- مقدمة
- الإطاحة باستقلالية الغرفة
- أهمية الغرفة محليا
- أهمية الغرفة خارجيا
- مراكز القوى
- البعد الطائفي
- ولادة القانون 48
- تأثير القانون 48
- الإنتخابات محطة فاصلة
مقدمة
تأسست غرفة تجارة وصناعة البحرين على يد مجموعة من التجار البحرينيين والأسيويين في العام 1939، ومنذ ذلك الحين وهي تحافظ على استقلالها النسبي، وقد شهدت الغرفة تحولات وتسميات مختلفة فبدأت باسم جمعية التجار العموميين عام 1939 ثم صارت غرفة تجارة البحرين عام 1945 إلى أن استقرت على اسمها الحالي غرفة تجارة وصناعة البحرين في العام 1967. وتبدو غرفة تجارة وصناعة البحرين كرجل عجوز بلغ من العمر عتيا، بعد أن دخلت عامها 75 وأصبحت بحاجة ماسة لتجديد شبابها.
ويحق لكل شخصية طبيعية أو اعتبارية تمتلك سجلاً تجارياً بحرينياً معترف به وساري المفعول حق الحصول على العضوية العاملة بالغرفة. وبالتالي فإن العضوية في الغرفة يمكن أن يصل إلى عدد كبير ومؤثر جداً في الحياة العامة لو قدر لكل أصحاب السجلات الرسمية المسجلين في السجل التجاري بوزارة التجارة والصناعة والبالغ عددهم أكثر من 80 ألف سجل الإنتماء للغرفة خاصة بعد أن نص القانون الجديد على الزامية العضوية .
ويبلغ عدد الأعضاء المسجلين في الغرفة حاليا ما يزيد على 25 ألف سجل تقريباً. وبحسب المرسوم بقانون رقم 48 الذي يحكم العمل في غرفة التجارة، والذي أصبح ساري المفعول بعد صدوره في 4 ديسمبر 2012، فإن من المتوقع أن ينخفض عدد العضويات المسجلة في الغرفة في الوقت الحاضر إلى 12 ألف عضو فقط، نظراً لطبيعة العضويات المعتمدة على فروع السجلات التجارية وليس على القيد التجاري كما نص عليه القانون الجديد، لكن هذا الحال مرشح للتغيير إذا تم تنفيذ الزامية العضوية حسب القانون، وهو مايعني أن العضوية في الغرفة ستنقسم إلى عضوية أفراد مخصصة لأصحاب المؤسسات ذات السجلات الفردية، وعضوية شركات خاصة بالشركات التي تم تأسيسها وفق قانون الشركات بدءً من الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي لا تحتاج سوى إلى 20 ألف دينار كرأسمال، وصولاً إلى الشركات ذات راس المال الذي يفوق مليار دينار.
الإطاحة باستقلالية الغرفة
نجحت الإدارات المتعاقبة في غرفة تجارة وصناعة البحرين في المحافظة على استقلالية نسبية للغرفة طوال الفترة الماضية ولو بشكل نسبي، وقد سعت الحكومة إلى استمرار الهيمنة الإقتصادية على الغرفة من خلال منحها قطعة أرض كبيرة في منطقة السنابس لتشيد عليها مبناها الجديد دون أن تُملكها هذه الأرض، إلا أن إصرار بعض الأعضاء، مثل عادل العالي، على تملك الغرفة لهذه الأرض قبل انطلاق عملية البناء، ساهم في تعزيز مكانة الغرفة واستقلالها المالي، فقد تم تملك المبنى الجديد الذي أطلق عليه ” بيت التجار”، في قلب المنامة، بالقرب من مركز البحرين الدولي للمعارض، ويتكون من 19 طابقا تدر دخلا ماليا مجزيا. لقد منح المبنى الجديد الغرفة المزيد من الإستقلالية وحررها اقتصاديا وجعلها قادرة على فك الإرتباط المالي مع الحكومة التي كانت تقدم لها مساعد مالية تقدر بـ 5 مليون دينار سنويا.
هذا الإستقلال النسبي لم يدم طويلا ولم تستطع الغرفة توظيف ذلك جيداً لتعزيز مكانتها كشريك اقتصادي للحكومة، فقد سعت حكومة البحرين إلى استمرار هيمنتها على الغرفة بطرق أخرى أهمها دعم لوبي كبار التجار المحسوب عليها، والمسيطر على مفاصل القرار في مجلس الإدارة، ولم تكتف بذلك بل انها أخذت خطوة استباقية عبر سعيها لإستصدار قانون يلحق الغرفة بإحدى وزارات الدولة، وهكذا يمكن القول أن مجلس إدارة الغرفة في دورته 27 برئاسة د. عصام عبدالله فخرو كان سببا مباشراً في الإضرار بسيادة واستقلالية الغرفة، حين ساهم، أو سكت، عن إصدار المرسوم بقانون رقم 48 الذي سلم الغرفة بشكل رسمي للحكومة.
ولم يكتف القانون الجديد الذي تم تمريره من قبل مجلس النواب دون أي مناقشة بتقييد الغرفة، بل ألحقها بشكل كامل بوزارة الصناعة والتجارة التي يديرها حاليا د. حسن فخرو، وفي حين كان يشهد لعائلة فخرو بأنها كانت تمتلك الكثير من المواقف الوطنية على مدى تاريخ البحرين قدمها عدد من أبناء هذه الإسرة ومن بينهم المرحوم جاسم فخرو رئيس نادي العروبة الأسبق، والمرحوم الحاج عبدالله فخرو الذي كان يلهج بالحق ويدافع عن المظلومين بلسان صريح في مواجهة كبار المسئولين والوزراء، فإنه يخشى أن التاريخ سيسجل لرئيس الغرفة د.عصام فخرو في الدورتين 26 ـ 27 الممتدة من 2005 ـ 2014، أنه قد ساهم في الإضرار بأقدم وأعرق مؤسسة مجتمع مدني مستقلة في منطقة الخليج.
بيد أن البعض يعتقد إن إلصاق كل الإخفاقات بشخص فخرو وفريقه قد يجانب الموضوعية، بالنظر إلى تعقيدات المشهد السياسي التي جرفت أطراف عدة إلى خانات الاستقطاب مع وضد الحكومة، بيد أن ذلك قد يعني أيضا أن فخرو وفريقه يعد جناحا مقربا من السلطة، وقد برز هذا القرب على نحو فاقع في جملة من الخطوات التي تمت في السنوات الماضية، وأضرت بالغرفة والتجار، لكن قد تكون أفادتها ماليا من وجهة نظر فريق فخرو، حين عززت إمكاناتها اللوجسيتة، وبذا قد يكون تم مقايضة المال مقابل الولاء، التجار يأخذون المال، ويمنحون السلطة ولاءهم.
وفي ذات السياق سينظر إلى العام 2011 بإعتباره عاماً أسوداً بالنسبة للغرفة فقد تم فيه اقالة كل من النائب الثاني لرئيس الغرفة عادل العالي وعضو مجلس ادارة الغرفة رئيس لجنة المواد الغذائية في الغرفة ابراهيم الدعيسي على خلفية الأحداث التي عصفت بالبحرين منذ فبراير 2011، وقد ارتبكت إدارة الغرفة في التعامل مع الحدث المفاجئ الذي هز الجميع، فقامت في البداية بدعوة عدد من قادة الحراك الديقراطي في دوار اللؤلؤة للإجتماع بمجلس ادارتها للتنسيق تحسبا لتطورات لا تعرف مداها، ثم انقلبت على هذا التوجه ونحت منحاً يتماهى مع الموقف الرسمي الذي بدأ في طأفنة الوضع وأطلق حملة مسعورة لفصل القيادات والمسئولين الشيعة في كل المؤسسات والوزارات الحكومية (حصل ذلك في المجالس البلدية فقام مجلس بلدي المنطقة الوسطى بفصل 4 أعضاء شيعة من أصل 9 أعضاء هم كامل أعضاء المجلس البلدي، كما تمت اقالة عضو شيعي وحيد في مجلس بلدي المحرق من بين 8 أعضاء هم أعضاء مجلس بلدي المحرق). وكان مقرراً فصل كل أعضاء مجلس ادارة الغرفة الشيعة ، إلا أن القرار تراجع ليطبق على 2 من أصل 6 أعضاء شيعة يشكلون ثلث أعضاء مجلس إدارة الغرفة بسبب فني نظراً لكون الأعضاء الإحتياط المتبقين هم من الشيعة أيضا، كما فصل 10 موظفين من الغرفة بشكل تعسفي.
لكن القرارات المنافية للقانون والأعراف التي اتخذها مجلس ادارة الغرفة في اجتماع يشك في قانونيتة، عقد خارج أروقة مبنى الغرفة وبالتحديد في أحد المكاتب الخاصة في منطقة ميناء سلمان حضره الأعضاء السنة الموالون للسلطات في مجلس ادارة الغرفة فقط، وقد تم استثناء كل الأعضاء الشيعة من الدعوة المثيرة للجدل، التي حضرها الرئيس التنفيذي ابراهيم اللنجاوي أيضا. تلك القرارات التي يمكن وصفها بأنها تفتقر للمشروعية والحكمة تم تمريرها في اجتماع رسمي عقد في غرفة التجارة بحضور كل الأعضاء، أعلن فيه د. عصام عبدالله فخرو بأنه تلقى توجيهاً رسمياً من وزير الداخلية بفصل عضوين من أعضاء مجلس ادارة الغرفة، حينها ساد الوجوم على أجواء الإجتماع، ومررت ورقة للموافقة على فصل العضوين المذكورين في جو غير صحي.
لكن هذه الرواية لم تصمد سوى عام واحد فقط، فقد التئمت الجمعية العمومية للغرفة، وألغت تلك القرارات وأعادت العضوين المفصولين إلى موقعيهما رغم رفض بعض القوى. كان ذلك في اجتماع الجمعية العمومية الذي انعقد في 9 أبريل 2012 والذي شهد مواجهة ساخنة مع رئيس الغرفة فخرو ونائبه الأول ابراهيم زينل اللذين حاولا القاء اللوم على جهات أخرى، ثم بذلا جهوداً استثنائية للإبقاء على العضوين البديلين عبدالحكيم الشمري وأحلام جناحي الذين احتلا منصب العضوين المفصولين على مدى عام كامل، وكان لافتاً منظر عودة عادل العالي لمنصة ادارة الجمعية العمومية والحرج الذي وقع فيه عبدالحميد الكوهجي وعبدالحكيم الشمري، بعد أن سقط اقتراح الرئيس فخرو ونائبه زينل في زيادة عدد أعضاء مجلس الإدارة إلى 20 للإبقاء على العضوين البديلين في موقعيهما. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قررت الجمعية العمومية عودة كافة الموطفين المفصولين إلى وظائفهم وتعويضهم ، عن الأضرار التي لحقت بهم .
منذ ذلك اليوم بدأ وضع الخطط بين قيادة الغرفة بالتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة وإدارة الإفتاء القانونية من أجل إجهاض توجهات الجمعية العمومية عبر العمل على إصدار قانون يصادر استقلالية الغرفة ويرهن قرارها لوزير الصناعة والتجارة ويعطي المرجعية النهائية لرئيس مجلس الوزراء، وهكذا تم تجاوز كل توصيات الجمعية العمومية التي تعزز استقلالية الغرفة وتقر بأن الجمعية العمومية هي صاحبة أعلى السلطات في الغرفة، وتم تمرير اصدار القانون الخاص بالغرفة دون أن يعرض على الجمعية العمومية كما هو متفق عليه. وكنتيجة للإرهاب الفكري والتخويف والأجواء المحمومة المليئة بالتوجس والعمل غير المعلن والتواطئ مع وزارة الصناعة والتجارة ومجلس الوزراء فإن أحداً من أعضاء مجلس إدارة الغرفة لم يتجرأ على الإعتراض على صدور المرسوم بقانون 48 المقيد لعمل الغرفة بما في ذلك العضوين العائدين من الفصل، وهكذا فإن بداية الإنحدار والتراجع في دور الغرفة قد إنطلق منذ انتخابات العام 2005 الدورة 26 التي جاءت بالقيادة المنتهية ولايتها التي كسرت القاعدة التي سارت عليها الغرفة فترة طويلة والقاضية بأن يكون الرئيس سنياً والنائب الأول للرئيس شيعيا.
أهمية الغرفة محليا
تمثل الغرفة ذراعاً إقتصاديا مهماً لمملكة البحرين، وهي المسئولة عن حماية مصالح القطاع الخاص، الذي يتحمل العبئ الأكبر في التنمية، بنسبة قد تصل إلى 80% من القوى العاملة. ويدير الغرفة مجلس إدارة مكون من 18 عضواً منتخباً بشكل مباشر من الجمعية العمومية كل 4 سنوات، وتتوزع المناصب فيه بشكل طائفي وعنصري. ويُسير عمل الغرفة اليومي هيئة مكتب مكونة من 7 أعضاء ومدير تنفيذي تتبعه إدارة تنفيذية تتكون من 10 ــ 12 إدارة تقريباً، وتمتلك الغرفة تمثيلاً رسمياً في معظم الهيئات والمؤسسات الإقتصادية الكبيرة ( بنك التنمية، تمكين، البورصة، التأمينات، مجلس التنمية الإقتصادي وغيرها)، وتمثل الغرفة أصحاب الأعمال في كل اللجان المحلية والدولية باعتبارها الضلع الثالث في مثلث أطرف الإنتاج (الحكومة، العمال، أصحاب الأعمال)، وتمتلك الغرفة لجاناً مشتركة مع الوزارات الخدمية وخاصة مع وزارة التجارة والصناعة ، وزارة العمل ، وزارة البلديات ومع مجلسي النواب والشورى ، وتمثل في قضايا التحكيم والمنازعات التجارية.
أهمية الغرفة خارجيا
تمثل الغرفة البحرين في منظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية واتفاقية التجارة الحرة والإتفاقيات التجارية الثنائية مع مختلف الدول، وتمتلك الغرفة علاقات رسمية واتفاقيات ثنائية مع كل الغرف التجارية العربية والإسلامية والدولية، وتترأس الغرفة مجالس الأعمال المشتركة بين البحرين وأكثر من 60 دولة مختلفة من دول العالم وتستقبل كل السفراء والممثليات التجارية الأجنبية، ويعامل رئيسها معاملة وزير، ويقدم على الوزراء في بعض الزيارات الخارجية، خاصة الوفود الرسمية التي تكون برئاسة الملك أو ولي العهد أو رئيس الوزراء.
وتعتبرالغرفة بوابة الإستثمار الأجنبي داخل البحرين فهي تقود عمليات تأسيس البنوك والشركات المشتركة وتشارك في محادثات فتح خطوط الطيران بين البحرين والدول الأخرى ولها الكلمة الفصل في صياغة القوانين المنظمة للمعارض والمؤتمرات والسياحة والتجارة والصناعة في البحرين، كما تنظم الغرفة وتشارك في العديد من المعارض والمؤتمرات الإقتصادية والتجارية البحرينية في الخارج التي تصرف عليها مئات الآلاف من الدنانير دون جدوى.
مراكز القوى
توجد عدد من اللوبيات المتحكمة في عمل مجلس الإدارة وطريقة انتخابه، واهمها لوبي الهولة ولوبي الهنود، ويلاحظ أن المناصب في مجلس الإدارة يتم توزيعها بشكل طائفي دائما حيث يسيطر الهولة على الرئاسة والمناصب الرئيسية فيها.
وتعتبر هيئة المكتب (المكتب التنفيذي) السلطة الفعلية للغرفة، فهي التي تديرها وتقرر سياساتها وتتكون من 7 أعضاء ويسيطر عليها الهولة أيضاً، ويشكل الشيعة الأقلية في هيئات الغرفة كالتالي: 6 أعضاء من أصل 18 في مجلس الإدارة، وعضوين فقط من أصل 7 أعضاء في المكتب التنفيذي، أما في الإدارة التنفيذية للغرفة فيشكل الشيعة 2 من أصل 12 مديرا، هذا في الوقت الذي يشكل فيه الشيعة أكثر من 70% من أعضاء الجمعية العمومية للغرفة، لكن تمثيلهم لم يتجاوز 30% في مجلس الإدارة في أي مرحلة من المراحل.
ويبلغ عدد موظفي الغرفة حالياً حوالي 70 موظفاً، بنسبة 50% لكل طائفة تقريباً، لكن كل المناصب القيادية كانت ولا تزال بيد السنة فقط، ولا يخضع ذلك لعنصر الكفاءة بقدر ما يخضع للمعايير الطائفية، وعلى سبيل المثال فإن خمسة مواقع قيادية كانت شاغرة في الآونة الأخيرة على مستوى إدارات الغرفة، لكن لجنة التوظيف التي تم تشكيلها على أساس طائفي أيضا والتي تكونت من 3 سنة و1 شيعي قامت باستبعاد كافة المرشحين الشيعة دون الإلتفات إلى عامل الكفاءة أو الخبرة بل بالإعتماد على مبدأ التصويت ضاربة عرض الحائط بكل المعايير المهنية، بل ومتجاوزة شروط التوظيف التي وضعتها اللجنة ذاتها وأعلنت عنها في الصحف المحلية، وإمعاناً في السلوك الطائفي فقد تم تعليق التوظيف في وظيفتين من الشواغر الخمس بسبب عدم تقدم مرشحين سنة، واقتصار المرشحين على الشيعة فقط.
ويكفي للتدليل على مدى طائفية قرارات التوظيف أنه ومنذ أن تأسست الغرفة إلى يومنا هذا، لم يحدث ان تولى منصب المدير العام أو الرئيس التنفيذي شخصية شيعية وفي الإدارة التنفيذية 90% سنة و10% شيعة .
البعد الطائفي
كما أوضحنا، فقد سعت بعض الأطراف داخل مجلس الإدارة إلى طأفنة الغرفة باقالة العضوين عادل العالي وابراهيم الدعيسي على خلفية أحداث فبراير 2011. وأقدم مجلس إدارة الغرفة على فصل 10 موظفين على خلفية سياسية وطائفي ، وقد أبطلت الجمعية العمومية المنعقدة 9 أبريل 2012 قرارات مجلس الإدارة وأعادت العالي والدعيسي لمجلس الإدارة في مواقعهما السابقة . بالإضافة إلى كافة الموظفين المفصولين على خلفية الأحد، وقد بلغ عدد المفصولين 10 موظفين 9 منهم شيعة وسنيا واحداً فقط تم إعادتهم جميعا، وفي حين تم التضييق على الموظفين الشيعة العائدين لأعمالهم وتهميشهم واستهدافهم، تم ترقية السني الوحيد من منصب مدير دائرة إلى منصب الرئيس التنفيذي للغرفة، رغم تقدم العديد من الكفاءات لهذا المنصب بينهم شخصيات إدارية ومهنية حاصلة على شهادات عليا تصل إلى الدكتوراه متخصصة في مجال المال والأعمال والإقتصاد، لكن أغلبها استبعد لإنتمائه للطائفة الشيعية رغم أن عددا من المتقدمين من ذوي التفكير الليبرالي، الذي تدعي الغرفة الانتماء له.
ورغم أن الجمعية العمومية لغرفة تجارة وصناعة البحرين قد شكلت لجنة تحقيق خاصة، للتحقيق في المخالفات الإدارية، إلا أن القوى المسيطرة على الغرفة ضاقوا ذرعا بعمل لجنة التحقيق التي كشفت الكثير من المخالفات ومواقع الفساد، فلجأت للإستعانة بوزارة التجارة والصناعة التي لم يكن لها في تلك الفترة أي علاقة رسمية بالغرفة، ولا يمنحها القانون واللوائح المعمول بها أية صلاحية إدارية أو اشرافية على الغرفة، إلا أن الوزارة قد ارتكبت أكثر من مخالفة قانونية ودستورية وإدارية.
لقد أصدر وزير الصناعة والتجارة د. حسن فخرو قراراً بحل لجنة التحقيق وهو غير ذي صفة، وأرجع قراره للدستور، مع أن اصدار القوانين هو الذي يستند للدستور، وأن حق اصدار القوانين موكول لمجلس النواب والملك. وقدر برر فخرو إصداره قرارا بحل لجنة التحقيق وإبطالل قرار أعلى سلطة في غرفة تجارة وصناعة البحرين بعبارة “بعد الإطلاع على الدستور”! ولعله بسبب أجواء الترهيب التي سادت بعد فبراير 2011 لم يستطع أحد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة، الإحتجاج على هذا القرار المخالف للقانون بشكل صريح، وذهبت احتجاجات وتوضيحات أعضاء لجنة التحقيق وبعض أعضاء الغرفة أدراج الرياح ودون جدوى.
لكن حجم المخالفات الذي كشفته لجنة التحقيق ونشرت جزءً منها إضطر مجلس إدارة الغرفة للتضحية بالرئيس التنفيذي ابراهيم اللنجاوي الذي أصبح كبش فداء ليحمل مسؤولية الأخطاء والمخالفات الإدارية، وهو تصرف معتاد عليه في بعض المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، وقد تم التضحية بالرئيس التنفيذي وفق صيغة واضحة، حيث تقدم الرئيس التنفيذي بطلب رفع راتبه وخيّر مجلس الإدارة بين رفع الراتب او قبول استقالته.
على الجانب الآخر، رفضت القوى المسيطرة على الغرفة بما في ذلك الرئيس ونائبه الأول طلباً مستحقاً لعقد عمومية استثنائية لمناقشة القانون المكبل الذي كان يعد بشكل مواز لعمل لجنة التحقيق ضمن مسلسل الجهود التي ظهرت للعيان من خلال الغاء لجنة التحقيق، وقد عمل بعض الموظفين مع مجلس الإدارة لإبطال الدعوة لإنعقاد الجمعية العمومية بحجة عدم استيفاء طلب الدعوة لعقد الجمعية العمومية رغم أن المتقدمين فاق عددهم العدد المطلوب حسب الوائح الداخلية.
ولادة القانون 48
ترأس النائب الأول لرئيس مجلس إدارة الغرفة ابراهيم زينل العديد من اللجان الرئيسية في الغرفة وأهمها لجنة القوانين التي بدأت التحضير لإصدار القانون المكبل للغرفة منذ فترة طويلة، وقد تم إحالة المسودة الأولى للقانون المكبل للغرفة للجمعية العمومية في العام 2008 لكن الجمعية العمومية رفضت العديد من المواد واعادته لمجلس الإدارة للتعديل.
وفي العام 2009 رفضت الجمعية العمومية النسخة المعدلة للقانون المرفوعة من قبل لجنة القوانين، حينها نسقت لجنة القوانين لإصدار القانون المكبل بالتنسيق مع وزارة الصناعة والتجارة وهيئة التشريع والإفتتاء القانوني بعيداً عن الجمعية العمومية، وعندما اكتشف بعض أعضاء الغرفة تبرأت اللجنة منه.
وقد صدر القانون المكبل للغرفة بمرسوم ملكي رقم 48 قبل اسبوعين فقط من إنعقاد الدورة الجديدة لمجلس النواب عام 2012 رغم عدم وجود أي صفة استعجال لإصدارالقانون. ورهن القانون كل قرارات الغرفة بيد وزير الصناعة والتجارة بموجب المادة رقم 3 والمادة رقم 32 ومواد أخرى تلزم مجلس ادارة الغرفة برفع القرارات التي يتخذها لوزير التجارة والصناعة خلال 5 أيام من تاريخ أصدارها، ومنحته حق الإعتراض خلال 15 يوما، فاذا لم يقتنع مجلس الإدارة باعتراضات الوزير أحيلت القرارات لرئيس مجلس الوزراء، كما عمد القانون المكبل للغرفة إلى التمييز بين أعضاء الغرفة لصالح الشركات ذات الراس مال المرتفع لإحكام السيطرة على الإنتخابات بموجب المادة 9 والمادة 14 من القانون المكبل.
تم سلق القانون المكبل للغرفة والتعجيل بإصداره بمرسوم ملكي قبل 14 يوماً من انعقاد مجلس النواب بعد أحداث الجمعية العمومية المنعقدة 9 أبريل 2012، ورغم أن ديباجة القانون تتضمن: بعد موافقة مجلس الوزراء، إلا أن القانون لم يعرض على مجلس الوزراء في أي من جلساته، وحين نستعرض بعض مواد القانون نجد مثلا المادة 14 التي تنض على يُمثل العضو في اجتماعات الجمعية العمومية والإقتراع صاحب المؤسسة أو الممثل القانوني للعضو، ولا يجوز التوكيل في حضور الجمعية العمومية أو الإقتراع، ويكون لكل عضو عدداً من الأصوات في الإقتراع حسب راسماله وفقاً للجدول المرفق بهذا القانون، على أن يقتصر التخويل في التوقيع على معاملات العضو في سجلات الغرفة، دون أن يمتد إلى حضور اجتماعات الجمعية العمومية والأقتراع، بينما نجد المادة 39 تعطي الوزير حق الدعوة للجمعية العمومية وحل مجلس الادارة .
تأثير القانون 48
بعد صدور القانون رقم 48 المكبل للغرفة سارعت القوى والمسيطرة على القرار في مجلس الإدارة لتطويق اية إمكانية للتغيير بالغرفة، فقد عمدت إلى إعادة تفسير نوعية العضويات ونظام التصويت داخل الغرفة وخاصة في الجمعية العمومية، وبموجب هذه التحركات أصبح التصويت يقاس وفق عدد القيد التجاري وليس وفق السجل التجاري الذي يمتلكه كل تاجر أو شريك ، وتم وضع جدول تفسيري يحدد عدد الأصوات المستحقة لكل قيد تجاري حسب رأسمال هذا القيد، والرسوم المستحقة عليه، لكن هذا القانون لا يطبق بشكل عادل.
كما تم الغاء التوكيلات بكافة أشكالها، في مخالفة صريحة للأنظمة والقوانين المعمول بها في البلاد ، ففي الوقت الذي تقبل فيه وزارة التجارة والصناعة، ومختلف وزارات ومؤسسات الدولة التوكيلات القانونية الصادرة من إدارة الشئون القانونية، بما في ذلك استخراج السجلات التجارية وفتح وادارة الحسابات البنكية والمعاملات المالية، نجد ان المرسوم بقانون رقم 48 يمنع أصحاب هذه التوكيلات التي تعطي صاحبها حق البيع والشراء والتجارة في السهم والعقارات وإجراء كافة المعاملات، لكن القانون يستثني حضور الجمعية العمومية والتصويت في غرفة تجارة وصناعة البحرين، فقط لكي يهيء الفرصة للوبي التجارالهوله لإستمرار الهيمنة على الغرفة، كما جرى القفز على العديد من قرارات الجمعية العمومية للغرفة التي تعد أعلى السلطات، وأصبحت قرارات الغرفة كلها مرهونة بموافقة وزير التجارة والصناعة.
الإنتخابات محطة فاصلة
تأتي الإنتخابات المقررة 15 فبراير 2014، كمحطة فاصلة في تاريخ غرفة تجارة وصناعة البحرينن، فإما أن تستمر هيمنة لوبي التجار الحكومي (تمثله كتلة معكم بشكل رئيسي)، المقربة من الحكومة وبالتحديد من رئيس الوزراء الذي كان يحدد شخصية رئيس الغرفة ومعظم المناصب القيادية في المكتب التنفيذي وفق العلاقة التي تربطهم بديوانه ونهجه، وفي هذه الحالة سيستمر مسلسل تكبيل الغرفة وتراجع دورها ورهنها للحكومة، وإما ان يصل إلى مجلس إدارة الغرفة شخصيات ذات نظرة استقلالية، تحافظ على وحدانية تمثيل التجار من كافة القطاعات وتسعى إلى تعزيز دورها في دورة الإقتصاد الوطني.
إنه التحدي الجدي الذي يجب على أعضاء الغرفة مواجهته في الإستحقاق الإنتخابي الجديد الذي يحمل رقم 28 بعد ان أكملت الغرفة 75 عاماً من عمرها. من جهة أخرى فإن كثيرون ينظرون لإنتخابات الغرفة هذا العام بإعتبارها بالون إختبار يمكن ان تعبر عن مدى جدية السلطات الحاكمة وعزمها الخروج من الأزمة التي تعيشها البحرين، والتي أثرت بشكل كبير على الإقتصاد البحريني، وساهمت في رفع الدين العام للدولة حتى وصل إلى أكثر من 12 مليار دولار، خاصة وأن هذا العام هو عام الإنتخابات العامة التي يمكن لها ان تكون بوابة العبور إلى انفراجه سياسية وديمقراطية حقيقية.
وحدهم التجار أعضاء الغرفة الذين سيشاركون في إنتخابات الغرفة يوم السبت 15 فبراير 2014 قادرون على الإجابة على هذه التساؤلات، وتحديد مستقبل الغرفة بين الإستقلال والتبعية.