أولا: التعاطي مع الادارة الامريكية انطلاقا من أحداث المنطقة
ثانيا: التعاطي مع الادارة الامريكية انطلاقا من الوجود الأمريكي في البحرين
البحرين.. المرفأ الأميركي الأكثر ازدحاماً
ثالثا: التعاطي مع الادارة الامريكية في ضوء أدائها بعد ثورة 14 فبراير
رابعا: أخلاقية الطلب من أمريكا لدعم حقوق الشعوب
عبدالإله الماحوزي
من الاشكاليات التي تواجه المعارضة في البحرين النظرة والموقف من السياسة الأمريكية، فهناك من ينظر اليها أنها داعم للسلام والأمن، يمكن ان نطالبها بدعم الاصلاح في البحرين، وهناك من ينظر للسياسة الامريكية على أنها داعمة للإرهاب ولزعزعة الاستقرار وداعمة للاستبداد في البحرين والعالم.
يبرز هذا التناقض عادة مع كل زيارة لمسؤول أمريكي للبحرين وآخرها زيارة وزير الخارجية جون كيري للبحرين يوم الأربعاء 4 أبريل 2016، للمشاركة في الاجتماع الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، واجراء مباحثات في المنامة، فهناك من طالب كيري بدعم الاصلاح وهناك من ندد بزيارته. أذكر نموذجين لخطابين يبدوان متناقضين، أحدهما موجه لوزير الخارجية الامريكي، “نأمل من ادارتكم موقفا حاسما من منتهكي حقوق الانسان من هؤلاء حكومة البحرين”[1]، والثاني يدعو “ابناء الشعب للتظاهر، والتعبير بكافة الاساليب للاحتجاج رفضا لهذه الزيارة واستنكارا لسياسة الادارة الامريكية تجاه ثورتنا وشعبنا”[2].
اذاً هناك تباين واضح بين أطياف المعارضة تجاه الإدارة الامريكية، لذا من المهم ان نستعرض موقف أمريكا بموضوعية، علّنا نصل الى الموقف السياسي والأخلاقي الأصلح في التعاطي معها.
أولا: التعاطي مع الادارة الامريكية انطلاقا من أحداث المنطقة
مجموعة أزمات في المنطقة، ماضيا وحاضرا، تجعلنا نعيد صياغة الخطاب والتعامل مع الادارة الامريكية.
فهل مقبول سياسيا ان ندعو، لمساندة الإصلاح في البحرين، تلك الجهة التي دمرت سوريا وتسببت في قتل واصابة اكثر من مليونين من شعبها، كما دمّرت اليمن، وتسبب جرح وقتل 27029، ما تذكر الإحصاءات. هل “نأمل” ممن قام بهذه الجرائم أو أشرف عليها “موقفا حاسما من منتهكي حقوق الانسان ومن هؤلاء حكومة البحرين”؟
أمريكا التي تبيع للسعودية أسلحة بعشرين مليار دولار، في الوقت الذي تعتبر السعودية اليوم أسوأ دولة على مستوى انتهاكها لحقوق الانسان في الداخل السعودي، وفي حروبها المدمرة في اليمن مباشرة، وسوريا بالوكالة، وتدخلها العسكري في البحرين، هل هذه ادارة ستدعم الاصلاح وتقدمه على مصالحها وخزينتها؟
إذا انتقلنا الى قضية المسلمين الأولى والأساسية التي يراد لنا كشعوب ان نجعلها في آخر اهتماماتنا، ما هو موقف الإدارة الامريكية من اسرائيل التي تقتل في كل يوم الشعب الفلسطيني وتدمر بيوته وتستبيح الأقصى الشريف؟ كيف لنا ان نطالبها بدعم، وهم ذاتهم يدعمون العدو الإسرائيلي، سياسيا وماديا ومعنويا واعلاميا، لسحق الشعب الفلسطيني، الذي يطالب بحق تقرير المصير واستعادة تراب ارضه.
هل نتوقع من أميركا، أس الإرهاب، التي اعتبرت أمن اسرائيل أولوية على أمن شعوب المنطقة، أن نأتي ونقول لها “نأمل من ادارتكم موقفا حاسما من منتهكي حقوق الانسان ومن هؤلاء حكومة البحرين”؟
هل في ذلك تطبيق لقول الرسول (ص): “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”؟ هل ننسى حرب العدو الاسرائيلي على لبنان في 2006، بغطاء وبطلب أمريكي؟ هل ننسى في البحرين أو نتناسى كل ارهابه وعدوانه على اخواننا واحبتنا واشقائنا في البلدان العربية والاسلامية لنتصور اننا نعيش في دولة خارج إطار الكرة الارضية وفي كوكب آخر مستقل لنقول “نأمل من ادارتكم موقفا حاسما من منتهكي حقوق الانسان ومن هؤلاء حكومة البحرين”؟
لا يمكن فصل ما يجري في سوريا واليمن والعراق وفلسطين وغيرها عما يجري في البحرين، القضايا كلها متشابكة ومسببها واحد والداعم لها واحد والمستفيد منها محور واحد: امريكا وإسرائيل وأنظمة الضلال العربي بقيادة السعودية.
أي موقف حاسم يُنتظر من دولة تتبنى نهجها عدائيا لكل ما يتصل بحقوق الشعوب وحريتها واستقلالها؟ أليس طلب السلام من أمريكا ينكس الرؤوس خجلا امام الضمير وامام شعوب امتنا العربية والإسلامية؟ فضلا عن عدم واقعيته.
ثانيا: التعاطي مع الادارة الامريكية انطلاقا من الوجود الأمريكي في البحرين
يحلو لبعضنا القول أن للبحرين وضع خاص مختلف عن اليمن ولبنان وسوريا والصومال وموريتانيا! لو افترضنا ذلك، وأردنا أن نتناسى كل آهات وأوجاع امتنا العربية والاسلامية الناجمة من سياسات أمريكا وعملائها في المنطقة، نتساءل ما الدور الذي لعبته الادارة الامريكية بالنسبة للشعب البحرين وثورته وللسلطة وارهابها؟ بل وقبل الثورة ما الدور الامريكي الاستراتيجي في البحرين؟
هذا الدور يذكره مؤلف كتاب “الأسماء المشفرة” الصادر العام 2005، وليام أركِن، أن البحرين من أكثر الدول العربية تعاوناً مع وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية الأميركية. قال أركن: “قدمت البحرين التسهيلات للبحرية الأميركية منذ العام 1955، وتوجد فيها قواعد دائمة لتخزين العتاد الأميركي، ومنذ الأول من أبريل/ نيسان 1993 أصبحت المقر العام للقوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأميركية للمنطقة الوسطى من العالم الواقعة ما بين آسيا الوسطى والقرن الإفريقي”[3]. وعلى الصعيد البحري أيضاً، بيَّن أركن أن “البحرين كانت خلال التسعينيات إحدى أهم قواعد الدعم اللوجستي لعمليات اعتراض السفن في الخليج العربي لإطباق الحصار بحرياً على العراق عامةً، وللجهود المبذولة بالأخص لمنع تهريب النفط العراقي خارج إطار اتفاقية النفط مقابل الغذاء”.
وأشار إلى أنه خلال العدوان الثلاثيني على العراق في أول التسعينيات، تحولت البحرين إلى إحدى القواعد العسكرية الأميركية الرئيسية في الخليج العربي، وشارك الطيارون البحرينيون مباشرة بقصف العراق. وابتداءً من العام 1995، استضافت البحرين تعزيزات أميركية شاركت بفرض منطقة حظر الطيران في جنوب العراق.
وخلال الحرب على أفغانستان، تحولت البحرين إلى أحد محاور النقل الجوي انطلاقاً من الخليج العربي، مقدمةً القواعد وحقوق المرور الجوية.
البحرين.. المرفأ الأميركي الأكثر ازدحاماً
يضيف أركن انه في العام 2002، تموضعت 185 قطعة بحرية أميركية في البحرين، منها أربع كاسحات ألغام بحرية، ما حوَّل الجزيرة إلى “المرفأ العسكري الأميركي الأكثر ازدحاماً في العالم”، بحسب أركِن.
وقال أركن: “إن الوجود العسكري الأميركي في البحرين حتى أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 كان يقوم على سبعة مرافق عسكرية أميركية بالخالص، وحق استخدام مئة وعشرة مرافق عسكرية بحرينية”.
أما ميناء سلمان البحري، فمهمته لوجستية بالكامل، لتهجع فيه السفن الحربية وتتزود بالوقود. ويعتبر مطار البحرين الدولي في المحرق منفذاً رئيسياً للحركة العسكرية الأميركية، أما قاعدة الشيخ عيسى الجوية، فهي الحقل الجوي الأميركي الرئيسي في الجزيرة، وتستضيف حالياً طائرات الاستطلاع والمخابرات الأميركية بشكل أساسي، على ذمة وليام أركِن.
وتبلغ المبيعات العسكرية الأميركية للبحرين حالياً نحو 1،6 مليار دولار، وتضم طائرات إف-16 معدلة ومروحيات كوبرا وأباتشي ودبابات M60A3 ونظام رادارTPS – 59. وتعطي “اتفاقية التعاون الدفاعي” أميركا حق استخدام المرافق العسكرية البحرينية وحق تخزين العتاد مسبقاً في الجزيرة على سبيل الاحتياط .
ويضيف مركز ستراتفور للدّراسات الاستراتيجية “حافظت الولايات المتحدة على قاعدة بحرية في البحرين منذ العام 1947، كما يتمركز الأسطول الأمريكي الخامس فيها منذ العام 1995، جنبًا إلى جنب مع عدد من القوات الأمريكية البحرية الأخرى. واستخدمت الولايات المتحدة مرافق في البحرين، أثناء إجرائها عددًا من العمليات، بما في ذلك عملياتها في العراق وأفغانستان”[4]، فهل أمريكا مستعدة أن تضحي بحليفها الذي باع البحرين واستقلاله وجعله رهن الارادة الامريكية بمشاركته في حروبه المدمرة على البلدان الإسلامية، بحيث تستغله وقت وكيفما تشاء من اجل حقوق شعب يطالب بالاستقلال، وبالوقوف مع قضايا شعوب أمته العربية والإسلامية؟
هل وجود القاعدة الامريكية والاسطول الامريكي الخامس الذي شارك في حروب تدمير واحتلال لدول اسلامية اقل ارهابا من ارهاب آل خليفة المتمثل بالاعتقال والسجن وسحق الحريات؟ هل بعد هذا يمكن ان نطالب هذه الادارة المهتمة بحقوق الدولار بدعم الحريات وحقوق الإنسان؟!
ثالثا: التعاطي مع الادارة الامريكية في أدائها بعد ثورة 14 فبراير
قالت وزيرة الخارجية الاميركية السابقة هيلاري كلينتون، في تصريح لها بعد دخول القوات السعودية والاماراتية والقطرية البحرين لمشاركة الجيش النظامي المدعوم بسبعة أجهزة أمنية أخرى، إن دخول قوات (درع الجزيرة) عمل قانوني، وحثّت على ضبط النفس! فهل من ساند هذا الاحتلال يُقدم للشعب انه داعم لقضيته أو نطالبه بدعم قضيتنا والوقوف ضد الانتهاكات لحقوق الإنسان؟
قال أوباما في 19 مايو 2011، في أيام سريان قانون الطوارئ: “البحرين شريك طويل المدى، ونحن ملتزمون بأمن البحرين، ونحن ندرك أن إيران حاولت استغلال الأوضاع في البحرين، وأن الحكومة البحرينية لديها حق مشروع في استتباب حكم القانون”[5]. ما يسمى بحكم القانون هذا، أدى الى القتل والاعتقال والتعذيب، بالإضافة لسعيه لخلط الأوراق، حيث لم يشر للقوات السعودية المحتلة، بل أشار للتدخل الايراني الموهوم، علما بأن شعب البحرين يطالب بالتحول الديمقراطي منذ تاريخ طويل، يعود الى ما قبل الثورة الاسلامية في إيران، فهل هذه الادارة التي يمكن ان تدعم الاصلاح؟
أليس تشكيل لجنة السيد بسيوني هي فكرة أمريكية لمنع مناقشة وضع حقوق الإنسان في البحرين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك حينما قررت سويسرا طرح الملف البحريني في جلسة عامة، حضرها الاميركيون بعد أن تيقنوا من قدرة سويسرا على جمع العدد المطلوب لطرح الملف البحريني في جلسة رسمية علنية للمجلس، وتعهدوا أنهم سيجبرون النظام البحريني على لجنة تحقيق ذات طابع دولي وسيلزمون النظام بتوصيتها، وأن المطلوب من سويسرا عدم طرح الملف البحريني، وإزاء التعهد الأميركي وافق السويسريون وجاء الأميركيون ببسيوني ولجنته التي شكلوها والتي لم يستفد منها شعب البحرين الا في التوثيق لجرائم آل خليفة، ولم تلزم النظام بأي شيء ولم تكشف حتى عن اسماء الجلادين والقتلة، فقد اصبح التقرير حبر على ورق! اما البروباغندا لدغدغة مشاعر البحرينيين، فقد صرحت الوزيرة كلينتون أن إدارة بلادها ستلزم النظام الصديق في المنامة بتنفيذ توصيات بسيوني، وكانت النتيجة ان الجرائم التي ارتكبها النظام الخليفي يفوق بأضعاف ما وثقه بسيوني!
الدور الأمريكي يتجاوز صفقات الأسلحة التي عارضها الكونغرس الاميركي بداية، ثم مررت عن طريق التجزئة، هذا بالإضافة إلى تدريب عالي المستوى به المارينز الاميركي للجيش النظام، فهل هذه هي الادارة التي يأمل منها أن تدعم الاصلاح في البحرين؟ كما تشير بعض التقارير إن عمليات اعتقال العديد من الشباب المناضل الذين زجت اسمائهم في خلايا ارهابية على حد زعم النظام الخليفي، تم بناء على تعاون استخباراتي بين اجهزة المخابرات البحرينية والغربية.
رابعا: أخلاقية الطلب من أمريكا لدعم حقوق الشعوب
هذه الرؤية تجعل الشعوب تنسلخ عن ثوريتها المضادة لسياسة الاستعمار والتسلط والخضوع للرغبات الأمريكية الناهبة لخيرات الشعوب، هذه الرغبة التي مزقت و ضيعت حقوقنا في العالم العربي والاسلامي وجاءت بمخطط الشرق الأوسط الجديد القائم على تمزيق الممزق من الأوطان، كما حدث في السودان الشمالية والجنوبية، بعد ان كانت دولة واحدة، هذه الرؤية التي تخلق عقل مجتمعي يجعل من أمريكا “صديق” ورمز لتحقيق “السلام” و”العدالة”، وهذه الصياغة للعقل المجتمعي لا تقل خطورة عن الحروب العسكرية، وتخلق مجتمع منفصل عن قضايا أمته العربية و الاسلامية.
أخيرا يجب ان نفهم “ان أخطر ما يمارس على مستوى أمتنا هو اللجوء لأمريكا، أخطر ما يمارس من مؤامرة يراد منا ان نتوجه بكل امكاناتنا وطاقاتنا لأمريكا، يريدون منا ان تصبح عقولنا وضمائرنا أمريكية”، وأن “السلام لا يجوز استجداءه من أمريكا، وكل ما يصور من سلام امريكي هو استسلام امام الارادة الامريكية”، كما عبر الأمين العام لحزب الله السابق الشهيد السيد عباس الموسوي[6]. نأمل من المعارضة في البحرين، بجناحيها الحقوقي والسياسي، أن يكون لها موقف واضح من الادارة الامريكية، هذا الموقف الذي ينتج تعاط ينطلق من موقع موضوعي واخلاقي وسياسي وثقافي، يخدم قضيتنا وثقافتنا وانتمائنا للأمة العربية والإسلامية.
جميع الحقوق محفوظة لـ مركز البحرين للدراسات في لندن
الآراء تعبير عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن موقف المركز.
[1]. تغريدة من حساب منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الانسان على تويتر، 4 أبريل/ نيسان 2016: https://twitter.com/SALAM_DHR/status/717042682833592324
[2] . من بيان الموقف الأسبوعيّ لتيّار الوفاء الإسلاميّ، 2 أبريل / نيسان 2016، http://al-wafa.co/?p=7851
[3] . ملخص كتاب وليام اركن، مسئول أميركي: تمديد اتفاق الدفاع بين الولايات المتحدة والبحرين، صحيفة الوسط، العدد: 3256، http://www.alwasatnews.com/news/576425.html
[4] . مركز ستراتفور، أهمية البحرين بالنّسبة للولايات المتحدة الأمريكية، مرآة البحرين
http://mirror.no-ip.org/news/25715.html
[5] . صحيفة الوسط، العدد ٣١٧٧، http://www.alwasatnews.com/news/561867.html
[6] . الأمين العام لحزب الله السابق الشهيد السيد عباس الموسوي
1 https://www.youtube.com/watch?v=1m6Uhu4dbG0&nohtml5=False