محمد حسن البحراني
كاتب وإعلامي عراقي
المحتويات:
مدخل
المؤثرات في الموقف الإيراني
المؤثر الاول: الموقع الجيوسياسي للبحرين
المؤثر
الثاني: مطابخ القرار الإيرانية
المؤثر الثالث: مواقف السلطات البحرينية
تحديات الوساطة الإيرانية في البحرين
التحدي الاول، تبعية القرار البحريني للسعودية
التحدي الثاني: اتهام المعارضة بالارتباط بإيران
سبل تسوية الأزمة البحرينية
تأثير الصراع السعودي الإيراني
مدخل
لم تشهد الرؤية الإيرانية للأزمة الداخلية في البحرين أي تغيّر ملموس رغم دخول هذه الأزمة عامها السادس، ورغم التغيير الحكومي الذي شهدته إيران عام 2013، والذي تمثل بفوز القوى الإصلاحية والمعتدلة وتراجع دور القوى المتشددة.
الواضح لمتابعي السياسة الخارجية الإيرانية، أن مواقف طهران تجاه الأزمة البحرينية بقيت كما هي في خطوطها العريضة، سواء في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وهو من المعسكر الاصولي المتشدد، أو خلال عهد الرئيس الحالي حسن روحاني الذي ينتمي للتيار المعتدل.
المؤثرات في الموقف الإيراني
أية قراءة دقيقة للمواقف الإيرانية تجاه الأزمة البحرينية الحالية، لابد أن تأخذ بنظر الاعتبار ثلاثة مؤثرات تنطلق منها عادة رؤية طهران الرسمية لهذه الأزمة:
المؤثر الاول: الموقع الجيوسياسي للبحرين
مع ما يمثله هذا الموقع من أهمية بالغة الحساسية للأمن القومي الايراني، حساسية فرضها الوجود العسكري الامريكي الدائم في البحرين، وتضاعفت باستدعاء قوات درع الجزيرة في ربيع عام 2011 إثر إندلاع انتفاضة الرابع عشر من فبراير، ثم ليكتمل القلق الايراني بعرض الحكومة البحرينية الأخير إقامة قاعدة بريطانية على أراضيها، وكل هذه الوقائع غير مرحب بها لدى الإيرانيين بالتأكيد، بل أن أصحاب وصناع القرار الايراني ينظرون اليها باعتبارها إجراءات معادية قد تشكل تهديدا لأمنهم القومي في المستقبل
المؤثر الثاني: مطابخ القرار الإيرانية
نظرًا لهذه الأهمية التي تتسم بها البحرين، فإن السياسة الإيرانية تجاه الأزمة البحرينية الحالية عادة ما تتأثر بما تنشره العديد من مراكز الدراسات التابعة اما لوزارة الخارجية أو لمؤسسات الحكم الأخرى من تحليلات.
وهنا ينبغي الإشارة الى أن غالبية ما صدر عن هذه المراكز (المطبخ الحقيقي للسياسة الخارجية الإيرانية) من رؤى ومقالات نخبوية حول الأزمة البحرينية خلال السنوات الخمس الماضية تكاد تتطابق في وصفها لهذه الأزمة بأنها نتاج طبيعي لفساد وتخلف واستبداد النظام السياسي الحاكم في البحرين، سواء إبان عهد الوصاية البريطانية المباشرة التي امتدت للعام 1971، أو خلال عهد ما بعد الاستقلال، حيث لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية على سياسة التمييز والقمع والاعتقالات التي كانت وماتزال، حسب هذه المقالات، تمثل نهجا ثابتا للسلطات الحاكمة في البحرين لأكثر من أربعة عقود مضت من حكم الشيخ عيسى بن سلمان ال خليفة، ليواصلها بعده ابنه الشيخ حمد.
ورغم الاجراءات الإصلاحية الجزئية التي قام بها الملك الحالي للبلاد في بداية عهده والتي أثمرت فيما بعد عن قبول بعض أطراف المعارضة، وفي مقدمتها جمعية الوفاق، عن قبول المشاركة في الانتخابات النيابية لعام 2006 – 2010، لكن وكما هو معروف فإن هذه الإصلاحات ومع أنها لم ترتق إلى مستوى طموحات وأمال غالبية البحرينيين، إلا انها وكما تعبر بعض الدراسات التخصصية قد نُسفت بالكامل في مطلع عام 2011، عندما شهدت الحريات العامة خلال الأعوام الخمس الماضية التي أعقبت اندلاع ثورة الرابع عشر من فبراير تراجعا حادا فاقت في سوئها ما كانت عليه الأوضاع في عهد الشيخ عيسى بن سلمان ال خليفة.
المؤثر الثالث: مواقف السلطات البحرينية
اما العامل الثالث الذي ترك أثره بوضوح على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الأزمة البحرينية، فيرتبط بمواقف السلطات البحرينية نفسها وطريقة معالجتها لهذه الأزمة، فهي ووفقا للمسؤولين الإيرانيين، وبدلا من التوقف والتفكير الجاد لتسوية الأزمة وبأقل الخسائر لها وللشعب البحريني من خلال حلول وسطية تلبي جوهر مطالب المعارضة، مع الحفاظ على الحكم الملكي الدستوري، عملت السلطات بشتى الوسائل المتاحة لديها لإسكات صوت الشعب وتجاهل دعواته المشروعة في اختيار برلمان وحكومة منتخبة.
وحسب وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي فإن طهران كانت قد أبدت استعدادها للقيام بدور الوسيط بين الحكومة البحرينية والمعارضة في الأزمة الاخيرة، وكان يمكن لهذه الوساطة التي عرضت على إيران بطلب من ملك البحرين الشيخ حمد ان تحقق أهدافها لولا إصرار وزير الخارجية خالد بن أحمد ال خليفة على أن تنجز إيران وساطتها بين الحكومة والمعارضة بشكل غير معلن، مما دعا المسؤول الإيراني الى رفض الطلب البحريني، نظرا لما يمكن ان يرافق هذه الوساطة من مواقف واتهامات بحرينية محتملة لإيران في حال تمت بشكل سري كما طلبت المنامة .
ومع ان السلطات البحرينية سارعت آنذاك الى نفي تصريحات صالحي، الا أن الأخير حرص فيما بعد على تأكيد صحة ودقة هذه المعلومة أكثر من مرة، مشيرا الى أن طلب ملك البحرين هذا تم خلال لقائه به على هامش قمة منظمة التعاون الاسلامي.
تحديات الوساطة الإيرانية في البحرين
الاعتقاد السائد في طهران هو أن حكومة الرئيس حسن روحاني الحالية ربما هي أكثر استعدادا من سابقتها (حكومة الرئيس أحمدي نجاد) للمساعدة في تسوية الأزمة البحرينية، فيما لو طلب منها القيام بمثل هذا الدور.
لكن المشكلة الحقيقية التي تقف بوجه أية وساطة محتملة من هذا النوع تكمن كما يعبر العديد من المتخصصين الإيرانيين بالشأن الخليجي في عاملين أساسيين:
التحدي الاول، تبعية القرار البحريني للسعودية
إن تبعية القرار البحريني في هذه القضية بالكامل للحكومة السعودية التي اتسمت علاقاتها بإيران منذ قيام نظام الجمهورية الاسلامية عام 1979 وحتى يومنا هذا بالخصومة والعداء المكشوف لأسباب معروفة، وبالتالي فمن الطبيعي أن يواجه أي دور إيجابي محتمل يمكن ان تلعبه إيران لجهة تسوية الأزمة الداخلية للبحرين برفض سعودي حتى وإن كانت مثل هذه التسوية ستخدم نظام الحكم البحريني في نهاية المطاف.
ولعل ما أثار دهشة الإيرانيين والعديد من صحفهم اليومية هو ان وزير الخارجية الامريكي جون كيري قد دخل على خط هذه الأزمة مرحبا به خلال زيارته الاخيرة للمنامة بلقاءه بعض وجوه المعارضة دون ان تجرؤ الحكومتان البحرينية او السعودية على الاعتراض على مثل هذا اللقاء.
التحدي الثاني: اتهام المعارضة بالارتباط بإيران
العامل الآخر الذي يعرقل أية تسوية محتملة لهذه الأزمة فيعود، كما يرى هؤلاء المتخصصون، إلى حملة الاتهامات التي ماتزال السلطات البحرينية تصر على توجيهها يوميا لحركة الاحتجاجات الشعبية بارتباطها بإيران.
اتهامات غالبا ما يواجهها المسؤولون الايرانيون بالتجاهل، لكنهم يضطرون للرد عليها من حين لآخر متى ما اقتنعوا بفائدة وضرورة ردهم وتوضيح قناعاتهم، التي يحرصون فيها عادة على دعوة السلطات البحرينية لتسوية مشاكلها الداخلية عبر الدخول في حوار جاد مع ممثلي المعارضة، وعدم التهرب في حل الأزمة من خلال تحميل أطراف خارجية مسؤوليتها واستحقاقاتها.
ترى طهران ان استمرار نظام الحكم البحريني اتهامها بالوقوف وراء حركة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة هو مجرد عناد فارغ، لا يمكن أن يخدم أية محاولات أو جهود مستقبلية مخلصة تهدف الى إيجاد مخرج مقبول لازمة الحكم الراهنة، لأن مثل هذه الاتهامات التي تفتقد لأي دليل مادي تشكل إساءة للشعب البحريني ولمعارضته المشروعة قبل أن تشكل إساءة لإيران، لاسيما بعد التحقيق الدولي الذي أصدره القاضي الدولي محمود شريف بسيوني في نوفمبر عام 2011 بتكليف من الملك حمد نفسه، حيث برأ هذا التقرير ساحة ايران مما شهدته البحرين من احداث عنف وتخريب غامضة.
بطبيعة الحال فإن الحكومة الإيرانية وفي ظل ما تراه من استمرار متعمد لحملة الاتهامات الباطلة لها حول علاقتها بالأزمة البحرينية، لا تخف دعمها المعنوي والاعلامي للحراك السلمي الذي تقوده المعارضة الداخلية، عبر وسائل إعلامها الموجة باللغة العربية، دعم يفرضه كما يقول الايرانيون دستورهم في مادته الرابعة والخمسين بعد المئة التي تنص على وجوب دعم الشعوب المستضعفة والمظلومة والمقاومة، لاسيما الاسلامية منها أينما كانت، وهذا ما حصل مع العديد من شعوب المنطقة والعالم عندما دعم نظام الجمهورية الاسلامية الشعب العراقي في مواجهته لنظام صدام حسين، وعندما دعمت ايران خلال السنوات الاخيرة الثورات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليم ، كذلك دعمها مقاومة الشعبين الفلسطيني واللبناني، فضلا عن وقوف ايران الى جانب كفاح الشعب البوسني المسلم بوجه جرائم الصرب.
سبل تسوية الأزمة البحرينية
يرى العديد من المتابعين للشؤون الخليجية في طهران ان السبب الاول لاستمرار الأزمة الداخلية في البحرين يعود الى إصرار النظام الحاكم على عدم الاعتراف بوجود هذه الأزمة، وبالتالي فإن الخطوة الاولى لأية تسوية للمشهد البحريني ينبغي أن تبدأ من اعتراف هذا النظام بوجود أزمة سياسية دستورية ناجمة عن الظلم والاقصاء والتمييز، الذي طال غالبية الشعب البحريني لاعتبارات طائفية لعقود متتالية.
أما الخطوة الثانية للحل الذي تشجع عليه طهران فتتمثل بدخول نظام الحكم والمعارضة حوارا جادا ومباشرا دون أية وساطات إقليمية أو دولية، لكن طهران ومن خلال ما تطرحه من مواقف بين الحين والآخر على لسان بعض مسؤوليها، يبدو أنها لا تمانع في بعض الأدوار الإقليمية أو الأممية، إذا كانت قادرة على المساعدة في الاقتراب من تسوية عادلة تأخذ بنظر الاعتبار الحقوق السياسية المشروعة للشعب البحريني وتضحياته الجسيمة والطويلة من أجل هذه الحقوق.
ويشدد هؤلاء المراقبون على أن هذه الأزمة ستظل تراوح مكانها مالم تقرر السعودية ترك الشعب البحريني يقرر مصيره ومستقبله السياسي، ما يعني، حسب طهران، ضرورة حصول انسحاب لقوات درع الجزيرة التي تتشكل غالبيتها من قوات أمنية سعودية لأي تسوية قادمة.
ومهما يحيط بمثل هذا السيناريو الذي يردده الايرانيون لحل الأزمة البحرينية من شكوك حول مدى إمكانية تطبيقه في الأمد القريب، سيما مع ما تواجهه هذه الأزمة من تعقيدات وتناقضات إقليمية ودولية، الا أن اصحاب القرار في طهران يقولون ان أي حلول بديلة أخرى لا تعالج الأسباب الحقيقية للمشكلة البحرينية ستكون ترقيعية، مؤقتة وغير قابلة للدوام.
تأثير الصراع السعودي الإيراني
هناك من المحللين والباحثين الإيرانيين من يعتقد، أن حل الأزمة البحرينية سيبقى مؤجلا لارتباطه بشكل أو آخر بمستقبل العلاقات الإيرانية – السعودية، والنتائج التي سينتهي اليها الصراع المكشوف والمتصاعد منذ سنوات بين طهران والرياض حول العديد من الساحات الساخنة في المنطقة كسوريا واليمن والعراق ولبنان.
ويعبر هؤلاء الباحثين عن قناعتهم أن بلدا صغيرا كالبحرين يقع في منطقة بالغة الحساسية كالخليج، ويعيش وسط قوى إقليمية ودولية متصارعة كبرى، ورهن بقاء نظامه السياسي الحالي ومستقبله ببعض هذه القوى دون أخرى، سيكون من الصعب عليه العثور على حلول دائمة لأزمته الداخلية من دون المبادرة للقيام بإجراءات إصلاحية جذرية تستند الى إرادة سياسية وشجاعة أخلاقية تؤهله لمعرفة الداء أولا، واكتشاف الدواء ثانيا.
جميع الحقوق محفوظة لـ مركز البحرين للدراسات في لندن
الآراء تعبير عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن موقف المركز.