تاريخ الفساد السياسي في البحرين
الدولة الغنائمية وشبكات الزبائنية
عباس المرشد
باحث بحريني
مدخل
أولا: مفهوم الفساد السياسي
ثانيا : المنطق التاريخي للفساد السياسي في البحرين
المرحلة الاولى: النظام المشيخي ( 1869-1923) و تأسيس الزبائنية السياسية
ثانيا: شبكة القبائل والحلفاء المنطوين تحت نفوذ الحاكم
ثالثا:شبكة الوسطاء والوجهاء
المجال الاول : الامتيازات الطبقية
المجال الثاني : الأنظمة الدينية والقانونية ( القضاء)
المرحلة الثانية: السلطانية المحدثة وتقنيات الإفساد
أولا: اختطاف الدولة
ثانيا: تجزئية الدولة
ثالثا: النخبوية
المحصلة النهائية
مدخل
تحاول هذه الورقة إعطاء تفسيرات أكثر واقعية لظاهرة الفساد المتجذر في الأجهزة الحكومية في البحرين من خلال فحص البنية التاريخية للفساد في الدولة القائمة واعتبارها سببا اصيلا لتراكم الفساد وترسخه طوال عقود متتالية. فمن وجهة نظر هذه الورقة فإن انتشار الفساد في الأجهزة الرسمية ورسوخه وقلة كفاءة الهيكليات القانونية في التقليل من حجم الفساد يرجع إلى البنية الزبائنية والسلطانية للنظام السياسي القائم منذ ( 1900) على الأقل، وهي الفترة التي بدأت منها البحرين تتحول إلى اقتصاد السوق العالمي وتقبل إدخال الأوجه الحديثة في أنظمة ومؤسسات الدولة. ورغم إدخال الإصلاحات الإدارية ذات الصبغة البيروقراطية سنة (1923) وانهيار اقتصاد الغوص في ثلاثينات القرن الماضي وحلول اقتصاد النفط محله منذ ( 1934)، حيث كانت الفرصة سانحة لأن تتحول إدارة الدولة من نظامها المشيخي إلى نظام إداري مستقل يكون بنية أساسية لبناء دولة حديثة أكثر ديمقراطية، إلا أن ذلك لم يحدث، بل إن النظام المشيخي حول نفسه لنظام سلطاني يجدد نفسه بتجدد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك فقد المجتمع القدرة على التفاعل من خلال مفهوم الدولة المستقلة عن شخصيات الحكام والمسئولين وترسخت آليات الاسبتداد بصورة أقوى مما كانت عليه سابقا.
سنحاول هنا استعراض المجال التاريخي للفساد السياسي في البحرين لتدليل على أن الدولة القائمة منذ 1900 لم تخرج عن حالة ما قبل الدولة الحديثة من حيث التماسها لأليات عمل خاصة بمرحلة ما قبل الاستقلال وهي الزبائنية (Clientelism) والسلطانية المحدثة ( Neopatrimonialism) وهي الأطر المفهومية التي تنتظم من خلالها الدولة القائمة في مرحلة ما قبل وما بعد الاستقلال. فهذه الأطر في فهم عملية بناء الدولة توفر وظفتين أساسيتين لفهم مجريات الفساد ومكافحته الوظيفة الاولة توفير مفاهيم ذات مصداقية لمعرفة نمط النظام السياسي القائم وجوهر التفاعلات السياسية والاجتماعية السائدة، والوظيفة الثانية تقديم حلول جذرية لظاهرة الفساد عبر الإمساك بالأاسباب الحقيقة والمؤثرات الواقعية لشيوع السفاد وترسخه في بنة الدولة والعلاقات السياسية والاجتماعية التي يراعها النظام.
من شأن هذا التحليل إعادة النظر في الاسباب الداعية لهدر الموارد الاقتصادية وشيوع القيم المبتذلة من جهة ومن جهة اخرى تقديم أطر علاجية تتخطى الوصفات السائدة مثل إقرار منظومات قانونية لمكافحة الفساد أو غيرها فمثل هذه الإجراءات الهيكلية يمكن أن تتحول لرافعة للفساد وحامية له ولأشخاصه، إذا لم تكن هناك بنية جديدة تقوم عليها عملية بناء الدولة وهي البنية الديمقراطية المتكاملة. فقد أثبتت تلك الإجراءت عدم فاعليتها منفردة وكان بإمكان المتوطرين في الفساد مجراتها وتخطيها بفعل الهيمنة على المفاصل الحقيقية في تلك الإجراءات مثل المحاسبية والمعلومات الواقعية والرقابة الشعبية والقضاء النزيه؟، فمثل هذه الخصائص التي تقوم عليها ما يمكن تسميته بدولة الزبائن[1] تعمل على حماية الفساد وخصوصا الفساد السياسي بأطر ديمقراطية تعوض من خلالها ما تفقده بالشكل الاستبدادي الفاضح.
وبافتقاد المجتمع للدولة الحديثة واختفاء الديمقراطية من أوجه حياته اليومية، تحولت الأطر الدستورية والقانونية التي شرعت منذ نهاية خمسينات القرن الماضي وتزايدت حدتها بعد حل المجلس الوطني في اغسطس( 1975) وتعليق العمل ب (دستور 1973) التوافقي، تحولت هذه الأطر القانونية والتشريعات لحراسة جوهر الدولة الخفي وهو العلاقات الزبائنية والسلطانية.
ولأغراض منهجية سوف تكون محاور هذه الورقة مهتمهة أولا بتقديم مفهوم معرفي للفساد السياسي والتفريق بينه وبين بعض أنواع الفساد ومن ثم ستعالج الورقة في النموذج الخاص بالفساد في البحرين من خلال استعراض وقائع الفساد التاريخية وأخيرا ستضع الورقة التحليل الأوفر حظا لظاهرة الفساد في البحرين.
أولا: مفهوم الفساد السياسي
رغم أهمية وخطورة الفساد السياسي إلا أن الجدل لا يزال غير محسوم في تقديم تعريف واضح ومحدد للفساد السياسي لأسباب عديدة أهمها عدم القدرة على تحديد أدلة قوية وصلبة تقيس درجة الفساد السياسي أو تحدده تجريبيا من جهة، وتداخل الفساد بين طبقة النخبة الحاكمة والمواطنين من جهة أخرى.
لذا فإن الفساد السياسي قد ينظر إليه على أنه نتيجة وسبب في آن معا، فهو سبب لأنواع أخرى من الفساد من قبيل الفساد الإداري والفساد الاجتماعي والفساد الاقتصادي وهو نتيجة لعملية بناء الدولة غير المكتملة أو غير المنجزة بطريقة يصح معها الحديث عن دولة استبدادية تفشل في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين مواطنيها. فالدولة هي محور أي تحليل لظاهرة الفساد باعتبارها التجسيد الأمثل لعلاقات المجتمع نتيجة لذلك يمكن تقديم الفساد السياسي على انه استخدام النفوذ السياسي من أجل تحقيق أهداف وأغراض خاصة تتعارض مع المصلحة العامة للدولة والمواطنين.
بمعنى أدق فالفساد السياسي لا يعني صنفا واحدا من الممارسة فهو برأي ( Brinkerhoff) مفهوم متعدد يحتوى على الأنشطة غير النظامية والإتجار غير المشروع [2] فالفساد السياسي برايه يشير إلى قضية أخلاقية واجتماعية تتضمن إساءة استخدام الوظائف العامة في السلطة السياسية من أجل فرض سياسات وأنظمة وقوانين تخدم المصالح الخاصة ولا تراعي المصالح العامة، وهو ما يؤدي في النهاية لفشل الدولة في تحقيق المساواة والعدالة بين المواطنين لتنشا بدلا من ذلك هرمية مخيفة تتشكل من النخبة الحاكمة ومن يدور في فلكها حيث تكون لنفسها فئات منتفعة تخدم مصالحها وتنتفع منها بشكل غير مباشر.
من هنا فإن الفساد السياسي لا يقاس وفق معايير الفساد الإداري من حيث انتهاك الأطر القانونية بل إن الفساد السياسي يصبح مؤسسة غير رسمية تدير من خلال شبكاتها موارد الدولة وتحويل المواطنين لرعايا يستفيدون من المنافع والثروات بحسب معايير القرب والحظوة السياسية لدى النخبة الحاكمة. فالساد السياسي يشير في مظاهره إلى الفساد الحكومي المستفحل حيث تتعاظم الفرص للإستيلاء غير الشرعي على الضرائب والمواقع المركزية والحساسة في بنية الدولة. من جهة اخرى فالساد السياسي ينطوي على استخدام غير مشروع لموارد الدولة للاحتفاط بالسلطة السياسية وتوسيعها، وهذا يحدث عندما تلجأ النخبة الحاكمة ومن في مواقعها إلى توظيف الامتيازات الخاصة والامتيازات العامة، مثل انتقائية الإعفاءات الضريبية، الوظائف العامة، تخصيص الأراضي، والعقود الحكومية المربحة، التمييزية فيتطبيق القانون، أو التصويت لشراء الدعم من شرائح المجتمع. علاوة على ذلك فإن مظاهر الفساد السياسي تتجلى في إمكانية أصحاب النفوذ استخدام المؤسسات العامة للمساءلة والمراقبة، للتغطية على التجاوزات غير الشرعية مثل شراء الاصوات أو إصدار الأحكام القضائية وغير من معاملات الغش القانوني.
وبالتالي فإن هناك شكلين على الأقل للفساد السياسي الاول يقوم على الاستخدام غير الشرعي للموارد الوطنية الرمزية والمادية لأغراض شخصية، والثاني مكافأة القاعدة الاجتماعية والسياسية للنخبة الفاسدة عبر إنشاء شبكات متربطة ارتباطا وثيقا مع منظور الزبائنية في الدولة، وكأن هناك عقد موافقة لتوزيع الريع العام على أفراد خاصيين لتوفير دعمهم السياسي ومن أجل الوصول للمكافآت التي لا يمكن ان يحصلوا عليها بسهولة.
إن فشل الدولة في حماية مواطنيها وإفراغ علاقاتهم من المساواة والعدالة يؤكد الطبيعة الاستبدادية للنظام القائم بما يؤكد على أن العلاقة الإيجابية بين شيوع الفساد وترسخ الاستبداد . وتشير الأدلة التجريبية إلى وجود علاقة إيجابية بين مستوى انتشار الفساد ونوع النظام السياسي، ففي الديمقراطيات يكون الموظفين العموميين أقل فسادا من نظرائهم في الأنظمة الاستبدادية [3]كما إن هناك علاقة قوية بين استقرار الاسبتداد وقوة الفساد فكلما كان النظام الاسبتدادي قويا ومستقرا كلما تجذرت آليات الفساد أكثر وتحولت لأنماط حياتية رائجة بحكم انخفاض درجة التغيير في المسئولين وشاغلي الوظائف العليا. الأمر متشابه أيضا في حالات التحول الديمقراطي الشكلي وفرض قوانين مكافحة الفساد وغيرها من الآليات الهيكلية حيث يتبين أن هناك علاقتين بين الفساد والمؤسسات السياسية من حيث ارتباط ذلك بالانظمة المستبدة والانظمة شبه الديمقراطية حيث تزدهر أوناع متعددة من الفساد داخل هذه الانظمة من أجل تأمين وظيفة سياسية للنظام وهي الحصول على وضع أكثر استقرارا [4]
ثانيا : المنطق التاريخي للفساد السياسي في البحرين
حكم ظاهرة الفساد في البحرين منطق تاريخي راسخ من الممارسات التي صاغت وأطرت علاقات الدولة بالمواطن . وما يهمنا هنا أن الزبائنية تستدعي حتماً توجهات وترتيبات وعلاقات تؤول بالضرورة لتفكيك مقومات الانتماء الوطني الداعم للهوية الوطنية الموحدة لصالح انتماءات جهوية وعشائرية وعائلية، وحتى دينية، حيث تجد تلك الانتماءات الفرعية في الزبائنية السياسية ضالتها. وتعميقا لفهم المنطق التاريخي ( التراكم التاريخي) للفساد السياسي في البحرين يمكن تقسيم هذا التراكم لثلاث مراحل أساسية مرحلة تاسيس الزبائنية وتمتد من منتصف القرن التاسع عشر حتى الثلث الاول من القرن العشرين لتبدأ المرحلة الثانية المعبرة عن السلطانية المحدثة من بعد فرض الإصلاحات الإدارية( 1923) حتى الاستقلال ( 1971). وسوف نعالج هنا كلا من المرحلتين الاولتيتن باعتبارهما صلب ما نحاول البحث فيه، إذ لم يكن غريباً أن تنشط فيما بعد كل الهياكل الزبائنية والسلطانية المحدثة [5]
المرحلة الاولى: النظام المشيخي( 1869-1923) و تأسيس الزبائنية السياسية
تقوم الزبائنية السياسية، على تحالف بين كبار رجال الجهاز البيروقراطي أصحاب الحظوة من رجال الأعمال ووجهاء الريف وكبار الملاك كبار العسكر وكبار رجال جهاز الأمن، وتبنى على ضفاف هذا التحالف أنماطا أصغر من التحالفات والتشابكات تحركها المصالح والمنافع والأهواء أكثر مما تحركها مصلحة الوطن أو الرغبة في بناء أمة أو في الانطلاق نحو المستقبل. [6]
يقوم المنطق التاريخي للفساد السياسي على مقولة فشل عملية بناء الدولة الحديثة والبقاء ضمن الأطر التقليدية التي أسس منذ (1783) وهو تاريخ استيلاء آل خليفة على البحرين. فقد اتسم هذا التاريخ الطويل بأنواع عديدة من الفساد السياسي تمثل بداية في الصراع على السلطة والدخول في حروب أهلية عديدة استمرت حتى (1869) عندما تدخلت بريطانيا لصالح الشيخ عيسى بن علي ال خليفة ضد عمه الشيخ محمد بن خليفة وفرضته حاكما على البحرين. نتيجة لكل ذلك تطلب النظام السياسي في مرحلته المشيخية تفكيك المجمتع ونسج علاقاته وفق قاعدة القرب من المركز والانتفاع بالموارد العامة عبر علاقات زبائنية مع السلطة المطلقة للحاكم الذي عمل على تقوية هذه الشبكات لتدعيم قاعدته السياسية/ التنظيمية.
رغم حالة الاستقرار التي حظى بها نظام الحكم بعد (1869) إلا ان تداعيات الحروب السابقة وانهيار الدولة في أكثر مرة كانت سببا لتوليد نظام حكم جديد يقوم على الاستفادة من الشبكات الزبائنية كأساس للشرعية وكضمانة لبقاء نظام الحكم. وبالأحرى كانت تلك التداعيات بمثابة تحديات حقيقية واجتها الدولة في بدايات تكوينها وبفعل الاستجابات الخاطئة تحولت تلك التحديات لدعائم اساسية يدير من خلالها نظام الحكم شئون الدولة وبالتالي تحولت تلك التحديات لأعراف سياسية ثابتة واعتبرت في فترة لاحقة من ضمن الثوابت الوطنية غير المكتوبة. وهذا ما جعل من الفساد أن يجد لنفسه بنية قانونية وبنية سياسية توفر له الغطاء والشرعية في أغلب الأحيان.
ففي الفترة اللاحقة مباشرة على ولادة النظام الجديد استحدثت النخبة الحاكمة طريقة جديدة في إحكام سيطرتها على الأرض، كما استحدثت بشكل متلاحق أجهزة ( مثل الفداوية، الضرائب) وأنظمة اجتماعية ( الوزراء في القرى، الامير في المنامة) واقتصادية ( القرصنة، الغنيمة، الهبات،التعاقد، التعهد) تخدم غرض السيطرة والمصالح الخاصة للنخبة الحاكمة. فبدلا من الصيغة المركزية التي سادت من قبل عمدت العائلة الحاكمة لإدخال نوع من الشراكة السياسية داخل أقطاب العائلة وتقاسم الثروات العامة بينهم، فتم تقسيم البحرين لأحدى عشر مقاطعة ونصب أمير على كل منطقة ومنح كافة الصلاحيات في الاستملاك والمصادرة وجبى الضرائب وفرض القوانين وعقد المحاكمات بين أهالي القرى الواقعة ضمن نطاق المقاطعة. وبحسب المعلومات التاريخية فإن حكام المقاطعات كانوا من ابناء الحاكم وابناء عمومته وفي الغالب كان أمير المقاطعة لا يسكن ضمن القرى بل يختار له ما كان يطلق عليه بالوزير الذي كان غالبا من أهل المنطقة وتوكل إليه مهمة عقد الصفقات والعقود باسم حاكم المقاطعة مع الأهالي وملاك الأرض وإليه توكل مهمة جمع الضرائب المفروضة على الثمار والبساتين والحيوانات المملوكة للمواطنين. لقد تمتع الشـيوخ الاقطاعيون بالكثير من الامتيازات والحقوق في ظل سلطة سياسية وصفت تاريخيا بأنها ذات طبيعة مفككة غير منظمة. فكان الشيخ الإقطاعي يحكم مقاطعته كسـيد حيث يجمع الضرائب ويفصل في النـزاعات ويستخدم رعيته في إقطاعيته في أعمال السخرة. ويقول لوريمر ” إن حالة طبقة المزارعين البحارنة تحت حكم الشيخ وأقاربه في البحرين هي حال تعسة فهم يشقون بالسخرة الدائمة هم ومراكبهم وحيواناتهم ووضعهم بالنسبة للأرض هو وضع القنّ ( عبد الأرض) وليس وضع المستأجر الذي يملك الحرية. وإذا عجزوا عن أن يسلموا كمية معينة من المحصول ( مما يزداد ظلماً وعدواناً بواسطة خدم الشيخ وأقاربه) فسرعان ما يطردون من منازلهم وفي بعض الحالات يضربون ويسجنون أيضاً “[7] لذلك لم يكن لديهم الحافز لتحسين الأراضي و رعايتها فقد كانوا في خوف دائم في أن يقدم المتنفذون بمن فيهم شيوخ آل خليفة بضمها إلى ممتلكاتهم، إضافة إلى ذلك فإنه إذا قام أحد البدو بسرقة ممتلكات شخص بحراني فليس باستطاعة هذا الأخير اللجوء إلى آل خليفة للحصول على تعويض. [8]
أما اسحاق الخوري [9]فيسجل ملاحظات جديرة بالانتباه حول نظام المقاطعات في كتابه القبيلة والدولة في البحرين حيث يقول أن المناطق التي تسكنها القبائل المتحالفة مع العائلة الحاكمة ومن بينها قبيلة الدواسر التي قدمت البحرين سنة ( 1843) كانت معفية تماما من حكم المقاطعات ومن الضرائب وكانوا يتعمتون بما يشبه الحكم الذاتي لمناطقهم في البديع والزلاق.ويضيف الخوري أن سيطرة آل خليفة على الأراضي وانتزاع ملكيتها من أصحابها لم يتم إلا بفعل نظام المقاطعات من جانب ومن جهة أخرى وهي الأهم منع الملاك الأصليين من امتلاك عقود ملكية خاصة[10] بهم وبالتالي سهولة انتزاعها في أي وقت إما عن طريق وضع اليد عليها أو عن طريق نظام الرهن حيث يسمح للمزارعين بزراعة الأرض دون امتلاكها مقابل دفع ضربية محددة وعندما يعجز المزارع عن دفع الضربية بسبب كساد الحصاد أو تلفه تصادر الأرض. مثل هذه السياسات طبقت أيضا على المصدر الثاني للاقتصاد وهو مصائد الأسماك التي تمت مصادرتها بفعل القوانين الخاصة بكل مقاطعة أيضا وبات من العسير على صيادي الأسماك الاستقلال في أعمالهم بحكم الضرائب المفروضة على عملهم وفي حالة العجز تصادر المصائد.
أما ما يتعلق باقتصاد الغوص وهو صلب الاقتصاد القديم فقد سمح النظام للقبائل المتحالفة معه بإدارة شئونه دون تدخل مباشر ما عدا الضرائب المفروضة على محصول اللؤلؤ حيث كانت سفن الحاكم تجوب مواسم الغوص وتفتش على المحصول وتفرض الضرائب على النواخذة[11].
ويمكن هنا رصد ثلاث شبكات زبائنية تاسست مع ولادة النظام المشيخي (1869-1923) وهي:
أولا: شبكة العائلة الحاكمة
وتتكون من أمراء وحكام المقاطعات الذين يستغلون نفوذهم وسلطة الحاكم في استغلال الموارد والثروات لصالح أغراضهم الشخصية. حيث يمارس الإقطاعي (الشيخ) من الناحية العملية سلطته باستقلال عن الحاكم و هي سـلطة تكاد أن تكون مطلقة في إقطاعيته والتي تشمل العديد من القرى والعشـش والبساتين المحيطة[12].
ثانيا: شبكة القبائل والحلفاء المنطوين تحت نفوذ الحاكم
يستفيد هولاء من السلطة السياسية في ممارسة الاستغلال السيء والتفريق في توزيع الموارد الاقتصادية والبشرية.يقول لوريمر في وصفه لسكان البحرين سنة (1904) ” وأما العتوب والسادة والدواسر فهم القبائل التي لها أعظم نفوذ في البحرين فالفئة الأولى بسبب اتصالها بالعائلة الحاكمة والسادة لنسبهم والروحى والدواسر بسبب غناهم نسبياً واتحاد كلمتهم وطاعتهم لرؤسائهم. وربما من جهة أخرى لأنهم أحدث المهاجرين من نجد، فهم يتمتعون بامتياز خاص”[13]
ثالثا:شبكة الوسطاء والوجهاء
هم عبارة عن الفئات الاقل نفوذا إلا ان ارتباطهم بالفئات العليا مثل أمراء المقطاعات أو رؤساء القبائل يسمح لهم بممارسة الاستغلال والفساد. ويصف عبد الهادي خلف[14] شبكة الوسطاء هذه بأنها ظلت قوة مهمشة سياسيا فقد كان يجري اختيار الوسطاء والوجهاء لوظيفة محددة ألا و هي تقديم الدعم والنصيحة، وليس لكي يكونوا ممثلين عن فئة أو شـريحة أو طبقة بعينها . ومع ما لهؤاء الوسطاء والوجهاء , أو على الأصح لبعضهم , سلطة قوية أو تأثير على شبكة محلية من العوائل أو قرية أو الحي أو مجموعة القرى أو الأحياء، إلا إنه لم يكن من المســـموح لهم بالتحدث باسم المواطنين ككل. وبالرغم من هذه الدرجة من الهامشـية فلقد كانت لهم مصلحة في بقاء الوضع على حاله , مســـتقراً بل و راكداً , حيث أن بقاء النظام كما هو يمكنهم من البقاء هم أيضاً في مواقعهم كأسياد محليين لشبكات متنافسة يستندون إليها.[15]
نتيجة لذلك تشكلت شبكات زبائينة متعددة الاتجاهات تستفيد من وضع السلطة المزدوج والمضطرب، وهو ما سمح لاحقا بتوزيع علاقات القوة وترسيخها في بنية النظام السياسي كحق مشروع لا يثير التباسا، أو معارضة من قبل الجهاز البيروقراطي الذي سيتشكل لاحقا في دولة الاستقلال فعبر هذا الشكل غير المرئي لعلاقات القوة تتوزع الموارد الاقتصادية والخيرات. فقد ترسخت هذه الادوار بفعل ما اتيح لها من فرص الاستفادة من فساد السلطة السياسية وتأسسها على اسس الزبائنية والشبكات المنتفعة من تساهل السلطة وفسادها.وهذا يمكن استجلاءه من خلال قراءة بنود المصروفات والإيرادات التي كانت تدخل في الحساب الشخصي للحاكم مباشرة
ميزانية البحرين حتى عام 1904 وتوضح المصروفات والإيرادات الرسمية | |||
الإيرادات | روبية | المصروفات | روبية |
مكوس البحر | 1.50.000 | مصروفات الشيخ الشخصية بما فيها مرتبات هيئة الحرس | 1.00.000 |
مستحقات الزراعة ( يعنى بها منجات حدائق الحكومة وضريبة تسمى النوب على حدائق الأفراد الخاصة التي يمكن أن تجمع منهم) | 1.00.000 | مصروفات خاصة (تتصل بالزواج والرحلات.. إلخ) | 30.000 |
ضرائب على مراكب اللؤلؤ | 12.000 | علاوات لأفراد أسرة الشيخ | 1.00.000 |
الرسوم القضائية، ضريبة الميراث (10%) على جميع الممتلكات التي تنقل بالوراثة إلخ | 20.000 | مصروفات الإدارة | 14.000 |
إيجار أراضي المدن والحوانيت والمحلات | 14.000 | منح وهدايا للبدو | 56.000 |
متنوعات (وتشمل النهب أو الاغتصاب بطريقة سرية) | 4.000 | ||
المجموع الكلي | 3.00.000 | 3.00.000 |
بالإضافة إلى الضرائب النقدية يأخذ الشيخ لنفسه ½ من الحيوانات المذبوحة المستوردة من الخارج وهذه التجارة الخاصة لا تعتبر ضمن إيجار مكوس البحر. وسوف يلاحظ أن ما ذكرنا أعلاه هو ميزانية شيخ البحرين بمفرده وأن عمود الإيرادات لا يشمل ما يغتصبه أصحاب الإقطاعيات من أسرة الشيخ من القرى التي تقع في داخل ممتلكاتهم. ضربية الرؤوس ويسمى الطراز هو من بين الضرائب الإضافية التي يتعرض لها الفلاحون البحارنة في أوقات مختلفة، وكقاعدة عامة فإن القرى السنية خصوصاً ما تكون فيها قبيلة ما تسيطر عليها سيطرة واضحة لا تفرض عليها ضرائب بالمرة وتذهب المتحصلات إلى الزعيم القبلي بدلا من أن تذهب إلى شيخ البحرين أو أفراد أسرته[16].
ولعل هذا يبدو واضحا في ما نتج من علاقات فساد أخرى طالت بنية المجتمع وأفسدت علاقات القوة فيما بين فئاته وهذا ما التفت إليه لوريمر عند وصفه لنظام الحكم في البحرين وسوف ننقل مقاطع طويلة من كتابه دليل الخليج لكونها تعبر بدقة عن ما كان يجرى بالفعل وذلك في مجالين من عدة مجالات تعتبر من نتائج الفساد السياسي وهي:
المجال الاول : الامتيازات الطبقية
كان لعدد قليل من البحارنة ملكية اسمية للأراضي بعد أن سمح لهم في الماضي أن يشتروا حدائق ويحصلوا على سندات من أجل ذلك ولكن أملاكهم غالباً تسترجع دون سبب معقول وحتى أبناء الحاكم الحالي يدانون بهذا الظلم وغالباً ما يسرق البدو محاصيل البحارنة فيما هم وحيواناتهم يطوفون بالجزيرة ولا يبدو أن البحارنة يعدمون دون محاكمة منظمة من القاضي ولكن هناك ما يدعو إلى الشك في أن الموت قد يحدث نتيجة سوء المعاملة التي يلاقونها وهم محتجزون في بعض الأحيان، كذلك فنساؤهم عرضة لمضايقات خدم الشيخ، وإذا اضطهد البحارنة أكثر مما يتحملون فإنهم أحياناً يهاجرون إلى واحات القطيف وهي وسيلة تعتبر العلامة الأساسية على عدم إنسانية أسيادهم.
المجال الثاني :الأنظمة الدينية والقانونية ( القضاء)
لما كان شيخ البحرين وأسرته وقبيلته كلهم سنة فإن السنة يتمتعون بالتالي بالأفضلية والاعتراف الرسمي بمذهبهم. ويحيل الشيخ القضايا الخطيرة ذات الطبيعة الإجرامية والقضايا المدنية الهامة غير ذات الصلة بالصفقات التجارية أو بصيد اللؤلؤ إلى قاضي القضاة وهو سني، هذا إذا كان المدّعي والمدّعى عليه كلاهما من الرعايا البحرانيين وعلى كل حال فلو أن بعضهم كان شيعياً فذلك لا يؤثر في الإجراء السائد في هذا المجال. وتحال القضايا الصغيرة وخصوصاً ما يكون منها ذا طبيعة مدنية، وحين يكون كلا الطرفين من السنة، إلى شيخ شرف بن أحمد من المحرق وهو سني، وإذا كان كلا الطرفين من الشيعة فيرسلان إلى الشيخ أحمد بن حرز من المنامة وهو شيعي وإلى هذا الحد فإن حق الشيعة في تصريف قضايهم على يد رجل من مذهبهم أمر معترف به، على أن الشيخ يعتمد على العامل المذهبي في تنفيذ مقررات قضائه المختلفين لا سيما في قضايا الجريمة، على أن هؤلاء القضاة مع الأسف كثيراً ما يقضون بالظلم الفادح.والرسوم القضائية ( وتسمى الخدمة) يفرضها القضاة في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى يفرضها الأمراء أو أسياد السوق في مدن المنامة والمحرق وفي بعض الأحيان ( وبالذات في القضايا الكبيرة) يفرضها الشيخ نفسه. وفي القضايا الصغيرة فإن الشاكي عادة يدفع الخدمة على قيمة الحكم، ولكنه في بعض الأحيان يجبر على دفع ( 10% )من المبلغ الذي يطالب به حتى ولو لم يحصل على مقدار الحكم كاملا. فإذا خسر الشاكي قضيته فإن الخدمة لا تسترد إلا إذا استردت مقدماُ، وفي القضايا الكبيرة يكون الشيخ دائماً حريصاً على أن يأخذ الخدمة مقدماً.
ويعتبر تقرير الميجر ديلي الذي كتبه في يناير( 1922) أهم وثيقة تاريخية توضح كمية الفساد الناتج عن الفساد السياسي إذ يسرد في التقريره حوالي (24 قضية فساد) حدثت في عام واحد وعاصرها واستمع للضحايا مباشرة وفي الأغلب فإن المتهمين في كل تلك القضايا كانوا من أبناء العائلة الحاكمة. فعلى سبيل المثال يورد الميجر ديلي قصصا يتم استخدام الاغتصاب والخطف والقتل من أجل أهداف وغايات خاصة لعبدالله ابن الحاكم عيسى بن علي وأبن عمه خالد.
- إن الشيخ عبد الله يحتفظ بعاهرة اسمها “مسعودة” وهي يهودية استدرجها لذلك العمل وكانت خليلته لبعض الوقت . وكان له مع هذه المرأة ترتيب معين تقوم بمقتضاه باستدراج شباب من العوائل المحترمة إلى بيتها . وهناك يهجم عليهم فداوية الشيخ عبد الله ثم يطلب منهم مبالغ كبيرة في مقابل عدم الكشف عن القضية وعدم سجنهم . ويقال بأن مبالغ كبيرة قد تم الحصول عليها بهذه الطريقة.
- خلال موجة الحرية الماضية ، اختطفت زوجة خياط من السنابس واحتجزت عدة أيام في بيت الشيخ عبد الله، وهدد الزوج ، مع العلم بأنه لا يستطيع الشكوى إلا لدى الشيخ عبد الله نفسه الذي هو الحاكم المطلق للسنابس.
- إن الشيخ عبد الله هو حاكم قرية جدحفص . ووزيره هناك شخص اسمه عبد الله بن رضي . ويقوم هو وزوجته بتصريف شؤونه هناك . وقد أجبر العديد من النساء على زيارة الشيخ في بيت الوزير . وقد اخطفت ابنة (…..) وحبست هناك عدة أيام ، وكذلك ابنة (….) وفي كل حالة تم تهديد الآباء مع العلم بأنهم لن يحصلوا على حكم عادل في كل الأحوال ، وفضل الآباء كذلك عدم فضح المسألة حفاظا ً على شرف العائلة وسمعتها . ومنذ ذلك الوقت قام آباء هاتين البنتين بإرسالهما إلى القطيف كل عام عندما يحين موعد زيارة عبد الله لجد حفص.
- كان هناك عرف يحصل بمقتضاه الشيوخ على ضريبة على اللؤلؤ الذي تزيد قيمته على( 100000 روبية) في قوارب البحرانيين فقط . ويقوم كل قارب بدفع هذه الضريبة منه ، وخطط بعد ذلك عملا ً لاعتقاله وأخذ اللؤلؤة منه ولكنه ( أحمد بن خميس ) نجح في الهرب فلجأ إلى المعتمدية حيث منح الحماية من قبل المعتمد السياسي آنذاك ، الميجر ديكسون ، أما الآخرون الذين أجبروا على دفع هذه الضريبة فهم الحاج حسين المدحوب ، الحاج متروك الحاج عبد لله أبو ديب ، علي بن حسن الحايكي ، الحاج جواد.
- ليست هناك ضريبة على الموتى في البحرين . ومثل هذه الضريبة ممنوعة شرعا ً . وعندما مات أحمد يوسف محمود تاركا ً 2 لك أي ( 200000 ) روبية ، فرض الشيخ عبد الله ضريبة قدرها (20000 روبية) بدون حق ، ثم سعى بطرق ملتوية لإحداث خلاف حاد بين الورثة ، حصل من جرائه على حوالي نصف الإرث ” خدمة ” أو تكاليف محكمة ، التي هي الآن معروفة بـ( 10% ).
- قام الشيخ عبد الله بالاستيلاء على قطعة أرض عليها بعض العقار يملكها عبد الرسول بن الحاج حسين من السنابس بدون أي مبرر وأعطاها لإحدى خليلاته التي تعيش الآن هناك.
- عندما مات الحاج خلف السرو وضع الشيخ عبد الله يده على ممتلكاته ولم يفرج عنها إلا بعد أن دفع الورثة مبلغ (1000 روبية) . ومعروف بأنه لم تكن له أي دعوى في هذا العقار .
- استولى الشيخ عبد الله على بيت الحاج أحمد بن شعبان من السنابس بدعوى زائفة وما يزال مسيطرا ً عليه[17].
إن هذه الترسيمة التاريخية من قضايا الفساد السياسي وما ينتجه من فساد اجتماعي وإداري وأخلاقي، تكتسب أهمية خاصة في ملاحقة تطور الفساد السياسي من حيث بقاء بنية الاستبداد السياسي قائمة دون أن تطالها تغييرات جوهرية وهو ما يعني بقاء منطق الزبائنية كأساس أولي تعتمد عليه الدولة في توزيع الثروات بين المواطنين. وبالتالي فإن مهمة اثبات بقاء هذا المنطق رهين بإثبات بقاء الاستبداد والاستئثار الخاص بالسلطة السياسية ومنع أي شراكة حقيقة في السلطة السياسية.
المرحلة الثانية: السلطانية المحدثة وتقنيات الإفساد
بحلول بداية عشرينات القرن المنصرم فرضت الإدارة البريطانية على النظام السياسي مجموعة من ما عرف بالإصلاحات الإدارية التي كانت تستهدف إدخال إصلاحات إدارية وسياسية على نظام المشيخة وتحويله لنظام أكثر حداثة يقوم على أسس الدولة الحديثة[18].واقتضى ذلك عزل الحاكم عيسى بن علي وتنصيب أبنه حمد بن عيسى لكي يقود عملية إصلاح القضاء والإدارة السياسية.وفي الواقع كانت هذه الإصلاحات الإدارية سمحت للنظام المشيخي أن يجدد نفسه وفق مقتضيات التحديث ولكن دون التحول إلى ما يعرف بـ«دولة الأمة» ودون التدرج الذي أشار إليه ماكس فيبر في الانتقال التاريخي من السلطة التقليدية إلى السلطة الشرعية في الدول القومية الرأسمالية الصناعية[19]. إلا أن السؤال الشاغل للدراسة هنا هو تحليل كيف سمح الاصلاح السياسي في الأخير بتثبيت الأنظمة الاستبدادية من خلال نباء العلاقات السياسية على الاستفادة من الزبائنية السياسية، قبلنة النظام السياسي، الإثنية، السياسات الدينية، الخ.
في العموم تتأسس الدولة الحديثة على كيان منقسم إلى عنصرين متمايزين: الدولة بالمعنى الدقيق و التي تحيل على الفضاء السياسي من جهــــــــــــة والمجتمع بالمعنى الضيق و الذي يشكل ما يسمى بالمجتمع المدني من جهة أخرى. ويؤدي هذا الانفصال بين الدولة والمجتمع إلى ظهور مجالين متمايزين: مجال عام أي مجال الدولة ومجال خاص أي مجال المجتمع، وبالموازاة مع ذلك يصبح للإنسان بدوره كيانين متكاملين، فهو مواطن من حيث كونه عضو في الدولة وهو ما يسمح له بالمشاركة في الحياة السياسية ومن جهة أخرى فهو فرد و يتمتع بموجب هذه الصفة بالحرية الفردية التي تتيح له أن يعيش حياته الشخصية التي يمارس فيها أنشطته الخاصة.
إن الاخفاق أو الفشل في ترسيخ هذين المجالين والاعتراف بهمها يؤدي إلى ظهور الدولة الفاشلة في تثبيت هوية موحدة للمواطنين وفي التعامل بآليات قانونية واضحة وصارمة وموحدة وبغياب هذه الاسس يصبح الفساد السياسي وسيلة وسببا لأن يجد المواطن نفسه ضحية لأنواع الفساد الاخرى.
لقد قدمت الإدارة البريطانية ومن خلفها النخبة الحاكمة مجموعة الإصلاحات الإدارية خالية من أي إعادة حقيقة لعلاقات القوة داخل المجتمع ودون ان تنال من جوهر السلطة القائم قبل إصلاحات 1923 وهذا تم الإفصاح عنه من قبل الإدارة البريطانية في تعهداتها للملك سعود بن عبد العزيز حيث ضمنت الإدارة البريطانية الإبقاء على التفوق السني في الإدارة السياسية[20] ومن جهة أخرى تحجيم المطالب الشيعية ومنعها من تطوير نفسها لشراكة سياسية متقدمة تهدد التماسك الزبائني السائد[21].
رغم هشاشة تلك الإصلاحات من نانحية فعلية إلا أنها أدت بطريقة غير مباشرة إلى تحقيق نتيجتين أساسيتين لفهم منطق التحول التاريخي للفساد السياسي في البحرين.
النتيجة الاولى تمثلت في توحيد الضرائب الرسمية وألغاء الضرائب المنفردة التي كانت تفرض على فئات دون أخرى وهو ما تسبب في هجرة بعض القبائل المستظلة بالسلطة السياسية المجزأة مثل قبيلة الدواسر وتبع ذلك توحيد آليات التقاضي بدرجة أفضل من الوضع السابق رغم بقاء الفساد داخل القضاء. يضاف إلى ذلك فقد تسببت الإصلاحات الإدارية وترشيد ميزانية الدولة في أولا إعادة تحديد مصروفات العائلة الحاكمة وإعادة حريات الحاكم في صرف ميزانية الدولة[22] الأمر الذي اضعف شبكات الزبائن القديمة وأزال عنها الغطاء السياسي
النتيجة الثانية وهي أن الإصلاحات الإدارية فرضت ظهور فكرة المجال العام وبشكل تدريجي كإطار سياسي واجتماعي عبر إلغاء المقاطعات ونظام الأمراء.من هنا كان على السلطة السياسية البحث عن آليات جديدة تدير بها شئونها الخاصة بعيدا عن فكرة المجال العام والأخلاقية العامة. وفي هذا الصدد فإن تطور المجال العام وتبلوره يحتاج إلى تبلور مفهوم آخر هو الحيز الطبيعي للمدينة حيث يمكن الحديث عن انتقال المجتمعات من المجتمعات الرحيمية التكافلية مثل الأسرة الممتدة ـ العشائر ـ البطون ـ القرى ـ المجتمعات الصغيرة ـ الطرق الصوفية، إلى المجتمعات التعاقدية كالنقابات ومؤسسات المجتمع المدني.[23]
لقد فهمت العائلة الحاكمة الإصلاحات الإدارية على أنها بوابة جديدة لدخول الآليات القديمة وتكييفها مع مقتضيات المغييرات الحديثة وكان اكتشاف النفط وتحول الحكام لأصياء على اتفاقيات التنقيب عنه واستثماره حدثا رسخ المفهوم الخاص للملكية الفردية للثروات العامة بدلا من تأسيس تعاقد يساوي بين الموواطنين في ثرواتهم القومية.
وبالتالي يسهل فهم منطق تراكم الفساد في ظل السلطانية المحدثة إذ تحولت قيم التعاقد والحرية والمواطنة المتساوية لنوع جديد من العلاقات يقدم المحسوبية والحظوة ويعتمد على مسافة القرب من المركز كأساس للانتفاع من الثرورات العامة. وبعبارة أخرى عملت السلطة الجديدة على الترويج لأخلاقيات مضطربة تعتمد على الاستغلالية وفك الاترباط مع المجال العام وتقوية المجال الخاص كوسيلة أولية للحصول على المنافع والثروات.
تعتبر هذه الرؤية تحديا مباشرا للمفهوم التقليدي للفساد القائم على تحرير المخالفات القانونية في إطار المنافسة السياسية، بدلا من ذلك، يجب أن يفهم الفساد السياسي على أنه مؤسسة رسمية تعمل بديلا عن احتكار السلطة السياسية في المؤسسات السياسية الرسمية.
ينعكس هذا المفهوم تماما في النظم السلطانية حيث تكون المؤسسات السياسية والإدارية هشة وضعيفة وغير فاعلة، بحيث يمكن ملاحظة أن هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية تعمل معا لتعزيز استقرار النظام الاستبدادي وشرعنة الفساد السياسي والفساد الإداري. وعندما تزيد الضغوط الخارجية على النخب الحاكمة بما يؤدي إلى إدخال مزيد من الديمقراطية في المؤسسات السياسية الرسمية للدولة، تلجأ تلك النخب للفساد السياسي للتعويض عن خسارتهم عن طريق زيادة قوة الأمر الواقع من قبل النخب والسياسية وتعزيز التحالفات القوية ضد الديمقراطية والإصلاح من خلال مكافآة أفراد شبكاتها ومنحهم امتيازات لا يحصلون عليها عادة كوهبهم أراضي أو رفع الضرائب عنهم أو استخدامهم غير الشرعي لموارد الدولة.
النتيجة النهائية لمثل هذه الآليات هي تكوين دولة فاشلة أو على الأقل ناعمة بمعنى أنها تسمح لبروز سياسات وممارسات خارج الأطر القانونية المقررة وفق آليات مختلفة كالمحاسوبية والرشوة والمحاباة وغيرها من ممارسات الفساد بجانب كوناها تمييزية في تنفيذ العقوبات بحيث أن تطبيق القانون لا ينال بعض الفئات المتصلة بالنخبة الحاكمة أو تلك التي تعمل معها من أجل تمرير مشاريع افراد النخبة الحاكمة كالشركات والمؤسسات المستفيدة من مشاريع أفراد النخبة الحاكمة ويعملون كسماسرة لهم.
في الحالة البحرينية عملت العديد من الممارسات الفسادة بجانب بعضها البعض وبرعاية واسعة من نظام الحكم الذي عمل على جعل تلك الممارسات هدفا وغاية من أجل ضمان الاستفراد بالثروات والإمساك المستبد بالخيرات.
يقدم مفهوم المحسوبية على انه الشارح لنمط العلاقات التي يمكن أن تصل إلى مواقع عالية وحساسة جدا في هياكل الدولة وصولا الى الأفراد في المستويات الأدنى.
في هذا الإطار من التحليل، فإن سلوك النخبة الحاكمة في البحرين ارتبط بشكل وثيق مع القيم التقليدية للحكم والسلطة المبنية على الفهم القبلي للسلطة والثروة. فالسلطة السياسية من وجهة نظر النخبة الحاكمة هي سلطة شخصية والقيادة دائما ما تكون في سياق الأوليغارشية ( حكم الاقلية). وقد كيفيت النخبة الحاكمة مظاهر التحديث السياسي والإداري مع هذه القيم بما انعكس بشكل مباشر في منظمومة المواطنة وتحويلها لمواطنة منقوصة تتكون من سوبر مواطنة تمثلها النخبة الحاكمة ومواطنة درجة اولى تشكلها الفئات الزبائنية المرتبطة بالنخبة الحاكمة ومواطنة درجة ثانية تحتوي على شرائح المجتمع الاخرى غير المنطوية ضمن شبكات الزبائن أو غير مرتبطة وجدانيا وسياسيا مع أفراد السوبر مواطنة.
والسؤال الذي نحاول الإجابة عليه هو كيف استطاع النظام أن يجدد شبكاته الزبائنية في ظل نظام بيروقراطي وحداثة نفطية. قياسا على ما كانت عليه حالة العهد الميشخي فإن جهود النظام اتهجت لتحديث جذوك الشبكات وتطويرها بما يتناسب والاقتصاد الجديد القائم على النفط والسوق العالمية ويمكن هنا رصد أربعة انماط سارت عليها السلطانية المحدثة في البحرنين لاستخدام النفوذ السياسي لأغراض غير مشروعة وهي:
أولا: اختطاف الدولة
هي الشبكات المعنية بأفراد العائلة الحاكمة خصوصا أقرباء الحاكم حتى الدرجة الرابعة وبالأخص فرع الحاكم عيسى بن علي.حيث تتاح لهوالاء بشكل رسمي وغير رسمي سلطات واسعة للاستملاك والصفقات وإنشاء الشركات الخاصة وامتلاك الأراضي وغيرها من المداخيل الثرورات الوطنية.وفي الغالب فإن عمل هذه الشبكة يكون غير مرئي وغير قابل للرصد المباشر لكونهم يعملون على الاصول العامة للخزينة المالية للدولة والاصول غير المنقولة. وتبدأ قصة الفساد عبر قيام الحاكم بوهب أراضي الدولة لأنباءه أو القربين منه كقاعدة استثمارية يتاجر بها عبر شبكته الخاصة من السماسمرة . وكمثال على هذا النمط السائد فإن وثائق تسجيل الأراضي تشير لقيام الحاكم حمد بن عيسى بن علي ال خليفة بوهبه أراضي منطقة بني جمرة ومن عليها لأبنه سلمان بن حمد ويشير بلجريف إلى الطريقة القانونية التي حولت بها ملكيات أراضي شاسعة لأفراد من العائلة الحاكمة والمتاجرة بها بحكم فساد القضاء.
ثانيا: تجزئية الدولة
حيث توكل قطاعات معينة مثل الإنشاءات او التجارة أو خصصة بعض الشركات أو المناصقات الكبرى للدولة لصالح أفراد مرتبطين بالنظام ولهم علاقات تجارية وأسرية مع أفراد النظام الحاكم. وقد تسبب هذا النوع لفرز اقتصادي خطير طال بنية المجتمع الصاعد حديثا على اقتصاد النفط فعبر صلاحيات الحاكم المطلقة وتحكمه في منح عقود الوكالات وعقود الإنشاءات التي تحتاجها الدولة سيطرت النخبة الحاكمة على مفاتيح الاقتصاد الحر وشكلته وفق صيغة احتكارية تمكنها من تجزئة الاقتصاد وتوزيعه بما يخدم مصالحها وتأمين الولاء السياسي لها.
ثالثا: النخبوية
هي عبارة عن شبكة من رجال الاعمال المتفرعة من شبكة تجزئة الدولة وفي الغالب يستخدم هؤلاء نفوذ السلطة والنظام للحصول على مكانة سياسية واقتصادية غير متاحة لهم بطريقة رسمية مثل التعيين في مجالس الدولة ومؤسساتها.
رابعا: الشركاء الصغار الذين يمثلون الامتداد الطبيعي لما كان يعرف بالوزراء في العهد المشيخي حيث تؤسس علاقة وطيدة بين هؤلاء وبعض المسؤليين في الدولة للانتفاع من الثروات العامة والخاصة مثل شراء أراضي بأثمان زهيدة ومن ثم بيعها بعد تحويل طبيعتها لنمط تجاري أو بيعها على الدولة بغرض استملاكها وغيرها من مظاهر الفساد والرشوة.
أما فيما يخص المجال العام للدولة أي الشق المجتمع فقد عمل النظام على إعادة انتاج نفسه بأطر دستورية وقانونية لم تكن موجودة إبان العهد المشيخي إلا أن الأغراض السياسية والتوظيف الاجتماعي والسياسي ظل واحد دون تغيير. لذلك فإن سلوكيات النخبة الحاكمة في البحرين وطوال قرن ظلت تستخدم الهويات الاجتماعية مثل الطائفة والإثنية كواجهات للاستفادة من انماط الفساد الاربعة. فالطائفة أو العرق الإثني يصبحان آليات تعبئة للوصول إلى مكانة داخل السلطة السياسية بالتالي توطيد الهيمنة والسيطرة الاقتصادية.
يثير هذا السلوك جزءا من طبيعة الفساد السياسي الراسخ في البحرين واعتباره جزءا أصيلا من الثقافة السياسية التي يروج لها النظام و من هنا يتحول النضال والتحريض على التمثيل السياسي من مختلف المجموعات العرقية من المنافسة السياسية والمنافسة الاقتصادية الحرة إلى اعتباره طريقا آمنا للوصول إلى الثراء. ليس هذا وحسب بقدر ما إن الاحتجاج والمناكفة السياسية يتم تصميمها ليس من أجل تسوية النزاعات حول توزيع الموارد أو تعزيز الشعور بالانتماء إلى الامة، ولكن لخلق قناعة أن التسويات السياسية يجب ان تكون على قاعدة تقسيم الغنائم على الحلفاء دون الأعداء الفعليين أو المحتملين من الهويات الاجتماعية الاخرى.
المحصلة النهائية
لا يمكن انهاء الحديث عن تاريخ الفساد السياسي دون الإشارة لمخرجات الفساد السياسي وتأثيراته على المسار الديمقراطي أو ما يمكن التعبير عنه بالسلوك السياسي وعلاقته بمسارات التغيير في المؤسسات الرسمية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك نمطين سياسيين يتمتعان بالاستقرار هما النمط الديمقراطي الراسخ ومقابله النمط السلطوي التنافسي[24] فهذه الأنظمة فقط تمتلك أو لديها خصائص المؤسسية التي تعزز بعضها وتحقق الاستقرار.
تتميز السلطوية التنافسية باحتكار السلطة في السلطة التنفيذية في ظل ضئالة أو انعدام فعالية المؤسسات الرقابية والتشريعية. في ظل أوضاع هيكلية مغرفة من التنافس الحقيقي تحول الفساد إلى أن يكون حزءا اساسا من حلقة مفرغة تحول دون انجاز الديمقراطية الراسخة. وهنا فالنخبة الحاكمة لا تستهدف الحصول على الاصوات الشعبية كجزء من عملية تنافسية مفتوحة ولكنها تلجأ إلى اقتسام جزء من عوائد الريع و الموارد العامة مع بعض مكونات المجتمع وهذا ما ندعوه بالمؤسسة غير الرسمية للفساد.
يوفر هذا الاستيعاب الجزئي ضمانة للنخبة الحاكمة في استمرار بقاءها في سدة الحكم من جهة ويقلل من الضغط عليها من أجل التغيير في المؤسسات السياسية الرسمية المنبثقة عن مجموعات محورية في المجتمع .
فقد أنشئت النخبة الحاكمة نظاما اقتصاديا يمدج بين الرأسمالية والمحسوبية، حيث سهلت النخبة بل منحت الامتيازات والاحتكارات الاقتصادية لفئة صغيرة ومحددة وفي الوقت نفسه مؤثرة بدرجة ما. وخلق هذا هذا التعاقد الفرعي للفساد مصلحة بقاء النظام كراعي للفئة التجارية الصاعدة وقبولهم كرعايا له. وقد وفر هذا التشبيك حتمية الالتجأ للفساد السياسي وابتزاز المجموعات المنتفعة منه بحيث تكون مستعدة لتقديم تنازلات سياسية من أجل جني مزيد من المكافآت الملموسة وبالتالي تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار للنظام السياسي المقاد من قبل النخبة الحاكمة. بل أنه يمكن استخدامهم كدروع اقتصادية وسياسية لحرمان الشرائح غير المنطوية في نظام الشبكات من التعبير عن تفضيلاتهم السياسية وإجبارهم على قبول التحالف معهم كجزء من شروط الحصول على المنفعة وبالتالي التأسيس للفساد الاجتماعي والفساد الاداري.
المصادر الاجنبية
Hanne Fjelde, Havard Hegre. Political Corruption and Institutional Stability.
Ilufoye Sarafa Ogundiya .Political Corruption in Bahrian: Theoretical Perspectives and Some Explanation . Anthropologist, 11(4): 281-292 (2009)
MIRIAM A. GOLDEN, ERIC C. C. CHANG.COMPETITIVE CORRUPTION Factional Conflict and Political Malfeasance in Postwar Italian Christian Democracy. World Politics 53 ( July 2001), 588–622.
Kanybek Nur-tegin ,Hans J. Czap.Corruption: Democracy, Autocracy, and Political Stability.Economic Analysis & Policy, Vol. 42 No. 1, march 2012
Richard ROUSSEAU .Political Corruption in Contemporary Democracies: Newness, Scale and Varieties.IBSU Scientific Journal) 2 (1), 2008(
[1] Eisenstadt, S.N. & Lemarchand, Rene (eds.), Political Clientelism, Patronage and Development. Contemporary Political Sociology Volume 3. London: SAGE Publications.1981
[2] Brinkerhoff, D.W. (2000). Assessing political will for anti-corruption efforts: An analytic framework. Public Administration and Development, 20 (3):239-252.
[3] Kanybek Nur-tegin ,Hans J. Czap.Corruption: Democracy, Autocracy, and Political Stability.Economic Analysis & Policy, Vol. 42 No. 1, march 2012
[4] Hanne Fjelde, Havard Hegre. Political Corruption and Institutional Stability.
[5] وسام رفيدي:الهوية الوطنية الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو: إشكالية التفكيك برسم النظام ،جريدة حق العودة -العدد 45 (http://www.badil.org/en/haq-alawda/item/1706-art5 )
[6] مداخلة عمار حسن في محاضرة نحو معالم نظام حكم ديمقراطي في مصر. القاهرة في السبت الموافق 16 أبريل/ نيسان 2011. منشورة على موقع الجامعة العربية للديمقراطية
(http://arabsfordemocracy.org/democracy/pages/view/pageId/1574 ) 30 يناير 2012
[7] عباس المرشد ، البحرين في دليل الخليج فراديس للنشر والتوزيع، بيروت، 2011.
[8] عبد الهادي خلف، بناء الدولة في البحرين، المهمة غير المنجزة، دار الكنوز الأدبية، بيروت 2003.( )
[9] فؤاد اساق الخوري ، القبيلة والدولة في البحرين، معهد الانماء العربي، بيروت ، 1983. ص ( ) وحول نظام المقاطعات يقول لوريمر ” ويستولي الأخ والأبناء وأبناء الأخ وأقرباء آخرون قريبون على إقطاعات في أماكن مختلفة يمتلكونها امتلاكاً مستقلاً تقريباً مدى الحياة، وهم يجمعون الضرائب من هذه الإقطاعيات لصالحهم ويمارسون الحقوق القضائية والسيادية عليها وهم الأمكنة شبة المستقلة من هذا النوع في الوقت الحاضر هي في تصرف أحد أخوة الشيخ وتشمل جزر سترة والنبيه صالح كما أن له أيضا جميع القرى في الجانب الشرقي من جزيرة البحرين إلى جنوب خور الكب والقرى الداخلية في الرفاع الشرقي والرفاع الغربي، والمفروض أن هذه الإقطاعيات تسترد عند موت صاحبها ولو نظريا على الأقل، وليس هنالك ما يوجب منحها للورثة. انظر عباس المرشد، البحرين في دليل الخليج، فراديس للنشر والتوزيع، بيروت، 2011.
[10] الخوري القبيلة والدولة في البحرين، م،س، ص ( )
[11] كانت الضرائب المفروضة على سفن الغوص شبه موحدة ولم يكن للعائلة الحاكمة سلطة قوية على النواخذة وملاك السفن بحكم سيطرة القبائل المتحالفة مع العائلة على أغلب سفن الغوص
[12] الخوري، القبيلة والدولة في البحرين، م،س، ص(45)
[13] عباس المرشد، البحرين في دليل الخليج، ويستطرد لوريمر في توصف نمط العلاقات السائدة بقوله ” أما وضع الدواسر ( في) البديع والزلاق فمختلف نوعاً ما، فهم لا يعملون إلا القليل إلى جانب جيرانهم البحارنة، وصلاتهم بشيخ البحرين بعيدة وإن كانت ودية، وهم يصرون على أن يعاملوا عن طريق رؤسائهم وقد جعلوا شيخ البحرين يفهم بطريقة واضحة أنه إذا اتخذ أي إجراء يؤثر فيهم ولا يوافقون عليه فإنهم يهجرون البحرين جملة”
[14] عبد الهادي خلف، بناء الدولة في البحرين المهمة غير المنجزة،م س.ص ( )
[15] عبد الهادي خلف، بناء الدولة في البحرين المهمة غير المنجزة،م،س، ص( ) ويفسر خلف هذا النمط بقوله ” بسبب طبيعة العلاقة التي نسجتها العائلة الحاكمة معهم فلم تعد مضطرة لمشاركتهم في السلطة والثروة ولا حتى محاولة استرضائهم ســـــياســـياً وذلك على الضد من شريحة الوجهاء التي يصفها “ماكس ويـبر” إذلم تتمكن فئة الوسطاء والوجهاء في البحرين من الحصول على أي موقع مؤثر على سلطة الحكم أو يجعلها قادرة على الصمود أمام الانتكاسات المتكررة . وحيث أنهم قوة هامشية ، فلم تتطور لديهم القدرة على المشاركة في الشؤون العامة ولم تتطور لديهم العادات و أنماط الســلوك التي كانت من الممكن أن تتوفر عن طريق ممارســـة تمثيل قواعد إجتماعية أو التعبير عن مصالح جمهور ثابت
[16] عباس المرشد، البحرين في دليل الخليج،م،س.
[17] انظر سعيد الشهابي، البحرين في الوثائق البريطانية، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 1996.ص ( )
[18] في الواقع ابتدأت هذه الضغوط منذ العام 1904 كانت الجهات البريطانية تخوض جدلا حول طريقة التدخل ومخاطر الإبقاء على الاوضاع التي تزداد سوءا وقد حسمت الإدارة البريطانية أمرها في 1923 بقرار عزل الحاكم وتنصيب ابنه حاكما
[19] ماكس فيبر الاقتصاد والمجتمع
[20] انظر رسالة المقيم البريطاني للملك السعودي سعود بن عبد العزيز في عباس المرشد ، ضخامة التراث ووعي المفارقة، مجمع البحرين للدراسات والبحوث، 2003.ص ( )
[21] حول هذا الجانب انظر خطاب المقيم البريطاني في حفل تنصيب الشيخ حمد بن عيسى وتحذيره للجماعات الشيعية التي أيدت الإصلاحات الإدارية
[22] حول هذا الخلاف انظر المراسلات التي دارت بين الإدارة البريطانية والحاكم في
[23] يمكن أن نرى أصداءً لنفس التمييز في كتابات كثير من علماء الاجتماع الغربيين: يميِّز ماكس فيبر الرأسمالية التقليدية (العضوية) عن الرأسمالية الرشيدة (التعاقدية) و يميِّز أليكس دي توكفيل بين المجتمعات الديموقراطية والمجتمعات التقليدية والمجتمعات العسكرية. و يميِّز هربرت سبنسر بين المجتمعات المبنية على التضامن الآلي (البسيط) وتلك المبنية على التضامن العضوي (المركب). و يميِّز سير هنري مين بين المجتمعات التي تقوم على أساس المكانة والمجتمعات التي تقوم على أساس التعاقد. لمزيد من التفاصيل أنظر :عبد الوهاب المسيري ، اليهود واليهودية والصيهونية المجلد الاول متوفر على الرابط
(http://www.elmessiri.com/encyclopedia/JEWISH/ENCYCLOPID/MG1/GZ4/BA4/MD17/M0000.HTM )
[24] انظر صموئيل هنتغتون، الانظمة المتغيرة، ترجمة عبود، دار الساقي ، بيروت، 1993،ص ( )