مهدي أبوديب جليلة السلمان
كتب الموضوع مهدي أبوديب من داخل سجن جو المركزي في البحرين والتعديل بتصرف جليلة السلمان – نائب الرئيس
1-مقدمة
التعليم كان وما يزال جواز مرور الأمم نحو الارتقاء والتحضر والرخاء وهذا ما تعيه جميع الأمم وعملت على تكريسه كل الديانات وكل المصلحين عبر تاريخ البشرية الطويل، وهذا هو القرآن يبدأ أول اتصال له بالأرض بـ “اقرأ” وهذا هو رسول الرحمة (ص) يقول لنا “اطلبوا العلم من المهد إلى اللّحد” وتتوالى تعاليم السماء والروايات عن رسول الله (ص) وأهل بيته وتراث صحابته الكرام (رض) لتوجهنا نحو العلم والتعلم حتى يصل الأمر بالرسول الأكرم (ص) للقول “اطلبوا العلم ولو بالصين” و “طلب العلم فريضة على كل مسلمٍ ومسلمة”. عندما انطلقت حضارة المسلمين من مجاهل صحراء العرب لتغزو العالم، فإنها سادت بالعلم، العلم الذي تفجر في جنبات الدولة الفتية نتيجة التلاقح الفكري والانفتاح على الأمم التي كانت تحيط يجزيرة العرب وفتحها المسلمون، استفاد العرب من علوم تلك الأمم لأنهم عاشوا فلسفة الاسلام القائمة على عدم التمييز بين البشر بناءً على أصولهم أو ألوان بشرتهم أو انتماءاتهم الفكرية والعقائدية أو حتى الدينية “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” . المعيار هو الكفاءة والمطلوب هو الارتقاء والطريق هو العلم أليست “ساعة تفكر خير من عبادة سنة”؟ فحتى الايمان إنما بني على العلم وليس على الجهل. ولم ينتشل أوروبا من عصور الجهل والظلام سوى نور العلم الذي وضعها في طليعة الأمم اليوم وأيضاً لأن أوروبا لم تهتم بمصدر العلم بل بتعلمه، ولم تشهد دول شرق آسيا هذه الانطلاقة الاقتصادية والصناعية إلا بالعلم وتطوير التعليم وجعله مرتكزاً للتنمية البشرية التي هي بالفعل رأسمال تلك الأمم الحقيقي، حيث لا بترول ولا مواد أولية … فقط الانسان والتعليم. أما البحرين فقد كانت – دوماً – منارة علمٍ ودوحة للعلماء ومركز اشعاعٍ ثقافي لكل منطقة الخليج بل وفي بعض مفاصلها العلمية لاسيما العلوم فإنها كانت منارة لعموم العالم الإسلامي، لها تاريخها الناصع وثقافتها المنفتحة وانجازاتها العلمية المنفردة. أما في عصرنا الحالي منذ بدء التعليم النظامي في البحرين فقد مر هذا التعليم بأدوارٍ متعددة بُنيت منذ بداياتها الأولى على إحكام قبضة طيفٍ واحد من أطياف المجتمع على التعليم فجميع قيادات التعليم حتى يومنا هذا ينتمون لهذا الطيف إضافة لسياسات التوظيف والتطوير الوظيفي والترقيات والبعثات وغير ذلك كما تعمل السياسات التعليمية على تغليب فكر وثقافة هذا الطيف على جميع المستويات ومنها المناهج المختلفة والتي تسطع جلية في مواد التربية الاسلامية والتاريخ والنصوص والثقافة الشعبية والتربية الوطنية وحتى الجغرافيا وبقية المواد التي تُدرس في مدارسنا. ومع ذلك لم تكن الأمور دوماً بهذه القسوة والوضوح، ولم يكن هذا السلوك الممنهج عبر عشرات السنين منذ بدء التعليم النظامي في البحرين في بدايات القرن الماضي، والرأي – دون أدنى شك – إلى إحداث هذا “التطهير الطائفي” الموجه لأحد أهم أطياف المجتمع انطلاقاً من التعليم بهذه الكيفية والكمية والمباشرة التي أضحت عليها الأمور منذ عام 1995 أي منذ (عسكرة التعليم) حتى يومنا هذا ولم تكن بهذا الاتساع المحموم الذي باتت عليه منذ تسنّم الوزير الحالي منصبه ولم تكن بهذا التركيز الفاضح كما هي عليه منذ 14 فبراير 2011. وسأعرض في هذه الورقة المختصرة لبعض أهم الأمور التي بنيتُ عليها هذا التوصيف “التطهير العرقي” لما يجري في التعليم، وسأتحدث عن اثنين من أهم مشاريع “تدمير التعليم” وهما “كلية المعلمين” و “تثبيت المتطوعين” ودور هذين المشروعين في المشروع الأم “التطهير الطائفي”، وسأتناول باختصار لماذا تم تهميش جمعية المعلمين وإبعادها عن كل المشاريع والقرارات التعليمية وأسباب الهجمة الشرسة على جمعية المعلمين ورئيسها ونائبته ومجلس إدارتها والمعلمين والطلبة، ولماذا حُمِّل طلبة “كلية المعلمين” الوزر الأكبر لما حدث في الجامعة، وذلك في جولة سريعة – تقتضيها ظروف سجني – ألقي من خلالها الضوء بشكل مقتضب على التعليم النظامي في البحرين ودوره في المشروع الأخطر – برأيي المتواضع – الذي يواجهه الوطن والذي تمتد من خلاله الأذرع الأخطبوطية للسلطة لخنق كل الوطن وتحويله لكانتونات طائفية لا تخدم في نهاية المطاف سوى السلطة نفسها وبعض المتمصلحين والمتنفذين وجلاوزة السلطة من هذا المشروع الاجرامي غير الانساني وغير الأخلاقي والمتعارض مع تعاليم السماء وقوانين الأرض وأعراف البشر.
2- التعليم.. مظهر براق ومضمون هش
إن الشكل الخارجي للتعليم في البحرين جميل، ولكن الداخل شيء آخر يعاني العديد من المشاكل، فتقارير مجلس التنمية الاقتصادية تؤكد على أن التعليم لدينا في تردٍ لجهة مخرجات التعليم على جميع المستويات سواء الأكاديمية منها أو متطلبات الانخراط في سوق العمل، وهذا ما أكدته الأوراق المقدمة من جامعة البحرين ووزارة العمل وجميع الجهات المشاركة في ندوات مجلس التنمية الاقتصادية حول واقع التعليم في البحرين،)أخبار الخليج .. الأربعاء 17 ابريل 2013 .. هوامش .. ص23 ( فقد قرعت تلك الأوراق نواقيس الخطر حول التعليم ومستوى مخرجاته، بل وألقت ظلالاً كثيفة من الشك في النتائج المسبوقة التي يحققها الطلبة والتي تقترب من الكمال ثم بعد ذلك يفشل العديد من هؤلاء الطلبة في تحقيق النجاح المرجو منهم سواء في سوق العمل أو في الجامعة، إذا هناك خلل واضح وحلقة أو أكثر مفقودة تجعل من السياق العام نشازا بل وغير منطقي.
إن التعليم عملية متداخلة تتكون من عدة عناصر أهمها:
- أهداف التعليم
- السياسات التعليمية
- المنهج
- المواد التعليمية
- الآليات التعليمية ومن ضمنها المعلمون
- الطلبة وهم المستهدفون من العملية التعليمية
- القيادات التعليمية
- البيئة المدرسية
- البيئة المحيطة (البيت، ولي الأمر، المجتمع بمؤسساته الدينية والرياضية والثقافية والاجتماعية وثقافته وتكوينه ومستواه الاقتصادي )
- التقويم
فأين الخلل؟ وزارة التربية والتعليم أنحت باللائمة كالعادة على المعلمين (كبش فداء) علماً بأن ما ثبت لاحقاً أن كل ما أشرت إليه أعلاه يعاني من مشكلات دقيقة لها الدور الأكبر في تردي التعليم وتراجعه، فمخرجات “تعليمية سيئة” تعني “مناهج ضعيفة” وهذه تعني “أهداف تعليمية غير ملائمة” ومعنى ذلك أن “السياسات التعليمية فاشلة” وأن “المواد التعليمية عاجزة” عن تقديم أي شيء للطالب وهذا كله يؤكد أن “التقويم غير سليم” والمحصلة التي يتوصل إليها أي عاقل مختص أو غير مختص “أن هناك خللاً كبيراً في إدارة العملية التعليمية” وهذا ناتج بصورة جلية عن “القصور الواضح في أداء القيادات التعليمية” . فلماذا؟ الجواب بكل بساطة “لأنها غير مؤهلة” و”غير مناسبة لقيادة التعليم”.
إذاً لماذا وُضِعت في هذا المفصل الحيوي والحساس؟ “وُضِعت لتنفيذ أهداف ليس لها علاقة بالتعليم”، وما هي هذه الأهداف؟ هي مجموعة أهداف تصب في المشروع الرئيس “التطهير الطائفي على المستوى الوطني”.
لقد أطلق مجلس التنمية الاقتصادية خمس مبادرات لتطوير التعليم منذ حوالي 6 سنوات وهلل لها الإعلام وُرِصِدت لها الموازنات فأين هي النتائج؟ وهل كانت تلك المبادرات لتطوير التعليم فعلاً؟ نتمنى ذلك ولكن الواقع لا يساعدنا كثيراً في هذا التمني وسنتحدث لاحقاً عن “كلية المعلمين” وهي إحدى المبادرات الخمس التي أطلقها مجلس التنمية الاقتصادية لتطوير التعليم والتي تعطي مثلاً صارخاً على “التطهير الطائفي” الذي يبدأ بالتعليم.
3-عمليات التوظيف.. الإقصاء الممنهج
وزارة التربية والتعليم هي أكبر وزارات الدولة الخدمية من حيث عدد العاملين بها (إذا استثنينا وزارتي الداخلية والدفاع) حيث يمثل العاملون في وزارة التربية والتعليم حوالي ثلث العاملين في القطاع العام تقريبا )حسب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وهيئة تنظيم سوق العمل) (وأعتقد أنهم حالياً أكثر من ذلك بإضافة ثلاثة آلاف متطوع أو أكثر دفعة واحدة) (رد وزير التربية على النائب عبدالعال يوضح أن عدد المتطوعين 3110) وهناك أربع عمليات جديرة بالملاحظة في محاولة معرفة لُب المشكلة التي تنخر في جسم التعليم لتكون العثرة الحقيقية في وجه انجاز أي تقدم حقيقي على المستوى الوطني في أي مجالٍ من المجالات اللازمة لتحقيق التنمية البشرية والحصول على نوعية ومستوى الأداء المطلوبين لإنجاح العملية التعليمية وهذه العمليات هي: التوظيف، التدريب والتمهين، الترقيات والمناصب القيادية وهي متتالية حسب ترتيبها وتقوم هذه العمليات الأربع في وزارة التربية والتعليم على “التمييز والاقصاء” فمن التوظيف على الهوية والتدريب والتمهين والترقي الوظيفي وصولاً للمناصب القيادية فإنك ترى عمليات “التصفية” متجلية بأقبح صورها حيث يبدأ خليط الطيف الوطني بألوانه المختلفة في التلاشي لتبقى وزارة التربية والتعليم ومن ورائها الوطن وأبنائه ومقدراته رهائن مسكوت عنها لتوجهات لون واحد يفرض أجندته الخاصة على الجميع دون أدنى التفات للمصلحة الوطنية أو حتى حقوق المواطنة، ويكفي أن تأخذ جولة سريعة في أروقة الوزارة لترى أن كل الإدارات المسئولة عن هذه العمليات الأربع مثلها كمثل كل إدارات الوزارة – يسيطر عليها هؤلاء المنتمون للون معتم قائم على التمييز والإقصاء وعندما أقول لوناً معتماً فإنني لا أتحدث عن الطائفة التي ينتمون إليها، فجميع الطوائف لها كل الاحترام والتقدير لدي ولكني أتحدث عن الفكر الذي ينتمون له ويقودهم فيسيرون على نهجه إمعاناً في تنفيذ مشروعهم الإقصائي واضح المعالم.
4- القيادات التعليمية
بعد الأستاذ أحمد العمران في إدارة المعارف (1946-1972) جاء الشيخ عبدالعزيز الخليفة (1972-1981) وزيراً للتربية والتعليم ثم جاء بعده د.علي فخرو (1982-1995) الذي أقيل في أول تغيير وزاري في أحداث التسعينات ليحل محله عبدالعزيز الفاضل (1995-2001) ثم محمد الغتم (2001- 2002) وبعد ذلك جاء ماجد النعيمي (2002-حتى الآن)، وآخر ثلاثة وزراء كانوا عسكريين وضباطاً في وزارة الدفاع قبل أن يصبح آخر اثنين منهم رؤساء لجامعة البحرين حيث كان الغتم رئيساً والنعيمي نائباً له ثم أصبح هو وزيراً والنعيمي رئيسا للجامعة قبل أن يصبح وزيراً للتربية والتعليم.
كان الوزراء الثلاثة الأوائل مدنيين والثلاثة الأواخر عسكريين، فقد عُين الفاضل وزيراً خلفاً لفخرو إبان أزمة التسعينيات حيث بدأت عسكرة الوزارة بهدف السيطرة على المدارس وحركة الطلبة فيها والعمل على البدء في حقبة جديدة لتغيير تركيبة العاملين بالوزارة واستبدال النظام التعليمي القائم آنذاك “نظام المقررات” في التعليم الثانوي بآخر هجين حيث أن هذا النظام الذي أتى به فخرو لا يتلاءم مع المهمة التي عُين الفاضل من أجلها وزيراً وهي “ضبط الحالة الأمنية في المدارس” وليس “تطوير التعليم” وعليه فإن الانحدار الواضح والاستهداف الطائفي المكشوف قد بدأ مع الفاضل، فترة الغتم كانت قصيرة وكانت امتداداً لفترة الفاضل مع شيء من الجموح الذي تتميز به شخصية الرجل، ولذلك تم استبداله سريعاً بشخصية خانعة بلا ملامح مما هيأ الجو الملائم تماماً لجعل وزارة التربية والتعليم وكراً للتمييز والتعامل بناءً على الهوية، فلم يعد هناك مكان للكفاءة، وأصبح جواز المرور والترقي في هذه الوزارة هو الانتماء الطائفي والقبلي والأسري والسياسي، فامتلأت أروقة الوزارة بلون واحد واستبعدت بقية مكونات المجتمع بصورةٍ مخزية. ومع كل احترامنا لكل أطياف المجتمع إلا أن كل الوزراء الذين تناوبوا على وزارة التربية والتعليم هم من طائفة واحدة والوكلاء والوكلاء بالكاد ترى بينهم من ينتمي لمكون آخر، وإذا كان، فانظر إلى طبيعة ولائه السياسي، ومدراء الإدارات لا يشذون عن هذه القاعدة، فهل يخطر لك أن تسأل “لماذا؟” يتم بكل بساطة تكريس الحالة الطائفية وتوسعة قاعدتها المستشرية أصلاً في أرجاء الوزارة من اقصاء المكون الاخر واعتبار الوزارة طعمة يجب الحفاظ عليها .. فهل يمكن لنا مثلاً أن نتصور أن المكون الاخر في المجتمع لا يمتلك الكفاءة اللازمة التي تؤهله لهذه المناصب القيادية؟ هذا احتمالٌ بعيدٌ، فهؤلاء بحكم نسبة تواجدهم في المجتمع وطبيعة توجهاتهم الوظيفية وميولهم يشكلون رغم كل العراقيل التي تضعها الوزارة على توظيفهم أكثر من 70-80% من العاملين في الوظائف الدنيا في الوزارة يقدمون جهودهم المخلصة لأداء مهمتهم الرسالية، فلماذا لا يصلون للمناصب القيادية؟ إنه مشروع “التطهير الطائفي” فالسيطرة على التعليم تعني السيطرة على العقول (في العرف البوليسي والنهج التسلطي) وبالتأكيد لأهداف لا علاقة لها بمصلحة الوطن، ولا حتى مصلحة الطائفة التي ينتمي لها هؤلاء ولكنها المصالح الفئوية والشخصية التي تلتقي ومصالح السلطة في تفريغ التعليم من محتواه بإعطائه صورة خارجية براقة وداخلٍ فارغٍ ومظلمٍ بلا محتوى تعليمي منتج، طارد لبقية مكونات المجتمع الذين لا يمكن أن يكونوا أكثر من بيادق على رقعة شطرنج التعليم يتم تحريكها من قبل الجنرالات.
5- المناهج
لُب العملية التعليمية وقلبها هي المناهج وهي الوسيط الأهم وحلقة الوصل بين أهداف التعليم ومجمل العملية التعليمية، فواضع المنهج يتوجب عليه ملاحظة كل عناصر العملية التعليمية ليضعها على المسار الصحيح لتحقيق أهداف التعليم وعليه فإن المناهج تتحمل العبء الأكبر في النجاح أو الفشل في تحقيق تلك الأهداف وبعيداً عن الخوض في المناهج بشكل تفصيلي فإننا نسأل: هل تؤدي المناهج في البحرين دورها المنوط بها من أجل تحقيق أهداف التعليم العليا التي يمكن تلخيصها في “تخريج المواطن الصالح”؟إن كل ما في التعليم يقول لك منذ يومك الأول كطالب في مدارس البحرين الحكومية أنك “مواطن من درجة ما” مواطن درجة “…”، لست بصدد تحديد الدرجة ولكن المؤكد أنك لست “مواطناً فحسب” بل “مواطن يتبعه تصنيف” فالمناهج محلياً لا تأبه لوجودك أصلاً حيث تتعمد التعامل مع كل ما تؤمن به وما تعلمته في محيطك الاجتماعي وما ربتك عليه اسرتك وما تحمله من قيم وكأنه خطيئة تحملها على كاهلك أو على الأقل وكأنه غير موجود إلى الدرجة التي تشعر فيها “بعدميتك” فأنت “غير موجود” فلا وجود للآخر في تلك المناهج، لان كل ما تقدمه الوزارة أحادي المنشأ ويمثل وجهة نظر إقصائية سواء تحدثنا عن مناهج التربية الاسلامية أو الثقافة الشعبية أو التاريخ قديمه وحديثه أو النصوص والأدب عامة ضمن اللغة العربية أو الفنون البصرية بل وحتى التربية للمواطنة التي أستُحدِثت أصلاً “وهذا هو الهدف المعلن و المرجو ” لتكريس المواطنة الصالحة القائمة على صدق الانتماء للوطن وترابه والمرتكزة على مبادئ العدل والحرية والمساواة والتي تستمد وجودها من تعاليم الاسلام الحنيف والروح الإلهية المهيمنة على جميع الديانات السماوية ومبادئ حقوق الانسان والنظرة الانسانية لكل بني البشر، ولكنها بكل أسف- مثل كل مفاصل التعليم – لا تعطي الطالب سوى مجموعة من السفاسف التي توقعه في مجموعة من المتناقضات بين واقعه والمعلومات المستقاة من كتبه ومدرسته فلا يجد لها عقله الصغير حلولاً منطقية سوى الانفصال إما عن الأسرة أو المدرسة وهذا هو الخيار الأسهل بالنسبة له، وهذا ما يريده التعليم له أساساً بهكذا مناهج.
6- البعثات
لقد كان التلاعب في البعثات (سواء بعثات الطلبة أو الموظفين في الوزارة) واعطائها لمن لا يستحقها وحرمان من يستحقها منها – دائماً – من الموضوعات التي شكى منها العاملون في الوزارة والطلبة وأولياء أمورهم والمؤسسات المعنية بالتعليم، لقد عملت عدة جهات سياسية وحكومية ووزارة التربية والتعليم على تكريس هذا السلوك الذي يُعدّ (جريمة أخلاقية في حق الوطن والمواطن) فأنت تسلب المستحق والأكثر تفوقاً والأكفأ حقه في استكمال تعليمه في التخصص الذي بذل الجهود المضنية لنيله وتمنح هذه الفرصة لمن هو أقل منه، لا لشيء سوى الانتماء الطائفي، أنك تصادر حقه الطبيعي في مواصلة تعليمه الجامعي أو العالي (بعد الجامعي) وهذا طبعا – يكون مردوده سلبياً ليس على الشخص وأسرته فحسب بل وبالدرجة الأولى على الوطن الذي يخسر كفاءته وجهوده وإمكانية مواصلته للتطور والإيداع وهذه المشكلة أصبحت أكثر وضوحاً من ذي قبل في السنتين الأخيرتين حيث أصبحت المقابلات الشخصية للطلبة المتقدمين للبعثات هي الرافعة التي ترفع من تريد إلى عليين، وتهبط بمن تريد إلى أسفل سافلين، والمعيار هو الانتماء فحسب لا غير.
أما ما حدث هذا العام في موضوع البعثات فهو يُعدُّ انحداراً أخلاقياً ووطنياً كارثياً بمعنى الكلمة وذلك للعديد من الأسباب أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
توظيف الأبواق الاعلامية المعروفة ببغيها الوطني وعدائها الطائفي قبل وأثناء وبعد توزيع البعثات وهذا أيضاً لعدة أسباب أهمها : قطع الطريق على أي نقد او ملاحظات من أي طرفٍ كان، والترويج للوزارة والحكومة وخططهما وأسلوب تعاطيهما مع البعثات إضافة إلى تحريض الحكومة والوزارة على الإمعان في التمييز ضد طائفة من المواطنين عدا عن خلق بؤر توتر دائمة بين الشعب والسلطة بتوظيف الموضوع سياسياً والترويج للحالة الثأرية بخلق وهم كبير بأن طائفة من المواطنين قد استفادت من البعثات عندما كانت السيدة الفاضلة ص.د. مسؤولة عنها وأن الطائفة الأخرى كانت بزعمهم “مهمشة” ولذا وجب أن يتم حرمان الطائفة التي استفادت سابقاً لحساب الطائفة التي زعموا “زوراً” تهميشها.
استمرار وزارة “التغبية والتهديم” في نهجها الإقصائي وتمييزها الطائفي مستخدمة في ذلك العديد من الآليات لتمرير مشروعها لا سيما المقابلات الشخصية ومن يقوم بها وطبيعة الأسئلة الاستفزازية والتقويم المتحيز والقرارات الجائرة التي تُسيرها عقلية تآمرية متهالكة.
قرار الحكومة بحصر جميع البعثات لتقوم هي بتوزيعها والإشراف عليها بل والموافقة وعدم الموافقة عليها ومنع أي جهة محسوبة على إحدى الطائفتين من اعطاء اي بعثة أو منحة أو مساعدة أو قرض مالي دراسي لأي طالب في أي تخصص أو مستوىً دراسي (بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه أو غيرهم) إلا عن طريق الوزارة وبموافقتها، بينما لا نجد هذه القيود مفروضة على الجهات المحسوبة على الطائفة الأخرى وتجارها وجمعياتها الطائفية ولا على الممولين من أفراد الأسرة الحاكمة، ولا على بعثات ولي العهد أو البعثات التي تمررها الوزارة من تحت الطاولة وفوقها أحياناً حتى أصبحت الروائح النتنة لهذه التجاوزات تفوح في كل عام، إلا أنها ازدادت بشكلٍ ملحوظٍ هذا العام.
امعان الحكومة في تحديها لمشاعر الشعب والتأكيد على نهجها الطائفي البغيض بتعيين أو من طرح فكرة سيطرة وزارة التربية على البعثات وتحكمها بها وكيلاً مساعداً للموارد البشرية فيها مع علم الجميع بدوره التحريضي الطائفي السيئ من خلال الجرائد ووسائل الإعلام المختلفة حيث كان طبالاً دائم العضوية في فرقة الروح الطائفي ولا يزال.
والنتيجة الحتمية لكل ما سبق وغيره هو فقدان العدالة في البعثات وضياع حق الطلبة الخريجين وأولياء أمورهم وخسارة الوطن الفادحة لطاقاتهم المتميزة وتعميق التمييز الطائفي والشرخ النفسي الذي عانى منه أولئك الطلبة منذ اليوم الأول لدخولهم المدرسة – كما سبق القول- فتواصل الوزارة العتيدة تعميق الشعور السلبي بين الطلبة من الطائفتين لكي يٌصبح الانكفاء على الذات والاحتماء بالطائفة هو البديل للجميع عن الانتماء للوطن والاحتماء به، وتتسع الفجوة بين الطلبة بناءً على الانتماء الطائفي ويصبح الظرف ملائماً تماماً لـ “التطهير الطائفي” . وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام تخص وزارة التربية والتعليم إذ يكفي أن نعرف من هم قياداتها وبمن تم رفدهم وسلوك هؤلاء جميعاً طوال تاريخهم في مناصبهم وقبل ذلك لتعرف أن الوطن لا يمكن أن ينتظر منهم أي عدالة في التعامل أو حتى الحفاظ على مستوىً مقبولٍ في التعليم بل والتأكد بأنهم لا بد ان يكونوا كما هم حالياً لا أقل.
7- المتطوعون
تتحدث وزارة التربية والتعليم ومجلس التنمية الاقتصادية وكل المهتمين بالتعليم عن (تجويد التعليم) و (إصلاح التعليم)، وتجوب لجان الجودة المدارس ( تطوير أداء المدارس)، وكثيراً ما توجه أصابع الاتهام لـ (المعلمين) وبدرجة أقل لـ (الإدارات المدرسية) وهؤلاء معلمون على كل حال. أما وزارة التربية والتعليم فإن لومها دائماً وابداً على (المعلمين) في تراجع التعليم وتدني مستوى الطلبة، أليس المعلم هو (الركيزة الأساسية في العملية التعليمية التعلمية)؟ . وعندما تطالب جمعية المعلمين بتوظيف المعلمين العاطلين عن العمل والذين يحمل أكثرهم المؤهلات اللازمة لوظيفة معلم، فإن الوزارة ترفض تعيينهم بحجج ثلاث :
- ضعف مستواهم وعدم أهليتهم.
- عدم وجود شواغر .
- عدم وجود ميزانية لتوظيفهم.
ورغم كل ما تطرحه الجمعية من حلول لاستيعابهم والإفادة من طاقاتهم إلا أن الوزارة بقيت دوماً على تعنتها معهم. وإبان الأزمة في 2011 وعندما أضرب المعلمون مدة 3 أيام في البداية سبقها يوم اعتصام أمام المدارس، فتحت الوزارة باب التطوع على مصراعيه دون أي معايير (بعض المتطوعين للتعليم لا يعرفون القراءة والكتابة أساساً) وذلك للضغط على المعلمين (وهذا ما يتعارض مع القوانين الدولية التي تحمي العامل وتمنع إحلال عامل آخر محله أثناء اضرابه)، رغم أن المدارس التي أضرب معلموها كانت خالية من الطلبة تماماً وفي المدارس التي كان بها طلبة فإن أعداد من تغيبوا كانت قليلة جداً وكان ممكناً تعويضهم بمن لم يضربوا في المدارس الخالية من الطلبة، وهؤلاء المتطوعيون (ولا نعرف متطوعين يعملون بعقود في مقابل رواتب تُدفع لهم، إلا إذا كان للتطوع لدى وزارة التربية والدولة مفهوم آخر لا نعرفه) قد بلغوا في تلك الفترة أكثر من 6000 (بحسب وزارة التربية) ورغم عودة المعلمين إلا أن الوزارة طلبت من المتطوعين مواصلة العمل بل وألزمت المعلمين بتدريبهم، وكانت الأغلبية الساحقة من هؤلاء المتطوعين غير مؤهلين للتعليم بل أن بعضهم – كما سبقت الإشارة – غير متعلم أصلاً والبعض الآخر نال قسطاً بسيطاً من التعليم في حين أن الوزارة تُخضٍع وظيفة المعلم إلى مجموعة من المعايير أهمها (أن يكون المعلم حاصلاً على درجة البكالوريوس في التربية أو بكالوريوس + تربية)، وقد أمرت الحكومة بتثبيت 3000 متطوع، كما أنها تقوم بتدريب حوالي 750 متدرب في معهد البحرين للتدريب وحده، إذا فالمتطوعين : ليسوا مؤهلين أوجدت لهم شواغر تساوي حوالي ثلث عموم العاملين كمعلمين وإداريين في المدارس أوجدت لهذا العدد الكبير الميزانيات المطلوبة ليس فقط لتوظيفهم ولكن أيضاً لتدريسهم وتدريبهم. أليس هذا مثيراً للاستغراب، ان يُدفع بالتعليم نحو المجهول بهذه الطريقة الهمجية، من خلال الجهات المتباكية على فوات أسبوع دراسي على الطلبة في حين أنها تضحي بالتعليم بأكمله، أي تضحي بمستقبل الوطن؟ أي (إصلاح للتعليم) سيتحدث عنه مجلس التنمية الاقتصادية الآن وأي (تجويدٍ للتعليم) وأي (مخرجات) يمكن أن تجدها الجامعة أو سوق العمل؟ وأي (تطوير لأداء المدارس) ستتحفنا به وزارة التربية والتعليم بعد هذه الكارثة؟
لسنا ضد المتطوعين أنفسهم ولم ولن نهاجمهم (رغم تحفظنا على سلوك الكثيرين منهم تجاه المعلمين والطلبة والعملية التعليمية) ولا نكره لهم الوظيفة الشريفة التي تضمن لهم اللقمة الحلال متى كانوا مؤهلين، ولكننا نلوم الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية ووزارة التربية والتعليم الذين استغلوا ظروف البلد لنسف البقية الباقية من التعليم وإلقاء القناع الأخير، وإظهار الوجه القبيح والنيل من المعلمين والطلبة والتعليم وكل ذلك من أجل تكريس وزارة التربية والتعليم راعياً رسمياً للتمييز الطائفي والإقصاء على الهوية وحاضنة مهيئة لـ (التطهير الطائفي).
8- المعلمون
من حيث المبدأ (المعلمون هم جميع شاغلي الوظائف التعليمية والوظائف المساعدة) والكتلة الأكبر منهم من يقومون بعملية التدريس للطلبة فهؤلاء من يتحملون عبء التدريس الأكبر ويتلقون اللوم على جميع الإخفاقات من الجميع، ومردودهم المادي هو الأقل، لقد شغلت الوزارة المعلمين بكل شيء إلا التعليم الجيد، فالمعلم يقوم بما لا حصر له من المهام الكتابية، ويقوم بأعمال رجل الأمن والمدرس البديل، والكاتب والمنظف، يعمل في وقت دوامه وخارجه، في مقابل ماذا. يتحمل لوم الوزارة ومجلس التنمية، والجامعة ولجان الجودة، ولجان تقييم الأداء والاختصاصيين التربويين وإدارات المدارس والطلبة وأولياء أمورهم و… القائمة تطول … فلماذا؟ وعندما تطالب جمعية المعلمين بتحسين وضع المعلم الوظيفي والمعيشي فإنها تجابه دائماً بالرفض وعندما يحاول المعلم أن يطور نفسه ويرتقي بتخصصه يجد أن الفرص تذهب لغيره دون وجه حق، دوام مرهق، تحضير، إعداد وسائل، أنشطة، إعداد الامتحانات والاختبارات والتصحيح، التقويم المستمر، أنشطة لا صفية، ألخ..، هل تعلمون لماذا؟ لكي لا يقوم المعلم بمهمته ويؤدي أمانته .. لكي لا يعلم، لماذا لا يُعطى حقوقه؟ لكي تكون مهنة التعليم مهنة طاردة، لماذا لا يتم تحسين وضعه المعيشي؟ لأن ذلك يعني تحسين الوضع المادي لأكثر من 6 آلاف أسرة من الطيف الذي يتوجب أن يعيش على الكفاف، بالكاد يفكر في قوت يومه لكي لا يتسع المجال للتفكير في شيء آخر ومع ذلك فإن المعلمين يبذلون جهوداً جبارة للتغلب على واقعهم فهم يتعاملون مع عملهم بأكبر قدر من الاحترافية والإخلاص والرسالية، أليسوا هم “ورثة الأنبياء”؟
9- كلية المعلمين
هي واحدة من مبادرات تطوير التعليم الخمس التي أطلقها مجلس التنمية الاقتصادية قبل أربعة ونيف، إذ يفترض بكلية المعلمين أن تكون أولى الدفعات من طلبتها قد تخرجت وتقوم بالتدريس هذا العام، المسؤول عن كلية المعلمين التي أنشئت في عام 2008 هي وزارة التربية والتعليم وهي المسؤولة عن القبول وإجراءات التسجيل وترتيب المواد والتنسيق مع المدارس للتربية العملية، ومقر كلية المعلمين في جامعة البحرين وتتدخل إدارة الجامعة في بعض الجوانب الإدارية والأكاديمية للكلية مثل توزيع الدرجات وعليه فالكلية تقع أكاديمياً تحت مظلة الجامعة، ومعلوم أن الكلية تعتمد التجربة السنغافورية ولذلك فإن المدرسين في الكلية عادة من سنغافورة أو ماليزيا مع بعض المدرسين الأجانب أو البحرينيين وفي السنة الأولى تم قبول حوالي 86 طالباً، النصف منهم فقط بحرينيين من الطائفتين الكريمتين، وفي السنة الثانية تم قبول 150 طالباً أقل من نصفهم من البحرينيين وفي السنة الرابعة كان العدد حوالي 175 وأيضاً أقل من النصف بحرينيون أما بقية الطلبة فهم من المجنسين حديثاً، أليس هذا الوضع غريباً؟ هل هي محاولة لتغيير تركيبة المعلمين العددية؟ أم الفكرية؟ أم الطائفية؟ أم الوطنية؟
هناك 4 قضايا من قضايا السلامة الوطنية ارتبطت بالجامعة حيث وقعت في الجامعة أو محيطها وكان نصيب طلبة الكلية منها كبيراً جداً في استهداف واضح لهم.. لماذا؟
عندما كنا نطالب وزارة التربية والتعليم أثناء مناقشات اللجنة المشتركة بتوظيف المعلمين على الدرجة الرابعة التعليمية بدلاً من الثالثة التعليمية، كانت الوزارة ترفض ثم وافقت بعد جهودٍ مضنية ثم غيرت رأيها لتقول بأن ذلك سيتم فقط لطلبة كلية المعلمين وكنا غير موافقين ومصرين على أن انطباق المعايير على متقدم للوظيفة هو المحك وليس جهة التخرج، الآن تتضح الصورة وتتبين خيوط المؤامرة، إنهم يهيئون الوضع لخدمة فئة معينة من الناس تساهم معهم في تنفيذ مخططاتهم لتدمير التعليم.
10- جمعية المعلمين وقضايا المعلمين
جمعية المعلمين هي جسم نقابي أشهرت في 2000 وتهدف باختصار شديد إلى تحسين أوضاع المعلمين المعيشية والوظيفية وتطويرهم المهني والارتقاء بالتعليم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والمطالبة بحقوق المعلمين والدفاع عن مصالحهم، وهذا ما سعت الجمعية لتحقيقه بكل السبل القانونية المتاحة متعاونة في ذلك مع كل الجهات التشريعية والتنفيذية وقوى المجتمع ذات العلاقة، وأعتقد جازماً بأن القضايا التي نسبت للجمعية ومجلس إدارتها ليست وليدة الدور الذي قامت به الجمعية إبان ثورة 14 فبراير 2011 ولكنه مرتبط أيضا بتاريخ عمل الجمعية والدور الذي كانت تقوم به تحقيقاً لأهدافها المذكورة أعلاه. و تنقسم القضايا المنسوبة للجمعية في فترة (الندامة الوطنية) إلى قضيتين فقط الأولى اتهم فيها كل من رئيس الجمعية ونائبته بمجموعة من التهم كان المراد منها معاقبتهما بالحد الأقصى الممكن حيث اعتبرت تهمها جنائية
الثانية اتهم فيها بقية أعضاء مجلس الإدارة ونسبت لهم مجموعة من الجنح التي تمت تبرأتهم منها لاحقاً في محكمة الجنح العادية.
في المحكمة العسكرية حكم على الرئيس بالسجن عشر سنوات ونائبته بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع النفاذ وقد أطلق سراح النائبة قبل النطق بالحكم بعد أن قضت حوالي خمسة أشهر وبعد أن عانت ما عانت خلال فترة توقيفها والتحقيق معها، وتم اعتقالها مرة أخرى بعد الحكم بحجة التنفيذ وأودعت السجن لمدة اسبوعين، فيما باءت المطالب بإطلاق سراح الرئيس كلها بالفشل، وبعد فترة الندامة الوطنية وفي محكمة الاستئناف العليا حكم على الرئيس بالسجن لمدة خمس سنوات ونائبته بالحبس لمدة ستة أشهر، فتبقى لها اسبوعان قضتهما في السجن قبل أن يتم الإفراج عنها. والأسئلة التي تطرح نفسها:
لماذا أستهدف مجلس إدارة جمعية المعلمين بهذه الكيفية؟
ولماذا كانت لمجلس الإدارة قضيتان وليست قضية واحدة والحال أن المجلس كان يعمل كوحدة واحدة وكانت قراراته تتخذ وفق آليات عمل الجمعية؟
لماذا لم يطلق سراح رئيس الجمعية قبل إصدار حكم المحكمة العسكرية على أن يتم التنفيذ بعد صدور حكم الاستئناف أسوة بزميلته، أو يؤجل التنفيذ فيهما إلى حين صدور حكم التمييز أسو بالأطباء على سبيل المثال؟
لماذا يُحكم الرئيس بالسجن خمس سنوات وتُحكم نائبته بالسجن لستة أشهر في حين أن التهم الموجهة إليهما واحدة وكلاهما لا يستحقان السجن؟
لن أتوسع كثيراً في الإجابة عن هذه الأسئلة ولكن الواضح جداً وجود استهداف منذ البداية لرئيس الجمعية بالدرجة الأولى ولنائبة الرئيس بالدرجة الثانية ولذلك تم عزل قضيتهما عن بقية مجلس الإدارة وتم تشكيل قضية منفصلة لهما حيث وجهت للاثنين 12 تهمة، ورغم ما أثبته فريق الدفاع لمحكمة الاستئناف من بطلان ما نسب للمتهمين من تهم وبطلان إجراءات القبض والتحقيق وتعرضهما للتعذيب “وهذا ما أثبته تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق” إلا أن المحكمة لكونها مسيسة وتتلقى أوامرها من جهات عليا، أصرت على تنفيذ نائبة الرئيس بقية المدة المحكومة بها قبل التمييز وأصرت على حبس الرئيس خمس سنوات وذلك للأسباب التالية :
معاقبته على مواقف الجمعية من أحداث ثورة 14 فبراير 2011 والدور الذي قامت به الجمعية في حماية المعلمين والطلبة والمدارس والتعليم، بل وحماية المجتمع من الفتنة الطائفية التي كان من الممكن –وكادت- أن تنطلق كالمارد من المدارس، وانتقاد سلوك السلطة العنيف تجاه الشعب،
إبعاده وعزله عن حركة الشارع تخوفاً من أي تأثير لا ترغب به السلطة على المعلمين والطلبة تحديداً،
الاحتفاظ به مع بقية المعتقلين رهينة وورقة مساومة للضغط على الشعب ومعارضته،
التلاعب في التعليم والمعلمين والطلبة دون حسيب أو رقيب خصوصاً مع حل الجمعية.
المستهدف في النهاية هو التعليم والهدف المرجو “التطهير الطائفي” . ومن المهم التذكير بأنه تم حل الجمعية منذ بداية فترة (الندامة الوطنية) وهي الجمعية الوحيدة التي تم حلها في تلك الفترة وفي يوم اعتقال الرئيس، وفي المقابل سمحت وزارة التنمية الاجتماعية وبضوء أخضر وتشجيع لافت من وزارة التربية والتعليم بإشهار جمعية بديلة قائمة على الطائفية وتترأسها معلمة عُرفت دوماً وخصوصاً أثناء الثورة وفي فترة الندامة الوطنية بنهجها الطائفي وعدائها الشديد لجمعية المعلمين البحرينية وقد حاولت أن تحل محل جمعية المعلمين في المؤسسات الاقليمية والدولية ولكنها منيت بفشلٍ ذريع.
لقد حاولت وزارة التربية والتعليم دوماً خلق البدلاء والمنافسين للجمعية وفشلت في كل مرة رغم ما تبذله (وستبقى تتجرع الفشل حتى وإن غيبتنا السجون) . فلماذا حُلت الجمعية؟ ولماذا إيجاد البديل سريعاً ومحاولة شغل مقعد الجمعية في المنظمات الاقليمية والدولية؟ ولماذا حاولت وزارة التربية والتعليم دوماً خلق بدلاء للجمعية، لماذا حاولت الوزارة والحكومة ومجلس التنمية طوال الوقت تحجيم الجمعية وإبعادها عن القرارات التعليمية؟ بكل بساطة لأن جمعية المعلمين وقفت دوماً سداً منيعاً لحماية التعليم والمعلمين من التجيير والإقصاء والتدمير وإفراغ المحتوى وأصرت منذ تأسيسها على أن تكون كياناً فاعلاً لخدمة المعلمين والتعليم، وقفت من أجل العدالة والمساواة والاحتكام للكفاءة وليس للهوية.
لكل ما ذكرته في هذه الورقة المتواضعة التي أرجو أن تجد طريقها لكم خارج القضبان فإني أرجو من كل غيور على وطنه وكل من له صلة بالتعليم وكل من يهتم لحقوق الانسان أفراداً أو منظمات أن تساعدوا جميعاً لإيقاف نزف هذا الجرح الدامي قبل أن يصيب الوطن في مقتل.