مدخل
الانقسام والتعددية
التسييس والمهنية
انعكاسات الربيع العربي اقتصاديا
في مارس ٢٠١٦، انتخب الاتحاد العام لعمال البحرين أمانة عامة جديدة. هنا قراءة للتحديات التي فرضتها الثورات العربية على صعيد العمل النقابي العربي.
لقد فرضت أحداث ما يسمى بمرحلة الربيع العربي ابتداء من عام 2011 تحديات جسيمة على الحركة النقابية العربية في كل البلدان التي انطلق فيها الربيع العربي، من خلال حراكات شعبية، سواء تلك التي نادت بتغيير النظام أم تلك التي نادت بإصلاح النظام.
كان من أبرز التحديات التي فرضت على الحركة النقابية هو درجة الانخراط النقابي في هذه الحراكات أو الثورات أو الهبات أو الاحتجاجات الشعبية باختلاف تصنيفاتها وأسمائها.
إن الحركة النقابية باعتبارها حركة نضال اقتصادي اجتماعي تختلف عن التجمعات السياسية أو منظمات المجتمع المدني والحقوقي، حيث أن النضال الاقتصادي الاجتماعي يستدعي بالضرورة تعاونا مع الأنظمة القائمة، لأن النضال الاقتصادي الاجتماعي هو نضال قائم على الحفاظ على المكاسب، إن كانت موجودة، وزيادتها وإضافة الجديد منها، وهذا لا يتيسّر إلا بشراكة من نوع ما مع النظام القائم، وهو على نقيض النضال السياسي الذي قد يستدعي القطيعة مع النظام أو الثورة عليه.
أما السبب الآخر لهذا السؤال الذي يقف شاهرا نفسه أمام أية حركة نقابية هو أن الحركات النقابية بطبيعتها تضم مختلف الأطياف والمكونات الاثنية والاجتماعية، وهو ما يجعل الحركة تسائل نفسها بأية درجة ستكون ممثلة تمثيلا حقيقيا لنبض أعضاءها وقواعدها العمالية فيما لو انخرطت كليا في الحراك الشعبي، والذي قد يغلب عليه مكون معين، سواء فيما يطرحه من مطالب إصلاحية، أو تغييرية، أو لجهة الانتماءات الاثنية والاجتماعية للقائمين على هذا الحراك.
ولهذا لاحظنا أنه في بعض البلدان التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي، مثل تونس ومصر، فإن الحركة النقابية تأخر انخراطها في هذه التحركات إلى حين لحظة قرب انتهاء النظام بالتغيير المحتوم.
ولم تكن الحركة النقابية البحرينية بمعزل عن هذا المأزق الذي يجد فيه النقابي نفسه، هل عليه أن ينخرط كليا في هذه الحراكات الاحتجاجية أم عليه أن يضع لنفسه مسافة ما من هذا الحراك؟ بحيث يحاول الاستفادة منه فقط فيما يخص تحسين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وبناء على ذلك فإن الحركة النقابية البحرينية التي كانت أمام هذا الوضع الماثل آنئذ، والتي كان يمثلها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين ونقاباته، فقد التزمت باتجاه عام طبع التعامل النقابي البحريني وهو وضع مسافة من الحراك، حيث كانت مشاركة الاتحاد العام ونقاباته بالدرجة التي تتقاطع فيها هذه الاحتجاجات مع تحقيق مصلحة عمالية، خاصة فيما يتعلق بشعار الحرية النقابية والعمل اللائق والعدالة الاجتماعية.
ومع ذلك فلم تسلم الحركة النقابية من تبعات هذه الأحداث بعد انحسار موجة الاحتجاجات داخليا وعربيا، حيث برزت على إثر ذلك جملة من التحديات على النقابيين مقاربتها ومعالجتها بمهنية وحرفية وموضوعية وبروح من التجديد والابتكار، وأبرز هذه التحديات هي:
1. الانقسام والتعددية
سواء على المستوى القومي أم على المستوى القطري، فقد أسفرت مرحلة الربيع العربي عن انقسامات اتخذت في ظاهرها طابع الحق في التعددية، لكنها في حقيقتها كانت خلافا سياسيا في التعامل مع أحداث الربيع العربي.
على المستوى القومي انشطر الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بعدما شعر قسم من أعضاء هذا الاتحاد المكون من الاتحادات القطرية العربية أنه كاتحاد قومي لم يتخذ مواقف مساندة للتحركات الشعبية المنادية بالديمقراطية، وانه فشل حتى في مساندة الاتحادات القطرية الأعضاء، التي تعرضت قواعدها النقابية والعمالية للتسريح والانتهاك والاعتقال وربما القتل.
لقد أدى هذا الانقسام نقابيا على المستوى القومي إلى خروج مجموعة من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العربـ أو ما يعرف بـ ICATU لتؤسس في 1 أكتوبر 2014 الاتحاد العربي للنقابات ATUC في العاصمة الأردنية عمّان.
على المستوى المحلي البحريني حدثت انقسامات في الحركة النقابية المحلية، حيث نشأت على خلفية أحداث العام 2011 نقابات من رحم النقابات القائمة، لتؤسس اتحادا آخر غير الاتحاد العام بعد، قيام السلطات بإصدار تعديل في التشريع النقابي يسمح بالتعددية، وهو ما هدف إلى إضعاف الحركة النقابية القائمة وضرب وحدتها في الصميم، وهذا هو أبرز تحديات العمل النقابي ما بعد الربيع العربي، أي الحفاظ على الوحدة النقابية ومواجهة النقابات التي قد تكون موالية، ليس للمصلحة العمالية، بل لأطراف الانتاج الأخرى من أصحاب عمال وحكومة.
2. التسييس والمهنية
إن التحدي الآخر البارز هو طبيعة العلاقة بين الحركة النقابية وبين مكونات المشهد السياسي والمطالب السياسية، ففي ظل رمال متحركة ومياه جارية وظروف متقلبة ومتغيرات سياسية تضرب مختلف الأحزاب والجمعيات والأشخاص، في ظل ذلك إلى أي حد تستطيع الحركة النقابية، أن تسير على طريق محايد، وفي نفس الوقت متعاطف مع مطالب الديمقراطية والإصلاح السياسي، ولكن دون تضحية بالعلاقة التي يجب أن تستمر بين الحركة النقابية وطرفي الانتاج.
مثلا لاحظنا في البحرين أن العلاقات التي كانت ميسرة وسهلة مع المسؤولين الحكوميين قد تعثرت، وتعطل التواصل، ما منع من إنجاز العديد من الملفات على إثر تعقيدات وتداعيات أزمة 2011.
3. انعكاسات الربيع العربي اقتصاديا
كان للربيع العربي انعكاسات اقتصادية صعبة على مجمل الاقتصادات الوطنية العربية. وفي البحرين مثلا برزت ملامح المرحلة الجديدة التي يمر بها اقتصاد البلاد من خلال التقشف ورفع الدعم وتسريح العمال وإغلاق العديد من المشاريع وهو ما يؤدي إلى مزيد من الأضرار على محدودي الدخل ويجعل من الأهمية بمكان وصول أطراف الانتاج إلى صيغ مشاركة اقتصادية اجتماعية من أجل مواجهة هذه الاستحقاقات الاقتصادية الاجتماعية.
جميع الحقوق محفوظة لـ مركز البحرين للدراسات في لندن
الآراء تعبير عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن موقف المركز.