الجمعة03292024

Last update09:51:58 AM

Back أنت هنا: Home تقارير وثيقة المنامة وامكانات التطبيق

تقارير

وثيقة المنامة وامكانات التطبيق

Attachments:
Download this file (document manama.pdf)Manama Document[وثيقة المنامة وامكانات التطبيق]736 Kb

 

 

في الرابع عشر من يوليو 2011 دشنت القوى السياسية في البحرين ما أطلقت علي اسم (وثيقة المنامة) في محاولة منهم وضع سقف للمطالب التي لا يمكن لشعب البحرين التراجع عنها خاصة بعد التضحيات الجسيمة التي قدمها ولا يزال من خلال ثورته التي فجرها في الرابع عشر من فبراير 2011. وتحتوي هذه الوثيقة على خمس بنود كلها تصب في مفهوم الانتقال الديمقراطي وهو ابتكار توخى واضعوه من خلاله تيسير مأمورية المصالحة بين فرقاء الصراع في بلد ما يزال فيه نظام الحكم يتشبث بمعايير وأساليب وأدوات عتيقة وغير عقلانية في تمثله للإنصاف وحقوق ومسؤوليات الأفراد والمجموعات مقابل إعلانه اللفظي على أنه اختار طي ملف الماضي المأساوي، الأوتوقراطي.  

يصر واضعوا الوثيقة على الزعم بما مفاده أن "الانتقال الديمقراطي" ليس هو المطلوب في حد ذاته، بقدر ما هو مجرد آلية "يتعين الاعتماد (عليها) في المسار الذي عرفته البحرين على درب بناء المؤسسات وتحديث الدولة دون إهمال ما يشكل جوهر أصالته وتجربته التاريخية التي ضمنت الاستمرارية على مدى العقود. 

ولا غرابة في أن معلني "الانتقال الديمقراطي" بهذا المعنى، ليس لديهم أية مطالب جوهرية إزاء النظام القائم ولا إزاء علاقاته وثقافته، ولكن إذا كان من غرابة فهي تتمثل في الرهان على أن آل خليفة من الممكن أن ينفذوا ما جاء في وثيقة المنامة، ذلك أن المشكلة في اعتقادي لا تكمن في مطلب الملكية الدستورية كمطلب، بل في الرهان على أن آل خليفة قد وصلوا إلى مستوى يؤهلهم أن يتجاوبوا مع هذه الوثيقة ولو بنسبة بسيطة.

إن وثيقة المنامة ترى أن ثمن التضحيات التي قدمها شعب البحرين هو الانتقال بالبحرين إلى الملكية الدستورية، التي هي عبارة عن انتقال ديمقراطي يتيح مبدأ تداول السلطة الذي يعني فيما يعنيه (الانتقال الديمقراطي) إلى (دولة القانون).

وعلى الرغم من أن وثيقة المنامة جاءت لتحدد السقف الأعلى بالنسبة لمطالب الجمعيات السياسية، إلا أنها لم ترق إلى مستوى القبول من جهة قادة الحراك الثوري الذي يرى أن ثمن التضحيات التي قدمها شعب البحرين ولا يزال ليس بأقل من رأس النظام. وفي حمأة هذا الانقسام الذي اتخذ مع مرور الوقت صبغة ميكانيكية صرفة، حددت وثيقة المنامة عدة مفاهيم أهمها:

أولا: أن هدف دولة القانون هو الانتقال من حكم مطلق أو حكم بدستور يضيق على الحقوق والحريات ويطلق يد الحاكم لتطال كل شيء إلى حكم تخضع فيه كافة السلطات لبنية قانونية ذاتية تمتد من الدستور إلى باقي مبادئ وقواعد القانون الطبيعي، وتتقيد بها.

ثانيا: أن وسائل تحقيق هذا الهدف تتمثل في:

1-  الفصل بين السلطات، و ذلك كما يقول مونتسكيو لإجبار الحكم على الاعتدال والتوازن ومنعه من الانحراف، و للوقاية من عدم إساءة استعمال السلطة، و لكي تحد السلطة من جبروت السلطة.

2 - ضمان استقلال القضاء والإقرار بالرقابة القضائية، أي الانتقال إلى تأسيس سلطة قضائية، في المجالات الجنائية والإدارية والتجارية والدستورية، تكفل الاستقلال الشخصي والوظيفي للقضاة وتمارس على الجميع بحيث لا يفلت أي واحد ، مهما يكن، أو أي عمل من أعمال أشخاص الدولة أو سلطاتها أو أجهزتها من رقابتها.

3 ـ الخضوع لسيد واحد وأوحد هو قانون الدولة الديمقراطية، أي الانتقال من إعلان الطاعة للحاكم، مهما كان أصله أو فصله، فردا كان أو مؤسسة أو أسرة، إلى خضوع كل من هذا الحاكم والمحكوم للقانون الموضوع بطريقة ديمقراطية وكذا للمؤسسة الديمقراطية، وذلك علما بأن الانتقال إلى دولة القانون وبها وبشكل متواز إلى الديمقراطية وعبرها لا يحتاج إلا إلى أشخاص عاديين ولا يخفون حقيقتهم خلف أي من الشرعيات الوهمية أو غير العقلانية، أشخاص يستمدون شرعيتهم أو تسند إليهم السلطة عن طريق الشعب دون سواه  ويخضعون، هم أنفسهم كما هو حال باقي أفراد الشعب، لسيد واحد، أعلى و مقدس هو قانون دولة القانون.

ثالثا: أن تأطير كل من تلك المحددات وتقعيدها يتم بناء على دستور عقدي (مكتوب أو غير ذلك).

رابعا: أن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي، بل المشكلة أم المشاكل هي حين يضفي دستور غير ديمقراطي، صاغه الأمير أو الملك أو الرئيس على مقاسه، كل ميزات نظريات الحق الإلهي والتيوقراطية والأوتوقراطية على  هؤلاء الأشخاص، وحين يختزل هذا الدستور دولة القانون والديمقراطية في التعددية الحزبية والنقابية لكن دون تعددية فكرية وسياسية واجتماعية تسمح بإبداء الرأي في هكذا نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي والتعليق عليه، وفي إجراء الاستفتاءات والانتخابات لكن في إطار من التضييق على الحريات وبما يضمن دائما تزكية شعبية لمشروع أو مقترح ما وإلا هل هناك من يمكنه التذكير باستحقاق خلص إلى عكس ذلك؟ وفي القول بالفصل بين السلطات لكن عن طريق جعل عملية رسم السياسة العامة للدولة والأولوية في التشريع والأمر بتنفيذ التشريعات الأساسية في يد نفس الأمير أو الملك أو الرئيس وجعل كل من الحكومة والبرلمان مجرد هيكلين صوريين، وبدل قضاء الحرية الذي يحمي الحقوق والحريات الإصرار على إبقاء السلطة القضائية والقضاة حماة في القضايا السياسية وقضايا الرأي للحكام ضد المحكومين. 

أكرر، إن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي، بل المشكلة، بالإضافة إلى ما سبق، هي حين يحرم النظام الأول الناس من التفكير في النظام الجمهوري والتصريح بتثمينهم له أو حين يحرم النظام الثاني الناس من التفكير في النظام الملكي وإعلان تنويههم عنه.

 

ألح في التكرار، إن المشكلة ليست في وجود نظام ملكي أو جمهوري أو جمهوري وراثي، بل هي بالإضافة إلى كل ما سبق في أن تتركز أخطر السلطات في يد الأمير أو الملك أو الرئيس ويمنع الناس من قول ما مفاده: لقد أخطأت يا مولانا الأمير، أو لقد جاوزت الحدود يا صاحب الجلالة، أو لقد بلغت أقصى درجات تشجيع الفساد يا صاحب الفخامة.

خامسا: أن الحرية في إبداء الرأي والتعبير والحق في الوصول بكامل الحرية إلى المعلومات والولوج إلى مصادرها يعلوان على أي دستور غير ديمقراطي وكذا على أي قانون تنظيمي آخر يسترشد بمثل هكذا دستور ولا يعلا عليهما. ففي دولة القانون لا يوفر الانتقال الديمقراطي أيا كان من الخضوع للنقد الموضوعي والموثق. إن كل شخص سواء انتدب نفسه، للقيام بمهام لها تأثير ما ويفرد لنفسه أو تفرد له امتيازات لأجل ذلك أو بناء على منطق الغالب أو غيره من الأعراف أو التقاليد أو انتدب بطريقة ديمقراطية للقيام بذات المهام أو بأخرى هو، بالنظر إلى أنه غير معصوم من الخطأ وإلا فلا مكان له بين الناس، من المفروض أن يخضع للمساءلة مثله في ذلك مثل كافة العالمين من غير الملائكة.

سادسا: أن ما يعتبر في الدول غير الديمقراطية خروجا عن القانون (أي خروجا عن الدستور وغيره) ما هو في الواقع في نظرية دولة القانون سوى حركة عصيان مشروعة ضد تشريعات تسلب من الناس حقهم في السيادة وفي الاختيار وفي المشاركة وفي عدم تقديس أي شيء لا يرغبون في تأليهه وذلك خاصة وأن الديمقراطية نفسها لا تحتاج لأن تكون مقدسة مادامت مجرد نمط لحكم سياسي يمارس على مواطنين أحرار. وقد يكون من أسباب لجوء بعض الحكام في الأنظمة غير الديمقراطية إلى اعتماد مساطر العفو لفائدة الخارجين عن طاعتهم إدراكهم بين الفينة والأخرى لوجود خطأ ما في سندهم القانوني، ولكنهم بدل أن يجتثوا الخطأ من جذوره أو أن يعملوا على إصلاحه يواصلون ممارسة سياسة شد شعرة معاوية إزاء تداعياته وإزاء ردود خصومهم.

إن وثيقة المنامة وكما يزعم واضعوها أو الموقعين عليها جاءت لتضع حدا لاستمرار الفساد المالي والاداري وتأصل الدولة الأمنية ومصادرة حقوق المواطن الطبيعية التي كفلتها كافة المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة. وأيضا للحاجة الملحة لعملية التغيير اللازمة لتطوير واقع البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم الانتقال إلى دولة القانون التي تتلخص في:

     في دولة القانون، لا يمكن تصور انتقال ديمقراطي بدون معارضة.

 في دولة القانون، لا يحتاج الانتقال الديمقراطي إلا إلى أن يكون ديمقراطيا ووجهته بالأساس هي الارتقاء بالديمقراطية.

في دولة القانون لا يحتاج الأمير أو الملك أو الرئيس إلى ثلة من الأفراد تعلن تحيزها بشكل سافر إلى جنابه، وتوكل لنفسها مهمة رصد وتصيد كل نقد كبير أو صغير يصدر عن المعارضة تجاهه ثم تحوله إلى ضجة إعلامية سرعان ما يدرك الجميع، بمن فيهم أفراد الثلة إياها وذلك بفعل التكرار، إن الغرض منها لا هو تقديم الدعم للانتقال الديمقراطي ولا للسلطان وإنما الغرض هو تجميع الدعم لزعماء نفس الثلة وتمكينهم من شرعية ما أمام السلطان. وعلى العكس من ذلك، إن ما يحتاجه الأمير أو الملك أو الرئيس، فعلا، هو الديمقراطية ومقتضياتها التي تكفل للمعارضة، أفرادا أو مجموعات، حرية إبداء الرأي والتعبير بكل موضوعية وشفافية وعفة وتجنب للقذف أو السب أو التشهير بما هو غير موثق ومؤكد.

في دولة القانون، بما فيها "الدولة" التي يوافق فيها الناس بمضض على أن يستمر في الحكم حاكم لم يصل إلى هذا المنصب بناء على تفويض من الشعب، لا يسع الحاكم إلا أن يصم أذنيه عن المتملقين له فهؤلاء لا نفع من وجودهم، و أن يتأمل مطالب مناوئيه فهؤلاء يعكسون بالضبط جملة اختلالات لم يطلها الاهتمام ومجموعة مصالح لم يشملها الاعتناء، وأن يلبي ما أمكن الحد الأدنى الضروري من هذه المطالب لضمان اعتراف متبادل وتعايش سلمي بين مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع في سبيل انتقال ديمقراطي يعيد تشكيل و ترتيب حاجات الجميع على اختلافها بناء على أولويات التنمية البشرية للوطن.

 في دولة القانون قد يحتاج الانتقال الديمقراطي إلى انتصاب وسطاء يسهلون حل النزاعات بين فرقاء الصراع السياسي في البلاد بطرق سلمية لا تهديد فيها ولا وعيد. ولكن أجندة مثل هؤلاء الوسطاء لن تتكلل بالنجاح ما لم يتم الإقرار فيها بإيجابية النزاعات في إظهار كل طرف حاجاته لدى الطرف الآخر، وما لم يتم التشبث في هذه الأجندة بمبدأ أن يتقدم كل طرف تجاه الطرف الآخر بنسبة 50%   من مسافة الخصومة أو سوء التفاهم بينهما.

ولأن الملاحظات أعلاه تقع في صلب محدد آخر من محددات دولة القانون والانتقال الديمقراطي هو مفهوم تداول السلطة، يكون من الأجدر كذلك لفت الانتباه إلى:

  في دولة القانون، لا يعني "التناوب" تداولا بين أحزاب لتنفيذ سلطة هي بيد الحاكم وحده.

 في دولة القانون، يعني "التناوب" أو التداول "تناوبا أو تداولا على السلطة هي نفسها.

 في دولة القانون يقصد بـ "تداول السلطة" انتقال السلطة، أي رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة أو هما معا من شخصٍ لأخر، و انتقالها من جماعة سياسية، أي من حزب أو تشكيلة حزبية لأخرى وفقاً للطرق المحددة في الدستور الديمقراطي. وهو أحد أهم المبادئ الديمقراطية التي لا يمكن وفقه، لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة إلى ما لا نهاية، ويجب أن يعوض بتيار سياسي آخر". ويقصد به كذلك ذاك المبدأ الذي يدخل "تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام إلى السلطة وقوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل إلى المعارضة". إن الأمر يتعلق، في النهاية، "بالجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لإدارة الدخول والخروج إلى السلطة والى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة" وليس آلية لامتحان مدى كفاءة هذه التشكيلة الحزبية أو تلك في تدبير السياسة العامة للبلاد التي يرسمها الأمير أو الملك أو الرئيس.

 في دولة القانون، قد يكون تداول السلطة مطلقا كما هو الحال في المملكة المتحدة، وقد يكون نسبيا كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون بتدخل آخر كما كان الحال في ألمانيا، ولكن في كل من هذه الحالات ومثيلاتها يسعى المتداولون إلى تطبيق مشاريعهم هم ويتحملون مسؤولياتهم هم بصدد مآلها بحيث يساءلون حولها من قبل قواعدهم الحزبية ومن قبل المصوتين لفائدتهم كما من قبل معارضيهم، وكل ذلك في إطار احترام الدستور الديمقراطي للبلاد.

ربما يكون هذا التفسير لوثيقة المنامة هو اجتهاد شخصي من الكاتب الذي يجزم مع غيره كثيرين أن لا مشكلة في المطلب، بل المشكلة في الرهان والتعويل على أن آل خليفة ومن يدعمهم اقليميا ودوليا جاهزون الآن للاستجابة لهكذا مطلب.

 وبعبارة أخرى، لن تتحقق مثل هذه الدولة ما دامت العائلة التي تسيطر على القرار السياسي والاقتصادي وتهيمن على الثروة متشبثة بعقليتها القبلية القديمة وتعشعش في داخلها عقدة الفتح، فهي لحد الآن غير مستعدة للتنازل عن رؤيتها التي ترى بأن هذه العائلة قد فتحت البحرين وعلى شعبها الخضوع لها.

وأيضا لن تتحقق الدولة إياها مادام الغنى الفاحش يزداد، بغير حق، تراكما لدى المحظوظين والفقر يزداد انتشارا، بدون حق كذلك، بين الأغلبية الساحقة للسكان.