الفارسية كانت تشدهم لأصلهم العرقي وتاريخهم وثقافتهم المرتبطة بإيران أما الهوية الإسلامية فكانت تربطهم بالمسلمين العرب الذين يسكنون البحرين معهم والذين يتشاركون معهم في صنع ثقافة جديدة وتاريخ جديد للإسلام في البحرين. لذلك فإنه نظراً لرسوخ الهوية القومية الفارسية عند العجم ورسوخ الهويات القبلية عند العرب في تلك الفترة بالإضافة إلى عدم نضوج الهويات القائمة على البعد الجغرافي في تلك المرحلة كما يظهر فربما يكون الإسلام هو أول هوية استطاعت أن تجمع بين العجم والعرب في البحرين.
إيران وحماية البحرين من الاعتداءات الخارجية
بالإضافة إلى تاريخية الوجود الفارسي في البحرين، فإن إيران كانت في الكثير من الفترات التاريخية مصدر حماية للبحرين من الاعتداءات الخارجية. تعرضت البحرين في الكثير من مراحلها التاريخية لاعتداءات خارجية من قوى إقليمية كالعمانيين أو قوى أوروبية كالبرتغاليين وكان طلب الدعم الإيراني، بالإضافة للمقاومة الداخلية، إحدى وسائل مواجهة مثل هذه الاعتداءات.
في عام 1602م ساهمت إيران في خلاص البحرين من الاحتلال البرتغالي. بعد أن سيطر البرتغاليون على البحرين منذ عام 1521م ظهرت في البحرين حركات مقاومة لطردهم ولكن الخلاص النهائي من البرتغاليين لم يتم إلا بعد التدخل الإيراني عام 1602 في فترة حكم الشاه عباس الصفوي. في العام الذي سيطر فيه البرتغاليون على البحرين ثارت عدة مناطق في الخليج العربي ضد البرتغاليين وكانت البحرين من ضمنها. فقد “تمت مهاجمة البرتغاليين في كل المواقع والمكاتب العسكرية في المدينة وقتلوا عددا من الجنود وهرب الباقون إلى سفنهم في البحر” (السلمان، 2000، ص 296). رغم ذلك، تمكن البرتغاليون من إخماد الثورة بالقوة واستمرت سيطرتهم على البحرين حتى عام 1602م حين طلب أهل البحرين المساعدة من الشاه عباس الصفوي. في كتابه “عقد اللآل في تاريخ أوال”، يقول الشيخ محمد علي التاجر:”قام أهل البحرين يكاتبون الشاه عباس الكبير خفية ويستنهضونه لتخليصهم من حكم البرتغال” (التاجر، 1994، ص 95). بدعم عسكري من الدولة الصفوية في تلك الفترة، استطاعت البحرين الخلاص من البرتغاليين عام 1602م.
بالإضافة إلى المساهمة في التخلص من الاحتلال البرتغالي، دعم الإيرانيون أهل البحرين في صد الهجوم العماني عام 1715. يذكر الشيخ يوسف البحراني (المتوفى عام 1772م) في كتابه “لؤلؤة البحرين” أن العمانيين، أو “الخوارج” حسب وصفه، هاجموا البحرين ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها في المرة الأولى. قبل هجومهم الثاني الذي وقع عام 1715م، أرسل الشاه سلطان حسين الصفوي “جملة من العسكر” لحماية البحرين “وقد كان أهل البحرين قد استعدوا بالأسلحة للحرب وساعدهم العسكر المذكور فوقع الحرب وهم في السفن فقتل منهم جمع ورجعوا بالخيبة أيضاً” (البحراني، 2008، ص: 99).
وفي عام 1860، وبعد طلب من الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، أبدت إيران استعدادها لحماية البحرين. تذكر مي الخليفة في كتابها “محمد بن خليفة: الأسطورة والتاريخ الموازي” أن آل خليفة طلب الحماية من البريطانيين والعثمانيين والفرس وكان الإيرانيون أول من أبدوا استعدادهم لتوفير الحماية. فبعد وصول الطلب البحريني “جاء الرد السريع مع وصول ميرزا مهدي خان نائبا عن حاكم فارس ورفع علم الأسد والشمس المشرقة على البحرين” لعدة أيام (الخليفة، 1996، ص: 453). في هذا الصدد، يقول الدكتور محمد الرميحي أن محمد بن خليفة أرسل رسالتين للإيرانيين طلبا للحماية. “في تلك الرسائل ذكر محمد بن خليفة أن البحرين وأهلها كانوا “دائما تحت الحماية الفارسية” ووافق كذلك أن يدفع جزية إلى حكومة الشاه في مقابل حمايته” (الرميحي، 1976، ص 17).
هذه الحوادث الثلاث (في الأعوام 1602، 1715، 1860) تقدم إيران كحامية للبحرين وليس كمصدر تهديد لها. اللافت هنا، أن طلب الدعم من إيران لم يكن مقتصرا على الجانب الشعبي المعروف بعلاقاته المذهبية بإيران بل تعدى ذلك ليشمل الجانب الرسمي أيضا المتمثل في حاكم البحرين في تلك الفترة الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة. على أساس ذلك، تبدو العلاقة مع إيران أكبر من العلاقة المذهبية التي تربط البلدين.
الخلاصة
العجم بالنسبة للبحرين هم جزء أساس من السكان من جهة وهم تاريخيا مركز حماية من الاعتداءات الخارجية من جهة أخرى. بالنسبة لعجم البحرين، فإن الهجرات المتأخرة لبعضهم إلى البحرين في العقود أو القرون الأخيرة لا تلغي الجذور التاريخية العميقة للوجود الفارسي في البحرين. فحالهم كحال العرب البحرينيين الذين يفخرون بجذورهم القديمة في البحرين رغم وجود بعض موجات الهجرة للبحرين من قبل بعض العرب في القرون الأخيرة. أما بالنسبة لعجم إيران، أو إيران كدولة، فهي كانت، في فترات متعددة، على استعداد لحماية البحرين من الاعتداءات الخارجية. الاستجابة الإيرانية لطلب الحماية، سواء أكان شعبيا أم رسميا، يقدم إيران تاريخيا كحامية للبحرين بغض النظر عن البعد المذهبي.
المراجع
البحراني، يوسف، لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث، تحقيق وتعليق السيد محمد صادق بحر العلوم، البحرين: مكتبة فخراوي، الطبعة الأولى، 2008.
التاجر، محمد علي، عقد اللآل في تاريخ أوال، إعداد وتقديم إبراهيم بشمي، البحرين: مؤسسة الأيام للصحافة والطباعة والنشر، 1994.
الحموي، ياقوت، معجم البلدان، الجزء الأول، بيروت: دار صادر، الطبعة الثانية، 1995م.
الخليفة، مي محمد، محمد بن خليفة 1813-1890: الأسطورة والتاريخ الموازي، دار الجديد، 1996، الطبعة الأولى.
الرميحي، محمد، البحرين: مشكلات التغيير السياسي والاجتماعي، بيروت: دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع، 1976، الطبعة الأولى
السلمان، محمد حميد، الغزو البرتغالي للجنوب العربي والخليج في الفترة ما بين 1507-1525م، العين: مركز زايد للتراث والتاريخ، الطبعة الأولى، 2000.
العاني، عبد الرحمن، البحرين في صدر الإسلام، بيروت: الدار العربية للموسوعات، الطبعة الأولى، 2000م.